أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 9th June,2001 العدد:10481الطبعةالاولـي السبت 17 ,ربيع الاول 1422

مقـالات

مجلس الشورى السعودي بين الواقع ورحابة التوقعات
أ. د. محمد بن حمود الطريقي
بمناسبة تعيين خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود أطال الله في عمره، أعضاء مجلس الشورى لدورته الثالثة، الذين يمثلون المجتمع السعودي بعلمائه ومشايخه ومفكريه ومتخصصيه تُهنئ «العَالِم» الأخوة الأعضاء متمنين لهم التوفيق والسداد.
أثبت الطرطوسي في «سراج الملوك» حواراً أثناء فتح المسلمين لبلاد فارس، ومنه أن القائد المسلم طلب من القائد الفارسي مهلة للتشاور مع قومه بشأن الشروط التي يطرحها عليه، فقال له الفارسي:
«إننا لا نُؤمّر علينا من يشاور»، فرد القائد المسلم: ولهذا فنحن ننتصر عليكم، فنحن لا نؤمر علينا من لا يُشاور.
الشورى وسيلة لموازنة الأمر بعقول الرجال، وغربلة الرأي حسب المعارف والثقافات، إثباتا لاكتمال الفرد بالأفراد والرأي بالآراء لتحقيق مصالح الأمة. وهذا ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه بنجاح منقطع النظير، حيث كان يستشير معظم طبقات المجتمع الإسلامي في القضية المصيرية الواحدة، غير مستخف برأي ولا متغاض عن اجتهاد، وكان يستفيد من موسم الحج في استشاراته، لافتاً الأنظار ومقرراً أن العبادات هي الأخرى وسيلة لمصلحة الأمة، لا مجرد تكليف للأمة.
وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المستشار مؤتمن، وأنه إذا استشار أحدكم أخاه فليُشر عليه، وأن التشاور بحد ذاته مدعاة إلى الهدى والحق، وأنه ما تشاور قوم قط إلاّ هُدُوا لأرشد أمرهم، ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم كثير المشاورة لأصحابه كبير الثقة برأي المستشارين، حتى قال لأبي بكر وعمر:
«لو اجتمعنا في مشورة ما خالفتكما» مما يدل على أن الشورى ليست للاستبيان فقط، وإنما للالتزام، وهذا ما سماه الرسول صلى الله عليه وسلم بالعزم، حيث قال: «العزم هو مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم». وأمر الله تعالى : {وشاورهم في الأمر}. يتضمن الأمر الصريح باعتبار الشورى أساساً للسياسة والحكم وأساساً لكل العلاقات الاجتماعية والحياتية. أما شكل الشورى فأمر يحدده الزمان وتحدده المصلحة وليس له قالب معين، لأن المعاني هي العبادة أما التفصيلات فمتروكة للاجتهاد الزمني. وعليه فلا بأس من النظر إلى الانتخابات على أنها وسيلة من وسائل التشاور والشورى، ولا بأس من النظر إلى النقابات والاتحادات ومجالس العلماء وما شابه ذلك على أنها هي الأخرى وسيلة من وسائل التشاور والشورى، والمتخصص مستشار ورئيس القبيلة مستشار، كما أن الرجل الحكيم والطفل الحكيم والمرأة الحكيمة، كلٌ مستشار في الأمر الذي يرغب ولي الأمر أن يصل إلى الحق فيه. فالشورى عبادة يؤطرها الزمن، وتحددها المصلحة.
ومن الضروري بمكان، أن يؤمن المجتمع إيماناً مطلقاً بأن الشورى كلها خير، وأنها خير الوسائل لأفضل الحلول، حتى وإن بدا رأي المستشارين على غير رأي الحاكم، فما تراه الجماعة، أفضل مما يراه الفرد، وهذا ما تعلمناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين أطاع مستشاريه في أمر خروجه لقتال قريش في غزوة أحد بغضّ النظر عن النتائج الآنية، فالله وحده الذي يعلم مواطن الخير، وبالشورى طاعة لله، ولذا فالخير كل الخير في الشورى، والشر كل الشر في التفرد.
وقد علّمنا الباري عز وجل أن الشورى عبادة، {الذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون}، وأن الشورى جزء أساسي من سماة المجتمع الإسلامي لا للمصلحة فحسب، مع أنها تحقق المصلحة، ولكنها في الجوهر، لبلورة جوهر المجتمع الإسلامي ونظامه السياسي، المؤهل بالشورى لحكم الرعية والانطلاق بالدعوة إلى العالمية الرحبة والشورى من هذا المنظار هي البوابة الرئيسية لنضوج الأنظمة الاجتماعية غير الاجتهاد، كما أنه البوابة الرئيسية لمقابلة العالَم بهذا النضوج، الذي ميّز الحضارة الإسلامية في حلقاتها الزمنية والمكانية المختلفة. وليس بغريب ألاّ تكون سلطة الشعب هي الحاكمة الفاعلة في المجتمع الإسلامي على غرار التصور اليوناني القديم والأوروبي الحديث للديمقراطية، حيث إن الله سبحانه وتعالى هو مركز الكون وله وحده الحاكمية فيه، أما أن يصبح الإنسان أو أن تصبح الشعوب هي مركز الكون وصاحبة الحاكمية فيه، فليس ذلك من الإسلام بشيء، وإن ظهر ذلك في بعض الأنظمة الديمقراطية فروقاً بالادعاءات والانتخابات والبرلمانات والأطروحات، وعلى ذلك تصبح الشورى سمة لازمة للنظام الإسلامي، وتصبح الأنظمة السياسية الأخرى، مهما كانت شعبية، لازمة للنظام المادي الوضعي، الذي لن يحقق للإنسانية سعادة ولا مصلحة ولا انتشاراً، لأن الكثرة لا تعني الحق، ولأن الكثرة لا تستطيع أن تُشرّع وأن تصيغ للبشرية نظماً صالحة لتحقيق مصالحها، لأن المشروع هو الله وحده، مصداقاً لقوله تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً بعيداً} )الأحزاب: 36(
بعد ثبات هذا المبدأ وتقرير الحاكمية المطلقة لله رب العالمين، يصح لنا في مجتمعاتنا الحديثة أن نطور نظم الشورى حسب المصلحة، وأن نطور نظم الشورى حسب الزمن، مما قد يجعلها في بعض الزوايا شبيهة بالانتخاب الديمقراطي، ومما يجعلها في بعض الزوايا مخالفة للانتخابات الديمقراطية، بحيث تصح الوسائل بصحة المقاصد.إذن فأساس التقدم البشري، من المنظور الإسلامي، هو الحوار المتمثل بنظام الشورى، وكلما نضج أسلوب الحوار في مجتمع من المجتمعات تمكن من تحقيق مصالح أفراده، وعلى هذا فللمستشارين حق على المستشير، ويتثمل هذا الحق بالالتزام بفحوى الاستشارات وبجوهر اجتهادهم فيها، لا سيما في الأمور الكبرى، مما يخص السياسة العامة للدولة، وتسيير الجيوش وعقد المعاهدات ونحو ذلك. وعلى من يمارس الشورى ألاّ يدّعي الكمال أو الصواب لرأيه، وأن يتحرى الحق، وأن يوازن في رأيه بين قيمة ذلك الرأي، في تحقيق المصلحة العامة والحق، وبين قيمة الطاعة «للآخر» في تحقيق المصلحة العامة والحق حتى لا تتحول الشورى إلى مضيعة للجهود ومفسدة للبيعة والانتظام.
ومع تهانينا لإخواننا في مجلس الشورى المعين الجديد، نلفت الأنظار إلى أنهم إزاء أمانة كبرى، وأنهم باختيار ولي الأمر لهم، قد أصبحوا أمناء على استشاراتهم، أمناء على مصالح البلاد والعباد، فالله الله في الحق والورع وأداء الأمانة، والله الله في إنصاف الضعفاء وإيصالهم إلى حقوقهم، والله الله في قوله تعالى: {فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ü والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما عضبوا هم يغفرون ü والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون ü والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ü وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلُها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين} )الشورى 36 40(.
*رئيس تحرير مجلة العالم

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved