أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 20th June,2001 العدد:10492الطبعةالاولـي الاربعاء 28 ,ربيع الاول 1422

الثقافية

شعاع
د. طاهر تونسي
محمد حسين هيكل.. في منزل الوحي
الى منزل الوحي.. هفت القلوب والأفئدة لأداء الركن الخامس من أركان الاسلام.
الى هذه البقاع الطيبة الطاهرة أرسل الأدباء شجونهم وعواطفهم الجياشة، وحول هذه البقاع هام الكتاب والمؤرخون والمحققون تاركين العنان لأقلامهم الفياضة.
ومن هذه الأقلام المبدعة التي جاءت مسكونة بذلك العشق أديب من أرض الكنانة، ألا وهو الكاتب القدير محمد حسين هيكل.. وهيكل شخصية متعددة الجوانب فقد طرق أكثر من مجال من مجالات الأدب والفكر والفن. ففي ميدان أصدر قصة زينب التي يرى البعض أنها أول قصة مصرية. وقد صدرت في نفس الوقت الذي أصدر فيه توفيق الحكيم عودة الروح، وفي مجال الصحافة أصدر محمد حسين هيكل جريدة السياسة التي كانت تصدر عددا خاصا كل يوم أربعاء يسمى السياسة الأسبوعية، نشر فيه الدكتور طه حسين مقالات «حديث الأربعاء» وكتب فيه أعلام الأدباء في ذلك الزمان من أمثال عباس محمود العقاد ومصطفى صادق الرافعي وابراهيم المازني وسلامة موسى ومحمود عزمي ودريني خشبة وغيرهم.
وفي المقالة الأدبية دمج هيكل مقالاته التي تصدرت كثيرا من الدوريات التي جمعها في مجموعات ثلاث الأولى هي الجزء الأول من كتاب «في أوقات الفراغ» ثم الجزء الثاني منه، أما المجموعة الثالثة فهي من كتابه «ثورة الأدب» كانت مقالات محمد حسين هيكل في كتاب:«في أوقات الفراغ» مقالات متنوعة تناول فيها أناتول فرانس وبيرلوتي، وقاسم أمين وترجمة محمد السباعي لرباعيات الخيام وردوده على الدكتور طه حسين حول كتاب «جان جاك روسو» ونعتقد في مقالات محمد حسين هيكل ما نجده عند معاصريه العقاد وطه حسين والمازني من تناول للشخصيات الأدبية العربية القديمة.
وفي مجال الرحلات كتابه «في منزل الوحي» الذي وصف فيه الأراضي المقدسة. كانت الزيارة لعرض أداء فريضة الحج، وكانت هناك محاولة للوفود للحج عام 1934م لم تكلل بالنجاح. أما هذه المحاولة التي سبقت مجيئه فيتحدث عنها هيكل فيقول: فلما كانت سنة 1931 وبدأت أكتب حياة محمد شعرت بعد التقدم فيها بالرغبة الملحة في الذهاب الى الحجاز. ولما سيرت شركة مصر للملاحة البحرية باخرتها الأولى الى الأماكن الاسلامية المقدسة سنة 1934، علمت ان في نيتها تسيير هذه الباخرة في أكتوبر من تلك السنة لمن شاء قضاء العمرة في شهر رجب، إذ ذاك لم أتردد وصممت على انتهاز الفرصة لتنفيذ ما اعتزمته. ولكن قلة الاقبال على هذه الزيارة الرجبية لم تسمح بتسيير الباخرة فلم تتم الرحلة. وأسفت لفوات الفرصة وبقيت على عزمي ان أزور الحجاز وبلاد العرب، وأن أقوم فيهما بكل ما أستطيع من الدراسات».
ثم كان التوفيق من الله للأديب الكبير وذلك في 25 فبراير 1936 يقول هيكل في ذلك:«وأسلمت نفسي للتطعيم ضد الجدري والحقن ضد الكوليرا والتيفويد، وحددت موعد سفري على الباخرة «كوثر» التي تبرح السويس يوم الثلاثاء 25 فبراير سنة 1936م، وكانت الأميرة خديجة حليم قد فرضت الحج عامنا هذا واختارت السفر على كوثر آخر باخرة تدركه. وكان برنامجها ان تغادر مكة طائرة الى المدينة المنورة في اليوم التالي للوقوف بعرفة، مكتفية بالنداء عن فرائض الحج ومناسكه جميعا، ولقد أحدث صعودها وصعود حاشيتها الى الباخرة هرجا بين الذين سبقوها إليها».
ووصل الركب جدة فيصف هيكل منظر اللقيا فيقول:«اقتربنا من جدة وبدت لناظرنا دورها وعماراتها وازدادت وضوحا رغم نزول الظلام وكان مظهرها يغري بالظن أنها خططت تخطيطا جميلا وبنيت على الطراز الحديث.. الله أكبر هاأنذا بالأراضي المقدسة بلاد النبي العربي محمد عليه الصلاة والسلام. وبعد سويعة سأكون في الطريق الى مكة. ما أكرمك ربي، وما أعظم رحمتك ورضاك. قضيت ان نحج بيتك ويسرت لنا سبيله فتقبل ربنا حجنا وعمرتنا وهيىء لنا من أمرنا رشدا».
وقد أوفد وزير المالية عبدالله السليمان رسوله الى الوفد. وكان محمد حسين هيكل ضيفه. وسبب ذلك ان هيكل كان عائدا من بيروت الى مصر في 19 سبتمبر 1935 على الباخرة البريطانية أوزونيا، وكان الشيخ عبدالله السليمان رحمه الله قادما يومئذ على تلك الباخرة من مصر الى لبنان فتقابل الرجلان حيث رست ببيروت وفي مجلس ضمهما جاء ذكر كتاب «حياة محمد» لهيكل فسأل أحد الحضور هيكل:
- هل تعتزم زيارة الحجاز؟
فأجاب هيكل: ان ذلك بعض ما يدور بخاطره منذ أعوام.
حينئذ طلب الشيخ السليمان ان يكتب اليه هيكل متى صح عزمه على السفر، فكتب اليه قبل السفر فأرسل أبو سليمان رسوله الى الميناء ليبلغ هيكل أنه في ضيافة وزير مالية الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه.. ووصل الأديب الى مكة المكرمة وزار الأماكن القديمة التاريخية، وأدى النسك ووصف هيكل كل ذلك وصفا بديعا، وقد ذهب الكاتب الكبير للسلام، والتحدث الى صقر الجزيرة الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه في قصره بمكة، وقد وصف هذا اللقاء في كتابه حيث يقول: «وقد ذهبت الى قصره يوم دعيت لمقابلته غداة وصولي مكة. وفي نفسي منه صورة غير واضحة الملامح لا تستبين فيها قسمات محياه ولا جلسته أو وقفته ونزلت من السيارة أمام باب القصر فتخطيته الى حديقة غرست فيها نباتات صغيرة وازهار. ورفعت طرفي فإذا أمامي درج فسيح لم أكد أثبت نظرتي فيه حتى التفت الذي يتقدمني الى اليمين. وسرت وراءه فتخطينا بابا استدرت عنده في دهليز فرش بالحصباء ثم الفيت ايوانا أشار مضيفي الي ان أدخله وتلقاني وزير المالية على بابه. وأردت أن أسرح بصري في المكان المفروش كي اجتلي منه صورة كاملة، ولكن وزير المالية التفت الى الناحية المقابلة للباب فالتفت معه فألفيت رجلا ضخم الجلسة على مصطبة مفروشة بالسجاد، وقد لبس عباءة أو مشلحا على التعبير الحجازي من الصوف البني اللون. وتقدم الشيخ عبدالله السليمان فأسر له شيئا وتقدم من ورائه الشيخ عباس قطان ثم تأخرا، وتقدمت فوقف عاهل العرب، ومد يده فحياني، وأشار الى مقعد بجانبه فجلس وجلست وانصرف الرجلان وبدأ جلالته الحديث بقوله:
- لم أقابلك من قبل ولكنني أعرفك.
واغتبطت لهذه التحية الرقيقة التي لم تكن تتفق مع ما يبدو على وجه الرجل في هذه اللحظة من انشغال باله وأجبت:
جئت أقدم التحية وأعرض الرجاء في تعاون المسلمين لرفعة هذه الأماكن المقدسة.. ثم يستطرد الكاتب في وصف اللقاء الى نهايته. ويعلن بعد ذلك محمد حسين هيكل عن مشاعره بعد المقابلة فيقول:« وودعني فانصرفت وشغلت منذ وصلت الدار بالتهيؤ لعرفان، ولكني بقيت بعد ذلك أعود الى التفكير في هذا الرجل المديد القامة المفتول العضل القوي الساعدين الحاد النظر الضخم في كل شيء وأفكر في هذا الذي قاله أثناء حديثنا وفي شدة تحفظه».
وبعد انتهاء الكاتب من أداء الحج قام بزيارة الى الطائف من الطريق القديم واصفا كثيرا من المواقع الجغرافية والمساجد، ومنها مسجد ابن عباس ومسجد الهادي ومسجد المحجوب ومسجد الطرابلسي ومسجد عداس ومسجد الكوع.
ثم ذهب الى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فوصف مشاعره عند وصوله الى المسجد النبوي وعند سلامه على المصطفى صلى الله عليه وسلم وقارن بين مشاهداته ومشاهدات الرحالة العظيم محمد بك لبيب البتانوني صاحب الرحلة الحجازية الذي رأس الحجاز عام 1907م في صحبة خديوي مصر عباس حلمي الثاني. واستعرض بناء المسجد النبوي وزار كثيرا من الأماكن التاريخية. وطاف بمكتبات المدينة المنورة فزار مكتبة السلطان محمود ومكتبة السلطان عبدالحميد ومكتبة بشير أغا ودار أبي أيوب الأنصاري، ومكان الخندق، ومنازل بني قينقاع ومن المساجد مسجد قباء ومسجد الغمامة ومسجد الفتح ومسجد الاجابة وغيرها. ثم زار البقيع وجبل أحد، ثم قفل راجعا الى القاهرة حيث يقول رحمه الله :«وتحركت زمزم مبحرة حين تكبدت الشمس السماء ساعة الزوال. تحركت ميممة أرض الوطن مودعة بلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلوب المسافرين عليها يتنازعها الحنين الى الوطن والأعزة فيه والتعلق ببلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم والحرمين بها».
إن كتاب محمد حسين هيكل من الأعلاق الثمينة والدور النفيسة، فهو كتاب تاريخ وأدب وفكر وعلم صاغه صاحبه بأسلوب قوي بديع ناصع وهو من الكتب التي ينبغي لكل باحث جاد في تاريخ بلادنا الاطلاع عليه والحفاوة به.

أعلـىالصفحةرجوع





















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved