أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 12th May,2001 العدد:10453الطبعةالاولـي السبت 18 ,صفر 1422

الاخيــرة

حكمةُ صندوق النقد الدولي
أنور عبد المجيد الجبرتي
هذه ليست دعوة الى الالتحاق بركب الشاتمين لصندوق النقد الدولي، واللاعنين له أو المتظاهرين ضده، فمن السهل على الحكومات ان تعلّق أخطاءها الاقتصادية او السياسية على مشجب الصندوق أو أية جهة خارجية ومن الأسهل، إثارة الجماهير المحبطة والفقيرة ضد عدو خارجي.
* لكن الحوار يدور هذه الأيام حول سياسات الصندوق الدولي، و(الروشتة) الاقتصادية النَّمطية التي يصفها حكماء الصندوق لكل الدول، في كل زمان ومكان. كما ان التساؤل يثور حول حيادية الصندوق، ونزاهة نصائحه من التأثيرات الايديولوجية، والتوجهات السياسية والاقتصادية للدول صاحبة الحصص الأكبر في موارد الصندوق، والوزن الأثقل في قراراته.
* عندما اشتدّت الأزمة الآسيوية الاقتصادية، وجاءت وفود الصندوق الى العواصم الآسيوية المتضررة لوضع البرنامج العلاجي، وفرضه والاشراف عليه، تصاعدت أصوات، خافتة، في بعض هذه العواصم حول الطبيعة الجائرة لبعض عناصر البرنامج، خاصة فيما يتعلق ببعض الصادرات الآسيوية الى الولايات المتحدة الأمريكية، واتهم البعض الصندوق بأنه يُحابي ويُجامل المنافسين الأمريكيين، بمحاولته الضغط على القدرة التنافسية الآسيوية في الأسواق الصناعية المتقدمة. وهذا بالطبع يتعارض مع جوهر البرنامج الاصلاحي القائم على اتاحة الفرصة لاقتصاديات آسيا لدعم عملاتها بزيادة قدرتها التصديرية.
* وصندوق النقد الدولي، وشقيقه البنك الدولي، لهما تاريخ عريق من الشُّبهات والملابسات التي تختلط فيها السياسة بالاقتصاد، والايديولوجية بالحكمة الاقتصادية العملية، والملاحظات السَّديدة الموقوتة بالدوغمائية المحاسبية المتصلّبة.
* وكان من المألوف في الثمانينيات، خروج المظاهرات الصاخبة في مدن العالم الثالث، ضد الصندوق الدولي وسياساته، تحت غبار تلك الشبهات والملابسات، خاصة ان تلك السياسات كانت تُطبق من حكومات سُلطوية، لا تتمتع بدعم شعبي، وتتخذ قراراتها في غياب من مشاركة شعبية أو مؤسسية تتولى التداول في تلك السياسات، وتكفل تعبئة الرأي العام وترسيخ قناعته بها.
* وتاريخ هذه المؤسسات الاقتصادية الدولية الحاكمة في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، لا يخلو أحيانا من اعتبارات سياسية سافرة، تترتب عليها نتائج بعيدة المدى دوليا واقليميا.
* وتحكي أغنية عبد الحليم حافظ الشهيرة عن السَّد العالي، قصة مصر مع البنك الدولي وكيف أثرت نظرية الاحتواء للشيوعية، واعتبارات أخرى، على قرار انسحاب البنك الدولي للانشاء والتعمير، من موضوع تمويل بناء السد العالي، كان وزير الخارجية الأمريكي مصراً على الربط بين موقف مصر من حلف بغداد، ونظرية النقطة الرابعة للرئيس (ايزنهاور) وبين استعداد الولايات المتحدة الأمريكية لدعم طلب الحصول على تمويل للمشروع. ويرى بعض المؤرخين ان الغاء القرض، والأسلوب المهين الذي تم به، هو الذي دفع مصر الى الاتجاه نحو الاتحاد السوفيتي، الذي كان سعيداً ومتحمساً للاستفادة من الأخطاء الأمريكية الجسيمة، في التفكير والتقدير واكتسب الاتحاد السوفيتي بذلك موطىء قدم مُهم في منطقة استراتيجية حساسة. وعندما حضر (خروتشوف) والقادة السوفيات لحضور الافتتاح الكبير، حصل الاتحاد السوفيتي على عائد سياسي واعلامي استراتيجي هائل ومجز، على استثماره الجريء.
* ولا تزال الاعتبارات السياسية حاضرة، في تعامل صندوق النقد الدولي مع الأزمات الاقتصادية والمالية الحالية.
فبينما استعرض صندوق النقد الدولي عضلاته، مُصرا اصرارا أعمى على تطبيق سياساته في كوريا، وتايلاند، واندونيسيا وغيرها من الدول الآسيوية، والافريقية والشرق أوسطية، يبدو أكثر دبلوماسية، ولطفا وكرما وبُعد نظر، عندما يتعلق الامر بروسيا او البرازيل.
* عجزت روسيا عن الوفاء بديونها ب(الروبل)، ولم تف بالاصلاحات البنكية والاقتصادية الموعودة، وأوقفت بشكل عام مجموعة الاصلاحات التي اتفقت عليها مع الصندوق في يوليو الماضي. وهذه بالطبع ليست المرة الأولى التي تضرب فيها (موسكو) باتفاقاتها مع الصندوق عرض الحائط ورغم الضجة والعويل الذي صدر عن الصندوق، فان كل المؤشرات تدل على ان الصندوق، سيقتنع، ذاعنا بنصائح الولايات المتحدة الأمريكية، ويعيد هيكلة ديون (موسكو)، ويطلق سراح الأموال التي وعدها بها الصندوق في اتفاق «يوليو».
* وسارع صندوق النقد الدولي، تحت غطاء توقع الأزمة قبل حدوثها، الى ترتيب حملة انقاذ كبيرة للبرازيل تقدر بحوالي واحد وأربعين بليون دولار في شهر ديسمبر خوفاً من انهيار البرازيل وانتشار العدوى الى دول امريكا اللاتينية الأخرى. ولعل من المفيد ان نعرف ان حوالي عشرين في المئة من صادرات الولايات المتحدة الأمريكية تتجه الى هذه الأسواق وان البنوك الأمريكية متورطة في قروض ضخمة هناك، وان قاعدة الجار اولى بالشفعة مطبقة هنا. وهذه كلها اعتبارات لا تتوفر لدى الدول الآسيوية المسكينة.
* ليس لنا ان يتوقع ألا يختلط الاقتصاد بالسياسة كما ان ليس من حقنا ان نلوم الدول الكبرى المؤثرة، على خدمة مصالحها السياسية والاقتصادية، والتدخل لدى المؤسسات الدولية واستخدام قوتها ونفوذها لتوجيه قرارات تلك المؤسسات نحو رعاية تلك المصالح.
* وليس من المصلحة، ان تحجب عنّا تلك الاعتبارات، الحاجة الى الاستماع الى نصائح الصندوق الصائبة، والقيام بالاصلاحات الاقتصادية الضرورية.
* انها دعوة الى الدخول في حوار مع مثل هذه المؤسسات، وعدم الانصياع الأعمى لنصائحها وتطبيق (الروشتة) او اجراء عملية جراحية دون أخذ رأي آخر.
* كما انها دعوة الى التبصُّر والتدبّر في حكمة الصندوق والمنظمات الدولية الاخرى، والاطار السياسي والمؤسسي الذي تصدر عنه تلك الحكمة، ويعمل من خلاله اولئك الحكماء.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved