أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 29th June,2001 العدد:10501الطبعةالاولـي الجمعة 8 ,ربيع الثاني 1422

أفاق اسلامية

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - الطموحات والآمال
د. سليمان بن عبد الله أبا الخيلü
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد:
فلقد فقدت المملكة العربية السعودية والعالم الاسلامي في العام الماضي علماً من أبرز علماء المسلمين في الوقت الحاضر، ولذلك كانت وفاته ثلمة عظيمة، ومصيبة كبيرة، ومصاباً جللا، أثر تأثيراً قوياً على نفوس أبناء هذه الأمة حكاماً ومحكومين، دل على ذلك حالهم وما بلغه من الحزن، وألسنتهم ومقالتهم وما تكلمت به وقالته وسطرته نثراً وشعراِ، تبين ما لهذا الشيخ الفاضل من مكانة بارزة، ومنزلة مرموقة في قلوبهم وأنفسهم، وما تفيض به مشاعرهم له من المحبة والتقدير، والوفاء والولاء، والعرفان بالفضل، وما تكنه صدورهم له من الحنان الدافئ.
إنه سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - أحد الأئمة الأعلام، الفقيه الذي لا يشق له غبار، والمحدث البارع، والفرضي المتقن، النحوي المتخصص، والعقدي الموصل المؤصل، والمفسر الملم بعلوم القرآن وفنونه وأحكامه، العارف بمحكمه ومتشابهه. يشهد لذلك دروسه المتنوعة، وكتبه المختلفة، ومحاضراته العامة والعامرة، ومكاتباته، ورسائله الكثيرة، وفتاواه الدقيقة المعللة والمدللة، السهلة الممتنعة، والتي عبرت القارات شفاهة وكتابة وسماعاً، مما جعل الناس على مختلف أجناسهم وتنوع تخصصاتهم ومستوياتهم يتلهفون اليها، وينتظرونها بشوق، ويستمعون اليها بتلذذ، ويتطلعون إلى رؤية قائلها، وذلك في حياته في أحد الملتقيات التي تضم العديد من طلاب العلم من خمس عشرة دولة آسيوية، عملت على ترتيب وتنظيم لقاء لهؤلاء مع الشيخ - رحمه الله - وبعد موافقته قمنا بإبلاغهم باللقاء وموعده، فقال لي أحد اليابانيين: أنا سأرى الشيخ ابن عثيمين؟ إنني لا أصدق هذا. فأجبناه: بأنك ستراه - ان شاء الله - وستلتقي به وبغيره من علماء هذه البلاد الطيبة.
ان نشاط الشيخ وجهوده المباركة لم تقتصر على التربية والتعليم والتوجيه، والدعوة الى الله وفق المعتقد الصحيح، والمنهج السليم، المنطلق من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه سلف الأمة، مع ادراك للحقائق، ومعرفة بمجريات العصر وحوادثه، ونوازله وأقضياته، ووقائعه وواقعه، بل تعداه الى مجالات شتى كلها في وجوه الخير التي حث عليها الشرع، كرعاية الأيتام والأرامل، واعانة المحتاجين، وعمارة المساجد، ودعم الجمعيات الخيرية، والاشراف على بعضها اشرافاً شخصياً، وتشجيع القائمين عليها بالحضور والمشاركة، والاهتمام بالأحباس والأوقاف وخصوصاً تلك التي تخص طلاب العلم مع العناية بهم، وتوفير جميع المتطلبات التي يحتاجونها من أجل تفرغهم لطلب العلم والاستفادة من جميع أوقاتهم من أجل التحصيل والاستفادة التي تركوا أوطانهم وأهليهم فداء لها.
وما ذكرنا هو غيض من فيض، وقليل من كثير مما كان عليه الشيخ - رحمه الله - من بذل للنفس والوقت والجهد، والفكر والعقل والمال، وكله في سبيل الله وطلباً للأجر والمثوبة منه، ولا يعرف مقدار وحجم ما كان يقوم به شيخنا الا من لازمه، وجلس معه وشاركه وخبره، وعمل معه، ولا نبعد النجعة اذا قلنا انه أمة في رجل علماً وعملاً وتربية وسلوكاً، وخلقاً وأدباً وعشرة وحباً ومحبة، وولاء وبراء لله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وسيبقى ما خلفه من جميع ذلك دليلاً واضحاً، وبرهاناً ساطعاً على فضله وسبقه ومسابقته في دروب الخير وميادينه.
وتثبيتاً لذلك وتقعيداً له، ورغبة في استمراره وتفعيله وتنشيطه بعد وفاة شيخنا - رحمه الله - يبادر ابناؤه البررة ويسارعون في انشاء مؤسسة خيرية تحمل اسم والدهم، وتحقق كل ما كان يقوم به في حياته، محققين بذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «اذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له». وانه من خلال الاطلاع والتعرف على الأهداف السامية، والغايات النبيلة لهذه المؤسسة نرى أنها مد ووصل لكل ما وعد به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث.
وتسير هذه المؤسسة بادارتها وما قامت عليه ومن أجله بتوفيق من الله ثم بمباركة ولاة أمر هذه البلاد وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني - حفظهم الله - رجال الخير والعطاء والوفاء فتصدر الموافقة السامية عليها لتأخذ الصيغة الرسمية والنظامية في عملها وأشخاصها وجميع شؤونها وبذلك تتحقق الرغبة الخيرة لأبنائه بصفة خاصة، ولجميع محبيه والعاملين في هذا المجال بصفة عامة، ويأتي دور الاعلان عن مزاولتها لاعمالها ليعطيهم النشوة والاعتزاز والافتخار، والذي سيفعل بالأعمال المضبوطة والمنضبطة علمية كانت أو عملية وفق ما كان ينهجه الشيخ - رحمه الله - ويسير عليه ويسعى له، والمتميز بعدم الافراط أو التفريط، وبالوسطية والاعتدال في الأقوال والنظرات والأحكام، والتصرفات والعلاقات والتعاملات مع جميع فئات الناس، وبذل النوى، وكف الأذى، والدعوة الى تأليف القلوب وجمعها على الحق، وابعادها عن مسببات الاختلاف والخلاف والشقاق والنزاع، والانفاق المتصف بعدم معرفة الشمال ما تنفقه اليمين.
وإن مما يعطي هذه المؤسسة الشمولية ويجعلها ذات طموحات وآمال عامة لا تقف عند حد أو حدود، ولا تقتصر على فرد أو عدد، ولا تختص بشخص أو جمع، هو عالمية شيخنا - رحمه الله - وما بلغه علمه وعمله من الآفاق والمواقع في مشارق الأرض ومغاربها، ثم رعاية صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز وزير الدولة عضو مجلس الوزراء رئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء - وفقه الله - لهذه المؤسسة ورئاسته الفخرية لها، وهو من عرف بقربه من الشيخ - رحمه الله - وقوة صلته به، ومحبته له، والقيام بحقه، والتأثر بعلمه وعمله، وتحقيق لكل ما يدلي عليه به، والعناية به في جميع الأحوال، وخصوصاً في مرحلة مرضه الذي توفي على أثره.
وقد سمعت شيخنا في مرات كثيرة يثني على سمو الأمير عبد العزيز ويدعو له، ويبادله نفس الشعور الذي عند الأمير له، من التقدير والمحبة، والاجلال، ويبين الشيخ - رحمه الله - أن هذا ليس بغريب عليه، لأنه أخذ ذلك، وتزكى عليه من قدوة الجميع في هذه البلاد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز متعه الله بالصحة والعافية، صاحب العقل الكبير، والعاطفة الجياشة، والأبوة الحانية، والقيادة الرائدة، والحكمة المتميزة، والخير العميم الذي فتح آفاقاً واسعة وميادين متعددة لفعل الخيرات، ودعم العلم والعلماء، ورعاية ابناء المسلمين فوق كل أرض، وتحت كل سماء حتى إن الشيخ قال لي: انه لا يعلم أحداً ينفق في مجالات الخير مثل انفاق الملك فهد، فلله دره من قائد فذ حكيم، ولا در عبد العزيز من ابن بار ميمون مبارك ورحم الله شيخنا فنعم ما ورّث وترك.
وان موافقة صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز على هذه الرئاسة الفخرية والمتابعة المستمرة لأعمال هذه المؤسسة لهو أكبر دليل على ما تمتاز به هذه الأسرة الكريمة «آل سعود» من الوفاء، وتقدير الرجال، وخصوصاً العلماء، والعمل على كل ما من شأنه الحفاظ على عقيدة هذه البلاد صحيحة غضة طرية، ومنهجها السليم وقواعدها الراسية، وأصولها القوية التي أرساها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن - رحمه الله - مؤسس هذه الدولة الفتية القوية، وسير أبنائه على ذلك من بعده، حاملين لواء رفعة هذا الدين، وإعلاء كلمة التوحيد، والدعوة اليه، عبر جميع الأساليب والوسائل النافعة والمفيدة، الأمر الذي معه آتت ثمارها اليانعة ونتائجها الطيبة الايجابية، ايماناً صادقاً، وأمناً وأماناً وارفاً، وطمأنينة واستقراراً ورغداً في العيش، ومحطاً لأنظار المسلمين ومأوى لهم، ومتطلعاً لأفندتهم، مع ما رزقنا الله من عز ونصر وتمكين ورفعة، نسأل الله العلي القدير أن يحفظ علينا ديننا وأمننا وولاة أمرنا، وأن يغفر لشيخنا، ويعلي درجته، وأن يجعل الخير في عقبه، وان يبارك في هذه المؤسسة، والقائمين عليها، وأن ينفع بها وبهم، انه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد.
* وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وأحد طلاب الشيخ - رحمه الله -


أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved