أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 15th June,2001 العدد:10487الطبعةالاولـي الجمعة 23 ,ربيع الاول 1422

مقـالات

استراتيجية الأمن السعودي
اللواء سعد بن عبدالله التويجري
إن من أهم الإنجازات التي تتمحور حول دراستها السياسات الدولية اليوم هو ثبات الدولة السعودية في الحفاظ على الأمن بسياسة تتداخل في مرونتها دعائم الحق وصلابة العدالة، وهمة تجر العقل إلى موازين الحكمة التي استنطقت الأفواه بالإعجاب والتقدير، كما استنطقت أرض الواقع بالإنجاز والتطوير.
قأبرزت من خلال منهجيتها خصوصية تمازج المجتمع السعودي الإنساني والعقائدي في إطار فريد من التلاحم والتراحم بين الحاكم والمحكوم، فمن مبدأ اهتمام الدولة السعودية والتي تبذل كل غال ونفيس في سبيل خدمة المواطن الى مبدأ السمع والطاعة الذي ينبثق من أصل من أصول الدين إذ يقول عليه الصلاة والسلام: «اسمع وأطع» فهذه هي قاعدة البيعة الإسلامية والتي تنص بالسمع والطاعة على المنشط والمكره فيما يرضي الخالق سبحانه وتعالى، وبهذا يصبح المواطن السعودي في إطاعته لولاة أمره يمارس عبادة وحدة الصف والتي هي من أحب الأعمال الى الله تعالى، وذلك لتحقيق غاية يبتغي بها الحكم بما أنزل العلي القدير، ومن خلال هذا الترابط بين المواطن وولاة أمره يتم تحقيق هذه الغاية.
وتعتبر تصريحات صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز دليلا وثيقا مبرهنا على سجل الواقع ينعكس من خلاله هذا المفهوم الواضح للعين المجردة في إصرار الدولة السعودية حكومة وشعباً على التعبد لله تعالى من خلال تطبيق الشريعة الإسلامية، والتي لا تخضع لتعديل أو إلغاء ولا لنقاش وفق المصالح المتبادلة، إنما تخضع لحكم الله تعالى بمراعاة العدالة بصورتها الإلزامية والمستمدة من أساس ديني احتوى على كل معاني الرحمة ومراعاة الحقوق العامة للإنسان وفق تشريع رباني ضمن الحق لكل صاحب حق دون النظر إلي دينه أو جنسه أو عرقه.
وتكثر الأسئلة وتتمحور حولها النقاشات فيما يخص أمن المملكة وتتجاذب الأفواه والأقلام في ماهية الركائز التي ارتكز عليها هذا الأمن.
فكانت ولازالت الإجابات تتعاقب بين قول محق منصف، وقول حاسد مجحف، وقول محب، وديدن كل أولئك يدور حول العقيدة الإسلامية وأثرها في ذلك بين ايجاب وسلب، ويعلم الجميع أن البشر في مختلف أصقاع الأرض يتعبدون بمبادئ وايديولوجيات شتى سواء كان ذلك في العالم القديم او الحديث، وأن طقوس هذه العبادة تنبع من داخل الشخصية الإنسانية لفطرة جبل عليها الإنسان حتى ان أصحاب المبادئ الوجودية والذين يرفعون شعار لا دين وأنه لا توجد للإنسان حقيقة مطلقة يسلكون في مبادئهم منهجية التبعية للسلطة والقائد من خلال قوى نفسية داخلية تدفعهم الى ضوابط اجتماعية معينة لغاية توجد لهم تميزهم الإنساني.
ولقد أثبت العالم «جورج فريزر» منذ عام 1890م في كتابه الغصن الذهبي، «ان الإنسانية والدين متلازمان دائماً في كل زمان ومكان».
ويؤكد إثباته كثير من علماء النفس والاجتماع ومنهم العالم «فران كل» والذي اشار الى ان الشعور بالقلق واليأس وعدم الأمان اصبح شائعاً بين الكثير من الناس بسبب حالة الفراغ الروحي على اعتبارها حالة تدفع الإنسان الى .. الاحساس بالملل واللا أهمية مما يجعل الحياة بدون معنى او هدف.
وبالنسبة للعصر الحديث يؤكد هذا العالم النفسي الأمريكي الدكتور «كار لي ونق» والذي يعتبر من افضل الأطباء النفسانيين في أمريكا حيث يقول في كتابه «الرجل العصري يبحث عن الروح»، خلال الأعوام الثلاثين الماضية عالجت مئات المرضى من مختلف شعوب العالم فوجدت جميع مشاكلهم ترجع في أساسها الى افتقارهم للإيمان وخروجهم عن تعاليم الأديان وان كل اولئك المرضى وقعوا فريسة المرض لأنهم حرموا سكينة النفس والتي يجلبها الدين.
ويرى مثل هذا الرأي العالم الإنجليزي الدكتور «هارفيلد» إذ يقول عندما اتحدث كمعالج نفسي فإني اذهب الى القول بأن الدين يعتبر احد القوى المؤثرة والهامة للوصول الى السلام والاستقرار والأمن، والى حالة من الطمأنينة النفسية والتي نحن في أمس الحاجة إليها، ولقد حاولت علاج العديد من المرضي بايجاد الثقة والإخلاء بهم الي الهدوء ولكن دون جدوى، وحينما ربطت بين هذه الاتجاهات والثقة بالإله واليقين تحسن اولئك المرضى.
ومن التصريحات التي صدرت عن الأطباء النفسيين بالاكاديمية القومية للدين والصحة العقلية بأمريكا إن ما يعتقد فيه الإنسان يمثل عاملاً في صحته الانفعالية ولقد لعب الدين دائماً دوره في العلاج.
ومن أقوال هؤلاء العلماء وغيرهم مما لا يتسع المجال لذكرها في هذه المساحة من العصر القديم والحديث نستنبط حقيقة الأمن السعودي.
فهو لم ينشأ من فراغ ولا هو بمحض الصدفة والحظ، بل أن له ركائز دعمت على فضل الله ورعايته إذ منْ الله تعالى على هذه البلاد بنعمة الأمن الروحي والاستقرار الديني مما اثرى أرض بلادنا بالأمن والاستقرار، وهذه هي أفضل نعمة يحوز عليها الإنسان بعد نعمة الإيمان ودليلنا في ذلك قول رسول الهدى عليه افضل الصلاة والسلام «من بات آمناً في سربه معافاً في جسده يملك قوت يومه فكأنما حيزت له الدينا بحذافيرها».
ولقد بنيت استراتيجية الأمن السعودي على العديد من الركائز اولها تطبيق احكام الشريعة الإسلامية بلا قيد ولا شرط على كبيرنا قبل صغيرنا والقضاء الإسلامي في المملكة العربية السعودية لا سلطة لأحد عليه ولا يخضع إلا لمنهج الله سبحانه وتعالى وتشريعه، وان إقامة حدود الله في زمن لا يقام لله فيه على أرضه حد ولا حكم عبادة وسبب قوي في استتباب الأمن في بلادنا، حيث يعتبر التشريع الإسلامي بشهادة اعدائه قبل اتباعه ذا أثر عميق في نفسية الفرد وحياته العقلية والخُلقية والروحية مما يفضي الى شيوع الأمن والاستقرار الاجتماعي.
أما الركيزة الثابتة:
فهي أن الحكومة السعودية تعمل بمبدأ الشورى من خلال الجماعة لا من خلال الفرد كقيادة لهيكلية التنظيم الاجتماعي للشعب السعودي وفق مبدأ «كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته»، وهذا المبدأ والذي تؤكد عليه تصريحات ولاة الأمر بين الحين والأخر بأن المسؤولية في يد المسؤول ليست تميزاً ولا سُلطة، وانما هي حمل وأمانة يحاسب على التفريط في الدنيا والآخرة.
ومن هذه القاعدة تنطلق جميع اجهزة الدولة لتحقيق الأمن النفسي والجسدي والمادي والاجتماعي للمواطن والمقيم وفق أهداف منبثقة من التشريع الإسلامي ثم على أسس تنظيمية انتهجتها الدولة لتسهيل مصالح المواطن فالكل في خدمة الفرد مواطنا كان او مقيماً، وان ثبت ضد أي مسؤول عكس ذلك اتخذت الإجراءات اللازمة حيال حماية حقوق المواطن والمقيم والزائر.
ويتبع ذلك كله توعية أمنية انطلاقا من مبدأ الوقاية خير من العلاج حيث تم تطويع الطرق التي ثبت نجاحها في توعية الجمهور بما يتعلق بأهمية الأمن الوقائي، ولقد كان دور المواطن ملازماً لدور حكومته حيث يعتبر هذا الدور أحد أهم الأسباب المؤدية للاستقرار والأمن في الوطن الغالي وهو من أهم الركائز في استراتيجية الأمن السعودي وتوطيد دعائمه، فالجانب الوقائي من قبل المواطن السعودي وتفاعله مع الخطط الأمنية ينبثق من مبدأ الولاء لدينه والالتزام بما شرع الله سبحانه وتعالى لنا إذ يقول سبحانه وتعالى «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا».
ولقد أثيرت بعض الزوابع كسهام نافذة لمحاولة زعزعة الأمن السعودي كحوادث التفجير المتفرقة التي حدثت في مدينتي الرياض والخبر وما تبعها من ضجة إعلامية مفتعلة في الإعلام المعادي بغية هز ثقة المواطن السعودي في أمن بلده، واثارة القلاقل فيها بغاية يُبتغى منها هدم كيان هذا الأمن، ولكن كان المواطن السعودي ملازما في دوره لرجال الأمن كدرع واق ضد هذه السهام فهو بمثابة بوابة الحصن والتي صدت كثيراً من الثغرات والمنافذ ضد من يريد تسريب الفرقة بين صفوف الكيان السعودي باتباعه لتعاليم دينه ومنهجه التشريعي.
فالمواطن السعودي لا يقل دوره في الأهمية والعطاء عن دور حكومته والتلاحم بين الشعب السعودي وولاة أمره لم يكن مبنيا على مبدأ السلطة والنفوذ، وإنما انبثق من خلال الولاء للعقيدة الإسلامية.
حيث كان لهذا التلاحم أثره العظيم والذي اوجد للدولة السعودية مكانتها الأمنية المميزة، وقد أثبت تعامل الأمن السعودي مع حوادث التفجيرات والتي حدثت في مدينتي الرياض والخبر، والتعامل مع مختطفي الطائرة الروسية كفاءة الأجهزة الأمنية في المملكة العربية السعودية، ومدى تحمل رجال الأمن لعظم المسؤولية والأمانة الملقاة على عواتقهم وهذه الكفاءة هي ثمرة تعزيز المفهوم الأمني من خلال المنظور الإسلامي وتنمية شعور الوسطية الإسلامية على الحنيفية السمحاء.
هذا الشعور والذي يعتبر بمثابة التربة الصالحة التي تغلغلت في أعماقها نخلة الأمن فأينعت ثمارا طيبة، وشجرة الأمن السعودي لم تكن تحصيل حاصل وإنما هي منحة الله وفضله، عروقها أحكام الشريعة الإسلامية وأغصانها العدالة وثمارها الإنجاز تسقيها سماء الحرية وتغذيها أرض المروءة.


أعلـىالصفحةرجوع













[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved