أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 22nd July,2001 العدد:10524الطبعةالاولـي الأحد 1 ,جمادى الاولى 1422

الثقافية

أديب علماء دمشق
الشيخ عبدالرزاق البيطار.. حياته وإجازاته
تأليف : محمد بن ناصر العجمي
قراءة وتعليق: حنان بنت عبدالعزيز بن عثمان بن سيف
اسم الكتاب: أديب علماء دمشق. الشيخ عبدالرزاق البيطار.
حياته وإجازاته
اسم المؤلف: محمد بن ناصر العجمي.
الطبعة الأولى عام 1421ه دار البشائر الإسلامية بيروت لبنان
عبدالرزاق بن حسن البيطار عالم من علماء دمشق المبرزين، وقد حباه الله تعالى مكانة عظمى، وخوله أخلاقاً جمة، فهو مقرئ وشاعر وأديب أريب تميز بلهجة فصيحة ومادة غزيرة، وهذا ما حدا بالمؤلف الفاضل أن يقول في مقدمة الكتاب الميمونة: «ولما كانت هذه صفاته ومكانته أحببت أن أفرده بالترجمة وأتوسع في ذكر أخباره ومناقبه، وصلاته بعلماء عصره وزمانه، وغير ذلك مما له صلة به، وقد قيل قديماً من ورَّخ مؤمناً فكأنما أحياه، وحينما نمضي في قراءة الكتاب نجد أن المؤلف استعرض نسبه ومولده وعائلته فهو عبدالرزاق بن حسن بن إبراهيم حسن البيطار الدمشقي الميداني الأثري، ولد في أسرة علمية مجيدة عريقة، وفي بيت كريم مشهور بالعلم والعلماء، فوالده من أجلِّ العلماء في ذلك الوقت، وخلف أربعة أبناء برزوا في العلم والفضل، ويصف المؤلف هذا البيت بقوله: «فآل البيطار بيت علم وفضل»، ويستشهد بقول العلامة عبدالحفيظ بن الطاهر الفاسي «بيت البيطار من البيوتات العلمية بدمشق الشام، وقد تعدد فيهم العلماء»، ويخلف الحديث عن نسبه وأصله ومسقط رأسه بالحديث عن شيوخه وتحصيله حيث إنه تعلم القراءة والكتابة وكان ذلك بعد سن التمييز ثم حفظ القرآن الكريم وجوَّده على شيخ قراء الشام الشيخ الحلواني، وكان لوالده دور كبير في تعليمه وتلقينه حيث إنه حفظ المتون في مبادئ العلوم على والده، كما أنه كان حريصاً على دروس والده الخاصة والعامة، وبعد أن بلغ الشيخ عبدالرزاق البيطار رحمه الله تعالى وقدس ضريحه وثراه سن الرشد جاب البلدان وعرف قدر الرحلة وفضلها وأشار المؤلف إلى حبه للرحلة حباً عظيماً لاسيما في وقت الربيع، وبدا هذا وا ضحاً في مؤلفاته، ويقول المؤلف ما نصه: «رحل العلامة البيطار إلى عدة بلدان كالقاهرة واستانبول وإلى المدن المجاورة لبلدة دمشق كالقدس وبيروت وإلى جملة من محافظات الشام»، ومن جميل قول العلامة البيطار في الحث على الترحل قوله: «فعليك بالتغرب لترى الدنيا، وتدرك المنى، وإياك وخبث الطوية، وخوف المنية، فإنها لا تُدفع في الوطن والحضر، ولا في الغربة والسفر»، هذا وقد عاش هذا العلامة في عصر وصفه المؤلف بأنه عصر جمود وتصوف فيه غث وسمين وصحيح وسقيم ويقول عن المترجم له: «فعاش الشيخ البيطار في هذا العصر متأثراً بشيوخه وأبناء عصره، ولكنه لما ظهر له الحق رجع عن تلك الآراء والأفكار، كشأن كل عالم عاقل محب للحق وأهله»، وفي هذه العبارة ما يدل على عقلية الشيخ المتيقظة وعلى طويته الصحيحة، فهو يدور مع الحق حيثما دار، ووصفه المؤرخ الكبير خير الدين الزركلي بقوله: «عالم بالدين، ضليع في الأدب والتاريخ... اقتصر في آخر أمره على علمي الكتاب والسنة، وكان من دعاة الإسلام، سلفي العقيدة»، وكان ذلك في كتابه الموسوم بالاعلام، ومع صحة عقيدته وحسن مذهبه، عرف بالجراءة والقول بالحق والصدع به دون خوف أو محاباة أو مجاراة، مما أوقعه في بعض المحن من ذلك اتهامه بتأسيس مذهب جديد وبتسليم سورية لنجد ومصر للإنجليز وذلك في سنة 1324ه لكن الله انجاه منها بما أجرى على لسانه من قول قوي، وحجة داحضة بينة، ولعل الحديث عن هذا العالم الجليل يشوّق القارئ، ويستهويه إلى التساؤل عن أخلاقه وصفاته، وخصاله، وقد ساق المؤلف الفاضل وصفاً جميلاً، جاء على لسان تلميذه وحفيده الشيخ محمد بهجة البيطار حيث قال: «كان طويل القامة، جميل الطلعة والهيئة، جليل الهيبة والوقار، يكاد سنا جماله وجلاله يذهب بالأبصار، كلامه السحر الحلال، وأدبه ألعب بالعقول من الغيث في الحقول»، ومما يلفت النظر في هذه الشخصية النابغة جلوسه للناس على طبقاتهم المختلفة، فيجلس إليه العالم والكاتب والشاعر والزارع والصانع والتاجر، فيملي عليهم من قوله وقيله، ويسعدهم بقليله وكثيره، ويتبادل معهم الآراء، ويناقش معهم الأفكار، فيخرجون من عنده مسرورين، وبرضاهم عنه متوجين، وذلك فضل الله تعالى يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، والمن الجزيل.


وذكرني حلو الزمان وطيبه
مجالس قوم يملؤون المجالسا
حديثاً وأشعاراً وفقهاً وحكمة
وبراً ومعروفاً وإلفاً مؤانساً

وألمح المؤلف إلى صلات شيخنا بعلماء عصره، وأعلام زمانه خاصة صحبته الأكيدة للعلامة جمال الدين القاسمي، وكان بينهما رسائل ودية، ومكاتبات أخوية، ومساجلات علمية وقد حباه الله أن يمسك بزمام النظم والنثر، بل إنه حاضر البديهة، وقوي الفطنة، وطلق اللسان، فهو ممن يقول الشعر على الارتجال والبداهة، وبينه وبين علماء وقته صول وجول في ميدان الشعر، وبينه وبينهم أيضاً شيء كثير في هذا المجال، وتناول مؤلف الكتاب هذه الناحية الأدبية والشعرية ووصفها بقوله: «برع العلامة الشيخ البيطار في علوم اللغة والأدب والشعر، فقد آتاه الله قلماً سيالاً، وعبارة قوية، وكلمات رصينة متينة كانت منه على طرف الثُمام، مما جعله يدبج الشعر والنثر، حتى إنه في كثير من الأحيان كان يقول الشعر ارتجالاً»، وما أحسن عبارة المؤلف حين يقول: «وبالجملة فقد كان كشكولاً أدبياً متحركاً، تشتاق النفوس إلى مجالسته ومسامرته»، وممن وصفه أيضاً فأبدع العلامة محمد كرد علي كما ظهر هذا من نقل مؤلف الكتاب عنه، وكان للعلامة محمد كرد علي رأي في مستوى شعره، ومن المفيد أن أنقله للقارئ ونصه كالتالي: «نظم الشعر، ومنه بعض المقاطيع والموشحات المشهورة المتداولة، ونظمه أرقى من نظم الفقهاء ودون شعر المفلقين من الشعراء وكتابته على طريقة السجع القديمة»، وأفاض المؤلف في ذكر إجازات الشيخ رحمه الله تعالى وتنبثق أهميتها من قول مؤلف الكتاب: «الإجازة في كتب الحديث وغيره من العلوم مما يحرص عليهم أهل العلم خصوصاً في تلك الحقبة، وذلك لأنها تربطهم بكتب المتقدمين وأثباتهم، ولذا حرص عليها الشيخ عبدالرزاق البيطار كما أنه لم يبخل بها على طالبيها، وذلك لمن رآه أهلاً لها»، وكان المؤلف يصور من مخطوط الإجازات صورة، ثم يتبع ذلك بالإجازة كاملة على نسق الطباعة الحديثة، وفي الكتاب أيضا صور من تقاريظ الشيخ العلامة البيطار لعلماء وقته آنذاك، والهدف من هذه كما جاء على لسان المؤلف حين قال: «تقاريظ العلماء بعضهم لبعض من سنن التأليف ولطائفه، وقد رغب غير واحد من العلامة الجليل الشيخ عبدالرزاق البيطار أن يكتب له تقريظاً حتى يحلي به جيد مؤلفه، ويطرز به طرة مصنفه، وذلك لما علم من بلاغة الشيخ عبدالرزاق وروعة بيانه»، ومن الأمثلة الواردة في الكتاب على تقاريظ الشيخ البيطار عليه رحمة الله قوله: «لما كان الشعر محمدة الأدب، وملحة علوم العرب، وكان من أحسن ما صنف في موازينه، وأتم ما ألف في معرفة بحوره واستخراج كمينه، كتاب «الكافي في علمي العروض والقوافي»، وقد شرحه الأديب الكامل، والأديب العالم العامل، عبدالقادر أفندي بن المرحوم الشيخ أحمد بدران، فجاء بحمد الله محتوياً على كمال الإتقان، منطويا ً على أتم المعاني لدى الإمعان، قد أينعت إفادته لكل قاطف، وأسفرت رقائق طلعته عن بدائع اللطائف»، وقد عُرف رحمه الله تعالى بالترفع عن الدنيا، وعدم التربع على مناصبها، زاهداً ورعاً في علمه وتعليمه، وكان يلقي دروسه في جامع كريم الدين المشهور بالدقاق، وأحياناً في حجرته الخاصة به في الجامع، وفي بيته الخاص به أيضاً، وهيأ الله له مكتبة نفيسة جمعت أجود المطبوعات، وأحسن المخطوطات، وله مؤلفات لم يسعفه الدهر في تحريرها ونشرها، إلا كتابه «حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر»، حيث طبع بتحقيق حفيده العلامة محمد بهجة البيطار، وقد علل العلامة محمد كرد علي هذا الأمر بقوله: «والمؤلف على ما ظهر لنا من صداقتنا معه أعظم في اجتماعاته منه في كتبه، لأن معظمها قد كتبه بسرعة قبل أن يفتح عليه فيما اشتهر عنه في آخر عمره، وكم من عالم رزق الحظ ولم يرزقه فيما يخطب وعكسه، ورب شاعر لا ينثر، وناثر لا ينظم»، وبعد هذه الحياة الطويلة الحافلة بالجد والاجتهاد، والعلم والعمل كانت وفاته في عاشر ربيع الأول من سنة 1335ه، رحم الله أديب دمشق وعالمها، وأسبغ عليه حللاً وارفة من الرحمة والمغفرة والرضوان.
وأخيراً فقد متعنا المؤلف حفظه الله وأبقاه بهذا المؤلف الفريد، فهو في تأليفه جامع وفي سرده مانع، وقد تناول الشخصية المترجم لها بترتيب فائق من حيث اسمه ونسبه ومولده وعائلته وشيوخه وتحصيله، ورحلاته وأسفاره وعقيدته ومذهبه حتى انتهى به المقام إلى موته، ويلفت نظرك في الكتاب دقة التوثيق، وترتيب النقول والاقتباسات من كتب أهل العلم ترتيباً متسلسلاً منسقاً إضافة إلى مناقشة هذه النقول بمنطقية جادة، واحتوى الكتاب أيضاً على فهارس خدمته وجاءت على الترتيب التالي: فهرس الأعلام مرتباً على حروف المعجم أي على حسب حروف الهجاء، ثم فهرس الموضوعات. وأخيراً آثار مؤلف الكتاب الشيخ محمد بن ناصر العجمي والتي أتحف بها المكتبة العربية.
للتواصل:
ص.ب 54753
الرياض : 11524


أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved