أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 4th May,2001 العدد:10445الطبعةالاولـي الجمعة 10 ,صفر 1422

أفاق اسلامية

محذراً من السحرة والكهنة والعرافين.. الشيخ عبدالرحمن السديس ل :
أعداء الإسلام صرفوا الناس عن جوهر الدين وصفاء العقيدة
* الجزيرة- خاص:
استنكر فضيلة الشيخ/ عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس إمام الحرم المكي الشريف وعضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى بمكة المكرمة اعتقاد البعض قدرة تصرف الأرواح والأضرحة والجان والمشاهد والنجوم والطوالع والسحرة والعرافين والكهنة والمنجمين والدجالين والمشعوذين، أو حتى الأولياء والصالحين، في شيء من أمور الخليقة، وأنهم يستطيعون جلب شيء من السعد والنحس، أو يملكون شيئاً من الضر والنفع، والله عز وجل يقول:) وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ( وتعجب فضيلته متسائلاً أما نفكر ياعباد الله؟ أين عقولنا ماذا ران على القلوب؟ ماذا أصاب العقول؟ ماهذا الجنون والذهول؟ وأي نفع يرجى من خرز تجمع، أو حلق توضع في الأيدي والأرجل؟ وماذا تغني الحروز والحجب؟ وماذا تنفع التمائم والتعاويذ والحروف والطلاسم؟ وبين فضيلته أن كل ذلك جهل وظلال، وشر وفساد، وانحراف في القلوب والفطر، وإهدار لكرامة العقل والتفكير واستخفاف بالعقل.
واستدل الشيخ السديس بحديث الإمام أحمد وغيره عن عقبة بن عامر مرفوعاً :)من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له(، وفي رواية) من تعلق تميمة فقد أشرك(، وعن عمران بن حصين أن النبي- صلى الله عليه وسلم- :) رأى حلقة في يد رجل من صفر، فقال: ما هذه؟ قال: من الواهنة- وهو مرض معروف عندهم- فقال: انزعها، فإنها لا تزيدك إلا وهناً، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً( . رواه أحمد بسند لا بأس به.
وأضاف فضيلة إمام الحرم المكي الشريف أن من ذلك تصديق أدعياء علم الغيب، والأخذ من الكهنة والعرافين والرمالين والمنجمين والمشعوذين والدجالين، الذين يزعمون الإخبار عن الغيبيات زوراً وبهتاناً وكذباً، فهذا كله ضلال وباطل، وداء خطير، وشر مستطير، فعلم الغيب مما استأثر الله به وحده سبحانه) قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله(.
لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى
ولا زاجرت الطير ما الله صانعه
ومضى فضيلته في هذا السياق مورداً الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم عن حفصة- رضي الله عنها- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:) من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد( . أخرجه الحاكم وأهل السنن مرفوعاً وأبو يعلى موقوفاً.
وحذر فضيلته من تعاطي السحر والتعامل به مبيناً أنه جمع بين الكفر والإضرار بالناس، لما قد يتوهمه الجهلة والدهماء ومرضى القلوب وضعاف الإيمان والعقول من قدرة الساحر على مايريد، يقول الله عز وجل:) ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر( إلى قوله:)فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق ولبئس ماشروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون(.
وفي معرض حديثه عن السحر بين الشيخ/ عبدالرحمن السديس أنه إحدى الموبقات، ومن أعظم المهلكات، حذر الله عز وجل منه، وحذر المصطفى- صلى الله عليه وسلم- أمته من الوقوع فيه، كما في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- في الصحيحين:) اجتنبوا السبع الموبقات( وذكر منها السحر. وقال: الساحر دعي كذاب، ولو طار في الهواء، ومشى على الماء، ولبّس الجهلة والدهماء، وزعم تحضير الأرواح والتنويم بالمغناطيس، ولبس على العيون بحمل الأشياء الثقيلة وما إلى ذلك.
واستنكر فضيلته أن تنتشر هذه الخزعبلات في كثير من بلاد الإسلام، ويتعاطاها بعض أبناء الإسلام الذين ضعف يقينهم وإيمانهم مؤكداً أنه لمن العار على أهل العقيدة أن تنتشر هذه اللوثات المحرمة بين ظهرانيهم، ويقل فيها النكير، وكأن الأمر يسير غير عسير، وهو خدش في العقيدة، وشرخ في صميم الإيمان.
وتساءل الشيخ السديس أيليق بأهل الإسلام أن يخلدوا للخيالات والأوهام؟ أو يتساهلوا بهذه الأمور العظام؟ ويقبلوا دخول النقص في عقيدتهم التي هي أغلى مقومات عزهم ونصرهم وسعادتهم؟ مشيراً إلى أن الأعداء حاولوا أن يصرفوا كثيراً من الناس عن جوهر الدين وعن صفاء العقيدة، وأن يشغلوهم بهذه التوافه حتى يتمكنوا من تفريق كلمتهم وإبعادهم عن نقاء دينهم، لتسهل السيطرة عليهم.
وأكد فضيلة الشيخ الدكتور/ عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس إمام وخطيب المسجد الحرام أن صفاء العقيدة ونقاء التوحيد، وسلامة الملة وإبطال التنديد، فريضة الله سبحانه على جميع العبيد، بها أنزل كتبه وبها أرسله:) وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله أنا فاعبدون(. «الأنبياء / 25».
وتساءل فضيلته من إليه المفزع في الشدائد والملمات إلا الله؟ ومن إليه الملجأ عند حلول الآفات والكربات إلا الله ؟ ومن إليه الفرار في السراء والضراءوالشدة والرخاء إلا الله سبحانه )ففروا إلى الله إني لكم نذير مبين، ولا تجعلوا مع الله إلهاً آخر إني لكم منه نذير مبين( «الذاريات/51،52».
وقال الشيخ/ عبدالرحمن السديس : هو سبحانه دافع الضر ومالك النفع، المتفرد بالملك والقهر والعطاء والمنع، له الأمر كله وله الخلق كله، وإليه يرجع الأمر كله، بيده وحده ملكوت كل شيء قضاؤه نافذ وقدره كائن، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، ولا راد لما قضى، ولا واصل لمن قطع، وهو سبحانه المؤمل وحده لكشف كل بلاء، ودفع كل بأس، فلا الملائكة ولا الأنبياء، ولا الصالحون ولا الأولياء، فضلاً عن غيرهم من الأدعياء، يملكون لأحدهم ضراً ولا نفعاً:) ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشور(، )قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون( «الزمر/ 38» )ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم( «فاطر/2».
وأضاف فضيلته قائلاً: إذا كان صفوة خلق الله وأفضل عباد الله عليه صلوات الله، يخاطبه بقوله:) قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لا ستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون( « الأعراف/ 188»، ويحذره سبحانه بقوله:) ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم ( «يونس / 106،107»، إذا كان ذلك في حقه- عليه الصلاة والسلام، فغيره أولى وأحرى أن يحذر من ذلك، مراعياً توحيد ربه، مسلماً أمره إليه، معتقداً أن ما سواه من المعبودات باطل )ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل( «لقمان / 30».
واستشهد إمام الحرم المكي الشريف ببيتين لابن القيم - رحمه الله- في مناجاة ربه:


يامن ألوذبه فيما أؤمله
ومن أعوذ به مما أحاذره
لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره
ولا يهيضون عظماً أنت جابره

وشدد فضيلته على أن ذلك هو ما يحب أن يلتزمه المسلمون، ويسيروا عليه دون التفات إلى غيره، تأسياً برسل الله- عليهم الصلاة والسلام، هذا الخليل - عليه السلام- يعلن التوحيد لله في محاورته قومه:)قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين الذي خلقني فهو يهدين، والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين، والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين( «الشعراء7282».
وأورد فضيلته الحديث الذي رواه الإمام أحمد- رحمه الله - أن عطاءً الخرساني قال: لقيت وهب بن منبه وهو يطوف بالبيت، فقلت: حدثني حديثاً أحفظه عنك في مقامي هذا، وأوجز، قال: نعم، أوحى الله تبارك وتعالى إلى داود عليه السلام:) يا داود، أما عزتي وعظمتي لا يعتصم بي عبد من عبادي دون خلقي أعرف ذلك من نيته فتكيده السماوات السبع ومن فيهن والأرضون السبع ومن فيهن، إلا جعلت له من بينهن فرجاً ومخرجاً، وعزتي وعظمتي لا يعتصم عبد من عبادي بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته، إلا قطعت أسباب السماء من يده وأسخت الأرض من تحت قدميه، ثم لا أبالي بأي واد هلك(.
وبين الشيخ/ عبدالرحمن السديس أن الإسلام بهذا المنهج السوي وعلى الإيمان القوي ربى أتباعه على التعلق به وحده أمر الفرد والجماعة، وسما بعقولهم وحفظ فطرهم، وصان قلوبهم وأفكارهم أن تتعلق بغيره، فابتعد بالأمة عن الظنون والخيالات، والأوهام والخرافات، التي تعبث بالعقول وتفسد القلوب، وقطع الطريق وسد الذرائع أمام كل دعي دجال، ومفتر كذاب، يزعم أن أحداً من دون الله يستطيع أن يتصرف في هذا الكون، أو يتحكم في هذا الوجود، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
وأوصى إمام الحرم المكي الشريف المسلمين قائلاً علقوا آمالكم بالله، ربوا أولادكم على العقيدة، نشئوا أسركم على الإيمان، حصنوها بالذكر والقرآن مؤكداً أن المرحلة الخطرة التي تمربها الأمة تستوجب الجد في تصحيح المسار على نهج النبي المختار عليه صلوات الله وسلامه، أما الاستمرار في حياة التسمي والادعاء، دون صدق في العقيدة والانتماء، فهذا لا يزيد الأمور إلا تعقيداً، والباطل إلا رواجاً وتوطيداً، ولكن الله حافظ دينه ومعل كلمته وناصر أولياءه ولو كره المشركون، ومهما عمل الأفاكون والمنحرفون.
وأشار فضيلته إلى مواطن الداء مبيناً إنه لو كانت القلوب قوية الإيمان، متربية على القرآن، وبعيدة عن الملاهي والمعاصي والشهوات، ما كانت هذه الأمور رائجة في بعض المجتمعات، ولما وجد الأدعياء لهم سوقاً رائجة وبضاعة نافقة، وأرضاً خصبة يعشِّشون فيها ويفرخون وإذا كان الابتلاء سنة، والبشر عرضة للأمراض والأسقام، فإن التدواي المشروع أمر مطلوب ولا ينافي التوكل على الله، سواء أكان التداوي بالرقى المشروعة عند أهل الإيمان والتقوى والصلاح، ذوي الاعتقاد الصحيح والمنهج السليم، أم بغير ذلك من ألوان الطب الحديث الذي لا يتنافى مع الشرع الحنيف، وقد أخبر الله عن القرآن بأنه هدى وشفاء من كل مرض وداء فقال عز من قائل:) ومن أصدق من الله قيلا(.. لكن لابد من التأكد من أهلية المداوي ديناً واستقامة وصدقاً وأمانة.
وأورد فضيلته وصفة طبية نبوية قال: إنها هي خير لكم وأمان، عن عبدالله بن خبيب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «اقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء»، وعن عثمان بن عفان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- :« مامن عبدٍ يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات، إلا لم يضره شيء».
واختتم فضيلة الشيخ/ عبدالرحمن السديس إمام الحرم المكي الشريف بتوجيه النصح للمسلمين بأن يحصنوا أنفسهم وأولادهم بالرقى المشروعة والأوراد المأثورة، فهي حصن حصين وحرز أمين بإذن الحي القيوم، وأن يركزوا على أوراد الصباح والمساء، وأدعية الدخول والخروج والنوم، وكذلك الإكثار من قراءة فاتحة الكتاب، وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة وسورة الإخلاص والمعوذتين، فإنها تكفي صاحبها بإذن الله من كل بلاء وداء.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved