أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 12th May,2001 العدد:10453الطبعةالاولـي السبت 18 ,صفر 1422

مقـالات

في الأفق التربوي
حديث المجالس
أ.د. عبدالرحمن بن إبراهيم الشاعر
يكتسب المرء خبراته التعليمية والثقافية والمهنية من عدة مصادر. وإذا ما استثنينا القناة النظامية للتعليم والتثقيف والإعداد المهني فان بعض الخبرات تكتسب عن طريق المحاكاة وهذه بحد ذاتها حقيقة تعليمية نمت وأصبحت أسلوبا تعليميا نظاميا تحت مفهوم التعليم الذاتي أو تفريد التعليم.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل كل ما نتلقاه من معلومات وبيانات تصدر من الأفراد أوالجماعات ترقى إلى مستوى الحقيقة؟ وهل تلك المفاهيم تعد مفاهيم علمية يمكن أن تبنى عليها قرارات وتعمم وتصبح ذات فائدة تنعكس على الفرد ومن ثم على المجتمع ؟ والجواب على هذه الأسئلة هو أن ما نتلقاه من معلومات وخبرات يعتمد على مصدر تلك المعلومات والفرد القائم على إيصال أو نقل تلك المعلومة ومن ثم أسلوب تلقي المعلومة. والمعلومة التي نتلقاها من الأفراد أو الجماعات في مجالسنا العامة أو في أماكن العمل أو النوادي أو الجلسات البرية في الليالي الربيعية هي معلومات متفاوتة من حيث المضمون ومن حيث المصداقية والمنطق، ويبقى دور المتلقي في انتقاء ما يراه مناسبا ويتوافق مع اهتماماته معتمدا بذلك على خبراته السابقة في تنمية مخزونه الثقافي وقدراته المهارية وحاجاته الشخصية لمثل تلك المعلومات لذا فتأثير الناقل للمعلومة في هذه الحالة يصبح تأثيرا نسبيا يزداد أو يقل وفقا لعدة عوامل منها جدة المعلومات وأهميتها للمتلقي، وقدرة الناقل على معاملة هذه المعلومة وأسلوب نقله لها وأسلوب الحوار المتبع في التأثير على الفرد أو الجماعة. والحوار بحد ذاته عنصر مهم في التأثير على المتلقي سواء كان فردا أو جماعة فالمتلقي قد لا يكون سلبيا في هذه الحالة وهذا أمر وارد في معظم المواقف وبخاصة عندما تكون المعلومة المنقولة تفتقر إلى المصداقية وتحتمل أكثر من وجهة نظر وفي هذه الحالة يبدأ الحوار واتخاذ المواقف واكتساب المؤيدين، وتنطلق من خلال الحوار أفكار ومفاهيم جديدة ومفيدة ويصبح الحوار أسلوبا ثقافيا محببا عندما يعتمد على أدبيات الحوار التي من أهمها عدم التعصب للرأي رغم بعده عن الحقيقة لحفظ ماء الوجه ليس إلا، واحترام رأي الآخرين وعدم تحقير ما يدلون به من آراء ومحاولة الوصول إلى نقاط اقتناع مشتركة حول موضوع الحوار وألا نصل بحوارنا إلى تفسير ما دار فيه بأنه مقصود وموجه لأمور شخصية. والناس في حوارهم أنواع فمنهم من يعتمد في حواره على تحليل جميع ما يتلقاه من محاوره محاولا إيجاد الإجابات والتعليقات والبراهين المقنعة لقبول أو رفض المعلومة وهو بذلك يبني قراراته على أسس علمية ومنطلقات منطقية وبذلك لا يجد المحاور من الجهة المقابلة إلا مقارعة الحجة بالحجة ومحاولة إقناعه بما وصل إليه من حقائق، والحكيم من تراجع عن رأي اتضح له عدم مصداقيته أو حقيقته والابتعاد عن التعصب الذي قد يوقعه في محيط الجهل. هناك من تحاول جاهدا فتح حوار معه لكسر الجمود أو تمضية وقت ضائع أثناء انتظار موعد أو في سفر برحلة جوية أو برية، وقد تبدأ الحديث معه بأن الجو جميل اليوم وقد تنجح في جلبه إلى حديث متواصل أو تفشل عندما تكون إجابته بنعم وفعلا وهو كذلك.. وكأنما يريد منك إنهاء الحديث ومرد ذلك جوانب نفسية أو اجتماعية. وفي المقابل قد تجد من يريد أن يبدأ الحوار معك ولكن البداية لم تكن بالسؤال عن العموميات مثل الجو جميل أو الطريق مزدحمة أو المكان لطيف وهكذا ولكنها بداية قد تكون ممقوتة مثل.. من الأخ؟ من أين أنت؟ أين تعمل؟ وقد يتمادى في الحديث إلى السؤال عما تتقاضاه من راتب، وهنا لا تملك إلا أن تغير مقعدك إن أمكن ذلك أو تغرس رأسك بين صفحات جريدتك لأن سؤالين لا يرغب المرء الإجابة عليهما وهما السؤال عن العمر وعن الدخل الشهري فالأول لا يرغب المسؤول عنه الإجابة عليه وتذكر السنون التي أثقلت كاهله وهو يجد العزاء في المقولة الشباب شباب القلب. أما الدخل فهو رزقه الذي كتبه الله له ولا داعي أن يعلمه الغير. والوجه الآخر لبدء الحديث والحوار أن يقول لك محدثك شكلك ليس بالغريب علي هل أنت طالب في الجامعة؟ أو موظف في وزارة كذا؟ حتى تخبره بمكان عملك فيقول فعلا تذكرت لقد رأيتك هناك ومن ثم يبدأ الحديث. فأحينا تكون أنت من يبدأ بالحديث رغبة منك في كسر الجمود وتمضية الوقت من منطلق ما ورد في الأثر أحملك أم تحملني والمقصود تحدثني أم أحدثك. ورغم حماسك للحديث مع الآخرين إلا انك أحيانا تتمنى انك لم تبدأ الحديث معهم والأسباب لذلك كثيرة نورد صورا منها كأمثلة على بعض أحاديث المجالس: هناك متحدث أو قل مرسل في اتجاه واحد بمعنى انه يتحدث ويتحدث وينتقل من موضوع لآخر دون إعطائك فرصة للرد أو الاستفسار أو حتى التعليق على ما يقول. وان اجتهدت في الحصول على حقك المشروع في المداخلة أثناء حديثه قد يصمت ولكن لا ينصت لك لأنه أثناء مداخلتك يعد العدة للانطلاق والاستحواذ على الحديث مرة أخرى وتفاجأ بأنه تطرق إلى حديث لا علاقة له بمداخلتك وكأنه لم يسمع شيئا أو أن الأمر لا يعنيه. وفي بعض المجالس يدار الحديث بأساليب مختلفة قد تتجاوز أدب الحواروبذلك لا تستطيع أن تحصل على حقك بالمناقشة وإبداء الرأي. وفي بعض المجالس كذلك يتناول المتحدث بعض الحقائق المفاهيم والمسلمات بطريقة مغلوطة وبصور خيالية لا يمكن تصديقها، وتمارس ألوان مهارات الإقناع وبشتى السبل حتى يبلغ فيك الأمر أن تشكك في معلوماتك عما يقال. من أساليب الاقناع ضرب الأمثلة والمبالغة فيها ورفع الصوت أثناء الحديث لتحاشي المقاطعة والإسناد على الثقات من رجال العلم والمثقفين وذوي التجارب الخاصة. وهنا لا تملك إلا السكوت وقبول أو رفض المعلومة دون الإعلان عن ذلك.
إن مبررات الاستحواذ المطلق للحديث في بعض المجالس عديدة ولكنها مبررات مرفوضة من قبل السواد الأعظم من طبقات المجتمع ومنطلقاتها وراثية أو مكتسبة والدوافع إلى انتهاج هذا السلوك تتمثل في الغرور أحيانا والثقة المفرطة بالنفس والرغبة في مزاحمة المتحدثين والاستحواذ على جزء كبير من مساحة الحوار وهنا يجد فيها المتحدث تحقيقا لذاته. وهناك منطلقات عاطفية تجعل عين الرضا عن كل عيب كليلة فهو يرى فيما يحب ويهوى أمثلة لا شبيه لها وبذلك يبرز ما تراه عيناه حسن فيها رغم قباحته ويبرر لذلك بمغالطات ومكابرة لا داعي لها.
إن من آداب الحوار في المجالس ونحوها أن تترك مساحة للرأي الآخر وان يحترم كل طرف رأي الطرف الآخر وعدم تهميشه أو تجاهله لأنه يعارض أو يؤيد ما يطرح للنقاش. كما أن المستمع لابد أن يكون منصتا جيدا قادرا على تحليل ما يقال والرد عليه بموضوعية وحجج دامغة لا اعتراض لمجرد حب الاعتراض. وهنا تتفاوت المجتمعات في سلوكها الحواري ففي بعض المجتمعات ينشأ الطفل في جو حواري يتيح للجميع إبداء الرأي في المسكن والملبس والمأكل وحتى الرحلات الأسبوعية أو السنوية ويسود الحوار المصداقية والأساليب العلمية والموضوعية في الإقناع. ونلمس ذلك في المدارس عندما يطالب الطالب بحقه في إبداء الرأي حول مسألة ما. ولكن القليل منهم من لديه هذه الرغبة. وقد تنتقل معه هذه السلبية في إبداء الرأي إلى مراحل متقدمة من التعليم حينها لن يجد من يملي عليه ماذا يقرأ أو أي مسألة يحل أو أي بحث يكتب وهذا ما يحدث في الجامعة مع العديد من الطلاب نتيجة الاتكالية في الرأي. وتبحث في سلوك بعض الطلاب فتجد أن الجامعة اختيرت له والكلية اختيرت له والتخصص اختير له والقرار الذي يملكه هو قيامه كل صباح والذهاب إلى الجامعة. بينما نجد البعض الآخر من الطلاب في الجامعة أكثر تفاعلاً مع ما يقدم لهم، ولديهم القدرة على الطرح الجيد والمداخلات المقنعة. ومرد ذلك إلى التأسيس الجيد في مراحل التعليم الأولى.
SHAER@ANET.NET.SA

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved