أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 16th July,2001 العدد:10518الطبعةالاولـي الأثنين 25 ,ربيع الثاني 1422

الثقافية

نحو كتابة أفضل لأدب الأطفال
د. سعد أبو الرضا محمد أبو الرضا
إن أدب الاطفال جزء من الادب بصفة عامة، لكن له من الخصائص والسمات مايميزه عن ادب الكبار، من حيث مستويات التعبير، برغم كون الجمالية شرطاً مهماً في ذلك الادب، وكذلك بالنسبة الى طريقة معالجة القضايا خلال فنونه الادبية المختلفة، كالتمثيلية والقصة و الانشودة وغيرها، وأيضا بالنظر الى الجوانب الفكرية التي ينبغي ان نقدمها لاطفالنا.
اختلاف أدب الأطفال عن أدب الكبار:
فمن حيث مستويات التعبير فله خصائصه النوعية، التي تميزه عن ادب الكبار، والامر هنا يتجاوز التبسيط والتيسير، الى تحقيق هذه الخصائص التعبيرية، كي يكون هذا الادب ملائما للاطفال في مراحل عمرهم المختلفة:
المبكرة من 3 6 سنوات، والمتوسطة من 7 9 سنوات، والمتأخرة من 10 12 سنة، من حيث طبيعة الجملة، قصراً وطولاً، ووضوح العلاقة بين اطرافها، واعتمادها على الاسمية او الفعلية، والروابط التي تربط بين هذه الجمل، واستخدام علامات الترقيم بالكيفية التي تجعلها معينة على تجسيد المعنى وايصاله الى عقل هذا الطفل، بل وطبيعة الكلمات المستخدمة من حيث عدد حروفها، وتآزرها خلال الجمل، وتكرير بعضها، او البدء ببعضها، وقلة الجمل الاعتراضية التي قد تعوق فهمه، وتتبعه للمعنى وتذوقه للنص، وغير ذلك من جوانب الصياغة التي يجب ان تجلي النص الادبي للطفل، في وحدة فنية تتجه الى عقله ووجدانه، فتشبع اهتماماته، وتلبي احتياجاته، وتحمل له من القيم والمبادئ مانريد غرسها وتنميتها في اطفالنا، لتحقيق السلوك السوي، وبنائهم وتأهيلهم لما يناط بهم في مجتمعاتهم من مهام مستقبلية.
وهنا تبرز اهمية طريقة المعالجة للقضايا خلال فنون ادب الاطفال وبرغم ان التمثيلية والقصة والانشودة، وغيرها من فنون الادب، وسائل مهمة، لكن الاستفادة من نتائج الدراسات النفسية للاطفال سواء فيما يتعلق بالنمو والسلوك جديرة بالاعتبار ونحن نتصدى لكتابة هذه الفنون، حتى يتحقق التلاؤم السوي المرجو بين الشكل الفني وعلاقاته، والمرحلة السنية التي يقدم لها، فعلى سبيل المثال قد تنبني القصة على علاقة واحدة بين طرفين، فتكون ملائمة لمرحلة الطفولة المبكرة، بينما لو تعقدت هذه العلاقات وتعددت، فقد لاتكون القصة مناسبة الا لمرحلة الطفولة المتأخرة وهكذا.
وهنا يمكن ان نضرب مثلاً بإحدى قصص الاطفال التي صدرت في ملحق «المختار الاسلامي» الذي يصدر في القاهرة ويتخذ له عنواناً «زمزم» العدد 166 في 15 صفر 1412ه 14 اغسطس 1992م، اما عنوان القصة فهو «شهادة البراءة» لمؤلفها عماد الدين شرف، وتشغل ثلاث صفحات من هذا الملحق من ص16 ص18، ويرافقها صورة كبيرة لرأسي بقرتين، احداهما ضعيفة، والأخرى قوية، وكذلك لسنبلتي قمح، احداهما هزيلة، والأخرى ممتلئة، وهذه القصة مستمدة من قصة سيدنا يوسف عليه السلام الواردة في سورة يوسف في القرآن الكريم، كما انها مزودة بعشر آيات من هذه السورة من الآية 43 53، وتقوم هذه القصة على ثلاث علاقات هي: علاقة يوسف بامرأة العزيز، ثم علاقته عليه السلام بالفتيين اللذين دخلا معه السجن، واخيراً علاقته بالعزيز نفسه، وبرغم ان هذه العلاقات يشكلها تاريخ القصة كما وردت في القرآن الكريم، لكنها هي التي جسدت الحدث وترابطه، لينتهي بإثبات براءة يوسف عليه السلام في هذه القصة الاسلامية.
مثل هذه القصة بتعدد علاقاتها على هذا النحو، لا تناسب مرحلة الطفولة المبكرة، لأن اطفال هذه المرحلة تركيزهم محدود، واستيعابهم اقل، بينما تعدد هذه العلاقات يحتاج الى ادراك اقوى، وتركيز اشد، ومستوى من الاستيعاب اكبر، لايتحقق الا لاطفال في نهاية مرحلة الطفولة المتوسطة، ومرحلة الطفولة المتأخرة.
وكذلك فان عدد الشخصيات في القصة او التمثيلية لابد ان يكون مناسباً لمستوى ادراك الطفل، فكثرة الشخصيات مثلاً قد لا تناسب مرحلة الطفولة المبكرة، اذ تشتت اهتمامات ذلك الطفل.
بل هناك من الاهداف والغايات التي تحددها نتائج علم نفس الطفل، كإشباع الاحساس بالفقد الذي يصاحب الطفل في نموه، وهو يتأهل للاتصال بالآخرين في دور الحضانة تاركاً مؤقتاً الوالدين، هنا تكون القصة التي تعوض ذلك الاحساس بإبرازها مثلا لعلاقات الاصدقاء الاوفياء الاسوياء مشبعة لميل الطفل في البحث عن البديل، الذي قد يحتاج اليه عندما يكون خارج المنزل، او قد تتضمن القصة وجود مايمكن ان يكون قد افتقده بطل القصة او التمثيلية من مقتنيات، هنا يشكل هذا الإيجاد والوصول الى المفتقد شيئا من الراحة النفسية للطفل، وكذلك فإن معاقبة المسيء، ومكافأة المصيب، مما يريح نفسية الطفل، اذا ادرك ذلك خلال تمثيلية او قصة.
وهكذا تسهم فنون ادب الطفل، في التكوين النفسي السوي البعيد عن العقد والمشكلات، التي يمكن ان تسبب الامراض النفسية للطفل.
وجماليات الايقاع من مزايا هذا الادب كما في التكرير مثلاً، او الاوزان القصيرة، ومجزوءاتها التي يميل اليها الاطفال في كل مراحلهم، منذ نشأتهم حتى يصلوا الى مرحلة الصبا، وغير ذلك من وسائل الايقاع المختلفة، بل ان هذه النواحي الجمالية الايقاعية لما يرقق مشاعر الاطفال ويملأ نفوسهم هدوءاً وطمأنينة.
طبيعة الكتابة في ادب الأطفال:
مما سبق ندرك أن ادب الاطفال في صيغته المقروءة، قد اثر على اسلوب القصة والتمثيلية والانشودة شكلاً ومضموناً، وهو ما يؤكد في الوقت نفسه ان الكتابة للاطفال ليست عملية سهلة، لانها لاتحتاج الى الموهبة الفنية فحسب بل لابد من الاستفادة من نتائج العلوم والدراسات الانسانية كعلم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم الجمال، وغيرها، كما تتطلب خبرة بالاطفال ومتغيرات حياتهم، خصوصا ان الكبار هم الذي يكتبون لهؤلاء الاطفال، وقد تجاوزوا هذه السن بمراحل زمنية طويلة.
فهناك مثلاً من مايزال لايدرك ان مرحلة الطفولة تنقسم الى ثلاث مراحل: المبكرة، والمتوسطة، والمتأخرة، بل هناك من يمد مرحلة الطفولة خطأ الى سن الخامسة عشرة، وهذه المراحل العمرية المتباينة نفسياً وجسمياً وتربوياً وادراكياً تستلزم التباين فيما يقدم لأطفال هذه المراحل من ادب وفكر.
وهنا نؤكد على وجوب تحديد المرحلة السنية التي يناسبها هذا العمل الادبي: قصة او تمثيلية او انشودة او سيرة ما، وغير ذلك، بل يجب ان تحدد هذه المرحلة السنية على غلاف الكتاب الذي نخصصه لاطفالنا، وذلك بخط واضح، حتى يسهل على الآباء والمهتمين بامر الطفل اختيار الكتاب المناسب له، ليقرأه، او ليتصل به عن طريق حكاية الآخرين له مثلاً، او قيامهم بتمثيله، او يقوم الطفل نفسه بشرائه او اختياره من مكتبة المدرسة.
أثر الرسوم والصور والألوان في أدب الطفل:
ومما يضاعف من فاعلية فنون ادب الاطفال المختلفة اقترانها بالرسوم والصور التوضيحية التي تساعد في تجسيد الافكار، بعد ان تجتذب هذه الرسوم وتلك الصور الطفل بمكوناتها والوانها، وهذه الصور لابد ان تتناسب مع مراحل عمر الطفل، فالصورة الكثيرة التفاصيل قد لاتناسب مرحلة الطفولة المبكرة، ويصعب على ادراك طفل هذه المرحلة الوصول الى مضمونها، فلا تحقق غايتها من اقترانها بالقصة التي ترتبط بها.
من هنا تتجلى اهمية الرسوم والصور والاشكال التوضيحية، التي ترافق القصص والاناشيد او عرض المسرحيات، ووجوب رعاية مكوناتها والوانها، بل ان صورة جذابة بالوانها ورسومها، وملائمة بعلاقات مكوناتها للمرحلة التي تقدم لها، عندما توضع على غلاف قصة ما مثلا، قد تكون دافعة للطفل على الاقبال على قراءتها والاستفادة منها، وتحقيق تأثيرها الفاعل في عقله ووجدانه.
وهذا يؤدي بنا من ناحية اخرى الى ادراك مدى خطورة افلام الكرتون والرسوم المتحركة التي تقدمها الاذاعات المرئية لاطفالنا، من حيث تأثيرها فيهم، خصوصا وكثير منها قد اعد لاطفال آخرين غير اطفالنا، وبيئاتهم غير بيئاتنا، ومعتقداتهم غير معتقداتنا، ولذلك فنحن نطمح في وجود شركات عربية اسلامية، يكتب لها مؤلفون يرعون ربهم، ودينهم الاسلامي، ولغتهم العربية، وتأخذهم الغيرة على اطفالنا، ومن تعاون وتآزر هؤلاء واولئك سوف نجد بإذن الله مايحقق ما نأمله ونرجوه من غايات واهداف تبني اطفالنا، وتحفظ لهم دينهم، ولغتهم ومعتقداتهم.
هل يتضمن تراثنا نماذج لأدب الأطفال؟
لاشك ان تراثنا يكاد يخلو من ادب الاطفال المكتوب، لكن الذي لاشك فيه ايضا هو ادراك اسلافنا واجدادنا اهمية مثل هذا النوع الادبي للاطفال، فكم من امهات كن يسلين اطفالهن بالحكايات، وكم من الامهات كن يُنِمن اطفالهن على نغمات اصواتهن، سواء اقترنت بكلمات موزونة او مجرد انغام متناسقة، وكم من الآباء كانوا يقصون على ابنائهم الصغار.. بل على كل افراد الاسرة جوانب من كفاحهم اليومي، بل ان هناك من يرى ان هذه الفكرة الاخيرة قد لازمت الإنسان منذ نشأته.
هنا يتجلى لنا عظمة مسلك بعض سلفنا الصالح وهم يعنون بتأديب اطفالهم، بالمؤدبين الذين يحفظونهم القرآن الكريم، وقصائد الشعر الخفيفة الايقاع، وليست نصيحة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ببعيدة علينا، وهو يوصي بتعليم الأبناء رواية الشعر والسباحة والرماية وركوب الخيل، وغير ذلك من النماذج التي نجدها في تراثنا.
حقاً ان ادب الاطفال متغير من اهم متغيرات حياتنا اليوم، واذا كان الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي من اوائل من اهتم بذلك، وهو يصدر مجلة «روضة المدارس» في القرن الماضي في مصر، لكن الذي لاشك فيه ان المؤسسات التي تهتم بالطفل وما اكثرها على مستوى عالمنا العربي والإسلامي بل العالم كله، قد جعلت ادب الطفل في مقدمة ماتحرص على تقديمه له، وذلك لما له من أثر فاعل في نشأته نشأة صالحة سوية، وها نحن اولاء نرى قمة هذه المؤسسات متمثلة في انشاء كليات رياض الاطفال التي تختص برعايتهم، من حيث تخريج القادرين والقادرات على رعاية هؤلاء الاطفال، وحسن اختيار مايقدم لهم من ادب ومعارف.
بعض مشكلات أدب الاطفال:
وما اكثر المشكلات التي يواجهها ادب الاطفال اليوم، فإحصائية بسيطة قديمة في سنة 1983م تبين ان ما صدر من كتب للاطفال في امريكا في هذا العام قد بلغ مائة الف كتاب، مقابل اربعة الاف في عالمنا العربي، وعدد اطفالهم لايزيد كثيراً على عدد اطفالنا، ومرد ذلك ببساطة الى قلة عدد الكتاب لدينا، بالاضافة الى قلة المتخصصين في هذا المجال، لان الكتابة لادب الطفل لاتكفيها الموهبة كما اشرت، بل لابد من المعرفة المتمثلة في الاتصال بنتائج الدراسات للعلوم الانسانية المختلفة، ولابد من الخبرة بهذه المرحلة العمرية التي على اساسها نبني اجيالنا ورعاة امتنا واوطاننا في المستقبل، وهم يمثلون مايقرب من 50% من عددنا، بل ان جانباً مهماً في الكتابة لادب الطفل يتمثل في تقديم نتائج العلوم التجريبية والتكنولوجيا، وهي القسمة التي يقوم عليها نظامنا التعليمي، من ثم فلا بد من الاتصال والتآزر بين الجانبين، فغني عن البيان مدى اهمية العلم والتكنولوجيا في حياتنا، واهمية اتصال اطفالنا بذلك، خلال نظرة اسلامية تدرك خير الانسان وقيمته وكرامته، وان هذه العلوم والمعارف مسخرة له ليعمر هذا الكون، ويحقق واجب الشكر والطاعة والعبادة لله تعالى.
من هنا فإن واجب الكتاب المسلمين في ادب الاطفال خطير حيث يجب الربط بين الفكرة العقدية والفكرة العلمية وغيرها، خلال الصياغة الادبية المناسبة لتربية الطفل بهذا الادب الاسلامي، لتغذية فكره وامتاع وجدانه وصقل سلوكه، وتنمية مواهبه، ومن ثم فإن لونا جديداً من القصصص هو «قصص الخيال العلمي» جدير بان نهتم به، ونقدمه لاطفالنا، لما فيه من وصل لهم بالمنجزات العلمية، والتنبؤ بها، عن طريق سعة خيالهم، وإذكاء نظرتهم المستقبلية.
ولذلك فما اقل مايكتب محققا لادب الطفل عمرياً وفكرياً و تربوياً، بالاضافة الى قلة العائد المادي، مما لايشجع على الكتابة والتأليف للاطفال، وذلك نتيجة لقلة الاقبال على مثل هذا اللون من الكتب، فما يزال الاهتمام بالكتاب غير المدرسي قليلاً جداً في اكثر بيئاتنا، بل في مدارسنا التي يجب ان تخصص حصة على الاقل اسبوعية للمكتبة، وان يكون للقراءة الحرة الموجهة في المدرسة الابتدائية نصيب واضح في مناهجها وخططها وان يقوم المنزل بتشجيع ذلك، بل ويختار الكتاب الملائم للطفل.
ونتمنى ان تولي كثير من المؤسسات الاهتمام بذلك الجانب الخطير، فترصد من المكافآت لكتّاب ادب الطفل مايشجعهم على ذلك، كما نرجو من اهل الخير ان يولوا طبع هذا الانتاج الاهتمام اللائق به.
وربما كان فيما يبذله قسم الثقافة والنشر بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية، وما تبذله رابطة الادب الاسلامي العالمية في هذا المجال خير قدوة للخيرين الراغبين مؤسسات وافرادا.ويعد مشروع «القراءة للجميع» الذي تنشره وتتابعه مصر بين اطفالها، مقترنا بنشر مكتبات الاطفال في ربوعها ذا اثر فاعل متميز.
هذا بالاضافة الى ما تصدره الهيئة المصرية العامة للكتاب من كتب للاطفال.
ولا يمكن ان ننسى تعاون «اليونيسيف» مع كثير من الدول العربية في مجال ثقافة الطفل والرقي بأدبه، وحبذا لو ضاعف المسؤولون من هذا الاهتمام، عله يعوض اطفالنا بعض ماينقصهم في هذا المجال.
وان ماتقيمه بعض المؤسسات من مسابقات في ادب الطفل والكتابة له، لجدير بالتقدير كمركز معلومات الام والطفل في البحرين وجمعية ام المؤمنين النسائية في دولة الامارات العربية المتحدة ومركز ثقافة الطفل بالقاهرة ومركز الطفل بمكتبة الملك عبدالعزيز، ورابطة الادب الاسلامي العالمية بالرياض، وغيرها .
وبرغم ان في الدول الغربية قد سيطر التوجه التجاري على كتب الاطفال مع اتساع النشر، لكن القيمة الفكرية والفائدة التربوية، والمتعة الفنية، وغير ذلك مما تحققه كتب ادب الاطفال لم يُنتقص بل بالعكس اتجه التوجه التجاري الى تحقيق مزيد من جذب الاطفال لهذه الكتب، وبخاصة في طريقة اخراجها وطباعتها، وتنوع مادتها، ومواكبتها السريعة للمتغيرات، وتحقيقها للرؤية المستقبلية فكريا وكم نتمنى ان يستفيد ناشرو ادب الاطفال وصانعوه من ذلك، بشرط الا تتجاوز كتب ادب الاطفال لدينا ما يتفق مع عقائدنا وديننا، واعرافنا السوية.
توظيف الجوانب العقدية والأخلاقية والعبادات:
وثمة قضية تتعلق بمدى ملاءمة المغامرات والعنف والجريمة والسحر للطفل عندما يقدمها له الادب الخاص به، وهنا نشير إلى ان مرحلة الطفولة المتأخرة هي انسب مرحلة لذلك على شريطة ان يكون عرض هذا العنف والمغامرات والجريمة والسحر وسيلة لتنفير الطفل منها، لا ان يرغبه العمل الادبي فيها، وذلك عندما يدرك اضرارها ونتائجها في افساد حياته، ولو قدمنا مثل هذه الامور لغير مرحلة الطفولة المتأخرة، لأسهمت في إثارة مخاوف الاطفال وقلقهم واضطرابهم مما يترتب عليه آثار سيئة لديهم، ولذلك فيجب الا نقدم في ادب الطفل لمرحلتي الطفولة المبكرة والمتوسطة، سلاسل الالغاز والقصص البلويسية التي تتضمن كثيراً من المغامرات والعنف والجرائم وواجب الآباء والامهات والمربين وغيرهم من الكبار، ان يتدخلوا برفق فلا يسمحوا لاطفال هاتين المرحلتين بالاتصال بكتب الادب، او غيرها، التي تقوم على عرض هذه الموضوعات المثيرة.
وناهيك بفعل المصباح وعلاء الدين وامثالها في الاطفال، عندما تسوغ لهم الكسل والبعد عن العمل في تحقيق الآمال، اعتماداً على السحر وخروج الجني من القمقم، وفي المقابل يجب ان تحبب الاعمال الادبية للاطفال العمل والجد، والاعتماد على النفس، والاستقلالية كلما امكن ذلك، خصوصاً في نهاية مرحلة الطفولة المتوسطة، وكذلك في مرحلة الطفولة المتأخرة، اذ تتضح رغبة الاطفال في الاستقلال عن الاسرة، وتقوي فيهم الرغبة في الاتصال بالعالم الخارجي، ومن ثم فلابد لأدب الاطفال ان يشبع فيهم هذه الرغبة، وان يلبي هذه الحاجة، وان يحسن توجيهها باعمال ادبية تحثهم على العمل والجد والاستقلال..
وهذا باب واسع يمكن ان يتضمن العقائد والاخلاق الاسلامية والعبادات، عندما يوظف صناع الادب الاسلامي للاطفال هذه الامور في ادبهم بصورة ترغب الطفل فيها، وتشبع لديه اهتماماته من هذه الناحية، كأن يعرف نعم الله عليه، وماذا يجب عليه نحوها، من اعتراف بفضل الله علينا، ووجوب شكره على ذلك، وخصوصية توجيه وخلوص العبادات له سبحانه وتعالى وحده، واثر الاخلاق الحسنة في سعادة الناس، وحسن معاملتهم بعضهم مع بعض، ويمكن بتقديم النماذج المتقابلة للشخصيات السوية الخيرة، والفاسدة الشريرة، خصوصاً عندما تمثل الاولى الشخصيات الاسلامية، بذلك يمكن ان نحقق هذه الغايات، ونرسخها في نفس الطفل وعقله، وللشيخ ابي الحسن الندوي في كتابه «قصص التاريخ الاسلامي للاطفال» الذي نشرته له رابطة الادب الاسلامي العالمية تجربة طيبة نافعة ان شاء الله في هذا المجال.
ولدينا ماهو اعظم مصدر انه القرآن الكريم، واحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة، وتراثنا الاسلامي حافل بكثير من نماذج البطولات، والقيم التي يعتبر اطفالنا في امس الحاجة اليها، فقصص الانبياء مثلا تتضمن كثيراً من صور البطولة في الثبات على الحق والدفاع عن المظلومين، ونصرة الضعفاء، وهي قيم تستحوذ على عقل الطفل ووجدانه في كل مراحل عمره، اذ تشبع اهتماماته وكذلك للاستاذ عبدالتواب يوسف تجارب فنية متعددة في هذه المجالات فيما كتبه من قصص وتمثيليات وتوجيهات لادب الطفل.
وليس معنى ماسبق اننا ننتظر حتى مرحلة الطفولة المتأخرة بالنسبة لاتصال الطفل بالعقائد والعبادات والاخلاق، كلا، بل يجب ان يكون ذلك منذ نشأته عندما يتضح ادراكه، منذ مناغاته في العام الثاني من عمره، وتختلف طريقة اتصاله بهذه الامور من مرحلة الى اخرى حسب مستوى هذا الادراك، فيمكن ان تكون هدهداته، ومناغاته وسيلة لادراكه حفظ الله له، ورعايته، وهنا تشكل النغمة وماتردده الأمهات في هذا المجال من اناشيد واغنيات خفيفة اثراً عظيماً لدى الطفل، حتى اذا ما اوشك على الدخول في مرحلة الطفولة المبكرة، يرتقي ادراكه، ومن ثم تصبح القصص والتمثيليات والاناشيد الملائمة لهذه المرحلة من اهم الوسائل في وصل الطفل بالمعتقدات والعبادات والاخلاق وغيرها، وهكذا في بقية مراحله العمرية. بل ربما كان ترديد قصار السور القرآنية في نهاية مرحلة الطفولة المبكرة وبداية مرحلة الطفولة المتوسطة من بين عوامل وصل الطفل بالعقائد والعبادات والاخلاق.
وما اشد غنى تراثنا في هذا المجال اذا احسن توظيفه واستثماره في ادب الطفل، فها هو ذا كتاب «كليلة ودمنة» يقبل عليه من ادباء الغرب الكثيرون وفي مقدمتهم لافونتين وجريم، اذ يعيدون صياغته بما يلائم الاطفال في مراحلهم المختلفة بل ربما كان اطلاع الشاعر احمد شوقي على اعمال لافونتين من العوامل التي دفعته الى محاولة الاستفادة من كليلة ودمنة فيما قدمه من قصص شعري ومنظومات في الجزء الثالث من ديوانه، حتى ان الاستاذ عبدالتواب يوسف جمع هذه الاعمال اخيراً في كتاب واحد سماه «ديوان شوقي للاطفال»، وقدم له بمقدمة ضافية في هذا المجال، وقد اصدرته دار المعارف في مصر، وقس على ذلك الف ليلة وليلة، التي يمكن ان نجد في صالح قصصها مايوظف في هذا المجال، وغير ذلك من كتب التراث.
ولقد تعددت الوسائط والوسائل التي يستعين بها ادب الطفل من اذاعة مرئية ومسموعة، وكتب، ومجلات، واشرطة الفيديو، واجهزة التسجيل، وبرغم اهمية الكلمة مقترنة بالصورة، مما يجعل للمجلات الخاصة بالاطفال وكتبهم اهمية خاصة، لكن هاتين الوسيلتين بحاجة الى مزيد عناية شكلاً ومضموناً واخراجاً، فالمجلات تتميز بالتجديد والحيوية فقد تكون اسبوعية او شهرية وعلى سبيل المثال قد تكون بعض الرسوم المضحكة ذات قيمة تربوية، كأن تبغض للطفل السلوك الشائن، لكن مافيها من جانب هزلي يتطلب الحرص في توجيهه حتى لايخرج عن غايته التربوية، فيخلف للطفل اثراً سيئا فيما يفكر او يعتقد وحبذا لو اصبحت هذه الرسوم تبتغي بدقة وعناية هدفاً سامياً، وفكراً سوياً يبني الطفل ولا يهدمه.
ولذلك فان ماتقدمه مجلات الاطفال من مواد بحاجة اى ان تراعي المرحلة السنية، والاهداف التي يمكن ان تستقر في عقل الطفل ووجدانه، فلا يقدم مايخالف معتقداته كمسلم، او مايخرج عن بيئة الطفل الصالحة، ولا تصدم الطفل بتصوير مايخرج عما الف من خير تواضع عليه المجتمع والاسرة، وان تزكي فيه الاعتماد على النفس والمواطنة الصالحة، وتصله بالجديد من المعارف الذي يعده لمستقبل ومتغيرات الحياة، وان ترقى بذوقه ولغته.
وما تقدمه بعض مجلات الاطفال من مسابقات يجب ان يكون محكوما بهذه الخطوط العامة للمجلة التي لاتخرج في مجملها عن الشرع وما يأمر به.
وحبذا لو روعي في تقديم هذه المادة مراحل الطفولة المختلفة، حتى يكون في المجلة قسم لمرحلة الطفولة المبكرة، وثان لمرحلة الطفولة المتوسطة، وثالث للمرحلة المتأخرة، وهكذا تشبع كل الاعمار تقريباً، وتلبي احتياجاتها.
كما نتمنى ان يكون اخراجها الفني محققاً لكثير من المواصفات كعدم التعقيد، والتناسق بين الالوان ووضوح الصور وتناسب مكوناتها، وكميتها.
اما كتب الاطفال فحبذا لو روعي فيها ماسبق ايضا، بجانب ان تتميز مثلاً كتب مرحلة الطفولة المبكرة بغلاف مقوى او من الجلد، حتى يتحمل استخدام ولعب طفل هذه المرحلة، كما يجب ان تكثر فيه الصور، وتقل كمية الكلمات التي سوف يقرأها، وبصفة عامة يجب اقتران الكلمة بالصورة في مختلف المراحل، وفي تناسب عكسي، بمعنى كلما كبر الطفل تزداد الكلمات وتقل الصور.
واذا كانت وسائل الاعلام مشتركة بين الكبار والصغار، فحبذا التنسيق ليقدم لكل منهما مايعنيه، وفي الوقت الذي يناسبه، وبالمستوى الذي يلائمه، وهنا نؤكد على واجب الاسرة في تنظيم الوقت للاطفال، بحيث لايتجاوزون البرامج المخصصة لهم، والوقت الذي يمكن ان يستفيدوا فيه من هذه الوسائل، ومما يعين على ذلك الاعلان في الصحف ومجلات الاذاعة عن هذه البرامج واوقاتها للكبار والصغار.
وكم اتمنى من صناع ادب الطفل ان يتهيأوا التهيؤ المناسب دينياً وفكرياً ونفسياً وعلمياً، وان يتصلوا بتجارب الآخرين في هذا المجال محلياً وعالمياً وان يوثقوا اتصالهم بعالم الطفل وبيئته، ليدركوا مايهمه، وما يمكن ان يشبع هذه الاهتمامات، ولقد كان الشاعر احمد شوقي، يقرأ على الاطفال مايكتبه لهم قبل نشره، ليلمس اثره فيهم واستعدادهم لتقبله، والتجربة نفسها يقوم بها بعض كتاب ادب الطفل اليوم، المهم ان نعمل على تثبيت قيم الاسلام وان نحببهم في دينهم ولغتهم وامتهم واوطانهم، وان نساعدهم على مواجهة حياتهم بطريقة سوية تجنبهم التعقيد والمشكلات النفسية، حتى يسهموا في بناء اوطانهم والدفاع عن امتهم عندما تحين ساعة تصديهم لمسؤوليات الأمة وقضايا الوطن.
الكتاب : البحث عن أنشودة الفتى الحزين
المؤلف : فاسيلي أكسيونوف
ترجمة : قيس الوهابي
)324 ص . 20 سم(
الناشر: القاهرة: الدار الدولية للاستثمارات الثقافية،
1994م
)324 ص، 20سم(
يصف هذا الكتاب الحياة في «أمريكا» دون رتوش ، وقد تصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في «أمريكا» لمدة طويلة، وكاتبه هو أحد ألمع الكتاب الروس في العصر الحاضر، وقد هاجر إلى أمريكا لاجئاً سياسياً، وهناك ومن واقع حياته اليومية صور «فاسيلي» الحياة الأمريكية من جوانبها الإنسانية بعيداً عن اللون أو القومية.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved