أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 16th July,2001 العدد:10518الطبعةالاولـي الأثنين 25 ,ربيع الثاني 1422

مقـالات

من المسؤول عن السلام العالمي؟!!
عبد الله بن ثانى
طرح الرئيس الأمريكي ودرو ويلسون فكرة نظام عالمي جديد خلال الحرب العالمية الأولى «1914 1918م» منعاً لهيمنة المانيا وحلفائها، وكان ذلك في «14» مبدأ يمكن أن تختصر في المبادئ الأساسية التالية: علنية المعاهدات والاتفاقات الدولية، حرية التجارة والبحار، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، تأسيس عصبة الأمم المتحدة ضماناً لسيادة الدول الصغيرة والكبيرة. ولم تستطع الولايات المتحدة أن تحقق هذا المشروع لرفض الكونجرس المصادقة على معاهدة فرساي التي أنهت الحرب العالمية الأولى وفكرة دخول الولايات المتحدة في عصبة الأمم.
ثم عادت الولايات المتحدة لطرح مشروع الحريات الأربع قبل دخولها الحرب العالمية الثانية والتي أعلنها آنذاك الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت «حرية التعبير، حرية الدين، الحرية من الفقر، الحرية من الخوف»، وأكدها في اجتماعه مع تشرشل في «14»أغسطس 1941م بما يسمى «ميثاق الأطلسي» الذي نص على المبادئ الأساسية التالية:
1 ضمان الحريات الأربع التي أعلنها مشروع الرئيس الأمريكي روزفلت.
2 حق تقرير المصير لأي تغير إقليمي في أوروبا بعد الحرب.
3 حق الشعوب في اختيار نوعية النظام الذي ترغبه.
4 حق الشعوب في التجارة العالمية ومساعدتها في الحصول على المواد الخام.
5 حق السلام للدول تحت مظلة نظام عالمي يكفل الحريات والحقوق.
وصدرت قبل نهاية الحرب العالمية الثانية مقترحات دومبيرتون أوكس، وهي الأسس التي قامت عليها هيئة الأمم.
وفي فبراير 1945م عقدت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والاتحاد السوفتي مؤتمرا في مالطا وبحثوا فيه نتائج الحرب العالمية الثانية وتوزيع نفوذ الدول الثلاث، ودعوة الحكومات لإبرام ميثاق الأمم المتحدة ليكون أساسا لتنظيم دولي جديد، والاتفاق على التصويت في مجلس الأمن ومنح الدول الخمس حق النقض «الفيتو».
إن التنظير بما سبق من المبادئ ابتداء من مبادرة الرئيس الأمريكي ويلسون وحتي مؤتمر مالطا مثالث في ندائه بالحرية والعدل والمساواة ومعارض لكل الاتفاقات السرية التي أبرمتها الولايات المتحدة نفسها مع كثير من دول العالم ومبدأ الأوتاركي في رفع الجمارك لحماية الصناعة الوطنية، ولاستعمار دول الحلفاء للدول الآسيوية والأفريقية، ومنح اليهود أرضا عربية لتأسيس دولتهم وتشريد شعب عربي وصد محاولاته في تقرير مصيره من أجل مصلحة إسرائيل، لقد أثبت العالم أن هيئة الأمم التي أنشئت لضمان سيادة الدول إنما هو تسويق لسياسة الدول العظمى والدليل على ذلك حق النقض «الفيتو»، الذي بني على فكرة الحلفاء ضد دول المحور، واستخدام لجان هيئة الأمم للضغط على الشعوب التي تعارض سياسة القوى العظمى بما يسمى بلجان حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية وصندوق النقد الدولي متجاهلة حق الحرية وحق الدين وحق تقرير المصير بكل أسف.
إن مثاليات العالم المتمدن قد تعرت أمام العدالة والحرية والإنسانية عندما وقع الرئيس «هاري ترومان» مرسوما بإلقاء قنبلتين نوويتين على اليابان في الرابع والعشرين من شهر يوليو 1945م وتم ذلك في صباح السادس من أغسطس سنة 1945م إذ تحولت مدينة هيروشيما الحالمة إلى خراب ودمار، كان جوها صيفياً وصحواً، وكان أكثر سكانها يستمتعون في المسابح حين اقتربت الطائرة الأمريكية الضخمة )B29 والتي تحمل أول قنبلة نووية يفوق حجمها التدميري ب «20» كيلو طن وتحتوي على مادة U 235 يورانيوم 235.
في تلك اللحظة الشيطانية انطفأت كل الشموع التي تضيء الطريق لثقة المجتمعات الإنسانية بعضها ببعض، لقد انتشر الفزع والهلع والدمار بشكل مخيف، ولم يسبق لأي مجتمع بشري أن تعرض لمثل هذا من قبل، وكانت حصيلة الكارثة النووية قتل «75» ألف فوراً، وإحراق كثير من البشر حتى وصل عدد الموتى في النهاية إلى أكثر من مائتي ألف نسمة عدا الكائنات الحية الأخرى، ولم تقتصر الكارثة على هيروشيما بل جاء دور نجازاكي بعد ذلك عندما القيت القنبلة النووية الثانية في 9 أغسطس سنة 1945م ولكنها لم تصب قلب المدينة كما خطط المثاليون لها، لكنها أحدثت دمارا هائلا لا يقل عن الدمار في هيروشيما. إن المبرر الذي تذرعت به الولايات المتحدة في استخدام تلك القوة التدميرية في السلاح النووي بسبب هجوم اليابان على ميناء بيرل هاربر الأمريكي بجزيرة هاواي وتدميرها معظم الأسطول الأمريكي لم يكن مقنعا ولم يكن شرعياً.
الجميع يتحمل مسؤولية خروج ذلك المارد النووي من قمقمه ابتداء من البرت وإنيشتاين الذي أعلن في 1905م لأول مرة أن المادة يمكن أن تتغير إلى طاقة كما أن الطاقة يمكن تحويلها إلي مادة، إن ذلك يعني أن ذرة المادة يمكن أن تنشطر أكثر وأكثر وأن عملية الانشطار هذه يتولد عنها طاقة واستمرت التجارب والبحث على يد العالم البريطاني أيرنست روثير فورد حتى تمكن العالمان الألمانيان «فريتزسترا وشمان وأوتوهانز في برلين عام 1938م من تأكيد الانشطار النووي لذرة اليورانيوم وهذا أدى على تشجيع مجموعة من العلماء في أوروبا وأمريكا إلى إجراء مزيد من التجارب وصولا لبناء القنبلة النووية قبل ألمانيا النازية، فأنشأت الحكومة الأمريكية مشروعاسريا في بداية عام 1943م بعد تحذير انيشتاين رئيس الولايات المتحدة «روزفلت» في رسالته المشهورة، ثم أصدر الرئيس ترومان قرارا يحث فيه العلماء على تطوير سلاح نووي أكثر فتكا ودمارا من السابق فكان السلاح الهيدروجيني الذي تزيد قوته التدميرية على السلاح النووي أضعافاً مضاعفة، وتم ذلك حقا في مركز الأبحاث النووية بلوس الموس وتحت إشراف د.إدوارد تيلر، واستطاعت الولايات المتحدة أن تملك هذه القنبلة الهيدروجينية عام 1952م وبقوة تساوي عشرة ملايين طن من مادة TNT( شديدة الانفجار.
وبدأ السباق في التسلح أمام مرأى العالم تحت غطاء ما يسمى «الحرب الباردة»، بين العملاقين نتيجة خلافهما حول برلين، ففجر الاتحاد السوفيتي قنبلته الذرية الأولى في سبتمبر عام 1949م وبذلك انتهى الاحتكار الأمريكي لهذا السلاح، وتزايد الطلب العالمي عليه فأجرت بريطاينا في «3» أكتوبر عام 1952م أول تفجير نووي ثم تمكنت فرنسا من شهر فبراير عام 1960م من تجربة أو تفجير نووي وهيدروجيني عام 1968م في المحيط الهادي .. ثم دخلت الصين الشعبية سباق التسلح بتفجيرها قنبلتها النووية الأولى في صحراء منغوليا عام 1964م وأول قنبلة هيدروجينية عام 1966م، وجاءت بعد ذلك الهند بالمفاجأة إذا فجرت قنبلتها النووية الأولى عام 1974م، وبدأ الصراع بين الدول وشغلت الحكومات عن برامجها الإنمائية، وتوفير سبل العيش لشعوبها التي خرجت من الحرب العالمية الأولى والثانية منهكة وخائفة ومريضة، حتي قال ذو الفقار علي بوتو عام 1965م تعليقا على تجارب برنامج الهند النووي: إذا بنت الهند القنبلة، فاننا سنقتات الأعشاب والأوراق، بل حتى نعاني آلام الجوع، ولكننا سنحصل على قنبلة من صنع أيدينا، إنه ليس لدينا بديل.
ولم يكتف العالم بالوصول إلى هذا السلاح الفتاك، بل تطور السباق إلى ما يسمى بالقنبلة النيوترونية، وهي في صورة إشعاع «نيترونات» تخترق الجسم الإنساني والكائنات الحية الأخرى فقط دون تأثير على المنشآت والمعدات مما يؤكد أن الهدف الأعظم هو الكائن الحي وتم تفجير القنبلة الأولى عام 1958م في المحيط الهادي على يد النووي الأمريكي سامويل كوهين في معامل ليفرمور النووي بكاليفورنيا عام 1957م.
وبعد فوات الأوان وامتلاء المخازن بالأسلحة النوويةالمتطورة وأسلحة الدمار الشامل أدرك العالم مدى الكارثة التي تنتظر البشرية، فقدمت الولايات المتحدة الأمريكية المسؤول الأول عما جرى في هيروشيما ونجازاكي مشروع «بيرناروباروخ» عام 1946م لنزع التسلح النووي إلا أن العالم اعتقد أن ذلك خدعة من الولايات المتحدة لتأكيد زعامتها وهيمنتها.
ثم قدمت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وبريطانيا أهم مبادرة في هذا المجال عام 1968م باسم اتفاقية حظر تجارب الأسلحة النووية، مؤكدة المبادئ الأساسية التالية:
1 تحريم نقل الأسلحة النووية والمتفجرات إلى دول أخرى سواء كانت طرفا في الاتفاقية أو لم تكن.
2 يحظر على الدول التي لا تملك أسلحة نووية والموقعة على الاتفاقية أن تصنع أو تحاول الحصول عليها بأي طريقة كانت.
3 الدول غير النووية يجب عليها أن تقبل إجراءات التفتيش الدولية بالتنسيق مع وكالة الطاقة الذرية في كل نشطاتها النووية السلمية.
4 للدول التي وقعت الاتفاقية الحق في استغلال الطاقة النووية للأغراض السلمية.
والأدهى من كل ذلك أن العالم يتسارع إلى التوقيع على هذه الاتفاقية بما فيها الدول العربية إلا إسرائيل التي مازالت ترفض التوقيع.
إن محاولة إسرائيل منذ قيامها عام 1948م الحصول على السلاح النووي بحجة تهديد أمنها من قبل العرب يتعارض مع كل الاتفاقات التي تنص على بقاء منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، ومما يؤكد عدوانها إنشاؤها أول هيئة نووية إسرائيلية باسم قسم البحوث والتخطيط العلمي في وزارة الدفاع عام 1948م وبجهود من وايزمان، واستطاع البروفيسور الإسرائيلي «إسرائيل دوستروفسكي» أن يطور طريقة لانتاج الماء الثقيل دون الاعتماد على القوة الكهربائية، وبسبب هذه الطريقة أبرمت فرنسا التي تسعى لتطوير برنامجها النووي اتفاقا مع إسرائيل بشرط حصولها على سر تلك الطريقة، وتم ذلك في عام 1953م وحصلت إسرائيل مقابل ذلك على مفاعل ديمونة سنة 1957م وأبرمت أيضا اتفاقية أخرى مع الولايات المتحدة سنة 1954م وحصلت مقابلها على مفاعل «ناحال سورين»، وعلى الرغم من إنكار إسرائيل سلاحها النووي وتأكيدها على أغراض مفاعلاتها السلمية إلا أن الدلائل تكذب زعمها، ومن ذلك التقرير الذي أعدته وكالة الاستخبارات المركزيةالأمريكية )CIA( في «4» سبتمبر عام 1974م والذي بقي سرا في أروقة لجنة في الكونجرس الأمريكي مسؤولة عن حظر انتشار الأسلحة النووية حتى نشر رسميا في أوائل عام 1978م أنها تملك الآن أكثر من 200 قنبلة نووية كما يتوقع الخبراء وقد هددت باستخدامه في حرب الخليج الثانية مما يشكل خطراً أمنياً على العالم العربي الذي لم يستغل هذا البرنامج في صراعه عالمياً، قال يائيرا يفرون: إن مصر عندما ذكرت الأسباب التي دفعها لدخول حرب ولو أن مصر وضعت النشاط النووي الإسرائيلي في قائمة الأسباب التي دفعتها لدخول تلك الحرب لكسبت تعاطفا دوليا أكثر لموقفها.
إن العالم العربي قد شغلته قضاياه الداخلية ومشاكل الحدود والثورات عن مناقشة موقف جاد في مواجهة هذا الخطر الذي سينفجر ذات يوم بشكل مخيف!
إلا أنه صدر أول قرار مائع يتعلق بهذه المواجهة في مؤتمر القمة العربي الثاني الذي عقد في الإسكندرية في 5 سبتمبر 1964م إذ دعا القرار إلى إنشاء برنامج عربي موحد يدعى «الذرة من أجل السلام»، ولم ير هذا البرنامج النور، وتم في عام 1963م بمساعدة «آيا»، إنشاء مركز الشرق الأوسط للنظائر المشعة للدول العربية للتطبيقات السلمية وزادت الاهتمام في فترة السبعينات الميلادية، بعد أن ركزت وسائل الإعلام على ما يثبت ويؤكد قوة إسرائيل النووية إلا أن التاريخ وبكل أسف وندم أثبت على يد صدام حسين أن العرب ليسوا مؤهلين للحصول على هذا البرنامج المحظور عالميا في هذا الوقت على الأقل لأنهم سيلوحون باستخدامه في قمع شعوبهم أو ضد جيرانهم ولو على مستوى مواجهة بين قبيلتين على الحدود ولا أدل على ذلك من استخدام صدام حسين نفسه للكيماوي ضد شعبه في حلبجه والجنوب والشمال.
وبعد غزو الكويت من قبل ذلك النظام شاع مصطلح النظام العالمي الجديد منذ أزمة الخليج في صيف 1990م وكسب صدى إعلاميا بعد خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش آنذاك، وأعلن سقوط القطبية الثنائية القائمة على توازن القوى بين الكتلتين الشرقية والغربية بعد أن هيأ غورباتشوف ذلك السقوط بمبادرات سياسية وفكرية «البروستريكا»، من أجل إعادة البناء وتأكيد دور الأمم المتحدة الريادي في الأمن والسلام العالميين وبعد أن تخلى الاتحاد السوفيتي عن دعم الأنظمة الشيوعية في أوروبا مما سبب سقوطها وقيام أنظمة ديموقراطية. ولكن الأمر لم يجر على ما خطط له إذ تولت الولايات المتحدة الأمريكية الهيمنة والسيطرة على القرار العالمي مؤكدة ما يسمى بالقطبية الأحادية.
والله من وراء القصد.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved