أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 15th July,2001 العدد:10517الطبعةالاولـي الأحد 24 ,ربيع الثاني 1422

الثقافية

«حورية تزف إلى القبر»
حنان بنت عبد العزيز بن عثمان السيف
هي حورية صغيرة جميلة أخروية إن شاء الله تعالى، زفت إلى قبرها وقد ألبست لباس العروس حينما تزف إلى عريسها، هو ثوب أبيض ناصع، يذكرك بآخرتك، ويزهدك في دنياك، هو ثوب يفصل بين عالم الحياة، وعالم الممات، وكل له لابس، وبه ملتف وملتحف، به تبدأ رحلة الإنسان البرزخية فالأخروية،
وقد جللت العروس بلباسها، وخضبت بالسدر، ورشت بالمسك والكافور، فبدت لؤلؤاً مكنوناً، وفاحت شذى وعبيراً، وجالت عروساً أخروية، وحورية جنانية، تبذ عرائس الدنيا، وحور الحياة، وما لبثت تنطق سلاماً سلاماً،
وكأن النعش يسوق نفسه، ويحمل بعضه وهي عليه قائلة: قدموني قدموني. وقُدر لهذه الحورية ان تبلغ التاسعة من سني عمرها الذابلة، عبر تاريخ مرض طويل، وسجل طبي عريض يحمل بين دفتيه كوارث الأمراض، وفواجع الحالات.
وحين دلفت الحورية الجنانية نوف بنت عبدالسلام بن برجس العبدالكريم إلى الحياة، دلفت بوجه وصفه الواصفون ، ونعته الناعتون بالجمال والصباحة والوسامة، يكمله ذكاء خارق، ومنطق طفولي معجب، وتحليل دقيق لكل مايمر بها من أحاديث وأحداث، فكأني بها آلة تصويرية دقيقة، لا تأتي على أخضر أو يابس إلا التهمته.
وما إن بلغت الحورية شهرها السابع حتى أخذت الأوجاع والأسقام والأمراض تفتك بأعضاء جسدها الضعيف بدءاً باستسقاء في الدماغ ، وانتهاء بورم حميدي،
إلا أن المشيئة الإلهية قدرت لهذا الورم الحميدي أن يكون في مكان حساس دقيق، وهو جزء الدماغ المسمى بالمخيخ، المتحكم والمسيطر على حركة الإنسان وتوازنه، إضافة إلى إصابة النخاع الشوكي ديناميك الحياة والحركة والإحساس بهذا الورم أيضاً.
ولا أجد أقوى ولا أدق من عبارة ذلك الطبيب الأمريكي الكبير، والذي تفضل بشرح حالتها الطبية لي، فقال: هو ورم حميدي غير قابل للانتشار، إلا أن مكانه حساس وقاتل وخبيث، وقد بات هذا الورم بمثابة السكين التي قطعت الحبل الشوكي.
هي عبارة تنهار القوى، وتتداعى الإرادات أمامها، إلا قوة من قدر عليها هذه الإصابة، اللهم لا قاطع إلا أنت، ولا واصل إلا أنت، بعدلك أنزلت الداء، وبحكمتك كتبت أن لا دواء، وفيها حكمك مضى، وعدلك قضى وهكذا ظلت الحورية نوف خلال تسعة أعوام في صراع مرير مع هذا المرض، يعركها تارة، وتعركه تارة أخرى.
لم يبق باب إلا طرقته، ولا طريق إلا سلكته، ولا طبيب حاذق إلا استشرته، ولا حكيم أريب إلا حاورته، ولا كتاب يبحث في علاج لمرضها إلا قرأته وطبقته. غير أنه.
وإذا المنية أنشبت أظفارها.
ألفيت كل تميمة لا تنفع
اللهم تقفلت الأبواب إلا بابك.
اللهم خارت القوى، وتصدعت الإرادات إلا قوتك وإرادتك.
اللهم هو جرح غائر عميق، أجد ألمه، وأحس حرارته بين ضلوعي وكتفي لايبريه دمع، ولا يدمله حزن.
وهكذا تبرمت حوريتنا من دنياها، واشتاقت وتاقت إلى ربها وأخراها، وباتت قلقة متوجسة، حتى واراها مثواها.

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved