أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 7th July,2001 العدد:10509الطبعةالاولـي السبت 16 ,ربيع الثاني 1422

محليــات

لما هو آت
العربية متعة الثَّراء لا شحَّ الطلَّب!
د. خيرية بنت إبراهيم السقاف
ليس هناك أكثر متعةً من الغوص في الكلمات العربية ومعانيها، في القواميس التي سهر عليها علماء اللغة، وصنَّفوها، ووضعوها في متناول الباحث ممَّن يرغب في حصيلة لغوية ثريَّة، وممَّن يَشْكُلُ عليه معنى، أو تعوزه كلمة فيلجأ إليها فترْفده، وتمدُّه، وتُغنيه،
ومتعة قراءة قواميس اللُّغة ومعاجمها لا تقلُّ عن متعة الاستزادة من دهشة الوقوف على التَّشابه اللَّفظي، أو التَّبدل الحرْفي في الكلمة، وما تتقلَّب عليه في الشَّكل بين الإفراد والجمع، وبين الاسم والفعل، وبين المَصْدَر والمُشتَقّ..
والكاتب شأنه شأن الباحث في لجوئه إلى هذه الكنوز اللُّغوية، ذات الثَّراء والغنى.. إن أشكلَ عليه لفظٌ، أو عزَّ عليه معنى..، أو ضاق به حرف، أو علَّته علل الكتابة، لجأ إليها، بمثل ما يلجأ الصادي إلى نبع الماء ليروى..، ولا تقلُّ القواميس اللُّغوية أهميةً في هذا عن أهمية كتب النَّحو..، والمعارف الأساس..
والكاتب الذي يُقدِّر قلمَه، ويجلُّ فنَّه، ويتطلَّع إلى سلامة صَنعته، وكمال حِرفته، لا شك في أنَّه يُدرك أهميتها، ويعرف جدوى ملازمتها..
غير أنَّ الملاحظ في بضاعة الكتَّاب المحدثين، أنَّها مصابة بالشحِّ، إذ كلماتهم محدودة، وقاموسهم ليس ثرياً، إذْ داخَلَ أساليبهم ضعف في البلاغة، ولحِق عباراتهم خلطٌ بين لغة الحديث السيَّار، وبين لغة الكتابة..، ولقد وُصف هذا النهج بأدب الصحافة، وكان يمكن أن يكون أدب الصحافة ذا بلاغة، وثراء، وتنوُّع، وغنىً، وسلامة، وفصاحة، ولم يكن، وما ذلك إلاَّ بسبب لغتهم، فهي تحتاج إلى تصويب، كما أنَّها تحتاج إلى تنويع، إن وُجد المصحِّح اللُّغوي الذي يجري قلمه على ما فيها من أخطاء نحْوية، أو إملائية، فإنَّه لا يجريها على ما فيها من شحٍّ في الكلمات، أو تهافت في الدَّلالات، أو قصور في العبارات. وما ذلك إلاَّ لقلَّة الاستزادة من ثروة اللُّغة العربية، في مرادفاتها، وكلماتها، واشتقاقاتها، ومقابلاتها، ومطابقاتها، وكناياتها، في أسمائها وصفاتها، وجمعها ومفرداتها، في قوالبها الجميلة، وأشكالها البديعة التي أفاد منها علماؤها، وقدماء مفكريها، وخطباؤها، ناثروها وشعراؤها، محدِّثوها، ومؤلفوها، وكلُّ من أدركها في عزِّها قبل أن ينوح من أجلها الشعراء، ويصطرع في ساحاتها البلغاء، ويهجرها من أبنائها الغرباء..،
فإذا ما خطبَها في جمالها وكمالها، وبلاغتها وفصاحتها، وقوَّتها وقدرتها كاتب ما، وزيَّا بها فكرَه، وكسا بها دلالاته، ووجَّه قلمَه إلى مَعينها يرشف منه، وإلى بحورها يغرف منها، وُسِمَ «بالتقليديّ»، وصَدف عنه القرَّاء، لأنَّهم لم ينهلوا ممَّا نهل، فيصعب عليهم فهمه، وتنقطع بهم بضاعتهم..، ولا يرضون إلاَّ بما يكتبه سواه ممَّن لم تبلغ بضاعتهم من اللُّغة إلاَّ اليسير منها.
فإلى من تشكو الإهمال هذه القواميس والمعاجم وكتب اللغة التي غدت في الأرفف لا يرجع إليها العامة، وإن طلبوها فعند الشِّدة كأنها المصل المباح عند الضرورة؟..
أوَليست الغذاء الأساس الذي لا تكمل وجبةٌ دون أن يندرج في جزئيات تركيبتها؟!
أوَليس هو الحق المبين أن يدرك النَّاس ضرورة أن يعودوا إلى النَّهل من لغتهم العربية فيعكفوا عليها وعلى مفرداتها درساً واسترجاعاً واستذكاراً وفهماً واستعمالاً؟ كي تعود للِّسان العربي قدرته وحجَّته وفصاحته وبلاغته.. ومن ثمَّ يعود لآثار الكاتبين وإبداع المتقدِّمين؟!
إنَّ «العربية» ليست لغةً باهتةً، وليست شحيحةً، وليست متسطِّحةً،
وإنَّ «العربية» ليست صعبةً، وليست غامضةً، وليست متقعِّرةً،
وهي ليست مفرَّغةً، ولا عاجزةً، ولا مترهلةً،
إنها ناصعةٌ، ثريَّة، عميقةٌ، يسيرةٌ، واضحةٌ، عذبةٌ، مستوعبةٌ، قادرةٌ، حيَّةٌ..
لا ينبغي إهمالها..، ولا يُرجى ذلك..
فهلاَّ وُضع برنامجٌ إلزاميٌّ هدفه إثراء لغة الأفراد وقوَّتها، يتحقَّق في المدارس، خلال الدراسة، أو في برامج النشاط، أو.. أو... كما يرى كلُّ من يرى.. من أجل ألاَّ يُفتح القاموس إلاَّ لكلمةٍ نادرةٍ، أو سهوٍ عابرٍ، أو رغبةٍ في استزادةٍ؟
وليس لعجزٍ، أو شحٍ، أو قلةِ بضاعةٍ؟!..
فاصطحبوا ينابيع لغتكم، في صحوكم، وعند نومكم، ولازموها واعكفوا عليها، فحقٌّ عليكم اتباع ذلك، وحريٌّ بكم أن تطلقوا ألسنتكم، ولا تعتقلوا أفكاركم، بهجركم للغتكم، فإنَّها جميلة معطاءة...
بها وحدها تتذَّوقون، وعنها وحدها تتفوَّقون..
فما هجر قومٌ لغتهم وفازوا
ولا أتقن قومٌ لغتهم وتخلَّفوا..
فهي البوصلة في المتاهات..، والمفتاح لكلِّ الطرقات، والسرُّ في عطاء الحضارات.
فما فات في شأنها قد فات..،
واللَّهَ اللَّهَ بما هو آت.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved