أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 22nd July,2001 العدد:10524الطبعةالاولـي الأحد 1 ,جمادى الاولى 1422

مقـالات

شدو
بين عولمتي )الخنافس والكبوريا..!(
د. فارس محمد الغزي
هل أنت في العشرينات من عمرك..، أو على «مقربة!» من هذه المنطقة الزمنية..؟.. حسنا ففي حال كنت كذلك ويبلغ والدك تقريبا الخمسين من العمر فيسرنا دعوتك الى سؤاله! عن )طول( شعر رأسه إبّان كان في مثل عمرك..؟ اسأله ولك جائزة! بل «حَلِّفْه» أن يُخبرك عن مقاسات «السوالف على الصابر..!»، وابذل جهيد جهدك لتنتزع اعترافه في حال كان «مُخنفساً» وقتذاك، واضعا نصب عينيك عدم الانخداع «بلكاعة الوالد!» وروغانه عن الاجابة! بالمناسبة فالخنافس هذه لم تكن سوى اسم الفرقة الغنائية البريطانية المسماة «بالبيتلز» أو الخنافس كما تعني هذه الكلمة مُترجمة وقد عمَّت شهرة هذه الفرقة الآفاق زمن شباب والدك الخمسيني الآفاق، واشتهر أفرادها ومقلدوهم من المجايلين في غالب أنحاء العالم بإطالة الشعر وغرابة الملبس والسلوك.. وخلافها. هذا ورغم إنني لم أصل الى كوكب الأرض بعد حينذاك، فالذي يظهر لي أن الخنفسة «عولمة» سادت ثم بادت أيام شباب والدك تماما كما هي سيادة ورواج «كبوريا» عصرك هذا، فلقد شاع على إثر عولمة «الخنفسة!» هذه استعارات ثقافية من ضمنها صرعات إطالة شعر الرأس، وطول السوالف، ونوعية الأغاني.. )وفتح أزارير الصدر على الآخر!(..، بل كان لها أيضاً تأثير لغوي استدلالا بأنه حتى وقتنا هذا فكلمة )مخنفس( لا تعني إطالة الشعر فحسب، بل إنها تحمل العديد من المضامين السلوكية أيضا. عليه فشروط المسابقة هذه توجب عليك أيها القارىء العشريني أن تشجع والدك على الاسترسال وتقديم المزيد من الاعترافات عن فترته الشبابية/ التاريخية هذه، وذلك عن طريق تصنعك اللامبالاة، واخفاء الدهشة، باذلاً ما في وسعك كي تبدو الأمور طبيعية، ولهذا فعليك التواري والتمترس خلف عبارات الاقناع غير المباشرة كأن تلجأ مثلا الى التمثّل بما تعرفه من مقولات )زمنية/ جيلية( مأثورة من قبيل: «لكل زمان دولة ورجال»..، و«لا ترغموا أبناءكم على عاداتكم فإنهم خُلقوا لزمان غير زمانكم». و«عفا الله عما سلف». بل عليك أن تضيف الى النثر ما تعرفه من الشعر، فتتغنى بطريقة «ايحائية/ حزينة» بأشعار التأسف على الشباب وصخبه وسلوانه من قبيل )ألا ليت الشباب يعود يوما..(.، إنه عليك كذلك أن تتجنب البحلقة والنظر مباشرة في عيني والدك، وذلك لكي تمنحه المزيد من الأمان، وتضخ في شرايينه الطمأنينة الكافية..، فلعل وعسى أن يتجلَّى، فتثور «زيرانه!».. وتمور خزائن ذاكرته.. فتتسربل ذكرياته، «فيخمّه!» تيار الأيام الخوالي، وحينها يعترف لك بسواليف أكثر طراوة من مجرد سالفة «طول سوالفه!» في سالف أيامه..!!
الآن دعني أُمهد لك الطريق من الآن..! وذلك بتوجيه دفة التساؤلات الى والدك مباشرة سائلا إياه عما إذا كان يتذكر عدد )أزارير الياقة!(..، ومقاسات الثوب غير الفضفاض..!، وعبارات «التمدن» التي صاغتْها في كيانه عولمة عصره )الخنفسائية؟!(..، راجيا منه كذلك أن يتكرم فيُحدثنا عن نوعية سيارته، خصوصا في حال كانت «سبور موديل 69» تلك التي شاعت في صيف الحب.. صيف 1969م.. على أنغام أغنية «جون لينون» الحالمة وقتها بالمحال والمعنونة ب)إماجن( أي تخيَّل.
الآن دعني أُحدِّث والدك بشيء من الجدية على «انفراد!» لأسأله عن أسباب تأثره بما جرى في أقصى أقاصي العالم في وقت كان هو يعيش في مجتمع معزول.. مجتمع في وقته لم تهب عليه رياح التغيير بعد..؟، بل لم يكن فيه آنذاك أية وسيلة من وسائل الاتصال والإعلام إلا المذياع وفي نطاق محدود؟!؟ فهل حافظَت تلك «العزلة» على قيم شباب زمنك وحمتهم من التأثر الثقافي بتقليعات الخنافس التي سادت وقتذاك..؟ وما الذي أوقعك أيها الوالد الوقور فريسة «للتأثر»..؟ ألا يصح لنا أخْذ تجربتك هذه دليلا قاطعاً على ان العزلة ليست سلاحا فاعلا لحماية القيم؟.. كذلك ألا تدلُّ تجربتك هذه على ان وفرة وانتشار وسائل الاتصال كالفضائيات مثلا وتعدد محتويات رسائلها الإعلامية هي أمور جانبية.. بمعنى أنها أمور ليس لها تأثير بالغ قدر أهمية الأدوار المُمهدة لتقبُّل هذا التأثير التي تلعبها نوعية القيم الاجتماعية السائدة في المجتمع، ومدى نجاعة آليات التنشئة الاجتماعية المُمارسة، ودرجات مرونة طرائق تفكير الأفراد. إذن فما هي المضامين «المستقبلية!» لاستمرار استراتيجية المكافحة الثقافية المتمثلة في الركون الى منْع الأشياء فقط من دون توفير البديل لما يتم منعه..؟.. أما النقطة الأخيرة هذه فقد سبقني اليها في الحقيقة العلامة مالك بن نبي رحمه الله وذلك بما صاغه من مصطلح أطلق عليه مسمى «افتضاض الضمائر».. فحْواه باختزال أنه لابد من بديل من الداخل لما يتم منْعه في الداخل، حيث ان الالغاء بدون بديل يعني ضمن ما يعني ترْك )حفرة( عميقة ليملؤها الغريب الوافد من الخارج.. بالطبع هذا ما قاله بن نبي حينما كنت أيها الوالد في «عز!» الشباب، أما وأنت الآن تتأهب لمغادرة الكهولة نحو الشيخوخة، فماذا تعتقد انه سيقول فيما لو امتد به العمر ليعيش عصراً العولمة فيه تمخر عباب الآفاق.. تحثُّ السير.. تغذُّه..؟!

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved