|
| الاقتصادية
تقرير أحمد الفهيد:
قبل حوالي 60 عاماً من الآن وبقرار استراتيجي أمر جلالة الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه بإنشاء أول مشروع زراعي في المملكة لإنتاج الألبان في مدينة الخرج والذي لازال ينتج حتى الآن.
ومنذ ذلك التاريخ حتى يومنا الحاضر بقيت الخرج حاضنة لمزارع الأبقار ومشاريع الألبان في المملكة حتى أنها الآن تتمتع بموقع ريادي في هذه الصناعة حيث يوجد بها حوالي 85% من صناعة الألبان في المملكة لتورق هذه البذرة التي ألقاها الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه لتصبح شجرة غذائية صناعية وارفة الظلال مستفيدة بذلك من خيار جلالته لمدينة الخرج كمنطقة زراعية متميزة وأيضاً بحكم قربها من أكبر سوق في منطقة الخليج مدينة الرياض.
وبعد ظهور النفط وفي ظل الطفرة الزراعية التي شهدتها المملكة منذ أواخر الستينات الميلادية دخل القطاع الخاص مجال الاستثمار الزراعي في قطاع انتاج وصناعة الألبان مستفيدين بذلك من الدعم والتسهيلات التي صاحبت فترة البدايات لتجد هذه الصناعة نفسها في يوم من الأيام فرس الرهان الأول ليس في سوقنا المحلي بل في الأسواق الاقليمية والدولية العربية وبشكل تنافسي نوعي مشرف.
مستقبل صناعة الألبان
منذ بدايات هذه الصناعة اكتفت بعض الشركات المنتجة بحصصها في السوق متفائلين بتلك النسبة القليلة المتزايدة في حصصهم والتي تعود أصلاً إلى توسع السوق وارتفاع عدد السكان. فيما حرصت شركات أخرى تتمتع بكفاءة مالية وإدارية على ضخ سيولة أكبر في هذه الاستثمارات إضافة إلى جهودها المستمرة في تطوير آلياتها الانتاجية والإدارة والاستفادة من الخبرات العالمية في هذا النشاط وكذلك التفاتها المبكر لجوانب التسويق الإعلاني وتسجيل ريادة في هذا المجال مما نتج عنه بروز )طبقية( بين المنتجين إن جاز التعبير فأصبح السوق قطعة كعك يتجاذبها مجموعة من المنتجين منهم شركات كبرى وشركات متوسطة وأصبح أصغر مقارنة بالكبار وآخرين صغار يستهدفون البقاء في السوق قابلين بهامش السوق الذي ينافسون فيه.
واستقرار الوضع كما هو عليه قد يكون مطلباً لبعض الجهات ذات العلاقة بالسوق وبنفس القدر مطلباً لصغار المنتجين ولكنه ربما لايرضي كثيرا أولئك الطموحين من كبار المنتجين والذين يعيشون هاجس المنافس الأوحد!
ولكن الشيء الذي يجب أن يتفق عليه الجميع أن هذه السلعة مادة غذائية واستراتيجية هامة للأمن الغذائي الوطني إضافة إلى كونها صناعة تنافسية لها إسهامها في صياغة إجمالي الناتج المحلي مما يفرض علينا النظر بموضوعية أكبر لهذه الصناعة من منظور الربح والخسارة بعيداً عن الحديث حول الإجراءات التي قد تتخذ سواء للمستهلك أو للصناعة المحلية لكي نضمن بقاءنا في موقع الصدارة ولكي نساعدها على توسيع مساهمتها في الناتج المحلي في مقابل ما تستهلكه هذه الصناعة من طاقات وموارد بعضها مدعومة.
مواقف المنتجين والهدوء الذي يسبق العاصفة
بالنظر لآخر المستجدات على ساحة السوق نجد أن «طبيعة المنتجين» التي تحدثنا عنها سابقاً أفرزت لنا اثنين من عمالقة الصناعة على المستوى الاقليمي ومتوسطي المنتجين وهم المتوسطون في كل شيء حتى في تأثيرهم على السوق والذي يأتي على شكل ردود أفعال تجاه قرارات الكبار وفئة ثالثة هم صغار المنتجين وهم المتفرجون الذين يحولون العمالقة أحياناً بمنتجهم الخام ويدخل في نطاقهم منتجو الحليب المجفف والذين ليسوا بمعزل عن ساحة السوق حيث سيرغمون على اتخاذ مواقف محددة لمقابلة المنافسة القوية من قبل الحليب الطازج والمنتج محلياً.
ومن هنا قد لا نختلف كثيراً «وبعيداً عن الحساسية الإعلامية» ان هناك منتجين كبيرين تحدد قراراتهما شكل السوق بشكل أو بآخر وهما شركتا الصافي ودانون وشركة المراعي المحدودة.
ولكي نحصل على صورة أكثر وضوحاً للسوق يفترض أن نلقي الضوء على مواقف هاتين الشركتين من السوق. فالصافي وقعت مؤخراً عقد شراكة استراتيجية بنسة 50% مع شركة «قروب دانون» العالمية الفرنسة بقيمة تقدر بربع مليار ريال لتدخل السوق المحلي ب«78» منتجاً اضافة إلى قدرة تنافسية عالية مقارنة بهامش ربحي تتحرك فيه لا يتجاوز ال«5.7%» وبشكل ينبئ بتغيير مراكز القوى في السوق عبر اعادة توزيع الحصص.
شركة المراعي من جهتها والتي تمتلك خططها التوسعية في الأسواق العربية بعد تحقيقها نجاحا ملموساً في الأسواق الخليجية اضافة الى تمتعها بحصص جيدة في السوق المحلي للألبان وأيضاً سبقها في تقديم مختلف المنتجات الغذائية.
وتشير دراسات السوق إلى أن حصص هاتين الشركتين من سوق المنتج الطازج أدت إلى استحواذ شركة المراعي على 50% من حجم سوق الحليب و40% من سوق اللبن مقابل 22% من سوق الحليب للصافي و25% من سوق اللبن، ومن هنا وبعد الاستعداد الكبير الذي تستعد الصافي دانون للسوق وجدت المراعي انها أمام خيار قد لا يقبل الحلول الودية «كما في السابق» وهو تخفيض السعر ومحاولة السيطرة على سوق المنتج اليومي والذي سيعطيها فرصة أمام الشكل الجديد للمنافسة من قبل الصافي دانون وفي نفس الوقت سيوفر رواج منتجها اليومي حملة ترويجية غير مباشرة لبقية منتجاتها الأخرى، مما دفع بها إلى العودة لاستخدام وسيلة سبق لها أن جربت فعالياتها المباشرة على شرائح السوق وهي تخفيض السعر. وما أبعد اليوم عن البارحة! فهذه الخطة يبدو أنها لا تضع ضمن بنودها خيار العودة للأسعار السابقة تحت أية ظروف وستكون ان جاز التعبير خط الدفاع الأول والذي ستتبعه اجراءات على مختلف الأصعدة سواء المالية أو التجهيزية أو الانتاجية سيما وأنها تعتمد اعتماداً كلياً على تمويل خطوطها الانتاجية من الخام المنتج في مزارعها.
ومن خلال موقفها المعلن تؤكد المراعي أنها لا تهدف إلى أي سياسات احتكارية للسوق مشددة على الالتزام أمام الجهات المسؤولة والمستهلك بهذه الأسعار.
الصافي دانون من جهتها قد لا تتأثر كثيراً بمجاراة هذا الحفض خصوصاً وأنها شركة متعددة الجنسية ويمكن لها ردف الخسائر المتوقعة من خلال عوائد الأسواق الدولية الأخرى ولكنها تبنت في مواقفها المعلنة حماية السوق وصغار المنتجين من هذه الحملة التي أطلقتها المراعي قبل اسبوع من الآن.
الجهود المشتركة وموقف الزراعة
منذ أسبوع وحتى الان لم يتم الإعلان عن أي موقف جماعي أو مسؤول تجاه هذه القضية.
ووزارة الزراعة تنطلق في عدم «توسطها» من مظلة سوق حرة لايمكن فيها تحديد سعر السلع الاخرى أو حتى اللبن معلنة بذلك أنها ستترك للسوق فرصة تشكيل نفسه مرحبة في نفس الوقت بأي دور«تنسيقي» يتم تحت رعايتها وهذا الإجراء يعد موقفاً صحياً من سوق وصناعة نعتقد أنها وصلت مرحلة تمكنها من صناعة خيارتها.
في هذا السياق دعت الصافي دانون إلى اجتماع مع المنتجين يوم الاحد الماضي دون أن توجه الدعوة إلى المراعي الركن الاهم في أحداث السوق الحالية وبشكل يؤكد على الاتجاه الذي أخذناه في هذا التقرير من أن المنافسة «ثنائية» وليست منافسة مع السوق.
وطالعتنا الصحف في اليوم التالي مفيدة بعدم نجاح المجتمعين في الوصول إلى موقف موحد من التطورات الاخيرة في السوق، بل إن التوفيق لم يحالفهم حتى في الوصول إلى اتفاق على الموعد القادم.
في حين اتفق الجميع على تقديم شكوى إلى الجهات العليا في الدولة جراء هذا التطور كذلك وفي نفس السياق دعا رئيس اللجنة الزراعية في مجلس الغرف إلى اجتماع يوم السبت القادم لم يتحدد بعد الموافقات على حضوره.
مبارزة فردية بين طرفين
التزم الموقف الإعلامي للمراعي بالحديث عن مصلحة المستهلك فيما التزم الموقف المعلن للصافي بالحديث عن مصلحة الصناعة الوطنية وبقيت معادلات السوق هي الحقيقة الوحيدة غير المعلنة!.
ويشير مراقبون للسوق أن الصافي تعتزم مواجهة خفظ المراعي «منفردة» وذلك باعتزامها تخفيض أسعارها الخاصة بالمنتج الطازج إلى 3 ريالات للتر متساوية بذلك مع المراعي وكذلك النزول 5 ريالات للترين وهو أقل من سعر المراعي وذلك لتعويض فارق السعر لعبوة 3 لترات والتي تسوقها المراعي بسعر 9 ريالات في حين أن عبوتين سعة 4 لترات من الصافي تسوق بسعر 10 ريالات ومن المتوقع أن تقدم الصافي على هذه الخطوة خلال اليومين القادمين أو ربما بداية من اليوم وذلك في أقل من أسبوع من بداية حملة المراعي.
المراعي من جهتها وكردة فعل تحسبّية تدرس خلال الفترة السابقة طرح الحليب، لتر بسعر 5 ريالات وذلك إيضاً خلال اليومين القادمين.
ترى هل من شأن هذا الاجراء الإضرار بالصناعة الوطنية؟
إذاً فلنخرج الصناعة الوطنية من موضوعنا ولنتحدث عن شيء آخر.
من جهة أخرى، هل ستكون أسعار المنافسين الجدد مستمرة أم أنها تعتمد على مدة بقاء وقدرة المنافس التقليدي.
ولعل قرار الصافي دانون بخفض الاسعار كان أسرع من توقعات كل المراقبين حيث تم خفض المراعي يوم الخميس الماضي «بداية الاجازة الاسبوعية للمنافسين» والسبت والاحد )الاجازة الاسبوعية لشركة دانون» وخلال امس واول أمس فقط قررت الشركة خفض السعر.
اتفاقية التجارة وحلال الايتام
لعل اتفاقية التجارة العالمية والعولمة لم تلتفت كثيراً للمتنافسين «بعكازين» في بنودها.
ولم يعد يكفي لصغار المنتجين التذرع «بحلال الايتام» لاستدرار تعاطف السوق من اجل سقف السعر فمن لا يستطيع تطوير نفسه ولا يقبل الاندماج مع غيره ولا يستطيع المنافسة فليترك الاستثمار في هذا القطاع وليتوجه إلى قطاع آخر يستثمر فيه خبراته وبقية استثماره بعيداً عن هذه الكعكة الخشنة التي يتصارع عليها الكبار فالمستقبل ينبئ بأكبر واخطر من الاشكال الحالية للمنافسة.
.. وختاماً.. لايسعنا إلا أن نأمل من هاتين الشركتين العملاقتين الوصول إلى صيغة تفاوضية مجدية والجلوس إلى طاولة ثنائية تمكنهم من صياغة الشكل النهائي للسوق ودون الاضرار بصغار المستثمرين في هذا النوع من الصناعة وكذلك دون التنافس الاستنزافي لكل المواد الطبيعية والخاصة، على أننا لا نتوقع ذلك قريباً على الاقل حتى يظهر الانهاك على أحد المتبارزين.
|
|
|
|
|