أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 15th June,2001 العدد:10487الطبعةالاولـي الجمعة 23 ,ربيع الاول 1422

مقـالات

المصداقية والمواجهة في شخصية الأمير عبدالله
د. خليل بن عبدالله الخليل
يحتفظ التاريخ بمكانة خاصة للقيادات المؤثرة أينما كانوا وكيفما كانوا. التاريخ أحداث ورجال، آثار ومؤثرون، وما من إنجاز جبّار حسب مكانه وزمانه إلا وتتساءل الأجيال عن الإنسان والأناسي الذين كانوا خلفه، وبنفس الروح ما من مآس وانتكاسات، إلا ويتساءلون عن من هم وراءها كذلك.
الأمير عبدالله بن عبدالعزيز أحد القيادات التي احتلت مكانة في صفحات التاريخ المشرقة. أخذت مكانتها في وجدان الأمتين العربية والإسلامية.. لما تميزت به من صدق النوايا، وطيب السجايا، وسمو الأهداف.
تصدى الأمير العربي الشهم والمسلم الغيور «للقضايا الكبرى» التي تعاني منها الأمتان العربية والإسلامية «فواجهها» بفكرٍ نيّر، وعزم صادق، ونبرة واضحة، ومتابعةٍ جادة. واجه «القضايا الكبرى» بنفس مليئة بالاعتزاز بما لدى الأمة من مخزون تاريخي مُشرّف، وطاقات بشرية متحفزة، وقوانين كونية عادلة. لم يهن ولم يضعف، ولم يتوقف ولم يتراجع، لم يهادن ولم يساوم.
التحم الشهم الغيور مع الأمتين العربية والإسلامية فمنحها مشاعره الصادقة فأهدته ثقتها، ونافح عن مقدساتها فأكبرته، وحافظ على عزتها وكرامتها فحفظت له الود والإجلال. نعم وثقت به وأكبرته وأجلّته في زمنٍ شحّت فيه الثقة، واتسعت فيه الشقة بين القادة والشعوب.
انطلق يحفظه الله إلى مشارق الأرض ومغاربها في جولات وزيارات شملت القارات الخمس حاملاً القدس في قلبه، رافعاً لواء الحق والعدل بيمينه، صامداً على قدميه أمام حملات «التشكيك» و«التفكيك»، إنه المحامي القوي الأمين لقضايا الأمتين العربية الإسلامية.
يعاني العرب والمسلمون من «أزمة قيادة» منذ أمدٍ فجاء سمو الأمير عبدالله العربي الشهم والمسلم الغيور مُكلَّلاً بأزاهير المصداقية التي ورثها وكسبها.. فواجه القضايا «المؤجلة» و«المتأججة» لم «يُعلّقها» ولم «يُبرِّدها» كعادة السياسيين المحترفين الذين لم يذوقوا للحسم طعمه اللذيذ، تجاوز الحدود الرسمية والبروتوكولات الوهمية والمخاوف المألوفة المعشعشة فاجتاز السدود بحكمة وأناة وتوفيق ليصل إلى المقصود الذي يخدم الأوطان والشعوب والمبادئ والمقدسات.
تصدّى سموه لأزمة الحدود بين المملكة وجيرانها شرقاً وشمالاً وجنوباً.. على ضوء الثوابت السعودية والأعراف العربية والقوانين الدولية فأصبحت تلك الأزمات التي طالما ألقت بظلالها الضبابية على العلاقات السعودية العمانية والقطرية والكويتية واليمنية تاريخاً. انتهت أزمة الحدود وتفرّغ الأشقاء لبناء لغد المشرق. تفرغوا لخدمة الشعوب التي تطلب منهم، بل تطالبهم بالنظر في همومها.
لقد ظن بعض العرب أن المشكلة الحدودية مع اليمن «عاهة مستديمة» خطط لها الغرب المتنفذ «لتدوم» إلا عندما يرى في حلها مصلحة له. أثبت الأمير عبدالله الذي جسد روح القيادة السياسية السعودية في هذا الصدد، أن صناعة التاريخ تتجدد وأن الظنون الفاسدة تتبدد ولن تستطيع أن تحول بين القادة المخلصين وبين إعادة صنع التاريخ، وها هي مشكلة اليمن الحدودية خلف الظهور بإرادة عربية صادقة. وقبل ذلك بقليل انتهت المشاكل المماثلة مع سلطنة عمان، ومع دولة قطر ومع دولة الكويت.. بدون اللجوء إلى محاكم دولية أو وساطات أجنبية.
انطلق الأمير العربي الشهم الغيور من ثوابت الدين الحنيف والتاريخ المديد والجغرافيا الصامتة والمثل العليا واعتبر أن وحدة الأمتين العربية والإسلامية «رسالة» سامية تستحق الكفاح. لقد نذر نفسه من أجلها وسخر إمكانات «دولة القرن العشرين» في الشرق الأوسط لخدمتها. «سوّى» سمو الأمير الشهم الغيور المشاكل الحدودية.. فكان مؤسساً قديراً من مؤسسي الدولة، وخادماً أميناً للوحدة، وزعيماً متجرداً للأمة.
إنه رجل المواقف الإيجابية، والقيادة في جوهرها مواقف ولقد اختار مواقفه، المنطلقة من ذاته الطيبة ومن قناعاته الراسخة، بدقة وشفافية مما سجلها في مخزون الأمة الثَّر الذي غيَّر مجرى الحضارات عبر القرون المتتالية.
وقف مع سوريا في مواجهاتها للعدوان الصهيوني طوال السنين محتفظاً بصداقة حميمة مع قياداتها السالفة والحاضرة، وعندما أطلت نذر الحرب مع تركيا التي هددت سوريا عسكريا وكان خارج المملكة وقف الموقف السعودي الصلب الذي سخر الإمكانات الشخصية والرسمية للدفاع عن الدولة العربية المستهدفة من قوى الشر المتمثل في تحالف تركيا مع إسرائيل بمباركة غربية واضحة.. متذرعة بقضية الزعيم الكردي أوجلان فأرسل صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز ممثلا عن القيادة السعودية وكان الأمير عبدالله آنذاك في ولاية هاواي بالولايات المتحدة الأمريكية في طريقه لزيارة عدد من دول الشرق الأقصى «الصين، اليابان، كوريا وباكستان» عام 1998م، لم يتوان ولم يتردد، بل أعلن الوقوف مع الشقيقة سوريا وكان يتابع بنفسه مجرى الأحداث الساخنة.
تفاهم مع الدبلوماسية القطرية في مسعاها لنزع فتيل حرب أهلية في دولة باكستان الاسلامية عندما أودع نواز شريف، رئيس وزراء باكستان الأسبق، السجن على أثر الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكومته. وذلك لإدراكه العميق بمكانة الباكستان المسلمة التي تمثل عمقا استراتيجيا للأمة الإسلامية، وأن ما ينالها من أذى وانقسام سيلقي بظلاله الكئيب على واقع ومستقبل النهضة الإسلامية. سعى لتخليص رئيس مجلس الوزراء من المعتقل، ولقد تحقق ذلك واختار السياسي المكلوم بعد خروجه من السجن العيش مع عائلته في المملكة التي رحبت به قيادتها واحتضنه شعبها.
عاش الأمير الشهم والمسلم الغيور لوطنه ولأمته وبذل الكثير ومازال مختاراً «مواجهة الأزمات» بحكمة وعزيمة وإصرار. يتحدى المصاعب عندما يشعر بأن تحديها «ممكن» مُحتسباً ما يناله جراء ذلك.. فخاطب الأمريكان والبريطانيين في محادثاته الرسمية بشأن عربي صرف ألا وهو «الحصار» المفروض على الشعب الليبي منذ عام 1992م، على إثر الاتهام بالضلوع في إسقاط طائرة البان ام في لوكربي وتمكنت السياسة السعودية بمتابعة وتوجيهات الأمير عبدالله من أن تهيئ الأجواء السياسية والقانونية للحل المرضي بشراكة الزعيم مانديلا رئيس دولة جنوب افريقيا سابقاً، ومرة أخرى يتولى «صانع الأحداث» الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز الذي يَعرِفُ الغربُ عنه القدرة على خوض غمار القضايا المعقدة بدءاً بأزمة لبنان عام 1982م، ومروراً بأزمة الحرب العراقية الكويتية تلك «الأزمة الدولية الحادة» ويصل فيها إلى نتيجة تاريخية مرضية.. نجحت المساعي السعودية بعد أن فشلت مجهودات دول عربية لها وزنها. أكبرت القيادة الليبية وثمَّن الشعب الليبي النجاح الذي أخرج الجماهيرية الليبية العظمى من مأزقها بأسلوب حضاري مُعترف به من الجميع.
واصل الأمير عبدالله مواجهاته وعطاءاته وانجازاته.. مقتنعاً بحقوق وتطلعات الشعوب العربية والمسلمة التي خاطبها في القمم بثقة ومصداقية فتجاوبت معه وأكبرته وهي التي يئست أو كادت.. لما رأته عبر العقود من تخاذل القادة. ألفت الشعوب الخطب المنمقة والمواقف المصطنعة والتي لا تفسير لها إلا أنها الميكافيلية السياسية المكشوفة التي تستهلك قوى الشعوب وتبدد عواطفها وتهدر إمكاناتها. وجدت الشعوب في الأمير السعودي الصامت المبتسم الرجولة والمصداقية والاستمرارية في المساعي الحميدة.
استجابت العواطف له واقتنعت العقول به.. إنه لم يزايد على أحد ولم يتقمص شخصية غيره ولم يحب أن يمدح بما لم يفعل. نادى بالعزة والكرامة وطالب بالحقوق العربية ودافع عن القدس ووقف مع الشعب الفلسطيني. إنه صاحب «رسالة» واضحة حملتها وتحملتها نفسٌ عفويةٌ مؤمنة استدارت عن مصافحة الجنرال باراك رئيس وزراء إسرائيل في هيئة الأمم المتحدة عام 2000م، أدار لباراك ظهره أمام الوفود العالمية في مقر الجمعية العمومية للمنظمة بمدينة نيويورك.. تعبيراً عن «الاستياء» العربي و«الرفض» الإسلامي للعدوان والاحتلال والبربرية التي يمارسها الصهاينة صباح مساء ضد الشعب الفلسطيني منذ عام 1948م.
دافع عن القدس العربية المسلمة، ودعم الانتفاضة على ضوء رؤية مستقبلية بعيدة تقول «فاليوم قد يكون يومه وغداً لنا»، مخاطباً الجنرال شارون إن الغد للعرب والمسلمين فسبق أن احتلت القدس )26( مرة ثم تحررت وما الإسرائيليون إلا الاحتلال السابع والعشرون وسوف يرحلون يوما من الأيام مادام «كل طفل يتطلع إلى الاستشهاد» حسب رؤية الأمير. لا خوف على العرب والمسلمين من المستقبل، إنهم حملة الرسالة وحماة الحق والعدل.. القدس قدسهم وفلسطين أرضهم طال الزمن أو قصر.. لم ينخدع الأمير بدعاوى السلام. إن السلام عنده مطلب ما دامت المقدسات محترمة والحقوق مصانة والعدل مبسوط وإلا فلا سلام.
إن التاريخ يتحرك ويقف، والقيادات الصادقة هي المحور الذي يصنع المستحيلات ويقرِّب المسافات، والمواقف التي وقفها الأمير عبدالله مصدر إلهام وإجماع وتجمع للعرب والمسلمين.. وهم يعيشون منعطفاً خطيراً من منعطفات التاريخ المتكررة.
لقد أدرك سموه كنه الأزمات فواجهها.. متلاحماً مع مشاعر وآمال الشعوب العربية والمسلمة، متفاعلاً مع قواها الكامنة، فاستحق بذلك الثقة والحب والإكبار.
جسَّد الأمير عبدالله روح القيادة السعودية وتطلعاتها.. بما انطوت عليه عبر ثلاثة قرون من الزمن من مخاطرات وبطولات وإنجازات فاختار «المصداقية» في التعامل مع القيادات والشعوب، وسلك سبيل «المواجهة» في تناول القضايا والأزمات فاستحق بذلك الثقة والاحترام إنه بتجرد رجل دولة وزعيمُ أمة وصانع من صنّاع التاريخ.


أعلـىالصفحةرجوع













[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved