أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 18th June,2001 العدد:10490الطبعةالاولـي الأثنين 26 ,ربيع الاول 1422

مقـالات

خصائص مجلس الشورى السعودي
مرزوق العشير
ينظر علماء السياسة الشرعية وعلم الاجتماع السياسي إلى إنشاء مجلس الشورى في المملكة العربية السعودية بوصفه نوعاً من الإنماء أو التحديث السياسي الإسلامي ومظهراً من مظاهره المهمة التي شهدتها المملكة في عهد قائد مسيرتها وراعي نهضتها الحديثة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله الذي حرص على تحديث الأنظمة وتطوير المؤسسات واستكمالها وإعادة ترتيبها من أجل تطوير أسلوب الحكم والإدارة وتدبير شؤون الدولة وفق سياسة شرعية تحقق مصالح البلاد والعباد وحفظ للمجتمع السعودي خصوصيته بوصفه مجتمعاص مسلماً تميز منذ نشأته بالتمسك بالكتاب والسنة وتطبيق شرع الله في جميع شؤون الحياة واستطاع في الوقت نفسه مسايرة التطورات المعاصرة والتقنيات الحديثة في شتى الميادين والمجالات وأخذ بنصيب وافر منها.
ومن هذا المنطلق نستطيع أن نقول: إن تجربة الشورى المؤسسية في بلادنا الغالية تعد تجربة فريدة من نوعها متميزة في شكلها ومضمونها عميقة في جذورها وأصولها، فهي تعد تطبيقاً «لمبدأ الشورى» الإسلامي بأسلوب حديث من خلال مؤسسة سياسية عصرية )مجلس الشورى( تزود ولي الأمر بالآراء الصائبة والدراسات المتعمقة الوافية التي تمكنه من اتخاذ القرارات القادرة على الوفاء بمتطلبات العصر والتعامل مع مصالحه المتشابكة ومواجهة تحدياته المختلفة، ومن وضع السياسات والتنظيمات اللازمة لإحداث التنمية ومواكبة التطورات الحضارية السريعة في العالم مع الحفاظ في الوقت ذاته على خصوصية هذه البلاد الطاهرة باعتبارها بلاد الحرمين الشريفين ومنطلق الرسالة المحمدية وتحرص أشد الحرص على التمسك بعقيدتها الإسلامية وما ينبثق عنها من أحكام وأخلاق وتعاليم ربانية.
لقد ظهر مجلس الشورى السعودي إلى الوجود بعد دراسة متأنية فجاء متميزاً عن غيره من المجالس المشابهة في البلدان الأخرى فهو ليس محاكاة )للبرلمانات( أو المجالس )التشريعية( في المجتمعات الغربية أو الشرقية وليس محاولة للتشبه بتلك المجتمعات وثقافتها السياسية ولم يكن الهدف من إنشاءه إدعاء )الديمقراطية( والتظاهر أمام الغرب أننا مجتمعاً )ديمقراطياً(. فنحن لا يشرفنا ولايسوغ لنا تقليدهم في كل شؤونهم تقليداً ببغاوياً كما يريد لنا بعض )مثقفينا( مع الأسف الشديد. وذلك لأننا منهيون شرعاً عن التشبه بالكافرين فقد حذرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: «من تشبه بقوم فهو منهم» )أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الألباني(. وقال أيضاً : «لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم، قلنا: يارسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ ) أخرجه مسلم(. ولهذا لم يكن مستغرباً أن يأتي مجلس الشورى منسجماً مع هذه المنطلقات الشرعية ومعبراً عن أصالة هذا المجتمع وتميزه عن غيره من المجتمعات ومدى ما يتمتع به ولاة الأمر فيه من بعد نظر وحنكة سياسية شرعية. فكانت النتيجة ما نشاهده اليوم من أعمال وإنجازات لهذا المجلس المبارك والتي من المتوقع أن تزداد كماً ونوعاً في مستقبل الأيام بعد أن تنضج التجربة وتقوى وتزداد رسوخاً وتتراكم الخبرة ويصبح للمجلس أعراف مهنية وتقاليد مرعية في ممارسة الشورى المؤسسية.
ومثل هذا الهدف أعني تطوير المجلس ورفع مستوى أعماله وإنجازاته لن يتحقق إلا بمراجعة تجربة المجلس وتقويمها باستمرار لاكتشاف ميزاتها ونقاط قوتها، من ناحية والوقوف على معوقاتها ونقاط ضعفها وتشخيص مشكلاتها، من ناحية زخرى.
وهذا ما سعت إليه الدراسة العلمية التي قام بها صاحب السمو الملكي الأمير د. فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز بعنوان: «التطور السياسي في المملكة العربية السعودية: تقييم لمجلس الشورى» وحصل بها على درجة العالمية العالية )الدكتوراه( في العلوم السياسية من جامعة درم بانجلترا أوائل العام الهجري الماضي بتميز من إشادة لجنة المناقشة بأصالة موضوع الرسالة وأهميته.
وقد توصلت هذه الدراسة إلى نتائج علمية غاية في الأهمية والموضوعية لاستنادها إلى معلومات ميدانية تم جمعها باستخدام استبانة تم توزيعها على أعضاء مجلس الشورى لاستطلاع آرائهم واتجاهاتهم نحو تجربة المجلس في ممارسة الشورى خلال السنوات الست الأولى من عمره وأبرز خصائص المجلس وأهم معوقات أعماله واقتراحاتهم لتطوير المجلس وتذليل المعوقات التي يواجهها. وما من شك في أن أعضاء المجلس هم الأقدر على تقييم مسيرته من جميع جوانبها فالمثل يقولك أهل مكة أدرى بشعابها. وسأعرض فيما يلي أبرز نتائج هذه الدراسة فميا يتعلق بخصائص مجلس الشورى ونقاط القوة التي يتميز بها بإيجاز تعميماً للفائدة ولتعريف القارئ الكريم بطبيعة المجلس وأهم سماته وهي:
الخاصية الأولى:
استناده إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والتزامه بهما في مارسة مهامه واختصاصاته: فالمجلس يعد تطبيقاً لمبدأ الشورى الذي جاء به الإسلام وقرره القرآن وهو يراعي في أعماله وقراراته عدم مخالفة شرع الله، الأمر الذي يزيد من قوته وشرعيته ويعطيه ميزة لا توجد لدى المجالس )البرلمانات( التشريعية في البلدان الأجنبية. إن هذه نقطة تميز قوية يجب ترسيخها والتركيز عليها، وتقديم تجربة الشورى في المملكة العربية السعودية باعتبارها مثالاص يحتذى به وطرحاً متميزاً وعصرياً في تفعيل أمر الشورى الذي يمكن تقديمه بعد التطوير والتحسين كمنهج بديل للتجارب الدولية الأخرى.
الخاصية الثانية:
كفاءته العالية وفاعليته في أداء أعماله وممارسة مهامه واختصاصاته. يدل على ذلك إنجازاته العديدة وإسهاماته الملموسة المهمة الت حققها خلال عمره القصير الذي لاتجاوز سبع سنوات، لاسيما في مجال دراسة الأنظمة واللوائح وتعديلها وإصدار أنظمة جديدة، والمصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية، ودراسة تقارير الوزارات والأجهزة الحكومية ومناقشتها وإبداء الرأي حولها، الأمر الذي ساهم في التنمية والتقدم الحضاري الذي تشهده المملكة العربية السعودية في جميع الميادين. ومما يدل على كفاءة المجلس وفاعليته العالية في الأداء اجتماعاته المكثفة وانتظام جلساته ووجود لجان عاملة متخصصة تقوم بإعداد الموضوعات وتجهيزها للنقاش فالمجلس يعقد جلستين اسبوعيتين عدا اجتماعات اللجان المتخصصة، علماص بان لائحته الداخلية تشير إلى عقد جلسة عادية كل اسبوع على الأقل.
الخاصية الثالثة:
يضم المجلس نخبة متميزة من أبناء الشعب السعودي: فقد تم اختيار أعضاذه بعناية فائقة على أساس من الاستقامة والنزاهة والتخصص العلمي والخبرة العملية. إن غالبية أعضاء المجلس هم من الكفاءات العلمية المتخصصة وأصحاب الخبرة الإدارية الواسعة. وهذه الميزة لاتتوفر في معظم البرلمانات والمجالس المشابهة التي يتم تحديد أعضاذها من خلال الانتخابات حيث تشير التجربة إلى أن هذه المجالس قد تضم أشخاصاً غير مؤهلين بل قد يكون بعضهم من أسوأ الناس ومن أكثرهم فساداً.
الخاصية الرابعة:
حرية الرأي والتعبير والصراحة والموضوعية أثناء جلسات المجلس ونقاشاته واتخاذ قراراته: في كل مايطرح داخل المجلس من قضايا وموضوعات. فلا مجال للمجاملة أو المزايدة الإعلامية. وهذا كله يحدث بهدوء وتعقل ومن يحضر جلسات المجلس يلمس الأسلوب الحضاري الرفيع في الطرح والحوار البناء بين أعضاء المجلس.
الخاصية الخامسة:
تغليب المصلحة العامة وغياب التكتلات والانتماءات الحزبية والفئوية والإقليمية بين الأعضاء وهذا يجعلهم بعيدين عن التحيز لمواقف وتوجهات معينة لأسباب حزبية أو شخصية. والنتيجة المنطقية لغياب الحزبية واختفاء الأهواء والمصالح الشخصية هي حضور المصلحة العامة واعتبارها هدفاً مشتركاً للجميع يسعون من أجل تحقيقه فالجميع يعملون من أجل مصلحة البلاد، ولذلك كله نجد أن تصويت العضو عند اتخاذ القرارات داخل الملجس يكون لصالح الوطن دائماً، وليس لصالح حزب معين، وهذا ما تفتقر إليه التجارب البرلمانية الأخرى.
الخاصية السادسة:
وجود علاقة أخوية وإنسانية متميزة داخل المجلس وبين الأعضاء تتسم بروح التعاون والاحترا المتبادل والشعور بالزمالة مع وجود الاختلاف في الرؤى ووجهات النظر أحياناً. ولاشك أن توفر هذه البيئة الإنسانية الإيجابية وهذه العلاقات الأخوية داخل المجلس ساعد الجميع على أداء أعمالهم بكل ثقة واقتدار.
الخاصية السابعة:
تمثيل المجلس لشرائح المجتمع السعودي وفئاته الإنمائية ومناطق البلاد المختلفة مع ملاحظة أن التركيز انصب عند اختيار الأعضاء على تمثيل التخصصات العلمية والقطاعات الإنمائية المختلفة وهذا أهم لسير أعمال المجلس ولأداء المهام المنوطة به من التركيز على التمثيل الجغرافي أو غيره.
الخاصية الثامنة:
اتخاذ قراراته بالأغلبية البسيطة: وهذا يجعل قرارات المجلس وتوصياته تعكس رأي أو وجهة نظر الأكثرية.
الخاصية التاسعة:
إشراك الجهات الحكومية في نقاشاته: فالمجلس يحرص على إشراك المؤسسات والأجهزة الحكومية صاحبة الشأن في النقاش من بداية عمل اللجان للوصول إلى الصيغ المناسبة كما يحضر مندوبون عن هذه الأجهزة جلسات المجلس التي تناقش موضوعات خاصة بأجهزتهم. هذا بالإضافة إلي استفادة الملجس من أهل الخبرة والاختصاص من خارج المجلس سواء م موظفي الدولة أو من الأهالي. وتجربة المجلس هذه في إشراك الأجهزة الحكومية والأهالي أثبتت فائدتها في إثراء أعماله وإنجاز مهامه. كما أن المجلس يسمح لمن يرغب من المواطنين والمواطنات بحضور بعض جلساته بعد إخطار إدارة العلاقات العامة والتنسيق معها. هذه ي أبرز خصائص مجلس الشورى السعودي حسب نتائج الدراسة المشار إليها والتي غطت الدورة الأولى ونصف الدورة الثانية تقريباً من دورات انعقاد المجلس.
Email: aIasheer @ hotmail.Com
ص.ب: 61647 الرياض 11575
أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved