أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 16th July,2001 العدد:10518الطبعةالاولـي الأثنين 25 ,ربيع الثاني 1422

مقـالات

التربية والتعليم في تونس
د. عبدالعزيز بن عبدالله السنبل
لقد راهنت الدولة الوطنية في تونس منذ الوهلة الأولى لوجودها، على الاستثمار في المجال البشري، وذلك من خلال المراهنة على التعليم عبر تعميمه ووضع كل الامكانات الاقتصادية والاجتماعية في خدمة العملية التعليمية.. فكان لتونس ما أرادت وذلك عندما أصبحت تتوفر على العقول والقدرات العلمية والمعرفية القادرة على النهوض بكل مكونات العملية التنموية في تونس. ولقد تضاعفت الجهود المبذولة في تطوير العملية التعليمية في تونس من أدنى مراحلها الى أعلاها وذلك منذ تحول السابع من نوفمبر سنة 1987.
فلقد مكنت السياسة التعليمية التي اتبعت في تونس منذ التحول من بلوغ نسبة مرتفعة في التمدرس تقدر ب0.99% من الأطفال البالغين من العمر 6 سنوات في حين بلغت النسبة الصافية للترسيم بالمدارس الأساسية فيما يتعلق بالأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أعوام و12 عاما بنسبة 0.92% وفي الوقت ذاته، فإن نسبة التمدرس لدى الفتيات قد بلغت تطورا كبيرا حين بلغت نسبة 91% سنة 1999، مقابل 6.79% سنة 1987. وقد كان للنتائج الايجابية للاصلاحات التي تمت في العشرية الأخيرة، الأثر الطيب على التطور الكمي والكيفي لأهداف التربية، من ذلك أنه تم ادخال اصلاح كبير على التعليم من أجل تلقين الشباب التونسي قيم العقلانية والحداثة بما تحمله من معاني الكونية والحرية والتسامح . وهكذا، شهدت الجهود والوسائل التربوية في تونس ما يشبه الطفرة في العشرية الأخيرة سواء أكان ذلك على مستوى التعليم الأساسي أم الثانوي، أم في مستوى المناهج والوسائل المحشودة لانجاح العملية التربوية.
وقد أعطيت العناية القصوى للثوابت الوطنية والثقافية في صياغة المنظومة التربوية التونسية بما يتماشى مع الانتماء التاريخي والثقافي للشعب التونسي، ولذا فقد تمت اعادة الاعتبار للغة العربية على نحو من التعريب الشامل للتعليم الأساسي في سنواته الثلاث الأولى مع ادخال نوع من الازدواجية في السنوات الثلاث الأخيرة من التعليم الابتدائي وعلى نحو يضمن تكوينا قاعديا للتلميذ التونسي بلغته الأم مع تثبيت تنشئته على هويته الاسلامية ولغته العربية. وقد امتد هذا المجهود ليشمل أبناء الجاليات التونسية المقيمة في الخارج خاصة الجاليات التونسية في أوروبا، حيث فتحت الدولة التونسية المدارس التي تقوم باستقبال أبناء المهاجرين وتعليمهم مبادىء اللغة العربية والدين الاسلامي، وذلك بهدف ربط أبناء هؤلاء المهاجرين بأصولهم التونسية العربية وعقيدتهم الاسلامية.
وقد أولت الدولة التونسية عناية فائقة لمجال التكوين «الإعداد» المهني والمتوسط وذلك لما أصبح لهذا المجال من مكانة في أسواق التشغيل وطنيا وعالميا وفي سبيل بلوغ النتائج المطلوبة في هذا المجال، فقد قامت الحكومة التونسية بوضع خطة تأهيل شاملة لجهاز التكوين المهني والتشغيل، من مشمولاتها التعرف على واقع سوق الشغل واستشراف آفاقه المستقبلية بما يأخذ بعين الاعتبار الحاجات الوطنية في شتى مناحي الحياة العملية في المؤسسات وأسواق الانتاج والتشغيل. وهكذا قامت الحكومة التونسية بانشاء المرصد الوطني للتشغيل والمهارات، وهو مؤسسة تقوم بقياس تأثير البرامج والسياسات المتبعة في القطاعات المختلفة بالاضافة الى قيام الجهات المسؤولة عن التكوين المهني والتشغيل بوضع تصورات هندسية التكوين، وتطوير منهجية استنباط وتنفيذ مشاريع التكوين المهني، مع اعتماد منهجية تضمن الجودة في كل المراحل الخاصة بالتكوين المهني.
والعناية التي أعطتها الدولة التونسية لمجال التربية والتكوين المهني، أعطت مثلها وأكثر لمجال التعليم العالي والبحث العلمي. فعلى مستوى التعليم العالي، فقد شهد هذا المجال تطورا هائلا في السنوات العشر الأخيرة حين ارتفعت نسبة الشبان المرسمين بمختلف مؤسسات التعليم العالي الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و24 سنة الى 19% سنة 2000، بينما كانت هذه النسبة في حدود 6% سنة 1987 وستبلغ هذه النسبة 24% إذا ما أدرجنا مؤسسات أخرى تؤمن تعليما متكافئا ومؤسسات التعليم الخاص.
ويوجد في تونس الآن سبع جامعات استقبلت بالنسبة للسنة الدراسية 2000/2001 ما يزيد على 208000 طالب وطالبة. هذا بالاضافة الى فتح 12 مؤسسة تعليم عالٍ جديدة في كل من تونس ونابل ومنوبة وسوسة وقابس وقفصة والقيروان وجربة خلال السنة الدراسية الحالية وحدها. ومن أجل ألا يكون التعليم العالي مقتصرا على الميادين التقليدية في الجامعات وحسب، فإن الدولة التونسية قد عمدت الى فتح المعاهد والمدارس العليا المتخصصة وذات الكفاءة العلمية العالية في العالم. وفي هذا السياق، نذكر المعهد الوطني للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا ومدرسة التقنيات المجمعة «البوليتكنيك» والمدرسة الوطنية للعلوم الاعلامية، ودار المعلمين العليا لتكوين الأساتذة المبرزين. ومن أجل تلبية حاجات الصناعات الوطنية من المختصين المهرة، فقد تم انشاء شبكة من المعاهد العليا للدراسات التكنولوجية وذلك من أجل مد السوق الصناعية بفنيين على مستوى عال من الكفاءة والقدرة في مختلف الاختصاصات التقنية والتصرفية.
ومهما يكن، فإن قطاع التعليم العالي بتونس قد شهد توسعا كبيرا إن على المستوى الكمي أو الكيفي لدرجة جعلت عملية التوسع الأفقي هذه، تونس من بين الدول المصنفة في مقدمة دول العالم الثالث من حيث جودة وتعدد الخيارات التعليمية في كافة مراحل التعليم. وبالموازاة مع توسع التعليم العالي وتطوره في تونس، فإن مجال البحث العلمي ظل يوازيه من حيث العناية والخطوات المقطوعة فيه. وهكذا فقد فصل البحث العلمي عن التعليم العالي منذ سنوات عديدة وليستقل بذاته فاتحا آفاقا واسعة أمام تونس التي تعقد العزم على اللحاق بركب الدول المتقدمة من خلال ما يتوفر لديها من عقول ووسائل تجعلها في خدمة اقتصادها وصناعتها.
وهكذا، أولت تونس البحث العلمي والتكنولوجيا، الأهمية الفائقة توازيا مع عملية التأهيل الشامل في كافة المجالات. وقد تمكن قطاع البحث العلمي من المساعدة بفاعلية كبيرة على اعطاء المنتجات الصناعية التونسية القدرة على المنافسة من خلال التحكم المقتدر في التكنولوجيا الجديدة. وفي سبيل تطوير قطاع البحث العلمي، اتخذ الرئيس بن علي القرارات الضرورية لذلك حيث قرر سيادته القيام باجراء تنظيم قطاع البحث العلمي على النحو التالي:
تنظيم نشاط البحث العلمي ضمن عقود برامج تبرم بين الدولة والمؤسسات المعنية بالبحث العلمي والانتاجي.
تجميع الباحثين وأعوان )موظفي( المساندة في اطار فرق بحث تعمل ضمن مختبرات البحث أو وحدات البحث العديدة.
اصدار الأوامر المتصلة بتنظيم مؤسسات البحث التابعة لكتابة الدولة للبحث العلمي والتكنولوجيا.
الشروع في وضع شبكة وطنية للاعلام العلمي والتقني، تتضمن وحدات متطورة ومتخصصة للتوثيق والبحث عن المعلومات وتخزينها وتوظيفها.
وقد مكنت هذه الاجراءات من تحقيق نتائج مهمة جدا في المجال الفلاحي من حيث انتاج البذور المحسنة وتحسين نوعية الثمار التونسية، والحال ذاته تم تحقيقه في مجال الصيد البحري والثروات البحرية في تونس. كما تم تحقيق نتائج باهرة في المجال البيئي والموارد الطبيعية ومقاومة التصحر، وفي مجال المياه، وفي المجالات الطبية، البشري منها والبيطري على السواء.
كما أن خطوات عملاقة قد قطعت في مجال المعلوماتية والاتصالات وتوظيف ذلك في خدمة القطاعات الانتاجية الأخرى. ومع ذلك، تبقى المشاغل المستقبلية تتلخص في ضرورة توظيف العلوم والمهارات التكنولوجية في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع ضرورة تركيز وتحقيق فكرة مجتمع العلوم، وذلك من أجل استغلال ما تخوله الثروة الاتصالية من فرص للعمل والابداع. اضافة الى التحكم النهائي في تكنولوجيا القيمة المضافة المرتفعة.
ولعل إقدام تونس على انشاء مدينة للعلوم مستقلة بذاتها، إنما يصب في اطار جعل البحث العلمي والاستفادة من التقدم العلمي والتكنولوجي مسألة محسوسة وفي متناول العامة من الناس. ثم إن التطور الذي بلغته تونس في مجال البحوث الطبية وما نتج عن ذلك من كفاءة عالية لدى الأطباء والمختصين التونسيين، أصبحت مجال حديث الركبان، وهو ما يعد من أكثر ثمار البحث العلمي والتكنولوجي وضوحا. فتونس أصبحت تمتلك أقطابا طبية توفر أكثر الخدمات العلاجية تطورا وتعقيدا في العالم، وبكفاءات وأيدٍ تونسية مخلصة الأمر الذي يعد مفخرة لتونس وللعرب وطالع خير بالنسبة لمستقبل هذه البلاد في مجال البحث العلمي.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved