أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 29th June,2001 العدد:10501الطبعةالاولـي الجمعة 8 ,ربيع الثاني 1422

محليــات

لما هو آت
دين ودنيا... وأمن النفس )2(
د. خيرية إبراهيم السقاف
قدَّم برنامج دين ودنيا في التلفاز السعودي حلقتين عن «السِّحر» أهو «انحراف اجتماعي أم مرض حضاري»... بمعنى آخر أهو نتيجة سلوكية لداء يصيب الأفراد فالجماعات! أم هو ناتج حضارة مادية طغت فيها المادة في حياة الإنسان على الروح؟ بوصف الروح هي مكمن الحياة في داخل الإنسان بما فيه من العقل والنفس والقلب؟ وبما يعبِّر عن هذه الحياة فيه من نوايا وأفعال ناتجة عنها وأقوال معبِّرة؟...
قدَّم هذا الموضوع فضيلة الشيخ عبد المحسن البكر، باستضافة فضيلة الدكتور الشيخ إبراهيم الخضيري القاضي في المحكمة الكبرى بالرياض، وفضيلة الشيخ عادل بن طاهر المقبل رئيس مركز الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه في الرياض.
وأول ما يلفت النظر في البرنامج بحلقتيه أنَّه تطرَّق لهذا الموضوع بوصفه ظاهرة تنمُّ عن انتشار سلوك عام لا يدل على عقيدة صحيحة، ولا يعبِّر عن وجود أمن نفسي لدى الأفراد الذين يلجأون إليه إمَّا لجهل كما في مقال الأمس، وإمَّا عن علم بلا وعي مُدْرِك لما فيه من النَّواهي، وإمَّا عن علم ومكابرة وفي ذلك عصيان...
وإذا كان «السِّحر» من الموضوعات المتداولة في البحث والتطبيق في المجتمعات البشرية منذ خلق الله الأرض ومن عليها، ويشدُّ إليه كلَّ راغبٍ في اللَّهاث وراء ما لا يدركه أو يدخل في نطاقه العقلي المحدود، حتى أصبح الإنسان يسخِّره للشرِّ أكثر مما يسعى به إلى مكاسب شخصية، فإنَّه من الموضوعات المرفوضة جملة وتفصيلاً في منهج الدين الإسلامي القويم، ولا يكبح الإنسان عن ولوج عالمه إلا الإيمان المطلق، والخوف من الله تعالى من جانب عند تسخيره للشرِّ، والتوكُّل على الله عند التفكير في استخدامه للمكاسب. فيردع المؤمن من المسلمين. والمسلم من عامة الناس يحرِّمه عليه ويردعه عنه ضابط الدين، ومعايير التشريع. ومع ذلك فإنَّ الناس تلجأ له، وتعتمد على ما فيه من قوى شيطانية تضعف أمام ضغوط الحياة، وعجز اليدين، وتكالب المشكلات، وتنابز البشر مما استدعى التنَّبيه ومما استدعى مثل هذه الخطوة الجريئة والضرورية في هذه المرحلة من حياة الناس... وهذه وسائل الاتصال الإلكتروني قد مكَّنت الإنسان من الوقوف على أساليب السِّحر ومناهجه وطرقه وأساليبه. وكان حرياً بأفاضل مثل هؤلاء الكوكبة من رجال العلم الصحيح أن يقفوا في مواجهة ومصارحة ومكاشفة في أمره. لذلك جاء ثاني ما لفت في هذا البرنامج وهو أسلوب الطرح لموضوع السِّحر والشعوذة: أولاً بشرح مفصَّل عن كلِّ جزئية ترتبط بأنواعه وأنماطه وأشكاله وأسمائه، ولم يقف الأمر عند هذا، بل كشفت الصورة المرئية المسموعة عن كيفية تركيبه وطرق إخفائه، بل مكوناته... مما يجعل الواحد من المشاهدين على بيِّنة تمنحه كوابح المروق في متاهات الشرك، وضعف الإيمان والخروج عن جادة الدين. وتُظهر له كم هو في خدعة من أمر هذا الأمر الذي يسرُّه ربما لحظات ويشقيه في الدنيا والآخرة...
والأمر الملفت للنظر أنَّ الناس لم تكن تعلم عن الأحكام الشرعية في أمر السحر بناءً على ما يعقد عليه، ويقوم عنه من نهج وأسلوب وأداء ينتهك حرمة كتاب الله تعالى )القرآن( قدَّسه الله تعالى وحفظه...، وينتهك طهارة الإنسان... تلك التي هي من أول موجبات عبادته...، فإن كان هذا الأمر في ظاهر ماديات الإنسان المسلم فما بال طهارة الجانب الداخلي فيه؟ نفسه وعقله وقلبه؟... أليس في فسادها ما يُفسد المؤمن وفي صلاحها ما يُصلحه؟...
إنَّ هذا البرنامج بما قدَّمه من مضامين وأدلة وبراهين بالكلمة والصورة عن هذا المرض الإنساني في المجتمع المسلم يبرهن عن وعي «رسمي» جُنِّد له أناس على قدر المسؤولية.
ولعلَّ في المشايخ الأفاضل الذين رُشِّحوا لهذا الموضوع من الوعي والقدرة على تناول شؤونه صغيرها وكبيرها ما أرجو من الله أن يجعله في موازين أعمالهم.
إنَّ الإنسان في المجتمع المسلم يحتاج إلى حملة تطهيرية لعقيدته، وتصويبية لمفاهيمه، وتقويمية لسلوكه... كي يتحقق له الوعي والإدراك السليمين الكافيين لحمايته وحصانته من جهة ولكي يتحقَّق له الأمن النَّفسي حين تنشأ عقيدته على بناء سليم وإدراك عميق.
ولعلَّني لا أبالغ إنْ قلتُ إنَّ هاتين الحلقتين غير كافيتين، وإنَّ هذا الموضوع يحتاج إلى مواصلة توعية وتذكير على أيدي أفاضل كالدكتور الشيخ الخضيري، والشيخ المقبل، والشيخ البكر ممن في طرحهم وعيٌ كبيرٌ، وفي علمهم شمول وسعة، وفي نهجهم أسلوب قادر على احتواء المُشاهد المستمع على قدر ما هنالك من تفاوت بين المستمعين المُشاهدين في الوعي والمعرفة والعلم والفهم والإدراك...
تحيَّة لوزارة الإعلام بكافة قنواتها الإعلامية التي بدأت تضع يديها على الأدواء لمعالجتها بأساليب تناسب حاجة الوقت ومتغيِّراته.
وتحيِّة للتلفاز الذي جنَّد قدراته وإمكاناته لمواكبة حاجة هذا الموضوع الهام.. وتحيَّة لصاحب الفكرة ومقدِّمها... ودعاء صادق مخلص للمشايخ الأفاضل لتوضيحهم العميق وقدرتهم على احتواء الموضوع...
ودعاء إلى الله أن يُنزل على قلوب المسلمين إيماناً تاماً ويقيناً صادقاً وتوكلاً عليه... وثقة في حوله تعالى وقوته كي يكون أمر حياتهم إليه يتكفَّل بها ويعينهم عليها ويحفظهم من شرور أنفسهم وشرِّ كلِّ ذي شر من شياطين الإنس والجن.
والله الموفق والمستعان. والحمد لله رب العالمين.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved