أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 5th June,2001 العدد:10478الطبعةالاولـي الثلاثاء 13 ,ربيع الاول 1422

مقـالات

شدو
للأرقام ألسنة )1(
د.فارس محمد الغزي
يشيع هذه الأيام خطاب ثقافي مُفعم بلغة الإحصاء والأرقام بكثافة قد تقود إلى انقراض بعض من صيغ الخطاب الثقافي السائد المتمثل في )التمثل!( بالحكم وشوارد الشعر )العامية منها!( على وجه الخصوص! وهنا أرجو ألا توحي هذه الاستهلالة بأنني ضد شيوع الأرقام الإحصائية ... أبدا فالنقيض هو الموقف الصحيح حيث أقتاتها مهنيا، لذا ففوائدها في رأيي تفوق فوائد )العصا( في رأي الجاحظ في البيان والتبيين!، فلا شك أن شيوعها دليل على الوعي بالذاتين الفردية والوطنية، بل فأل خير يبشر في توجهنا إلى تقنين لغة خطاب الإنشاء والإسهاب والهدر الهادر والاستهلاك المهلك ..، إنها أيضا مؤشر من مؤشرات التغير الاجتماعي الإيجابي شريطة أن تكون دقيقة ومقننة وصادقة وثابتة - احصائيا - مما سوف يمدنا بالقدرة على ملاحظة مستجدات واقعنا، ورصد ما يعتمل في جوهره من ظواهر حقها علينا الاحتفاء بإيجابها أو مكافحة السلبي منها في حال كان سلبها هو الحال!
ما هو باعث هذه الظاهرة الرقمية .. وهل يا تُرى إنه سلب الظروف المعاشة أم إيجابها؟! حسنا أعتقد أن الباعث هو خليط من هذا وذاك مما أدى إلى تشابك مشاعر الشك واليقين واشتباك معالم الأمل واليأس في عصر سمته القلق والاضطراب وعدمية الإحساس بالأمان، حيث إن ما مررنا به خلال العقدين الأخيرين من وجودنا قد أحدث فينا من التأثير - النفسي - ما أحدث، موقظاً فينا غرائز التفاعل المباشر واللصيق مع معطيات وظروف جدولنا اليومي بكل ما فيه من جزئيات وتفاصيل تفاصيل. فكما هو معلوم تاريخيا، فإننا لم نكد نشارف على الخروج من دوامة الطفرة والحرب الصدامية/ الإيرانية إلاّ وقد ولجنا في أتون حرب الخليج، ليواكبها ولوج القنوات الفضائية، وليعقبها مشكلتا البطالة والقبول الجامعي، فظاهرتا الجوال والإنترنت ..، وهنا فلو أمْعنَّا النظر في هذه الظواهر وتمعَّنا فيما بينها من قاسم مشترك لوجدنا أنه )الرقم( ولا شيء غير الرقم: فالطفرة لم تكن سوى طفرة في أرقام الأرصدة وأحلام اليقظة!، والحرب ليست سوى أرقام ضحايا، والبطالة رقم وظيفة لم تعد كما كانت متوفرة، والقبول الجامعي انحسار أرقام طلبة ومقاعد دراسية، علاوة على حقيقة أن الجوال ليس سوى )فوترة!!( انسانية جعلت من الإنسان مجرد فاتورة!! ..، جنبا إلى جنب مع رقمية الإنترنت تقنيا وأرقام تكاليفه الصارخة دقائق وثوان .. هي الحياة!
لهذا فمن الممكن القول بأن للأرقام محاذير وتبعات وذلك حين يشيع استخدامها على علاتها دون تمحيص لمصداقيتها، وتفنيد لدلالاتها، وتثبُّت من مصدرها، خصوصا حين تتعدد المصادر المنتجة لها، مما يجعلها )عجينة!( في أيدي الحاذقين في أمر )فلسفتها(، وتحويرها بطريقة منطقية حتى لو لم تكن منطقية، بل على الرغم مما بها من تجريد وجمود، فإن لها تأثيرات نفسية واجتماعية بالغة، ولا سيما حين يتداولها الخيال الاجتماعي - غيرالمختص بها - فيؤنسها بشكل يناسب الظروف المناسبة له .. بمعنى أنها عرضة للاستغلال من قبل القادر على استغلالها، فقد يعمد من يعمد إلى تزوير حقيقة قيامه بمسؤوليته وذلك بتدخله وصياغته للأرقام بطريقة تقطر ايجابية )لمصلحته هو فقط(، كاسياً إياها لحما تنقصه الطراوة، ووجها تعوزه النضارة!. بل ان الأرقام - كالإشاعة تماما - فحين يزداد تباينها كميا وكيفيا، تضحى تناقضاتها، وما يعتورها من حذف، وما يصيبها من إضافة من أهم عوامل استفحال انتشارها وتأصل مصداقيتها، ولنا دليل على ذلك فيما تعج به الإنترنت من أرقام واحصاءات تؤخذ كمسلَّمات رغم الجهل بطرائق جمعها، ومصداقيتها العلمية، وأهم من هذا وذاك، رغم الجهل بأهداف ناشريها ..
ما الواجب عمله هنا ..، خصوصا إذا علمنا أن العولمة حُبلى بلغة الأرقام الصارخة دلالات - ودعايات - للأقوياء فقط؟! هل يجب علينا مواجهة الرقم بالرقم على غرار مواجهة الخبر بالخبر؟.. وهل هناك من ضرورة لإنشاء مركز احصاءات وبحوث يُعنى بالأرقام ويدحض الحجة الرقمية بمثلها رقمياً؟! .. هذا ما سوف تتطرق له شدو في مقالة )الأحد( القادم إن شاء الله .. أما )يوم الخميس( فيظل - كما هو في العادة - استراحة فكرية )محجوزة!( لأحباب شدو من القراء والقارئات مناقشة للمألوف بطريقة غير مألوفة ...!
للتواصل: ص ب 454
الرمز 11351 الرياض

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved