أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 6th July,2001 العدد:10508الطبعةالاولـي الجمعة 15 ,ربيع الثاني 1422

تراث الجزيرة

مع الشعراء
«تنيش» بين الإيثار والأنانية
الشعراء الشعبيون وإخوانهم شعراء الفصحى بشر مثلهم مثل باقي الناس يحبون ويكرهون يجودون ويبخلون وميزان القوى يتأرجح عندهم كما هو لدى الجميع.
ألا يقال في الامثال ان المرجلة تحضر وتغيب وان الانسان في لحظة من اللحظات يكون غاية في الكرم والإيثار وقد تجده في ظروف اخرى وحالات نفسية مختلفة غاية في الانانية وحب الذات، إلاّمن رحم ربك.. وهذه الحالة بالذات هي بالضبط ماحصل لشاعرنا.. رشيد بن عبدالله الكثيري.. الملقب )تنيش( في القصيدة التي اوردها له الاستاذ عبدالعزيز الشريف في كتابه شيء اريد قوله وذلك في قسم قصائد اعجبتني والحقيقة انني قبل هذا الكتاب لا اعرف هذا الشاعر ولم اسمع به وهذا بلاشك ناتج عن قلة اطلاعي وكثرة الشعراء الشعبيين الذين لا يستطيع أحد حصرهم ولا اعلم هل هو من المعاصرين الأحياءاو ممن سبقهم والمؤلف لم يترجم له الا انه من اهالي الحريق في اشارة تحت اسمه لا اكثر ولا أقل .
والقصيدة مقطوعة قصيرة نوعاً ما لاتتعدى العشرة ابيات وهي في الدعاء لله سبحانه والشكوى من قسوة الظروف ونكد المعيشة يقول في البيت الأول:


يالله يالي يعطي العبد لسيل
ياعالم ما بالخفاء من مسره

وهذا بلاشك ضعف ظاهر ومعنى يشوبه الخطأ من عدة جهات فالله سبحانه يعطي اذا سئل واذا لم يسأل، لأن جميع النعم التي يتمتع بها الخلق، هي من عطائه ومنّة وكرمه وبدون سؤال ومع السؤال يهب الرزق لمن يشاء جل وعلا وعلمه شامل عام وهو سبحانه يعلم السر واخفى.
واذا تجاوزنا هذه البداية التي هي بلاشك غير مقصودة، انما هي بساطة التناول وعفوية التعبير.
نأتي الى القصد الاساسي بالنسبة لنا في هذه القصيدة التي وقف بها شاعرنا موقفه الخاص بين شاعرين من شعراء العربية هما الشاعر الامير ابو فراس الحمداني والشاعر الضرير رهين المحبسين أبو العلاء المعري.
حيث قال ابو فراس:


معللتي بالوصل والموت دونه
إذامت ظمآنا فلا نزل القطر!

وقال ابو العلاء:


فلا هطلت علي ولا بأرضي
سحائب ليس تنتظم البلادل

ولا يخفى على من نظر في هذين البيتين معنى كل منهما وما يعنيه كل بيت من مشاعر قائله وبعض آرائه.
والواضح للجميع ان بيت ابي فراس يمثل الانا ومن بعدي الطوفان او الجفاف والقحط كما يعنيه البيت.
وهذا منتهى الأنانية وحب الذات.. بينما البيت الآخر لأبي العلاء يصور الإيثار وحب الغير وبرهم ونفعهم وتقديمهم اذا تطلب الوضع و الظرف على النفس وحسب رأيه فان الخير الذي لايكون عاما شاملا البلاد كلها. ليس خيرا ولا يريده منفردا ويؤيد هذا الرأي قوله في البيت الذي سبقه وهو:


ولو أني حُبيت الخلد فرداً
لما احببت بالخلد انفرادا

نرجع لشاعرنا «تنيش» ونستمع له مع اي الشاعرين هو وبعد ان يسمعنا شكواه من مرارة العيش والفقر وقلة الحيلة في قوله:


نصبر على ضيم الدهر والغرابيل
والفقر باليني كفى الله شره

يقول رأيه ويحدد موقفه في هذا البيت:


يالله ان تعدلها عن الضلع والميل
ولا ان تميلها على الناس مره

مافيه وسطيه كأن تعدلها لي ولغيري، او على الاقل ان لم تعدلها لي يظل الناس على وضعهم، لكن رأي شاعرنا غير هذا فهو اما ان تفرجها علي وتعدلها معي والا ميلها على الناس كافة واجعلنا متساوين في الفقر وميلة البخت الغريب ان يكون هذا رأيه وهو في البيت الثاني من القصيدة يدعو الله سبحانه ان يعم الخيرشعبان الحريق ومجره..
ويبدو أنه حز في نفسه أن يرى بعض الناس من حوله مبسوطين ينعمون بالمأكل الطيب والملبس الفاخر ويلاعبون البنات الناعمات المترفات الكاسيات الذهب حتى الخلاخيل، ومع كل هذا النعيم هناك ايضا زيادة.. حيث السواني في حقولهم ومزارعهم تعمل ليلا ونهارا بدون انقطاع والمحاصيل.. تدور وتدور تنثر الماء والرفاهية.
بينما هو يتضور جوعا واذا حصل له الأكل فهو الرغيد وما هو الرغيد هنا؟ انه الماء المغلي والدقيق وشيء قليل من السمن ولا شيء اكثر ولمن شاء فالمقارنة بمفضح الحيل ويمر عليه الصيف بقيظه اللاهب وحره الحارق والماء متعذر عليه وبستانه المتواضع يخشى عليه من الجفاف والموت والديانه بعد ذلك من ورائه:
وليس لديه من يواسيه او يسليه ولا يجد معه الا عجوزاً لايرى منها الا المضرة حسب قوله:
انه في حالة لايحسد عليها فلنستمع له وهو يقول:


احد عشاه القرص ومفطح الحيل
واحد رغيد.. يلعط الجوف حره
واحد طوال الليل يعمل محاحيل
وانا طوال القيظ ماصب كره

محمد ابراهيم الهزاع عنيزة

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved