أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 15th July,2001 العدد:10517الطبعةالاولـي الأحد 24 ,ربيع الثاني 1422

الاخيــرة

وتاليتها..؟
أ.د. هند ماجد الخثيلة
«سقى الله تلك الأيام المبروكة» حين كانت تجتمع الأسرة والجيران لالقاء النظرة «الأولى» على السيارة الجديدة التي ما ان تصل الى حوش البيت حتى تلتف العيون من حولها تداعب زجاجها ولونها الساطع، وتمتد الأكف برفق وحنان كأنها تربت على ال«بددي -Body» اللامع، وتتداخل نبرات التهاني، والتبريكات، والاستملاح «الله يكفيكم شرها ويعطيكم خيرها»، ويتفقد أصحابها الحضور ويتفحصونهم بحرص شديد مع ذكر «من شر حاسد إذا حسد» عن «النضوليين».
كانت الفرحة لا تميز بين فؤاد أم أو ابن أو ابنة فهي سيارة الجميع إن لم تكن سيارة الحي بأكمله.
أقول هذا وفي الذاكرة لا يزال حديثها المملوء زهوا واعتدادا «يا أختي وش عاد أسوي في ولدي مصر ان السيارة يكون لونها بلون الجوال ولا يركبونها حريم العيلة ما شاء الله.. بسم الله عليه.. غدا رجال الله يحفظه».
هكذا اختلفت المفاهيم والمعايير التربوية والاجتماعية لدينا، وهكذا أصبحنا نتباهى بأنانية الأهواء والرغبات، وبذوبان وشائج القربى، والأواصر الأسرية التي يفترض ألا انفصام لها. ويتأثر الفتيان بعضهم ببعض، ويقلد بعضهم الآخر، خوفاً من «الفشيلة»، وتتحمل الأسرة أعباء مادية اضافية ليس لها مبرر على الاطلاق، «اللهم إلا ما نبي نضيق صدره.. والثانية ما هم بأحسن منه وش عاد زودهم عليه؟!».
فإذا ما أضفنا الى ذلك القواتير المخيفة لجوالاتهم «التي قد تصل عشرات الآلاف من الريالات» وجل المكالمات قطعا لم يكن في السؤال عن المواد العلمية والواجبات والأبحاث تفقد أحوال ذوي القربى ومن له حق في التواصل معه!.
أما التباهي بما تصل اليه «القطه» من أرقام فلكية أحيانا لاقامة حفل عشاء، أو وليمة.. بحيث يمكن تأسيس مشروع تجاري أو مؤسسة خيرية بواحدة من تلك «القطات» الشهيرة، فذلك يكمل الصورة التي أصبح عليها حال الانفاق «المجنون» لأبنائنا هذه الأيام.
قد تكون المادة ليست بالأهمية التي يتخيل البعض أنني أقصدها، ولكن من خلال التشبث بتلك الجوانب المادية غلب على أبنائنا المظهر وغاب الجوهر في نظرتهم للحياة وقيمتها وللدور المنوط بهم في الاستعداد والاستنفار بكل الطاقات والهمم ليكونوا رجال الغد، الذين تنعقد عليهم كل الآمال والطموحات في الوصول الى القمة التي جاهدنا بكل ما أوتينا من جهود لنصل بهم الى سطحها.
لا نضع اللوم على الأبناء وحدهم، بل على هؤلاء الآباء الذين يتباهون من خلالهم، وهم بذلك يسطحونهم ويهمشون شخصياتهم وهم لا يدركون.
كم نحب أولادنا، وكم نعتز بهم، وكم نتمنى لهم ما لم نستطع نحن الحصول عليه، لكننا - دون أن نعي - وأدنا طعم الفرح والبهجة فيهم عندما أغدقنا عليهم من العطايا بأكبرها، ومن الحياة جوانب الاستعراض فيها، بحيث لم يتبق في دائرة الفرح كلها خانة نتركها لهم ليحققوها بجهودهم الذاتية. كما يحدث في العالم المتمدين حيث يبدأ العمل من السابعة «ولو بتوزيع الجرايد الصباحية فجرا أثناء عطلة نهاية الأسبوع» وحين يصل الى الجامعة ويبدأ بتحقيق حلم اقتناء السيارة، فإنها تكون من نتاج عرق جبينه - وغالبا ما تكون «سكندهاند - Second Hand-».
كم نحب أولادنا.. ونخاف عليهم! ولكننا بأيدينا الحنونة قتلنا فيهم الكثير مما تمنيناه فيهم. ولا نزال نغالط أنفسنا ونردد: «وإنما.. أولادنا.. أكبادنا تجري على الأرض» في الوقت الذي نقصد فيه: إنما.. أولادنا.. أموالنا تجري على الأرض؟.. وتاليتها
hendmajid@hotmail.com

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved