أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 22nd July,2001 العدد:10524الطبعةالاولـي الأحد 1 ,جمادى الاولى 1422

مقـالات

مجالس العلماء ما نصيبنا منها؟!
إبراهيم بن عبد الله السماري
العلماء هم مصابيح النهضة العلمية في أي مجتمع. ومجالسهم العلمية دوماً محفل مشهود تتلألأ فيه درر الفوائد وتستجم النفوس بما فيها من المُلَح وطرائف الأقوال ونوادر الحكايات.
وتحديد خصائص معينة لمجالس العلماء أمر من الصعوبة بمكان إن لم يكن في دائرة المستحيل؛ لأن خصائص هذه المجالس تتأثر بطبيعة المكان والزمان والظروف الاقتصادية. وكذلك طبيعة العالم والمتعلم الخ... على سبيل المثال تذكر كتب التراجم أنه ما كان أحد يجسر على الكلام في مجلس عبدالملك بن سراج أبومروان لمهابته وعلو مكانته )ابن بشكوال، الصلة في علماء الأندلس ص 142، الدار المصرية للتأليف والترجمة 1966م(.
غير أنه يمكن الإشارة بإيجاز الى شيء من تلك الخصائص على النحو التالي:
1 من أهم خصائص المجالس العلمية انها سبب مهم من أسباب تطور الحركة العلمية في المجتمع حيث تتضمن هذه المجالس كثيراً من العلوم المتنوعة. وعلى سبيل المثال اشتهرت صقلية بازدهار الحركة العلمية وكان يدرس في مجالسها كل العلوم من فقه وحديث وتفسير ونحو وأدب وغيرها )علي الزهراني، الحياة العلمية في صقلية الإسلامية ص 217، نشر جامعة أم القرى 1417ه(.
2 هذه المجالس بطبيعتها المفتوحة لها خاصية مهمة وهي تربية تفكير المستفيدين من حلقاتها عن طريق ما تتيحه من المناقشة والمناظرة والجدل العلمي؛ لأن النقاش هو محرك الفكر نحو الإبداع والفهم.
3 من الخصائص المهمة لهذه المجالس تعدد امكنة عقدها فتارة في المسجد أو في اماكن ملحقة به او في دور العلماء او في امكنة ملحقة بها أو في المكتبات او في غير ذلك وقد يكون المجلس الواحد متنقلاً بين هذه الأماكن جميعاً.
وقد كان للسيد حبيب من اعيان المدينة المنورة مجلس في منزله يُتطارح فيه درر العلم وكان معظم وقت هذا المجلس في مكتبته التي قال عنها أبوعبدالرحمن بن عقيل: ما رأيت قط مثلها من مكتبات الافراد كماً وكيفاً )أبوعبدالرحمن بن عقيل، الحباء من الغيبة ص 33، ط 1 عام 1413ه(.
4 أسهمت المجالس العلمية في تفعيل ثقافة المنزل ولاسيما اولاد العالم وأهل بيته الذين يستفيدون من مجلسه في منزله ولذا نجد ان ابن ظفر الصقلي كان ولده قد سمع مؤلفاته )الإمام ابن حجر، لسان الميزان 5/421 نشر دار الفكر ط 1 عام 1417ه(.
وقد ذكر ابن خير في غير ما موضع تلقيه العلم بمنازل الشيوخ، كما أخذ من كتب اللغة والأدب والتفسير والحديث من مجموعة من مشايخ قرطبة بمنازلهم. وورد في صلة ابن بشكوال ان حاتما التميمي ابن الطرابلسي ذكر انه كان عند أبي الحسن القابسي في نحو ثمانين رجلا من طلبة العلم من اهل القيروان والأندلس وغيرهم من المغاربة في علية له. مما يؤكد ان الشيخ كان يخصص مكانا معينا للتدريس )مجلساً( في منزله. كما ذكر سليمان بن خلف الباجي انه كان يحضر مجلس سليمان بن حرب ببغداد ثلاثة آلاف رجل للسماع منه. )خالد الصمدي، حركة الحديث بقرطبة خلال القرن الخامس الهجري ص 123، نشر وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية بالمملكة المغربية 1415ه(.
5 من خصائص المجالس العلمية المشهودة الحرص على الاستجمام والترفيه عن نفوس الحاضرين بالدعابة التي لا تخرج عن حدود الوقار ولكنها تذهب السأم والكلل كان مجلس الامام المارزي لا يخلو من الاستجمام حيث كان يأتي بحكايات طريفة بقصد الترفيه على طلبته حتى لا يملوا من تتابع المسائل مما يؤدي الى سوء الفهم. وقد عني أحد تلاميذه وهو ابو الحسن طاهر السوسي بحكايات استاذه فجمعها في كتاب )علي الزهراني، الحياة العلمية في صقلية الاسلامية ص 217، نشر جامعة أم القرى 1417ه(.
6 من خصائص كثير من هذه المجالس إطعام الحضور، وكذا النفقة على المتعلمين. فمن اخبار ابي العلاء المعري ان الخطيب التبريزي قدم عليه وأقام عنده يقرأ عليه في مجلسه ودفع الخطيب الى أبي العلاء صرة من ذهب لينفق عليه منها كل يوم فلما انتهت مدة مقام الخطيب دفع ابو العلاء الصرة إليه فاعترض الخطيب على ذلك لكنَّ ابا العلاء أصر على إعادتها له. )محمد سليم الجندي، الجامع في اخبار أبي العلاء المعري وآثاره، 1/316، نشر دار صادر ببيروت ط 2 عام 1412ه(.
7 من خصائص هذه المجالس تميزها بحضور العلماء والادباء، على سبيل المثال كان للشريف الرضي مجلس يملي فيه ضروباً من المسائل للعلماء، وكان لأبي القاسم علي التنوخي حلقة يحضرها طائفة من العلماء والأدباء )المصدر السابق 1/259(.
8 من اهم خصائص مجالس العلماء أنها قائمة على الاحتساب، والذي يمعن النظر في كتب التراجم سيجد كثيرا قول المترجم عن المترجم له: اقرأ الناس محتسبا وأسمعهم الحديث. بل اكثر من ذلك بلغ الحرص على هذه المجالس أن أبا نصر سابور بن اردشير ابتاع دارا وضع فيها كتبا كثيرة ووقفها على الفقهاء وسماها دار العلم. قال الامام ابن كثير: واظن ان هذه اول مدرسة وقفت على الفقهاء وكانت قبل النظامية بمدة طويلة )ابن كثير، البداية والنهاية المجلد السادس الجزء الحادي عشر صفحة 312، ط دار الفكر ببيروت 1402ه(.
9 من خصائص المجالس العلمية التنافس المحمود بينها في نشر العلم والاستئثار بمتابعة الناس. وقد حفلت قصور الخلفاء والوزراء والاعيان بمجالس العلم فكانت مجالسهم مجمعا يفد اليه العديد من العلماء والأدباء لعرض إنتاجهم أو للمناقشة والمناظرة مما يثري الحركة العلمية. ومن تلك المجالس مجلس الوزير البويهي ابو محمد المهلبي )ت 351ه( والوزير ابن العميد الملقب بالاستاذ ) ت 360ه( والوزير المطهر بن عبدالله )ت 369ه( والوزير أبوعبدالله بن سعدان )قتل 375ه( الذي كان مجلسه يضم ابن مسكويه وابوحيان التوحيدي وهما عالمان مشهوران. )رشاد عباس معتوق، الحياة العلمية في العراق خلال العصر البويهب ص 225، نشر جامعة ام القرى 1418ه(.
10 من خصائص المجالس العلمية تلك الآداب التي ينبغي ان يلتزم بها حضورها، وقد تضمنتها وصية ابن حزم القرطبي للمتعلمين وحاضري المجالس العلمية حيث قال: اذا حضرت مجلس علم فلا يكون حضورك إلا حضور مستزيد علما واجرا لا حضور مستغن بما عندك طالبا ثغرة تشنعها او غريبة تشيعها. فإذا حضرت فالتزم احد ثلاثة اوجه:إما أن تسكت سكوت الجهال، وإما أن تسأل سؤال المتعلم، وإما أن تراجع مراجعة العالم.
والسؤال المطروح هو: ما نصيب مجتمعنا من مجالس العلماء؟
والجواب ان مجتمعنا له حظ من هذه المجالس سواء تك التي تكون محددة بوقت كالدورات العلمية التي تنظمها بعض الجوامع والمساجد في أوقات متباعدة ولاسيما في الصيف. او تلك التي تكون مستمرة طوال العام أو اغلبه كالدروس التي ينظمها العلماء وطلبة العلم في المساجد كما ان بعض علمائنا لهم دروس مستمرة منذ زمن طويل في منازلهم. بل إن بعضهم سعى الى اسكان طلابه في مساكن خاصة بهم قرب مكان التدريس ليسهل عليهم تحصيل العلم. وفي علمي ان الذي بدأ هذا التوجه هو فضيلة الشيخ محمد العثيمين رحمه الله وآخرهم وليس الاخير فضيلة الشيخ عبدالله بن جبرين حفظه الله كما كان هذا دأب سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله .
وهناك مجالس أدبية مثل اثنينية عبدالمقصود خوجة في جدة واثنينية عثمان الصالح بالرياض ومجالس اخرى ينظمها احمد باجنيد وأنور عشقي ومحمد بن حسين وراشد المبارك وفايز الحربي وغيرهم.
ومن المؤكد ان تنوع المجالس العلمية في مجتمعنا بين فقهية ولغوية وادبية وغيرها من مجالات التعلم مما يعين على نجاح هذه المجالس في استقطاب اهتمام الناس الذين تختلف انفعالاتهم ورغباتهم وتطلعاتهم فتجد ما يلبيها في هذا المجلس او ذاك.
ولابد هنا ان اشير الى المجالس الالكترونية اي مواقع المشايخ وبعض طلبة العلم والادباء والكتاب في الانترنت حيث ان هذه المجالس التي تواكب تطور وسائل ووسائط الاتصال قد اسهمت في اثراء الحركة العلمية في هذه البلاد وفي امتداد اثرها النافع بإذن الله خارج الحدود، كما اسهمت في تعريف الآخرين بالنهضة العلمية الموجودة في بلادنا.
المؤكد في ضوء الواقع المعاش ان نجاح اي عمل علمي او ثقافي او غيره مما يتعلق بالفكر يحتاج في هذا العصر الى معالجة تتناسب مع طبيعته يراعى فيها حال المخاطبين وظروف المكان والزمان؛ فليس بالضرورة ان التمسك بقوالب المجالس العلمية في العصور السابقة شرط لنجاحها في هذا العصر. فربما تنجح تلك القوالب في مجتمع او مع فئة من الناس في هذا العصر ولكنها قد لا تنجح مع فئة اخرى. مما يبرز ضرورة الحرص على التخطيط للمجالس العلمية قبل تنظيمها.
كما ان ظروف هذا العصر بمشغلاته وشهواته وشبهاته تؤكد ضرورة التخطيط لمجالس علمية مستنيرة بالثوابت الشرعية تقولب كل مجال علمي في ضوء هذه الاستنارة، وتسعى بكل طاقاتها الى تنشيط اثار هذه المجالس لمواجهة طوفان الغزو الفكري الذي اصبح اليوم ينتقل مع الهواء عبر الاقمار الصناعية ومن خلال القنوات الفضائية وبين المواقع الالكترونية.
في بلادنا خير كثير من المجالس العلمية ولكن هذه المجالس مقارنة بطبيعة هذا العصر المفعمة بإلهاء الناس وإغرائهم بشهوات التمتع وشبهات التميع في حاجة الى تفعيل وتكثير لتستقيم كفتا الميزان بل لترجح كفة الخير والنفع.. وبالله التوفيق.
alsmariibrahim@hotmail.com

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved