أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 12th July,2001 العدد:10514الطبعةالاولـي الخميس 21 ,ربيع الثاني 1422

مقـالات

أصل الخطأ
في البحوث والتحقيقات الشرعية من خلال كتاب )الحلم( للقرشي «4 - 4»
صالح بن سعد اللحيدان
تنتشر في هذا الحين كتب ورسائل مختلفة كما تظهر بين الحين والآخر تحقيقات وتخريجات لكتب سلفية ورسائل سلفية صغيرة وبين هذه وتلك رسائل علمية لدرجتي الدكتوراه والماجستير والدبلوم المتقدم والتخصص الدقيق العالي بعد الدكتوراة.
وهذا أمر يُفيد أول ما يُفيد ببزوغ العلم والتجديد فيه داخل النص الصحيح كما يفيد هذا بصحوة عالية متأنية خاصة بعد تفتح كبير جيد أراه بين جملة من العلماء وطلاب العلم والباحثين ولا سيما بعد وضوح الرؤية وفقه العلم والتخصص فيه، ونباهة كثير من العلماء من جيل ما بعد خمسين عاماً إذ توسع كثير منهم في العلم الشرعي فبجانب كون هذا طبيباً أو مهندساً أو لغوياً أو أديباً تجده برع في الحديث أو الفقه أو التفسير أو السير... الخ.
وهذا ما دفع الى تزايد دور النشر ودور الطباعة والتوزيع. واذا كان هذا علامة تقدم وفقه ووعي فإن طامة العجلة وآفته عدم الاستمرار وهذا يولد النسيان وتداخل العلوم والآثار في العقلية الواحدة مع إختلاف ما بين شخص وآخر، فان العجلة وعدم الاستمرار في طلب العلم قد يولدان أمراً عكسياً يضيق به المرء ذرعاً بل أن العجلة تختلط بسببها الأوراق فلا يكون ثمة: النتيجة المرادة من وراء التأليف أو التحقيق أو استخلاص الحكم من خلال نص أو قول او رأي أو تعليل.
وهذا أمر قد وجدته كثيراً في كتب ورسائل متعددة علمية ودعوية وما كان لهذا أن يكون لولا: )أم الندامة(، وان التبصر والفهم والرؤية والبعد عن طلب الشهرة مهما كان السبيل يدفع هذا الى أن يولد العقل ما المرء بحاجة اليه وليس ثمة أحسن من استشارة العلماء البارعين الورعين الذين تدرك أنك أمام عالم فذ حينما تسأل أو تناقش دع عنك طلب الرأي، ولقد أعلم أنه يُحس من انتقد كتابه أو تحقيقه أو تخريجه أو رأيه يحس بضيق لكني ما فعلت إلا بعد نظر مكيث لي فيه ما لي وعليَّ فيه ما عليّ،
وإني لأرغب الى طلاب العلم ومن نحا نحوهم بسبيل مقيم من الحكمة، والعقل ودقة المراجعة وحسن الأداء ومقابلة كل ذي صاحب فضل بفضله حباً وتقديراً ودعاءً.
وما الاستاذ مجدي بن السيد بن إبراهيم إلا واحد ممن فيهم الخير يسعى لنشر التراث بجهدمبارك ولا يُضيره ما يُبين له فيأخذ بصحيحه سواء من ابن لحيدان أو سواه.
ولعلي أواصل نظر تحقيقه وتعليقه على كتاب: الحلم، لنشترك معاً في تأصيل وتصحيح الآثار وما تدل عليه، جاء في ص 49/50: )حدثني اسحاق بن اسماعيل نا سفيان عن عمرو بن دينار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )إن الله يحب الحليم الحيي الغني المتعفف، ويبغض الفاحش البذىء السائل الملحف(.
تركه ابن أبي الدنيا والمحقق فلم يبينا شيئا مما في سنده من خلل ظاهر.
في هامش )101( قال المحقق: خرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن المنذر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان...» الحديث فهل هذا تحقيق لنص القرشي عن طريق: اسحاق بن اسماعيل؟ كلا،
قلتُ السند فيه هكذا: )عمرو بن دينار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم..( وعمرو بن دينار ثقة لكنه ليس بصحابي ولا من كبار التابعين فالسند بهذا منقطع فيكون: ضعيفاً، بهذه العلة. لا بعلة عمرو بن دينار ووجوده في السند فهو: ثقة، وكون السند ضعيفاً لأن الانقطاع فيه مشكل إذ لا يدرى من هو الساقط بعد عمرو بن دينار ولو كان مثلاً صحابياً ما ضر هذا ثم قال المحقق في ص5، أخرجه السيوطي .. الخ.
قلت: صحيح لكنه لم يبين ضعفه.
قلت كذلك: أصل بعض ما ورد: صحيح وفي ص50/51 جاء هناك: )حدثني يعقوب بن عبيد أنا هشام بن عمار أنا حماد بن عبد الرحمن الكلبي أنا إسماعيل بن ابراهيم الأنصاري عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )ثلاث من لم يكن فيه واحدة منهن فلا يعتدن بشيء من عمله، تقوى تحجزه عن معاصي الله وحلم يكف به السفيه وخلق يعيش به في الناس(.
قال المحقق: )الحديث في مكارم الأخلاق للخرائطي 1/5 باب الحث على الأخلاق الصالحة والترغيب فيها( ثم ترجم لاسماعيل بن ابراهيم وأحال الى )الميزان( للذهبي برقم 830.. الخ.
وفي ص51 نقل عن )الألباني( رحمه الله أنه قال: ضعيف.
والذي يظهر لي «ضعف سنده» قلت لكن لبعض ما ورد أصلاً صحيحاً وهذا الحديث من حيث السند هو من أحسن ما درسه المحقق في هذا الكتاب الحلم لكن ليته عول على كتاب «الجرح والتعديل» و)تواريخ البخاري( وما كتبه ابن حبان عن «الضعفاء» وليته علل ضعف السند بسبب العلة بشأن «اسماعيل بن ابراهيم» وكونه: مجهولاً هل هي جهالة: عين أو جهالة: حال؟ وفي ص 15جاء: )حدثنا خلف بن هشام نا أبو مطرف مغيرة الشامي عن العرزمي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة( إلى: )فنعم أجر العاملين(.
تركه الإمام أبو بكر القرشي، قال مجدي في هامش )110(: )هذا الحديث في سنن ابن ماجه )4291( وكنز العمال )34466( والترغيب والترهيب )3/418( وزاد المسير )8/101( وإحياء علوم الدين )3/174(.
قلت هذا ليس بتخريج ولا تحقيق ولكنه خلط لبيان وجود هذا النص، ولو اقتصر مجدي على )ابن ماجه( لقلت خرجه لكنه خلط بين أصول وكتب ليست بذاك، ومتى كان مثلا )إحياء علوم الدين( للإمام الغزالي مصدراً للآثار يؤخذ النص صحيحاً أو ضعيفاً كذا حال: )الترغيب والترهيب( وإن كان أجل وأفضل بكثير من: الإحياء.
قلت: والحديث: ضعيف بضعف السند وهو ظاهر،
وفي ص54 أورد القرشي بسنده الى أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه أنه قال: )ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ولكن الخير أن يعظم حلمك ويكثر علمك، وأن تنادي الناس في عبادة الله، فإن أحسنت حمدت الله وان أسأت استغفرت الله(.
قلت: سنده ضعيف لكن معناه موافق للصواب.
وفيه ص54 أورد بسنده الى الحسن قال: )المؤمن حليم لا يجهل وان جهل عليه حلم، لا يظلم وان ظلم غفر، وان قُطع وصل، لا يبخل وان بُخل عليه صبر( ص52 أولها قلت في سنده )الربيع بن بدر( لا أدري من هو؟ والحسن المراد به هنا البصري لكن لست أعلم لم تركه.. الأستاذ: مجدي وفي ص66 جاء هناك: )حدثنا عبد الله بن عمر نا جعفر بن سليمان عن اسماء بن عبيد قال: بلغنا أن لقمان قال لابنه )حليم كلما لقيك قرعك بعصاة، خير من سفيه كلما لقيك سرَّك(.
قلت: لا ضير في هذا لكن البلاغ مشكل وليس البلاغ بحد ذاته كذلك لكن لو نسبه اسماء بن عبيد الى كتاب أو الى من حدثه به عمن قرأه فيكون خيراً.
وفي ص78 ورد هناك: )حدثنا عبد الله بن محمد ابن حفص القرشي نادر بن مجاشع عن غالب القطان عن مالك بن دينار عن الأحنف بن قيس قال: قال عمر بن الخطاب: من كثر ضحكه قلت هيبته ومن مزح استخف به ومن أكثر من شيء عُرف به ومن كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه قل خيره، ومن كثر أكله لم يجد لذكر الله لذة، ومن كثر نومه لم يجد في عمره بركة، ومن كثر كلامه في الناس سقط حقه عند الله، وخرج من الدنيا على غير الاستقامة(.
تركه ابن أبي الدنيا، وقال محقق الكتاب في هامش )180(: )وهذا من دقائق الكلام وحكم الأبرار. وأقول الأخيار(.
وهذا صحيح بل هو من درر الحكم وزبد التجارب وخلاصة العدل وصفاء الذهن وحسن الأداء بسابق كريم، لكن أين تحقيق السند..؟ ثم أين الحكم عليه..؟
لم أجده منسوبا الى عمر رضي الله تعالى عنه في أي من مسانيده المسندة إليه ولا المعاجم.
قلت: ويصح ان يكون من كلام عمر رضي الله عنه وعمر له من بالغ الكلام وناضج الحكمة ما له لكن العبرة في السند الوصل اليه مما جاء في السند هكذا: )حدثنا عبد الله بن محمد الى ابن مجاشع لم أقف عليه حسب جهدي بهذا التسلسل خمسة أسماء لراو واحد ومالك بن دينار ثقة والأحنف ثقة، وغالب القطان. لست أدري من هو..؟ فأين أجده..؟(
فالسند فيه اضطراب.
وقد كان باذن الله تعالى يمكن للأستاذ مجدي ومن يقوم بمثل ما يقوم به من الباحثين والمحققين أن يطرقوا سبيل التأني وطول النفس وسعة النظر على كتب المسانيد والمعاجم وكتب الحديث الأصلية، وكتب التراجم والجرح والتعديل حتى يفوا بما بين أيديهم مما يريدون دراسته وتحقيقه وتخريجه بل وحتى استخلاص الحكم الشرعي من نوازل العصر ومستجدات المسائل، وما لم يكن هذا فإن تركه أولى من اخراجه اللهم إلا من باب بدء الطبع والبيان والنشر ويُترك التحقيق وتأصيل أحوال رواة الأسانيد لذويها وكذا صعاب المسائل التي تتطلب بجانب العلم والفهم )الموهبة العالية( التي لا دخل للذكاء فيها. ولا دخل فيها لحسن التصرف إنما عظمة العقل البصير والفهم الحاد جداً لأحوال النص ومراده على مسألة أو مسائل تتطلب: الموهبة ولابد.
لقد تركت بعض الآثار مما ورد في كتاب )الحلم(. لابن ابي الدنيا فيها من الأهمية بقدر ما فيها من ضرورة حال السند تركت ذلك خشية الطول وحتى يعاد الى الكتاب مما يريد ذلك لما دخل في نفسي أنه كتاب جيد لما تضمنه من نثر وآثار سديدة كريمة لا يكاد يستنغي عنها أحد من الناس.
وإنني لأكرر الدعوة للعلماء والباحثين والمحققين وطلاب العلم أكرر الدعوة بما كنت قد ذكرته في كتابي «كتب تراجم الرجال بين الجرح والتعديل» و«النقد العلمي لمنهج المحققين على كتب التراث» بأن يلبسوا لباس التأني وضرورة ضبط النص بضبط سنده وسعة النظر والمراجعة والاستخلاص لاوجه كل مسألة تكون.
وما التحقيق إلا السلم للوصول الى ضبط الآثار وما التخريج إلا الباب السليم لمعرفة صحة وضعف الأثر. وما سعة النظر والإحاطة ولو طال الوقت إلا السور العالي المتين لضبط الصواب وردم ما يمكن الدخول منه الى النقد أو الملاحظة لعلها قد تكون من غير وجه صواب.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved