أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 22nd June,2001 العدد:10494الطبعةالاولـي الجمعة 1 ,ربيع الثاني 1422

مقـالات

الخطاب السياسي الأمريكي واقع أم خداع؟
د. عبدالرحمن بن محمد القحطاني
سوف لا نذهب بعيداً في الحديث عن ابعاد الخطاب السياسي الامريكي. فمن الطبيعي ان يدرك الانسان العاقل خطورته خصوصا عندما يبعد عن الاهتمام بالقيم الانسانية والتدخل في حياة الامم بعلة السماح بمزاولة المهنة السياسية على حساب الرأي العام الإقليمي لمجموعة شعوب مرتبطة ارتباطاً تاريخيا وجغرافيا وعقديا ولغويا بل ومصيريا، ونعني هنا العالم العربي.
فهل العالم بالفعل يعيش اعقد حوار سياسي في الحياة؟ نترك الاجابة للقارئ والقارئة العزيزة فالشهادة الاولى وان اخذت صبغة التصريح السياسي والذي نشرته جريدة «الشرق الاوسط» في صفحة اخبار من واشنطن الذي كتبه، وربما ترجمه، الاستاذ محمد صادق في العدد 8208 ص 4 للمساعد الجديد لوزير الخارجية الامريكية لشؤون منطقة الشرق الاوسط السيد/ وليام بيرنز، ينبغي التنبيه له والتنويه عنه منعا للالتباس لا للالتماس السياسي. فكيف لنا بمن قرأ او سمع ان تمرر شهادة مساعد الوزير عبر صحيفة عربية دون تمعن او تحليل. ثم كيف مع تلك البساطة في عرض شهادته أن يمر الأمر على وسائل الاعلام العربي والمحللين السياسيين دون تحليل ولو بتنوير القارئ العادي وهو المعني الاول في هذه الاطلالة المقتضبة على تعليقنا على شهادة المساعد الجديد؟ لذا يجب التدقيق في شهادة المساعد الجديد والذي حدد 5 اسس لسياسة واشنطن في المنطقة العربية ودعا لبناء علاقات الثقة مع الشركاء السياسيين خصوصا السعودية ومصر.
اولاً: تم تعيين المساعد الجديد لخبرته في شؤون المنطقة التي وصلت الى ما يقارب عشرين سنة وحمل معه بعض عناصر اسس السياسة الجديدة للادارة ازاء المنطقة وقضاياها فالواقع انه من غير المعقول ان يخرج مرشح معين بمفرده بعد تعيينه او قبل الموافقة عليه ان يعرض ما يخالف السياسة الامريكية وإن رأى البعض بوادر اطروحات جديدة في الخطاب او الشهادة فالمؤكد انها صياغة جديدة في ديباجة حمراء ثابتة في سياسة واشنطن. اذن ليس هناك جديد الا تغير اداري جديد ووضع مساعد لوزير خارجية ذي شخصية سياسية ومقارنة بالمنظور العسكري غير ضعيفة او عنيفة وهي سمة العسكري عندما تعجز عقليته عن تحقيق اهدافها بالطرق السلمية او عندما تواجه صعوبات بمواجهة القضايا السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها.
ثانيا: يذكر المساعد الجديد ان ما تعلمه كما قاله في شهادته ضرورة وجود قيادة امريكية قوية ملتزمة المبادئ بقوة وثبات عليها فهل مخيلة المساعد اهمية وجود قيادة قوية امام السلوك الاسرائيلي؟ وهو الامر المستبعد تماما ومؤكد لدى الكثير وقطعي الدلالة بسبب قوة اللوبي الصهيوني وقدرته على تقديم وتأخير درجة القوة الذي يقصدها في كينونة امريكا.
ومن جانب آخر فهل يقصد قيادة امريكية قوية ملتزمة المبادئ بقوة وثابتة تتمثل بالتلاعب بالقوة لتذكرنا بالقول )ضربني وبكى وسبقني واشتكى( فالمد والجزر في استخدام القوة العسكرية؟ وان اضفنا عليها الاقتصادية والضغوط الكلامية فكان يجب على المساعد عدم تحوير السلوك الواضح والقوي الى عبارات تجعل الفرد يصدق ما يعنيه على انه ضعف في الادارة الامريكية في الوقت نفسه ان الرأي العام العالمي وخصوصا العربي يدرك القوة العسكرية والاقتصادية والاعلامية الامريكية القادرة على طرح الاجندة العالمية متى ما شاءت، ومتى ما رأت دون الاخذ في الاعتبار الوقت والمكان والموقف. ولو كان ذلك على حساب خروجها من لجنة «حقوق الانسان».
ثالثاً: التناقض الواضح في شهادة المساعد الجديد حيث يقول ان«الدور الامريكي النشط والمشاركة الفعالة لإدارة الرئيس جورج بوش في الشرق الاوسط ضرورة وليست خيارا «واتمنى ان لا يسمع هذه العبارة بائع الخيار! فهذا تناقض صريح مع اتهام المساعد الجديد بضعف الادارة الامريكية. لكن الملاحظ في هذه العبارة أن الدور الامريكي على حد قوله «ضرورة وليس خيارا». في الواقع لا يمكن القول ان امريكا تملى عليها سياستها وليست مضطرة الى مشاركة في ذلك الخيار فهي وكما عرف عنها دائما سباقة في التدخل بحجة استقرار الامن العالمي او بطوعها تارة دون ان تنجرف الى مشروع او قضية ليست لها مصالحة واضحة الا في اضيق الحدود، وبعد ان يتحرك الاعلام الامريكي وأحيانا الاعلام الاوربي والذي يتدخل الكيان الصيهوني في وسائله بعد ان ضمن الاعلام الامريكي سواء بتملكه بوسائلها او عبر ضغوط قادة الرأي العام كما هو واقع الحال في روسيا. ربما القارئ أو السامع يتحفظ أو يختلف في رؤية أن أمريكا تدير العالم بسياستها وبأسلوبها الذي تراه لا ما يراه الآخرون بحجة أن المحرك الأول والأخير هو الكيان الصهيوني الذي )أسس فكرة ماركس وأسس دولته لينين وكلاهما من اصل يهودي(، وبالتالي فلسنا ملزمين بقبول صورة ذهنية مخادعة عن من يدفع التحرك الأمريكي وفي الوقت نفسه تفقد واشنطن مصداقيتها بين العواصم العربية وخصوصاً الخليجية المساعد والمشارك الابرز في استقرار الامن القومي الامريكي عبر بوابات ومصالح مشتركة بل ومصالحها خارج حدود السياسة. ولو امعنا النظر في نص المساعد الجديد حين قال «ان المشاركة الأمريكية الفعالة والنشطة في منطقة الشرق الأوسط ضرورة وليست خيارا، رغم جميع ما فيها من مخاطر وخيبة واحباط، لأن جميع مصالحنا تعتمد عليها )المشاركة(». فعبارات «مخاطر»، و«خيبة» و «احباط» كما جاء في النص المطروح في الجريدة والذي اعتقد ان الترتيب هو العكس احباط وخيبة ومخاطر، لأن المخاطر على النفس تأتي على سيبل المثال عندما يشعر الشعب الفلسطيني باحباط عندما يكون راعي السلام يترجل من فوق جواده وينتقل الى مرحلة الخيبة عندما يتأكد ان السياسة الأمريكية تسقط من فوق الجواد دون ان يكمل مسيرة السلام! والمعلن عالميا، وكنتيجة طبيعية ان يكون المواطن الفلسطيني في خطر اما الكرامة والدفاع عن حقوقه المشروعة واما الهوان والخنوع والاستسلام. ففي الحقيقة ان عبارات المساعد الثلاثة تعني شيئا في تفكيره فالمخاطر تعني امن اسرائيل وأهمية الدور المطلوب من امريكا وللحفاظ على علاقة امريكا مع اسرائيل والالتزام بأمنها فهذا تصريح ليس بجديد «فاسرائيل اصبحت كيانا )يرفض الاعلام العربي اطلاق دولة للكيان الصهيوني كشعار لعدم الرضا في الوقت اعتراف اغلب الدول العربية بوجوده(» والالتزام يعني الشمولية والدفاع المستميت على بقاء اسرائيل ولو تم لها لأعلنت القدس عاصمة لها لكن هناك قائد عربي شهم وقف وقفة صدق عندما اعلن مقاطعة اي دولة تعترف او تقبل بالقدس عاصمة لإسرائيل ولا يخفى على احد فهو ولي العهد السعودي الأمير «عبدالله» حفظه الله من كل مكروه. ولو سمعت عقول ابناء الامة الاسلامية يوما ما خبر اعلان القدس عاصمة لإسرائيل سيرى العالم كارثة كبيرة تؤثر على العالم ككل.
اما خيبة الامل، لأن الاطراف العربية، ربما نعتقد ويعتقد المساعد الجديد، انها لم تكن كما كانت اما لتجاهله او عدم ادراكه بلعبة الكبار. فالضغوط التي تمارسها امريكا عليها كظهور قيادات شابة واعية بمستويات متعددة في الانظمة سواء كانت قيادية او قيادات فكرية او قيادات تضع القرار ولو بكلمة! فالتهديد مشروع ساقط في الوقت الحاضر. اما ان الخيبة التي يقصدها المسعد هم المطأطئون رؤوسهم كالنعامة قد تخلت عن امريكا في المؤامرة فالواقع انها اصبحت تعيش مرحلة استثنائية وربما وقتية لأن الطبع السياسي او السلوك البشري يجد ضغطا وكبتا ينفجر عندما يعيش على وتيرة واحدة وبالتالي لا يرضى بالخداع والسلوك الدنيء. فما الذي اوعز للمساعد الجديد ان يذهب الى عبارة احباط هل ذلك نتيجة خيبة امل لعدم تحقيق الاهداف التي صاغتها الولايات المتحدة الامريكية ورغبت تحقيقها مع ولوج العالم الالفية الثالثة حيث لم تتوقع ان من ابناء العروبة من هو قادر على اعادة الاجندة العالمية الى المدار الصحيح لحياة عالمية جديدة بعيدة عن العنف والخداع والكيل بمكيالين وكأن لا من دري ولا من شاف. ان الاحباط وخيبة الامل ربما الذي يطرحه الوزير الجديد هما الآن على الاجندة الامريكية لإعادة ترتيب الاولويات في المنطقة ومدخلها اذا ارادت امريكا ان تحافظ على مصالحها ووجه الماء! هو المصداقية، المصداقية، المصداقية رغم ان اللعبة السياسية قذرة وخطرة )اعتذر للقارئ والقارئة العزيزة بالقول عبارة قذرة( ويمكن تسميتها «الخدعة السياسية» حتى لا يغضب علينا الساسة المحترمون.
رابعاً: ولست مطالبا بالحلف اليمن لأؤكد للقارئ العزيز ومن خلال قراءتي الاسطر الاولى ان الشهادة امام المحلفين - عفوا - امام مجلس الشيوخ الامريكي في الواقع التأكد من ولاء مساعد الوزير الجديد للصهيونية. ولا يجرؤ احد ان يتهجم على سلوك وممارسات الكيان الصهيوني حتى ولو كان الرئيس الامريكي ذاته. والامر طبيعي كما نلاحظ اقحام قضية العراق وأسلحة الدمار الشامل والسلوك الايراني بل وتهديد قيادات المنطقة وتخويفهم ببزوع كوكبة جديدة من ابنائها طموحها السلطة. فلماذا اذن هذه الامور في اجندة المساعد الجديد!؟ اننا نعبر هنا عن التخويف الامريكي مثل تلك العبارات التي نسمعها من امهاتنا في الطفولة ومتوارثة ك )جاءك الذئب( او )عافية ربي بتجيك( وهي الصياغة المكررة لأمريكا ايمانا بدراسات ابناء العرب عن التراث والامثال الشعبية فيعتقد كاتب الرسائل السياسية الامريكية ان لها تأثيرا مباشراً وقوياً وفورياً على العقل والسلوك العربي متجاهلين في الوقت نفسه ان العالم اليوم يعيش عصر تدفق المعلومات ووسيلة الانترنت لمعرفة اغلب الحقائق والوقائع، وان جيل اليوم لا يمكن تضليله بنفس التضليل السابق، وان صانعي القرارات يدركون بشكل اكثر مما مضى، ان المواطن والمواطنة قادرة على حساب السلوك السياسي ولو بالصمت المؤقت الممكن خروجه وتفجره في اي لحظة وخصوصا عندما تتساوى الحياة والموت معا. وقد يستغرب القارئ تلك الاقحامات الرديئة وان كانت مهمة للسلام العالمي الا ان اقحامها مع حقوق فلسطين دليل على عدم المصداقية وتلاعب بالقيم الدولية والإنسانية. والمصيبة أن بعض جهلائها وتأثيرهم على صناع القرارات )خصوصا العربية( باستخدام «صدام حسين» كسلعة استراتيجية ترفعها امريكا وبريطانيا عندما تريد التمهيد لقرار عسكري او سياسي او اقتصادي. وأحيانا ترفع الضغوط الاقتصادية على قيادات الشعوب وهي التي وضعت الخطط التنموية الخمسية وبالشكل الذي يسهل الانزال البرمائي والجوي فتحرير الكويت 1991م ليس الا برهان واضح ولعبة مكشوفة للمواطن العادي فما بالك بالاجهزة الاستخبارية بالمنطقة!
خامساً: يذكر المساعد الجديد ليتحدث عن الشركاء العرب الاساسيين ويعني السعودية ومصر وكان التوجه ان هاتين الدولتين تأخذان بما تمليه الولايات المتحدة الامريكية فهما دولتان تعرفهما الولايات المتحدة الامريكية تمام المعرفة بل والعالم قاطبة بأخلاقياتهما وسياستهما المعتدلة الرصينة ودعوتهما الدائمة لحقوق الغير وعدم التدخل في شؤون احد ولا تتقبلان الذل والتعامل بوجهين او بشعار امريكا المتوارث :)ليست هناك صداقات دائمة.. ولا عداءات دائمة.. هناك مصالح دائمة( . فمصر والسعودية بل المنطقة ترغب السالم الدائم والشامل ليس السلام الذي يعنيه المساعد الجديد حيث يتطاول بقوله «لقد تبدد السلام الذي كان موعداً في العام الماضي امام العنف وانعدام الثقة،... بل يكمن خطر تصاعد اقليمي واسع )لاحظ هذه العبارة( ويستمر صدام حسين في سعيه الحثيث لاستغلال معاناة الفلسطينيين ونظام العقوبات الحالي على العراق».
فهل صدام عامل مشارك في السلام؟ واذا كانت الاجابة بنعم. فهل صدام وامريكا يعملان في اجندة مبيتة مسبقة؟ وهل عبارة «معاناة الفلسطينيين» التي تفوه بها المساعد الجديد اعتراف حقيقي بمعاناة الشعب الفلسطيني؟ فالسؤال هل غيبت عقول قادة العرب؟ واصبحت عبارة «صدام» تنهش فيها مؤثرة في تصرفاتها مزعجة في مضاجعها وكأنها اجسام لا تشعر والعقول لا تحس وبالتالي غيبوبة لكي يأخذ الخطاب السياسي الامريكي وغيره مأخذ التنفيذ؟ ام نحن شعوب بلا ذاكرة؟ ام يجب ان نقر وهذا رأيي الشخصي لحظة غزو العراق للكويت، ان حرب الخليج تحرير الكويت بدأت بالفعل بعد ان عادت السيادة الشرعية بقيادتها وشعب الكويت. ان شعوب العالم العربي لم يعد غارقا في تخديره السابق وغير مغفل الى الدرجة التي كان يعتقدها الغير وان اصحاب العقول النيرة لم تنطف في نفس الوقت ان شموع عواصم الغرب والشرق في كل رأس سنة جديدة مشعلة وان تهديد الدول العربية وخاصة الخليجية بزيادة في السكان هي التي تزيد من المشاكل الاقتصادية وانها غير مواكبة للاقتصاد العالمي فهل هذه رسائل مكررة علنية تثقيفية لصناع القرارات الاقتصادية والسياسية في دول المنطقة، فالأمر اذن هو شأن قيادات شعوبها الا في حالة تخليها على الواقع والمواجهة وقبول الخنوع على حساب افراد ولدتهم امهامتهم احرارا فهذا قد لا يطول. فلا يجب بالمقابل على السياسة الامريكية وهي مرجع للمنازعات ان تربط سياستها واهدافها بسلوك اسرائيل التي تقوم بالتهديدات وبالعنف والقصف تارة اخرى وتغض امريكا الطرف بالكامل عن ما يحدث للشعب الفلسطيني انه مزاد علني البائع والشاري واحد، والمتفرج أمة مكتوفة الايدي بسبب ابنائها او عقول قادتها.
نعم هناك اهتمام متزايد بالمشاركة السياسية وهذا شأن كل دولة عربية او خليجية، نعم هناك مشكلة تدفق المعلومات وانتشار الفضائيات وما تخلفه من مشاكل وازدواجية في الشخصية العربية الاسلامية لكنه يظهر ان الخطاب السياسي يتخبط ويلعب على اوتار العموميات وتحويرها الى معضلات داخلية وهذا الامر لا يمكن بالخطاب الامريكي السياسي تغير مجتمعات الدولة العربية بحجة ان المصيبة ليست اسرائيل وتحويل اتجاه وتفكير قادة وشعوب العرب الى المشاكل الداخلية لا الخارجية وهي الاساس في نجاح السياسة والحياة الداخلية لأي شعب.
سادساً: يتحدث المساعد الجديد حول نقل صورة غضب الرأي العام العربي الذي يخشاه الغرب وامريكا اذا ما اتفق على موضوع او قضية، لانها الورقة القوية التي لا يمكن لأي نظام ان يدفعها. ويتحفظ مساعد الوزير بالرغم من عبارات الحذر حين يقول «سواء كان عادلا ام غير عادل» ويقصد غضب الرأي العام العربي فهذه عبارات دبلوماسية لكن الاخطر تلك العبارة التي تقول «... يعتقدون اننا لا نهتم بما يقلقلهم...» ولربما اهتمام بما يقلق الامة ولكن القلق هو مصلحتي وهذا الذي نعتقد انه موجود في فكر المساعد الجديد. قلق ان يتحقق عودة الهيبة لأئمة الاسلام وحقوقها المشروعة وهذا لا احد يوقفه، لانها اوامر ربانية تكون الغلبة للاسلام والمسلمين تظهر عندما يبعد صناع القرارات على آراء قادة الامة الاسلامية. وربما يعني المساعد هذا الخطاب الى القادة. واذا كان هذا الامر صحيحا فهو لفئة محدودة أما اذا كان موجها للشعوب بذاتها فهذا هو شأنها وشأن قادتها. لكن المساعد جديد ليستدرك بطبيعة العمل السياسي الدبلوماسي، وحتى لا يحاسب على ما يتلفظ به من قبل فئة ضاغطة في الكونجرس، حين يقول الامور «... تتطلب ارادة في طرح وتحديد جذور واسباب المشاكل والحديث بوضوح وبصراحة عن التحديات التي تواجهنا )يقصد تواجه امريكا؟(» فهذا الالتواء )والتصعلك!( بالعبارات فهل المقصود غضب الرأي العام العربي، واذا كان هذا هو المقصود فنقول تنوعت الاسباب والتعنت الإ سرائيلي والقمع حتى ب اف 15- بمباركة امريكية!- واحد. فتحديد جذور المشكلة يعود الى وعد بلفور سنة 1326هـ الموافقة 1917م )وهو تاريخ ظهور البلشفية- الروسية( والوعد لليهود بدولة في فلسطين الحرة بحماية الانتداب البريطاني واليوم الامريكي بل وبحماية «الفيتو لا الفيمتو!». فيا للعجب. الى هذه الدرجة ينظر المساعد والآخرون على اننا جهلاء فبناء الثقة ليس من جانب المظلوم بل من جانب اسرائيل وامريكا معا. وان بدا لنا بان بناء الثقة هو الامر المطلوب ونؤكد على ما قاله الوزير المساعد انه «لا بد من تجنب الاعمال او الاجراءات من جانب واحد» لكن الواقع ان الاجراءات هي في الحقيقة من جانب واحد وهو ان اسرائيل ترغب الحرب بانشودة السلام.
يجب ألا تتجاهل الادارة الامريكية ان المواثيق والاعراف القانونية الدولية هي الملزمة لا ما عبر عنه المساعد الجديد على الالتزام في الحفاظ على سلامة اسرائيل - رغم معرفة العالم استخدام قوة العاجز عندما تلجأ الى حق النقض الفيتو!!! فعلى امريكا تحرير نفسها من براغيث الصهيونية ولعل الانتخابات الاخيرة والتي انتصر فيها الرئيس بوش اعطت لقلة واعية ممن يعيش على ارض امريكا ان الخطر القادم على امريكا هو من الداخل وبالتحديد اليهود ولا غير.
سابعاً: جميل ان يذكر المساعد بقرارات مجلس الامن الدولي 242 و338 ومبدأ الارض مقابل السلام. انها حقوق وعبارات ذات مدلولات وثائقية لكنها رماد في عيون اصحاب الحق وعبارات ترددها الألسنة لا القلوب. ولسنا نجد مبررا منطقيا ربط تاريخ وحق الشعب الفلسطيني والسلام في المنطقة بمساري السوري واللبناني والمشكلة واضحة والكيان الصهيوني واقع وممارستها للارهاب خير دليل ولماذا العك واللف والدوران على عقلية الرأي العام العالمي. ولعل من نافلة القول ان نذكر بما اعدته جريدة الوطن السعودية في عدد 237 الاول من ربيع الاول ابرز الاجتياحات التي قامت بها اسرائيل امام اعين امريكا والعالم ضد لبنان فهناك عملية الليطاني 1978م، سلامة الجليل 1982م عملية تصفيات الحسابات 1993م عملية عناقيد الغضب 1996م راح ضحاياها ما يقارب 1471 شهيدا مدنيا وعسكريا ناهيك عن عدد المصابين والجرحى وهدم عدد من القرى. كما توسل الاسرائيليون بالارهاب كما يذكره الباحث السوري هيثم الكيلاني )مجلة المشاهد السياسي، عدد 107، 1998م، ص13( في كثير من الاحداث المؤرخة منها: مذبحة قريتي بلد الشيخ وحواسة )1/1/1948م( وقتلوا جميع سكان القريتين، ومذبحة دير ياسين )9/10/1948م( احتلوا بيتاً بيتاً،وقتلوا الفلسطينين فرداً فرداً، وأسرة أسرة، ومذبحة ناصر الدين )13/4/1948م( حيث دخل عليها الصهيونيون وهم يرتدون اللباس العربي، وحينما استقبلهم أهل القرية قتلوهم جميعم، ومذبحة بيت داراس)21/5/1958م( وأبادوا سكانها. وما جاء بعدها من إرهاب في الامثلة كثيرة لايمكن حصرها والتي تقوم بها المنظمات الصهيونية والجيش الإسرائيلي بالأمس واليوم وفي الغد القريب.
ولسنا نجد أسوأ من العبارة التي أطلقها المساعد الجديد«شجاعة غير عادية من القادة في المنطقة» فهل القيادات العربية خصوصا السعودية، سوريا، مصر،.. كانت شجاعتها بالماضي القريب عادية فيما يحدث في المنطقة!؟ وهل هي ملزمة أن ترفع الرؤوس على منصات المشانق بتصرفات الغير؟ لذا من الطبيعي أن تنجح الولايات المتحدة الأمريكية على هضم حقوق العالم العربي بثقتها وبقدرتها على إدارة الأزمات وهذا التخصص الجديد الذي تفقده أهم مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية في اغلب دول العالم العربي وخصوصا الخليجي، ولكنه مكشوف في أدراج بعضها غير قادرة على الحوار والتأثير وهذا أمر آخر لا شأن لنا به في هذا المقام.
ثامناً: لقد سرد المساعد الجديد لوزير الخارجية الأمريكية خمسة أسس لسياسة الإدارة التي سيسير عليها إزاء المنطقة. ولكن نقول ياللعجب هل الولايات المتحدة الأمريكية دولة حديثة جاءت من خارج الكرة الأرضية ولم تكن بين أحضان المعمورة وهي دولة ذات احترام وسيادة؟ وهل الإدارة الجديدة امتداد لسياسة أمريكية معتمدة منذ تكوينها أم أن كل إدارة تأتي لتنفيذ السياسة المتفق عليها أن تكون لها فلسفتها وطريقتها الخاصة؟ أسئلة كثيرة جدا لكن الجواب عليها «لا ثم لا ثم لا».
نعود إلى الأس الأول وجوهرة تخويف مباشر تحدثنا عنه سابقا منها.. «الأسباب التي تقف وراء الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تواجهها القيادات والشعوب حاليا».
أما الأس الثاني فهو قيام أمريكا بمشاورات واسعة في المنطقة وخارجها فهل تسائل أمريكا صالات المطارات وحركة الرؤساء والوزراء، ورجال ونساء الاستخبارات، والاتصالات الهاتفية وغيرها. فهل هذه الاتصالات هي لقاءات على تقسيم الأموال ولو على حساب دماء الأبرياء. إنها اجتماعات تموعئية.
أما الأس الثالث حول استثمار في بناء علاقات ثنائية مع الثقة مع شركائها الأساسيين مثل مصر والسعودية فيجب توضيح النقاط على حروف الدبلوماسية وعدم إقحام أو إشراك دول مثل مصر والسعودية بسبب عدم تمكن أمريكا عبر الضغط على إسرائيل والرسوب الواضح في التعامل مع الكيان الصهيوني وتصرفاتها اللاأخلاقية، لذا وجب التذكير أن لعبة الكراسي أصبحت بدون أقدام، وتحركها ستتطاير الأتربة دون رؤية محركها لكنها بركان قد يظهر قريبا ويعم الجميع ولو كانت اليهود في حصون مشيدة.
أما الأس الرابع أعطى الجيل الجديد من القادة، والحرية السياسية والاقتصادية.. انه تناغم خطير وانكاسه واضح على القيادات التي تشبعت بالفكر الأوربي أو الأمريكي وعلى القيادات القائمة، فالخيارات الصعبة يمكن مداولتها مع قادة العرب اليوم وما يعنيه المساعد الجديد ولكن بوضوح وشفافية ومنطق بل وعلني حتى يتضح للجميع أين الخطأ الحقيقي أمريكا أو غيرها.
أما الأس الخامس يدور حول شعوب العالم العربي والدبلوماسية مع أفرادها عبر تدفق المعلومات وخصوصا بعد ظهور الإنترنت فهل هذا يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية قد ضمنت القادة وعرفت كيف تتعامل معها وأدركت أنها لا تستطيع أن تعمل أكثر مما عملته أم أن هذا اعتراف بخطورة الموقف على الموالين أو المطأطئين رؤوسهم للقرارات الجائزة؟ أم تهديد للقادة على أن الخطر القادم هو من الداخل أم أن من القيادات العربية من لا تقبل الخضوع والهوان والذلة وترفض وعلى أعلى مستويات العلاقات الزيارة بحجة عدم لجم السلوك الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين؟
الأمر واضح وهذا التعبير يعبر عن رأي فرد لم يدخل الأروقة السياسية إلا طلب المشاركة في التراث! أو حقائب الساسة التي تحمل اجندة تختلف عندما تغلق الأبواب ويخرج الصحفيون المغلوبون على أمرهم لتطرح اجندة أخرى ولكن أذكر أن الشعوب تعرف من خلال الخطاب السياسي الأمريكي وغيره عندما ترى بالعين وتسمع بالأذنين ممارسة وحشية إسرائيلية على الفلسطينيين مع خروج طلاسم سحرية يعبر عنه منتخب أو شهادة عرفنا لتوليه المنصب الجديد. فهل أصبح المواطن إمعة إلى درجة السخرية والاستهتار أمام سلوك سياسي أمريكي تعلمنا منه المصداقية والوضوح وعدم الالتفاف على البشر؟ أم أن الإبرة الإسرائيلية المخدرة آتت أكلها ونشهت في وجدان أمريكا وهو الأقرب والله المستعان على ما يصفه المساعد الجديد وغيرة.
وفي الختام نكرر ما قاله أحد المفكرين «إذا كان ما رأوه مشكوكا فيه، فكيف يمكننا أن نؤمن بما يقال من وراء الظهر؟».

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved