أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 21st May,2001 العدد:10462الطبعةالاولـي الأثنين 27 ,صفر 1422

مقـالات

شارون وحكاية الزوجة اليهودية..ما يغيب عن الذهنية الإسرائيلية الأمريكية
د. علي بن شويل القرني
تقول الحكاية اليهودية.. ان احد اليهود شكى الى الحاخام اليهودي من أن زوجته ستتركه لأنها سئمت المكوث في بيته الصغير، فنصحه الحاخام بحل يبدو غريبا وغير مألوف في التفكير، وهو ان يأتي بحصانه ويدخله معه الى البيت، فغضبت الزوجة اليهودية، فعاد الرجل الى الحاخام وأخبره بذلك، فأشار اليه ان يأتي ببقرته ويدخلها ايضا الى البيت.. فاشتاطت الزوجة غضبا، فعاد الى الحاخام ليفتيه في امره، فنصحه بأن يأتي ببقرة أخرى الى داخل بيته.. وهكذا حتى تحول البيت الى حظيرة حيوانات.. فعاد الرجل الى الحاخام يخبره ماذا يفعل؟ فقال له: بأنه اذا أخرج هذه الحيوانات من البيت فستفرح زوجته ولن تشعر أن بيتها صغير.. ولن تتضجر مرة أخرى.
هذه الحكاية هي التي ربما يستشعرها ويفكر دائما بها أريل شارون رئيس الوزراء الاسرائيلي منذ توليه زعامة الحكومة الاسرائيلية.. فهو يهتدي بها عند تعامله مع الفلسطينيين، وخصوصا عدوه اللدود الرئيس ياسر عرفات.. ويعمل شارون من خلال استراتيجيته على تشكيل سياسة وميدانية على الشعب الفلسطيني من اجل ان يصلوا الى مرحلة القبول والاستسلام لشروط المفاوض الاسرائيلي..
وقد تطرقت في مقال سابق الى ان شارون يقلقه دائما المصير الذي ستؤول اليه اسرائيل بعد ثلاثين عاما او ثلاثمائة عام او ثلاثة آلاف عام..!! وذكرت انه يتدارس التوراة وخصوصا مع علمائها في مسائل عديدة سياسية ودينية وأمنية وغيرها، ولكن بشكل خاص تدارس ما كتبته التوارة عن فكرة الهجرة المعاكسة من أرض الميعاد.. ولم يشأ شارون الحديث كثيراً عن هذه النقطة، الا انه دعا الشعب الاسرائيلي الى قراءة متمعنة لكتبهم المقدسة، وربما يكون ذلك بهدف اشاعة القلق والاحساس بعدم الاستقرار التي يريد شارون تكريسها في فكر وعقل الفرد الاسرائيلي.. وهذا الاحساس هو الذي يستقر في عقل وفكر الرئيس شارون منذ بدايات توجهه العسكري شابا الى وصوله الى كرسي رئاسة الوزراء شيخا.. وهو يعرف بأن الهجرة المعاكسة او هروب اليهود من فلسطين هي حقيقة تاريخية تثبتها الكتب السماوية..
ولهذا تتبع فلسفة شارون من ضرورة تشبع الاجيال اليهودية بهذه الحقيقة لأسباب أهمها تعميق الحقد على العرب، فهم الذين سيخرجون اليهود من فلسطين وتعزيز الحالة الشكية معهم وهذا يترتب عليها زعزعة أي فكر سلامي بين الشعبين اليهودي والعربي الفلسطيني.. وكذا لمحاولة توسيع الحضور والوجود اليهودي على الأرض ما يعكس ربما رغبة دفينة لدى اليهود بأن المد البشري لليهود والانتشار الجغرافي لهم ربما يكون حائلا دون نبوءات الكتب المقدسة، وربما ينقض حركة التاريخ المستقبلية..
ونحن العرب متآلفون مع لاءات شارون الستة التي تدعو الى )1( القدس الكبرى عاصمة لإسرائيل، )2( توسيع مفهوم النطاق الأمني، و)3( السيطرة الاسرائيلية على المستوطنات، و)4( انكار مسؤوليةاسرائيل تجاه اللاجئين، و)5( السيطرة على منابع المياه، و)6( السيطرة والاشراف على المناطق الفلسطينية .. ويعمل شارون بكل ما أوتي من قوة عسكرية ونفوذ سياسي وجبروت صهيوني على ترسيخ هذه القناعات لدى العالم..
ويرى شارون ان مفاوضات السلام التي كانت مستمرة الى الايام الاخيرة من فترة كلينتون غير مجدية.. ولا يجب اعطاء تنازلات مجاملة لرؤساء امريكيين.. وكما قال في مقابلة ان الرؤساء الامريكان يأتون ويذهبون، ولكن اسرائيل يجب ان تظل دائمة، ومصالحها فوق كل اعتبارات.. وعندما ذهب مؤخرا الى البيض الابيض والتقى الرئيس الأمريكي جورج بوش اكد له بأن ينسى موضوع مفاوضات السلام ويجب ان يبدأ العالم ليس من حيث وصلت المفاوضات بل من حيث يراه شارون نفسه..
وقد صدم الوفود الفلسطينية والعربية والرأي العالم العالمي تخاذل الموقف الامريكي وانسحابه من وعوده والتزاماته امام الدول المعنية في الشرق الاوسط، والواضح ان صفقة ما قد تمت بين الرئيسين )الجديدين( الامريكي والاسرائيلي بخصوص فرض واقع جديد على المنطقة،حيث ربما قد تفهم جورج بوش السقف الأعلى الذي يمكن ان يقدمه شارون للفلسطينيين.. وكذلك تفهم آليات وعمليات فرض الواقع الجديد على الأرض وعلى طاولة المفاوضات..
وتظل هناك مسألة تغيب عن ذهن الاسرائيليين وربما عن توقعات الأمريكيين وهي ان العرب والفلسطينيين هم فعلاً شعب مدفوع الى حالة الفوران والى حالة الانفجار الكبير.. ومع مرور الوقت وبتواصل الارهاب الرسمي الاسرائيلي تكون اسرائيل قد حققت فعلا حلم الفلسطينيين في تهيئة الرأي العام الفلسطيني لأن يتحول من شعب مغلوب على أمره بالسلام الى شعب محتوم عليه الانفجار..
والخلل الجوهري في معادلة شارون/ بوش هي الاعتقاد خطأ ان العنف الاسرائيلي من خلال الدبابة والمدفع والطائرة والعسكرية الاسرائيلية سيحقق حلم شارون في اسكات الصوت الفلسطيني.. وهذا خطأ تاريخي تقع فيه أجهزة التخطيط والحكم العسكري الاسرائيلي.. واذا كان شارون قد أجج الانتفاضة بزيارته للأماكن المقدسة قبل اشهر.. فإن شارون نفسه بعناده وعنجهيته يكون قد وضع المسمار الاخير بإذن الله في اهتزاز سيادة الدولة الاسرائيلية على الارض الفلسطينية.. ويكون قد وحد فعلا بين كل فئات وطوائف الشعب الفلسطيني من اجل هدف واحد، وهو ارضاخ الاسرائيليين لمطالب الفلسطينيين وحقوقهم التاريخية.. وربما ينقلب السحر على الساحر، والتدبير على المدبر، وتعود الزوجة اليهودية )مفاهيم شارون التوسعية( لتعلن قريبا ان الارض الفلسطينية هي قادرة على احتضان كل الناس.. كل الفلسطينيين.. كل الطموحات.. ولكن لن يتم ذلك إلا بخمسين عملية جهادية في نتانيا وغيرها من المدن المحتلة..وبخمسين شهيد أمثال )محمود مرمش( ينتحر من اجل احقاق الحق ورفع الصوت الفلسطيني..
ان اسرائيل هي في أزمة خانقة، فقد سمحت للفلسطينيين ان يعيشوا معهم، فلا يستطيعون وليسوا قادرين على اجلائهم.. مثل الذي بلغ في حنجرته موسى ليس بقادر على بلعها الى الداخل، أو قذفها الى الخارج..

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved