أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 6th May,2001 العدد:10447الطبعةالاولـي الأحد 12 ,صفر 1422

الثقافية

سيكولوجية الخطوط كيف تقرأ صورة
قراءة وتعليق حنان بنت عبد العزيز
اسم الكتاب: سيكولوجية الخطوط كيف تقرأ صورة
تأليف الفنان: حسن سليمان
إشراف الدكتور شكري محمد عيَّاد
الطبعة: دار الكاتب العربي للطباعة والنشر بالقاهرة، 16 مايو سنة 1967م بدأ المؤلف كتابه باهداء رشيق أنيق صفيق إلى صديق يذكره دائماً ولا يراه إلا لماماً، من رجل فقد بصره ولكنه لم يقف عاجزاً من ان يشعل وميض الحياة في كل كيانه، ذلك هو الدكتور عبدالحميد يونس الذي رافق مؤلف الكتاب في كل كلمة كتبها، وفي كل عبارة ساقها، ويلي هذا الاهداء مقدمة الكتاب الذي جاء فيها ان نقد الصورة وفهمها ارتبط منذ القديم بالمدلول الأدبي والفلسفي خلال القرون الزمنية الماضية، وساعد على ترسيخ هذا الارتباط بين الصورة والمدلول الأدبي، وجود فكرة ثابتة في عقول الناس وهي ان الصورة لابد ان تروي قصة او تقول خبراً، وقد كانت هذه إحدى وظائف الصورة خلال القرون الطويلة الماضية، إلا انها لم تكن هي الوظيفة الوحيدة، وظهرت عوامل ساعدت على وضع قواعد للغة الشكل ومهدت لها، حتى انه امكن للفنان والمستمتع المتذوق لهذه الصورة من الأخذ بها وتناولها، دون اعتبارها قضايا مؤكدة مسلم بها، وفي هذه العوامل التي ذكرها المؤلف الفاضل ما يلي: الأول: كتاب انجلس وماركس ومناقشتهما الأشياء على أساس المفهوم العلمي ثم ربطه بالواقع، الثاني: كتابات رسكن التي بناها على أساس المغالطة الشعورية بمعنى اننا حين نتمثل الأشياء نرى انفسنا متمثلة في الطبيعة، ثم جاء بعد هؤلاء فنانون حاولوا تفسير لغة الشكل إلا انهم بالغوا في المثالية فخيم الغموض على منطقهم، وحول عنوان الفن والإنسان والطبيعة أشار المؤلف ان لغة هذا الفن ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بقوانين الطبيعة ايقاعاً واتزاناً، وهذه اللغة لا يمكن ان تفيد افادة تامة على صنع صورة ولكنها يمكن ان تساعد على فهم عميق للعمل الفني، وحاول المؤلف في بداية حديثه عن هذه اللغة ان يناقش ابسط شيء في الطبيعة وهو النقطة او البقع الصغيرة، والفنان حينما يضع نقطة او بقعة صغيرة فإن هذه النقطة ستحمل معنى رمزياً او ستعكس لنا رؤية بصرية، وعلى هذا فإن سيكولوجية النقطة حصرها المؤلف في عدة نقاط وهي:
1 من الممكن ان تكون النقطة ثقباً.
2 من الممكن ان تكون النقطة حجماً.
3 من الممكن ان تكون النقطة مساحة.
4 من الممكن ان تكون النقطة طفولة شيء.
5 من الممكن ان تكون النقطة أفول شيء.
6 من الممكن ان تكون النقطة قوى مفصولة نتيجة لقوى مركزية طاردة.
7 من الممكن ان تكون النقطة مركزاً لتجميع قوى أي تجميع اتجاهات خطوط، في هذه الحالة تكون النقطة وظيفتها سلبية، وما حولها من قوى واتجاهات تقوم بالدور الايجابي.
8 من الممكن ان تكون النقطة نقطة اشعاع، وتكون النقطة هنا ايجابية، بينما الفراغ الذي حولها يكون بمثابة القوى السلبية.
ومن الممكن ايضاً ان تكون هذه النقطة دائرة أو مربعاً او مستطيلاً، فالمربع وليد الدائرة ولكنه ينتمي إلى عائلة الخطوط المستقيمة، وإذا وضعنا مربعين أو لاثة أو أربعة بجانب بعضها البعض اتضح لنا ان الشكل صار مستطيلاً، وإذا حاولنا توليد علاقات شكلية داخل هذا المربع فسيكون الشكل اجمل وأغنى، وأبعد عن الرتابة، والدائرة مثل المربع شكل أساسي له خواصه المتكاملة، ومظهرها الجمالي يرتبط بالمحيط الذي حولها، وتعتبر الدائرة من الأشكال الهندسية الفقيرة، التي إذا احتاجها الفنان حاول ان يكسر من حدة فقرها بأن يجعل جزءاً منها يختبئ حول إطار شكل آخر، وعلى كل فالشكل الدائري هو أصل الأشكال العضوية كلها، فالأزهار والقواقع والثمار والحبوب تذكرنا بأصل الكائنات الحية، من ذلك الخلية والجنين والجنس، وترتاح أنفسنا لإطارها الخارجي الذي تدور العين حوله دون نهاية، والمستطيل إذا نظرنا فيه نجد ان كل اوراق الرسم والصور مستطيلة وهو يعطينا حرية مطلقة في استخدام المساحة طولاً أو عرضاً، والمائدة المستطيلة تمتاز أكثر عن المائدة المربعة في تنسيق الغرفة، وحينما ننظر في أشكال الكتب نجد معظمها مستطيلة، وذلك لأن الكتاب المستطيل إذا كان كبيراً فمن السهولة الامساك به حتى ولو كان مفتوحاً، لذا يعتبر المستطيل أقرب الأشكال تحقيقاً للنسبة الذهبية، وحول موضوع القطاع الذهبي اشار المؤلف إلى ان الفنان حينما يهم برسم صورة فهو ينظر إلى المساحة المتاحة، ويحاول تقسيمها إلى نسب أولية، وطول تاريخ فن الرسم كان الرسامون يتجنبون وضع الخط الأفقي في منتصف المساحة، وذلك لأن مكانه في الصورة يحدد أشياء كثيرة أبسطها انه يقسم الصورة إلى قسمين كالأرض والسماء، وإذا بدأنا مناقشة الخطوط الطولية الأفقية التي تقسم أي مساحة فلابد من التعرض لمناقشة النسبة الذهبية او القطاع الذهبي ولاسيما ان معظم الأعمال الفنية الخالدة سواء أكانت في التصوير أو العمارة تخضع لهذه النسبة، ويجب ألا يقتصر تأمل الباحث أو الطالب على الأعمال الفنية الخالدة بل يجب عليه ان يتأمل الأشياء البسيطة ويناقشها مثل علاقة الطول بالعرض في معظم الكتب والأبواب، وملاحظة توزيع الكتابة داخل دفتي الكتاب، وهذه الملاحظات لهذه النسب لن تعطينا قوانين كبيرة، لكنها ستعطي الدقة وقوة الملاحظة، وسنعرف من خلالها العلاقة الناتجة من تعامد الخطوط الرأسية على الأفقية.
ثم شرع المؤلف في الحديث عن الخطوط الأفقية والخطوط الرأسية وتعامدهما، وذكر ان الخط الرأسي يعطي الاحساس بالقوى الصاعدة ويجعلنا نشعر بالحياة وبالنمو الذي نلمسه في النبات ونشعر بالشموخ، اكثر من الافقي الذي يرتبط دائماً بالسكون والراحة والموت والنوم، وأشار إلى مشكلة العمارة حين قال: «ومشكلة العمارة هي مشكلة الخطوط الرأسية وحين نخط خطاً رأسياً على الورقة فهو بالضبط بمزيد لما اراد المعماري طوال مراحل التاريخ ان يحققه وهو رغبته في ان يرتفع ببناء إلى أعلى متحدياً ثقل المواد المستخدمة وجاذبية الأرض، وجمال البناء يتوقف على ما تعطيه لنا البناية من احساس بقوة الرسوخ، إن البناء يتكون من شبكة متكاملة من الخرائط الأفقية والرأسية التي تتعامد وتتصارع مع بعضها البعض».
ومما يشير إلى جمال الرسم ما ذكره المؤلف بقوله: «أهم ما يعطي للرسم موسيقى وغنى تنوع واختلاف الخطوط وعلاقتها ببعضها، الخطوط الغليظة بالخطوط الرفيعة، والخطوط الهشة بالنسبة للخطوط الصلبة والقاتمة وعلاقتها بالباهتة والقصيرة وعلاقتها بالطويلة».
وحينما ننظر إلى شكل معين يجب علينا ألا نتتبع خطوطه الرفيعة والسميكة، والغامقة القاتمة والباهتة الفاتحة إلا على اعتبار انه قيمة تشكيلية تعمل على خلق ايقاع بناء منسجم، فما النقط والدوائر والمربعات والمستطيلات إلا عامل مساعد لفهم القيم الفنية لهذه الرسومات، وليست الخطوط والألوان كل شيء، بل لابد من ان نضفي عليها احساساتنا وابداعاتنا وحسنا الجمالي والفني والذوقي وكما يقول المؤلف: «والتصميم الكامل للوحة لا يعتمد على المعرفة فقط ولكنه يعتمد على هذه الحساسية التي هي نتيجة لطول مران وباع الفنان في حقل عمله ودراسته للطبيعة وتأملها، وغالباً ما يخطط الفنان رسومه بالسليقة، وارتباط الفنان القديم بالطبيعة أعطى لأعماله قيماً كلاسيكية خالدة»، وفي الكتاب إشارة إلى أبعاد الصورة، فالخط الأفقي هو البعد الأول للصورة، والخط الرأسي الذي يتعامد معه هو البعد الثاني للصورة، أما الخطوط التي تميل داخل الصورة لتعبر عن تلاشي الحجوم، فقد اتفق الباحثون على تسميتها بالبعد الثالث، ووظيفة هذا البعد الثالث تحديد ثلاثة أمور: المسافة، الحجم، الزمن، وسيكولوجية هذا البعد تظهر في عدة أمور:
التدرج من الارتفاع إلى الانخفاض أو من القوي إلى الضعيف.
التدرج من العنيف إلى الهادىء.
التدرج من الصلب إلى الهش.
إذاً البعد الثالث يفيدنا في عملية الخداع البصري، وفي واقع الزمن والمسافة والخطوط أمر مهم في الأعمال الفنية وتظهر سيكولوجية الخط في عدة أمور منها:
ان الخط لا يعبر مطلقاً عن فراغ.
الخط يعبر عن النهايات.
الخط يأتي كقاعدة، والخط يأتي كبداية.
الخط كحد يفصل بين المتناقضات مثل الموت والميلاد، والليل والنهار.
الخط يعبر عن حافة.
الخط مرشد للبصر.
الخط كنسبة هندسية.
الخط كتعريف أبسط للأشياء.
الخط يحصر فراغاً أي يكون إطاراً لفراغ.
الخط نتيجة لضغط واندفاع.
وفلسفة الخطوط اعتمد عليها الإنسان في كثير من الإنشاءات المعمارية، ويملك شكل هذه الإنشاءات مضموناً خطياً مثل «اريل التلفزيون» و«اريل الراديوهات»، والخط المنحني له فلسفة معينة وعلى الطالب او الباحث مراعاة النظر إليه والتدقيق فيه في الأشياء التي تحيط بالإنسان، وفي الطريقة الفضلى له ان يمسك بقلم محاولاً إحداث او رسم عدد من الخطوط، وليلاحظ الفروق بينهما، او يلقي بسلسلة او حبل على سطح ابيض، ليرى الانحناءات المتعددة الناشئة عن الالقاء العفوي.
وحول موضوع الاشكال المنحنية كان هناك تمييز لها فالمنحنى له أمثلة في حياتنا العامة، فما كثبان الرمال والقواقع والعظام الا خير مثال على هذه المنحنيات، وتكون الانحناءات واضحة في العقود المعمارية خاصة في الجوامع، يشير المؤلف إلى ناحية أهمية الخط، وقيمته الجمالية سواء أكان منحنياً أم مستقيماً فيقول: «إن الخطوط المستقيمة الحادة، تحمل القوة والبداوة والجفاف والبدائية إلا انها ان زادت فتدل على الركاكة كذلك الخط المنحني يحمل معنى الحلاوة والأنوثة ولكن المنحنيات المبالغ في مرونتها كثيراً ما تحمل الركاكة، وتطور الخط العربي تبعاً للعصور والمجتمعات خير دليل على ذلك.. وعلى كل فجمال التصميم يأتي تبعاً لعلاقة الخط المستقيم بالخط المنحني ومدى ارتباطهما ببعضهما، انهما يرتبطان ببعضهما ارتباط القوة بالرشاقة، وكما يحمل الخط المستقيم القوة، وكما يحمل المنحنى الرشاقة فهو يحمل الليونة كذلك».
هذا وقد تطرق المؤلف إلى موضوع مهم وهو موضوع النغم الخطي واعتبره دليلاً على قوة الفنان وتمكنه من صناعته، فكلما كان الخط يملك حيوية وحياة، كلما دل على ذلك قوة الفنان وتأصله وموهبته، أما إذا شعرنا بالفتور والرتابة فهو عائد إلى لغة النغم الخطي الرتيبة، والحقيقة ان المتذوق للخط والمتمعن فيه يستطيع استقاء شخصية الفنان من خطه، بطريقة سريعة وغير ملحوظة حيث ينظر إلى الانحناءات والاستقامات في طريقة رسم العمل الفني، او التعرجات في الخطوط، والايقاع له دور كبير لا حصر له في نشاطات الإنسان كالغناء الجماعي او كالرياضة او الجنود الذين يسيرون أو حتى المرأة وهي تعجن.
فالايقاع له دور في تحفيز المزاج الإنساني، ومن طريف ما ذكره المؤلف حول الايقاع، ما يلي: «ويرتبط الايقاع في الحياة بعضه ببعض، ويحكي ان صوت المحرك في باخرة اقترح على الشاعر بروننج الايقاع النغمي لقصيدته «كيف اتوا بالأخبار الطيبة» والهدف المرجو من هذا الايقاع، والفائدة منه هي العمل على استمرار الوحدة والتوافق في البناء المرجو من هذا الايقاع، والفائدة منه هي العمل على استمرار الوحدة والتوافق في البناء الفني، أي الربط بين أجزائه المختلفة محققاً التجانس والانسجام الكامل.
وألمح المؤلف إلى ان كثيرا من الناس يخطئ في فهم عنصر الانسجام فيقول: «ويخطئ كثير من الناس فهم عنصر الانسجام في اللوحة، إذ يستعملون اللفظ مثلاً للدلالة على توافق لوني، او توافق خطي، وقد نجد لوحة تملك التوافق اللوني والخطي، ولكنها غير متكاملة، هذا لأنه ينقصها قانون يربط بين عناصرها وأجزائها ولابد ان يكون هذا القانون واصلاً بها إلى الاتزان المتكامل، ومن هنا نخلص انه لابد لأى عمل فني من وجود قانون ينظم الصراع بين المتناقضات الموجودة فيه، وعلى حد قول المؤلف: «وفي الرسم يكون الصراع ناتجاً عن تباين المساحات السوداء والبيضاء والخطوط الأفقية والرأسية، والخطوط السميكة والخطوط الرفيعة والخفيفة القاتمة والحادة والمنحنية ودون وجود لمثل هذا القانون فلن نطرب لنغم او ننسجم لمجموعة خطوط، كما انه وضع حدود وأبعاد صارمة ومحددة لمثل هذه القوانين في الوقت ذاته عبث وخطأ» ويختم المؤلف كتابه بمبحث قصير عنون له بالعنوان التالي: الطبيعة والفن وارادة الإنسان، ومن عزيز ما ورد فيه قول مؤلفه: «والفن مهما تطور فلن يخرج عن رؤيتنا اليومية المتجددة، وقيمة العمل الفني تنبع من انه يجمع بين المتناقضات في نظام قاس، كما تنبع من تكامل اتزانه الناتج عن حساسية مرهفة نتيجة لمران وحصيلة الفنان ومعاناته الطويلة السابقة». وقد حاول المؤلف في بقية حديثه الباقية حول هذا المبحث ان يفسر ويشرح بعض الرسومات الواردة في الكتاب لكبار الفنانين أمثال: ماكسيم بولك، وبيكاسو، وبول كلي وغيرهم، هذا وقد زودنا المؤلف بصور عديدة أخذت حيزاً من الكتاب ليس بالقليل الذي يستهان به، وقد أعطى المؤلف الفاضل هذه الصورة والرسومات ارقاماً عددية متسلسلة، وكان في أحيان عدة يذكر صاحب اللوحة والفنية، وهذه الصور منها ما جاء على شكل نقط ودوائر، ومربعات ومستطيلات، ومنها ما جاء على شكل خطوط منحنية او مستقيمة، أو على شكل لوحات فنية، واعتمد المؤلف في نقله لهذه اللوحات الفنية والرسومات التشكيلية على لونين فقط، الأبيض والأسود، وطبعة الكتاب لا بأس بها من حيث جمال الطبع وحلاوة الصف، غير ان هناك نقطة تسجل في ايجابيات الكتاب وهي خلو الطبعة من الأخطاء الاملائية والمطبعية، وقد وضع في ظهر الغلاف الأخير صورة مؤلف الكتاب الفنان حسن سليمان مع نبذة يسيرة عن ميلاده، وتعليمه، واسهاماته وخصائص فنه التي تميزت بطابعها القومي من خلال رؤية خاصة للبيئة المصرية.



أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved