أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 5th June,2001 العدد:10478الطبعةالاولـي الثلاثاء 13 ,ربيع الاول 1422

متابعة

المملكة.. الدور السياسي والمكانة الجيوبوليتيكية
أ.د يوسف سلامة
حاولت قوى كثيرة في المنطقة العربية وجهات دولية وإقليمية متعددة أن تكتفي بتصوير )المملكة العربية السعودية( على أنها مجرد قوة اقتصادية جبارة، فهي في طليعة الدول المصدرة للنفط، كما أن أراضيها تختزن في باطنها ثروات متنوعة قد تتجاوز النفط في أهميتها، مما يعزز القوة الاقتصادية للمملكة ويؤكد أنها إنما تنحصر أهميتها ومكانتها فيما منحته الطبيعة لها من الخيرات والموارد، وكأن الدولة لا تقاس قوتها وأهميتها إلا بعناصر واقعة في نطاق المصادفة والحظ الحسن أو الحظ السيىء، مما جعل البعض ينظرون إلى المملكة أحياناً، على أنها مجرد )مصرف( يمد الراغبين بالأموال، أو على أنها دولة لا تناسب بين مقدرتها السياسية ومقدرتها الاقتصادية، فخيل لبعض القوى الإقليمية أنها قادرة على أن تفرض الأتاوة على المملكة بالكم الذي تريده والوقت الذي تريده.وهذا التصوير الخاطئ لماهية المملكة السعودية باعتبارها قوة اقتصادية لا غير هو الذي جعل هذه الأطراف تسيء فهم ماهيتها وتخطئ في فهم طبيعتها الحقيقية وطبيعة أدوارها المتعددة التي يمكن لها النهوض بها.وبطبيعة الحال لا يشك عاقل في أن المملكة العربية السعودية قوة اقتصادية جبارة. غير أن من يكتفي بهذا التوصيف يجهل، أو يتجاهل، استحالة الفصل بين ما هو سياسي وما هو اقتصادي، كما ينسى، أو يتناسى أن القوة الاقتصادية في الأيدي الخبيرة تتحول إلى قوة سياسية، مثلما أن القوة السياسية تتحول في الأيدي الخبيرة إلى مصدر يمكنه أن يكون منتجاً للثروة ولما لم يكن بوسعنا تصور القائمين على شؤون الدولة السعودية إلا باعتبارهم يمتلكون الحد الأعلى من الخبرة السياسية والفهم الاقتصادي، كان تصور المملكة على أنها قوة سياسية أولاً وقبل كل شيء عربية وإقليمية ودولية هو الحقيقة التي لا ينبغي لأحد أن يتجاوزها أو يتجالها.
ولقد أثبتت كل التجارب الأليمة والمحن الخطيرة والاختبارات العسيرة التي مرت بها المنطقة العربية أن المملكة العربية السعودية قد كانت حاضرة دوماً في هذه الأزمات، وأن حضورها لم يكن مجرد حضور سلبي أو بمثابة لاعب متفرج، وإنما هي الحقيقة قد مارست تأثيراً سياسياً واضحاً ولعبت دوراً متميزاً لا يخفى على المشتغلين بالشؤون السياسية في معظم الأحداث الكبرى التي شهدتها المنطقة العربية بصورة عامة، وفي منطقة الخليج العربي وجنوب الجزيرة العربية بصفة خاصة. ولو شاء المرء أن يعدد هذه الأحداث مجرد تعداد وأن يشير مجرد إشارة سريعة إلى دور الدولة السعودية فيها، لاحتاج إلى مساحات كثيرة وفسحة زمنية مديدة حتى يستطيع القيام بهذا الجهد الذي لا يزيد عن كونه جهداً إحصائياً وصفياً، في حين أن تحليل هذه الأحداث تحليلاً مفصلاً، والكشف فيها عن العناصر الاستراتيجية المميزة لتصور المملكة السعودية لدورها في المنطقة لحدود هذا الدور وأهدافه، ولتصورها لأدوار القوى الأخرى وحدود هذه الأدوار من وجهة النظر السعودية أمر يستعدي حشد جهود كبيرة وخبرات متخصصة في التحليل )الجيوبولوتيكي( الذي من شأنه أن يكشف عن العناصر الأساسية والجوهرية في استراتيجية المملكة السعودية في المنطقة العربية، وخاصة في المنطقة الممتدة من باب المندب والبحر الأحمر والخليج العربي إلى البحر الأبيض المتوسط بعامة وحتى )فلسطين( بصورة خاصة.
وإذا كنا قد قلنا عن )المملكة العربية السعودية( بأنها قد اضطلعت بدور بارز في صياغة الأحداث السياسية للمنطقة من الناحية الإيجابية، وبأنها قد نهضت بعبء أمر لا يقل أهمية عن ذلك تمثل في التصدي لمحاولات بعض القوى الإقليمية أو الدولية فرض تصوراتها السياسية والاستراتيجية على المنطقة العربية على وجه العموم أو على منطقة الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية وجنوبها بصفة خاصة، فإن المملكة العربية السعودية قد نهضت بدور المناقض والمكافح ضد تلك القوى، وبذلت كل ما في وسعها للحيلولة بين تلك القوى وبين أن تتمكن من فرض تصوراتها السياسية والاستراتيجية على المنطقة الواقعة في النطاق الاستراتيجي للاهتمامات السعودية.
ومن المعروف أنه قد كان للمملكة العربية السعودية منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية دور كبير في دعمها وتأييدها. ولم يكن ذلك مقتصراً على الدعم الحكومي الرسمي هو كثير حقاً بل هو قد اتخذ بالإضافة إلى ذلك صوراً متعددة من التأييد الشعبي الذي عبر عن نفسه في صورة كثيرة حتى لا يظن أحد أن المال هو صورته الوحيدة. فهناك من صور الدعم الشعبي والرسمي ما هو أهم من المال وأعز من الوسائل التي يمكن الوصول إليها بالمال، بينما الغايات القصوى والأهداف العليا أمور قد لا يلعب المال في بلوغها إلا دوراً محدوداً.واليوم نعتقد أن العنصر الذي يجب أن يحظى بالأهمية الأولى على جدول أعمال السياسة العربية لا بد أن يكون هو دعم انتفاضة الأقصى، انتفاضة الاستقلال الفلسطيني ونحن نؤمن بأن للمملكة العربية السعودية بما لها من قوة سياسية ووزن اقتصادي، على المستوى العربي والإقليمي والدولي، تستطيع أن تكون عاملاً مؤثراً وعنصراً فاعلاً في استراتيجية المواجهة مع العدو الصهيوني الغاضب الذي يحتل القدس ويدنس الأقصى كل يوم، ويذيق الشعب الفلسطيني في كل لحظة ضروباً من التعذيب للروح والجسد، وتخريباً للأرض والممتلكات، واحتلالاً للوطن يتخذ صوراً مختلفة، لعل الاستيطان أن يكون أهمها وأبشعها. وبحكم المواقف الايديولوجية التي تبني عليها المملكة رؤاها السياسية، فليس لدينا شك في أن دعم الانتفاضة وتأييد الشعب الفلسطيني هو واحد من أولويات السياسة السعودية الملحة.وبما أن القدس هي قلب الصراع العربي الإسرائيلي والفلسطيني الإسرائيلي ، والإسلامي الإسرائيلي، فإن سبل الدفاع عن القدس يجب أن تتعدد وتتنوع بحيث لا نترك أي وسيلة متاحة لنا إلا ونسلكها.
وفي هذا الإطار نناشد جميع الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية أن تسارع إلى إنشاء منصب جديد في جامعة الدول العربية خاص بالقدس بحيث يتم إنشاء منصب )أمين عام مساعد لجامعة الدول العربية لشؤون القدس( ولا أظن أن أهمية هذا المنصب أو فائدته تخفى على ذي بصيرة، الأمر الذي يغني فيه التلميح عن التصريح.وإذا كانت )المملكة العربية السعودية( قد أرسلت بعضاً من قطع جيشها العامل إلى جبهات القتال في حرب أكتوبر عام )1973م(، فليس بمستغرب بعد ذلك أن نتوقع منها دعم مثل هذا المشروع الذي يعزز أساليبنا في الدفاع عن بيت المقدس وعن الحرمات الإسلامية والمسيحية والعربية في فلسطين بأكملها.
ولقد شعر كل مواطن فلسطيني وعربي بالفرح الغامر والسعادة البالغة بسبب ما نقل من تصريحات لسمو ولي العهد السعودي أكد فيها أن المملكة ستقطع علاقاتها الدبلوماسية مع كل دولة تنقل سفارتها إلى القدس، مهما كان شأن الدولة وأهميتها وعظمتها.ويبدو لنا أن هذا التصريح هو بمثابة إعلان قوي لا يقبل التأويل عن موقف المملكة من القضية الفلسطينية بعامة وقضية القدس بصفة خاصة.
كما أن هذا التصريح دلالة واضحة على أهمية الدور الذي تحاول المملكة النهوض به من ناحية، وهو دلالة، من ناحية أخرى، على أن المملكة من حيث هي قوة سياسية تصوغ أدوارها السياسية باعتبارها مبادرات إيجابية فعالة، وليست مجرد ردود أفعال سلبية على ما يقوم به الآخرون. وليست السياسة، والدور السياسي، في نهاية المطاف، سوى الفعل الإيجابي الذي يحاول أن يكيف الواقع للتصورات التي تنطوي عليها المبادرة السياسية الإيجابية، وفي هذا على الضبط يتجسد دور المملكة من القضية الفلسطينية.
* أستاذ الفلسفة بجامعة دمشق نائب رئيس الجمعية الفلسفية العربية
أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved