أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 17th June,2001 العدد:10489الطبعةالاولـي الأحد 25 ,ربيع الاول 1422

متابعة

عصر المندوب السامي الأمريكي والسلام المزعوم..!
عادل أبو هاشم*
وصل المبعوث الأمريكي الخاص الى الشرق الأوسط وليام بيرنز حاملا معه الشروط الأمريكية لوقف الانتفاضة وفي مقدمتها القاء القبض على كل من شارك وساهم في الانتفاضة وتسليمهم الى إسرائيل ..!
غادر بيرنز المنطقة دون تحقيق تقدم يذكر..
وصل جورج تينيت رئيس الاستخبارات الأمريكية الى المنطقة حاملا الوثيقة التي تحمل اسمه وبها أسماء الذين شاركوا في الانتفاضة، وعلى السلطة الفلسطينية إلقاء القبض عليهم ووضعهم في السجون الفلسطينية!
غادر تينيت المنطقة دون تحقيق تقدم يذكر..
وصل بيرنز ..غادر بيرنز ..
عاد تينيت .. غادر تينيت ..
أصبحت هذه الأخبار أسطوانة مكررة ومعروفة مسبقا منذ أن سمعنا باسم دينيس روس المبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط، فقد كان يأتي الى المنطقة حاملا معه أفكارا جديدة، ويذهب وقد تبخرت هذه الأفكار، ثم يعاود الكرة مرة أخرى وهكذا.
وجولة بيرنز وتينيت الحالية لا يتوقع أن تخرج عن هذا التصنيف رغم من رشح من حديث عن قبول القيادة الفلسطينية لوثيقة تينيت مع تحفظها على بعض البنود فلقد أصبحت من العادات الموسمية، في السابق كانت إسرائيل ترفض أحد بنود الاتفاقات الموقعة برعاية أمريكية أو تتشدد في موقف معين، فيأتي روس حاملا في جعبته الكثير من الآراء والأفكار الجديدة لتحريك عملية السلام، ولكن هذه الأفكار والآراء تصب كلها في عملية إقناع الطرف الآخر الفلسطيني بالطبع للقبول باستمرار عملية السلام، وقبول عذر اسرائيل في رفضها لهذا الشرط أوعدم تنفيذها لشرط آخر، وهذا يعني أن تحريك عملية السلام مقصود به إقناع الطرف الآخر بالقبول والرضوخ والتنازل مرة أخرى، أما عندما ينتقل روس الى إسرائيل فهو لا يحمل أفكارا كما يحملها للآخرين، وإنما يحمل معه تقبلا لما سيعرض عليه من أفكار مقدمة من الجانب الاسرائيلي.
فماهو إذن الفرق بين روس سابقا وبيرنز وتينيت والمندوب السامي البريطاني أو الفرنسي الذي عرفته شعوب المستعمرات حتى عهد قريب إبان مرحلة الاحتلال العسكري المباشر؟
إن منطقة الشرق الأوسط التي انتهت الحرب العالمية الأولى بضبط أوضاعها على ضوء المصالح العليا للنظام الرأسمالي العالمي، لا تزال حالها على ما هو عليه حتى يومنا هذا، وبعد الحرب العالمية الثانية تغيرت الأساليب والأشكال والوجوه القديمة، لكن جوهر الوضع بقي هو ذاته.
لقد كان الشكل الأول أوروبيا وحل محله الشكل الثاني الأمريكي، وبدلا من المفوض السامي البريطاني او الفرنسي المقيم، ظهر السفير الأمريكي المتجول أو المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي.
إن هذا المندوب البسيط المظهر، الذي يهبط من الطائرة كأي مسافر عادي تقريبا، ويتوجه غالبا الى الفندق كأي سائح هو نفسه ذلك الحاكم أو المفوض السامي القديم، إنما على الطريقة الأمريكية التي اقتضت تبديل مظهره الخارجي وأسلوبه ومركز إقامته الدائمة فحسب دون أن يتبدل شيء في جوهره.
لقد اختفى ذلك الجنرال المتعجرف، الأحمق غالبا، الذي كان يقيم في عاصمة البلد المنكوب محاطا بالعساكر وبكافة مظاهر القوة والبطش المباشر.
لقد تجاوزه التطور العام المذهل في وسائل الاتصال الفوري بأية بقعة من بقاع العالم، وفي وسائل الحرب الحديثة التي تطال بدورها فورا أي هدف مهما كان نائيا.
وها قد حل محله المبعوث الوديع مرتدياً «الجينز» حاملا حقيبته الصغيرة بيده، ويسير دون حراسة ظاهرة، ويبتسم وينحني طوال الوقت بينما هو يتحدث الى ضحاياه.
إن مظاهر الهيبة والعظمة وكافة وسائل السيطرة القديمة التي كانت تحيط بالجنرالات الأجانب قد أصبحت الآن من حق الحكام الوطنيين الذين صاروا يمارسونها ضد شعوبهم «المستقلة» نيابة عن الجنرال الأجنبي القديم، الذي أدرك قبل وقت طويل أن تقدم الحياة والوسائل عموما قد جعل مظهره وأسلوبه غير لائق ولا يفيد على الإطلاق، ناهيك عن الفارق الهائل في الفعالية، فالمبعوث الأمريكي أوفر حظا، وأعظم نجاحا وكسبا، ونهبا وسلبا وفتكا، من ذلك الجنرال القديم المضحك الذي يكلف حكومته الكثير ويجلب لها القليل.
إن مهمة المندوب السامي الأمريكي في المنطقة العربية ما زالت مستمرة فبعد أن قام بأعبائها لسنوات طويلة مسؤولون أمريكيون من الدرجة الأولى، الى جانب وظائفهم الأصلية، مثل هنري كيسنجر وجوزيف سيسكو وريتشارد ميرفي وفيليب حبيب ووارن كريستوفر، تفرغ لها أخيرا جيل جديد من الساسة الأمريكان يتمتع بكل مواصفات من سبقوه ولكن أكثر شباباً وحيوية ونضارة وغروراً، وقد رأينا كيف استطاع ريتشارد هولبروك المندوب السامي الأمريكي لمنطقة البلقان «اليهودي الأصل» إبرام اتفاق دايتون للسلام في البوسنة لصالح الصرب، هذا الاتفاق الذي لم يكن عادلا للمسلمين بأي مقياس من المقاييس، فقد كافأ المجرمين المعتدين الصرب بنصف مساحة البوسنة،
وقضى تماماً على قيام دولة إسلامية في أوروبا، وشاهدنا هولبروك مرة أخرى في كوسوفو حيث تجرع مسلمو كوسوفو الويلات في صورة جديدة ومنقحة ومعدلة عن الويلات التي ذاقها مسلمو البوسنة، ثم جاء المندوب السامي الأمريكي دينيس روس «اليهودي الأصل أيضا» المعروف بتخصصه في الشرق الأوسط ليمرر كل ما تريده اسرائيل من الفلسطينيين.
إن دينيس روس في عهد كلينتون، ووليام بيرنز وجورج تينيت في عهد بوش هم النسخة الحديثة المعاصرة عن نائب الملك البريطاني القديم أو الحاكم البريطاني العام، أو المندوب السامي الفرنسي والمفوض السامي البريطاني القديم لكنهم أكثر فعالية وأشد فتكاً وأعظم تأثيراً ونفوذاً.
ويلاحظ أن زيارات المندوب السامي الأمريكي تترافق دائماً مع أحداث خطيرة للإيحاء بأن هذا المندوب يسير عبر حقول ألغام واسعة، وهو يتعمد تفجير بعض الألغام كي يحقق بعض التقدم، وهو في ذلك يفتش عن ثغرة مهما كانت ضيقة لصالح الطرف الأقوى، وعندما يكتشفها يبدأ على الفور بتوسيعها دون أن يكترث لضحايا هذه الألغام.
فزيارة بيرنز وتينيت للمنطقة جاءت بعد العملية البطولية الاستشهادية للبطل سعيد الحوتري في قلب مدينة تل أبيب، وما رافق هذه العملية من تهديد اسرائيلي باجتياح أراضي السلطة الفلسطينية، وقتل القيادة الفلسطينية وطرد ما تبقى منها للخارج.
أي بمعنى أصح عودة الصراع العربي الاسرائيلي الى المربع الأول ..!!
لم يقم أي مندوب أمريكي بزيارة المنطقة بعد قتل القوات الاسرائيلية لأطفال ونساء وشيوخ فلسطين، ولم يسمع الفلسطينيون أي كلمة استنكار استنكار فقط أمريكية ضد قيام طائرات ال F16 والمروحيات والدبابات والبوارج بقصف وتدمير منازل المدنيين الفلسطينيين فوق رؤوس سكانها! وحصار الشعب الفلسطيني الى حد المجاعة!
ولأنه الدم الاسرائيلي الذي سال هذه المرة فلتقم قائمة العالم!!
لقد أثبتت تجربة ميلوسوفيتش عند الصرب وشارون في اسرائيل وما رافق هاتين التجربتين من زيارات للمندوب السامي الأمريكي أن الدويلات المكونة عبر كتل من الجماجم وأنهار من الدماء، لا يعطيها شكل هذا التكون شرعية البقاء لأنه تمت إضاعة الحق وصاحبه على مفترق الطرق، وإن المندوب السامي الأمريكي لا يستطيع إعطاءهما شرعية هذا البقاء، وأن وثيقة تينيت السيئة الذكر ستذهب أدراج الرياح كما ذهبت جميع المحاولات السابقة التي حاولت وأد الانتفاضة المباركة.
* كاتب وصحفي فلسطيني الرياض
a_abuhashim@hotmail.com

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved