أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 25th July,2001 العدد:10527الطبعةالاولـي الاربعاء 4 ,جمادى الاولى 1422

مقـالات

هكذا تستقبل العولمة!
عبد الله بن ثانى
قتل أحد المتظاهرين في اشتباكات عنيفة بين رجال الشرطة والمحتجين على قمة الدول الثماني الكبرى في جنوة.
ويقول شهود العيان إن شرطة البرلمان اطلقت رصاصتين على المتظاهرين وان متظاهرة أخرى داستها شاحنة أمن وتصاعدت سحب من الدخان في سماء المدينة حيث دارت معارك على مدى عدة ساعات بين آلاف من المحتجين والشرطة التي اطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه أسفرت عن جرح ستين شخصاً على الأقل.
وقد اضرمت حرائق وحطمت متاجر ومكاتب بريد ومصارف وقام المشاغبون بنهبها كما هوجم صحفيون ومصورو تلفزيون، ورمى بعض المحتجين بأنفسهم على الحاجز الفولاذي الذي نصب حول المنطقة التي ينعقد فيها المؤتمر إلا ان ضخامة عدد أفراد الشرطة لم تمكنهم..وبينما استعرت المعارك في الشوارع واصل قادة الدول الغنية مؤتمرهم دون عوائق وقد أعرب القادة في بيان صدر قبل انتقال المحادثات إلى المرحلة الثانية التي تشارك فيها روسيا عن تفاؤلهم بالنسبة للأداء الاقتصادي في العالم، وقالوا انهم يتوقعون ان ينتعش الاقتصاد الأمريكي من التباطؤ الذي يعاني منه حالياً بحلول نهاية هذا العام، وان الاتجاهات السائدة في أوروبا تبعث على التفاؤل وأعرب المؤتمرون عن قلقهم على الأسواق النامية، ولكنهم أشادوا بالإصلاحات الاقتصادية التي تقوم بها الأرجنتين وتركيا.
هذا ولم تقم أي مبادرة جديدة بالنسبة لديون العالم الثالث غير ان القادة أكدوا على ضرورة ان تجتهد الدول الفقيرة كي تتأهل لاعفائها من الديون.
وقد وافق قادة الدول في المؤتمر على إنشاء صندوق عالمي لمكافحة وباء نقص المناعة والأمراض الفتاكة الأخرى في الدول الفقيرة، وسيرصد للصندوق مبدئياً مبلغ مليار ومائتي ألف دولار.
كان هذا التقرير نقلاً عن وسائل الإعلام للمظاهرات والمواجهات، احتجاجاً على العولمة أمام مؤتمر جنوة الأخير في إيطاليا انطلاقا من ادراك الشعوب بخطر التجليات المختلفة لها على صعيد المناهج والمؤسسات الحكومية والسيادة الوطنية والاقتصاد والثقافة وكل ما يتصل بالهوية والايديولوجيا للمجتمعات الإنسانية في هذا الكوكب، وإيماناً منها انها استعمار جديد بطريقة تختلف عما سبق وبأدوات تعمق آثار الثورة العلمية والتقانية من خلال تطور وسائل الإعلام كالحاسوب والأقمار الصناعية وشبكة الإنترنت.
العولمة تعني بشكل عام اندماج أسواق العالم في حقول التجارة والاستثمارات المباشرة وانتقال الأموال والقوى العاملة والثقافات والتقانة ضمن إطار من رأسمالية حرية الأسواق مما يؤدي إلى انحسار كبير في سيادة الدولة عن طريق هيمنة الشركات الرأسمالية الضخمة متعددة الجنسيات، والعابرة للقارات التي تهدد بخفض أسعار العملات وأسعار الأسهم وسندات الدولة المضيفة لاستثماراتها وخفض احتياطات مصرفها المركزي مما يجعلها تقترض من صندوق النقد الدولي الذي يمارس الضغط في النهاية على تلك الحكومات والشعوب في نشر مبادئ الفكر الرأسمالي المعولم كما حدث في أزمة المكسيك نهاية عام 1994م والأزمات المالية التي حدثت في بلدان شرق آسيا منذ صيف عام 1997م كماليزيا وإندونيسيا وتايلاند وكوريا الجنوبية وتايوان.
إن آثار العولمة تبرز في زيادة التبادل التجاري بين الدول الغنية بعد نزع القيود الجمركية تحت ما يسمى الجات وفرض هيمنة منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي احتكاراً للنشاط الاقتصادي من خلال تكتلات مؤسساتية كبرى بحجة الأسواق التي أدت إلى انصهار الاقتصاديات الوطنية والاقليمية في عملة ذات وجهين مختلفين وجه الاحتكار وتركيز الثروة، ووجه البؤس والفاقة والمدن المحطمة والقذرة بعد ان تلاشت تلك المساعدات التي كانت تعطى للدول الفقيرة بعد انتهاء الحرب الباردة ودخول تلك الدول في نفق مظلم مسدود الطرف من ثقل المديونية الخارجية.
العولمة تركز الثروة في العالم القوي وتركز الفقر والجوع والبطالة في العالم الآخر، تزيد من الفرق بين الشعوب بعد ان يستأثر جزء من سكان الأرض بالثروة دون توزيع عادل ومنظم لها اعتماداً على فلسفة ليبرالية حيث هيأت تلك الشعوب لهيمنة كبار المضاربين بالعملات والأوراق النقدية والاستثمار الأجنبي الذي يمتص عرقهم وجهدهم دون مردود يناسب ذلك التنازل، لقد تحولت العولمة من هذه الجهة ايديولوجيا إلى قانون صارم يفرض الضغط على الدول التي لا تطبق سياسات الانفتاح المعولم.
العولمة لا تسمح للقوى البشرية الفقيرة بالانتقال إلى أمريكا وأوروبا من أجل البحث عن الغنى في حين انها تسمح للشركات الكبرى باختراق تلك المجتمعات الضعيفة والمبتلاة بمسؤولين سياسيين قد يقبل بعضهم الرشوة من شركة يتعاقد معها دون النظر إلى مستوى الثمن والجودة، انها باختصار ترويج لنظام رأسمالي احتكاري جديد بعد سقوط الشيوعية والسلطوية تحت شعار النزوع إلى التعددية واحترام حقوق الإنسان والحرية والمساواة بعد هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على هيئة الأمم ومجلس الأمن وقرارات الشرعية الدولية وحرصها على الضمان الأساسي لمصادر البترول واحتياطاته في العالم والتدخل في الشؤون الداخلية واختراق سيادة الدول وفتح الحدود تحت غطاء الشرعية الدولية السابقة متجاهلة مبادئ هيئة الأمم التي نصت على احترام السيادة والتراث والخصوصية، بل انها زرعت ورقات معارضة وأنظمة تهدد جيرانها من أجل التلويح بها دائماً وقت الحاجة ضماناً للتبعية مع ضغط سياسي عن طريق صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية بحجة اصلاحات ديمقراطية تخدع الشعوب بشعاراتها وهي في الحقيقة المرة عبارة عن صراع ايديولوجي، إعلامي يعطل فاعلية العقل والفطرة السليمة من خلال تشويش نظام القيم وتوجيه الخيال وقولبة السلوك والثورة على الخصوصية بثقافة الاختراق التي تؤدي إلى انشطار الهوية الوطنية لدولة ما.
إن هيمنة القطب الواحد بحجة العولمة قد جردت المجتمعات من خصوصيتها بعد فرض النموذج الغربي للكيانات الهشة، وما الدعوة إلى حياة أفضل عن طريق ذلك النموذج إلا كذب وافتراء وضرب لكينونة الشعوب من خلال منظومة استعمارية ليبرالية تصدر البطالة من بلد إلى آخر وتزيد عدد المليارديرات من جهة وتزيد من العاطلين من جهة أخرى دون التفات لتلك الدعوة التي تبنتها دول عدم الانحياز في السبعينات عندما طالب بتنظيم جديد يسمح بنقل التقانة الحديثة إلى الدول النامية لرفع معدلات النمو فيها، وبخاصة من اتفاقية التجارة الدولية التي وضعت قيوداً قاسية على نقلها بل ان تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن قابلية تحويل الدولار إلى الذهب أنهى عصر ثبات اسعار الصرف وتحلل نظام النقد الدولي «1971م» وبذلك احدثت فوضى في أسواق النقد الدولي، فبدأ الاضطراب والتوتر وتراجع معدلات النمو وزيادة البطالة والتضخم والعجز الداخلي، ولا يمكن الاحتجاج بالثراء المفاجئ لبعض الدول المصدرة للنفط من عام 1974 1982م لأن ذلك استثنائي لسلعة لم يعد التلويح بمنع تصديرها مستساغاً ومخوفاً اليوم كما كان في السبعينات، فكثير من دول العالم تستجيب لفرض حظر على دول مصدرة للنفط نتيجة عقوبتها على بعض السياسات من قبل مجلس الأمن والشرعية الدولية.
ولماذا نسمي العولميين بأن استمرار نجاح أي نظام لابد له من الاعتماد على منظومة متطورة من القيم والأخلاق والايديولوجيا والحوافز المادية والمعنوية والمشاركة العامة في صياغة قراره؟
وهل يكفي تحقيق النجاح إيمان العولمة بمبدأ سيادة الأمن الدولي بدلا من سيادة الدول عبر مجموعة من المعاهدات السارية أهمها: معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية ومعاهدتا حظر الأسلحة الكيماوية والبيولوجية ومعاهدة الحد من الصواريخ الذاتية الانطلاق «البالستية» والاعتماد على قوة عسكرية كحلف شمال الاطلسي؟
إن العالم العربي فقير بالمقاييس الاقتصادية المعروفة إذ لا يتجاوز متوسط دخل الفرد فيه 2091 دولارا في السنة ويعيش مشاكله المصيرية ابتداء من سوء توزيع الدخل القومي في ظل ارتفاع الأمية التي لم تعد مرتبطة بعدم معرفة القراءة والكتابة وانتهاء بقيود ايديولوجية لا ترقب في مؤمن إلاّ ولا ذمة تؤكد فشلنا في الخطاب السياسي العالمي، لأن المواطن العربي ضحية العنف السياسي والقمع والتطرف الأعمى من قبل بعض الجماعات الأصولية وتصديق الخرافة والشعوذة، والعالم المتمدن يدرك تماماً ان منطقة الشرق الأوسط قابلة للانفجار في أي لحظة وان الدول العربية في هذه المنطقة المتوترة تصرف جزءاً كبيراً من ميزانياتها على تطوير وزارات الدفاع والتسليح كان الأولى ان يصرف على تطوير الإنسان وصحته وتعليمه وإعداده إعداداً مؤهلاً للعولمة وما يترتب عليها من فوائد.
إن الضرورة ملحة الآن لقيام السوق العربية المشتركة لمواجهة أخطار التبعية والفقر والاستنزاف من قبل الشركات والمؤسسات الكبرى ولا يكون ذلك إلا ببناء كيان عربي موحد يؤمن بخصائص كل قطر وظروفه تحت مظلة هيئة الأمم المتحدة كما فعلت أوروبا لكي نتجاوز مرحلة الاستيراد إلى مرحلة التصدير ولو على مستوى ان يصنع الشماغ العربي في عالمه وليس في عالم الغرب. إن المشاركة في العمل الانمائي العربي واجب على الجميع لارساء تنمية تكاملية محافظة على القيم والأخلاق والسيادة والخصوصية ومدركة أهمية البحث العلمي وضرورة دمج الشركات الصغيرة لتستطيع المقاومة والوقوف أمام اكتساح الشركات الكبيرة للأسواق العربية وهو ما أدركته الولايات المتحدة الأمريكية التي انخفض عدد المصارف فيها بواقع الثلث تقريباً من بين عام 1986 و2000م نظراً لحاجتها إلى خفض النفقات وحباً في الاكتساح الجغرافي في إطار اتفاقية «الجات».
إن العمل على تحقيق التوازن الاقتصادي العربي من خلال اعطاء القطاع الخاص دوراً مناسباً في العمل الإنمائي العربي والاستمرار في تشجيع الاستثمارات العربية في أي قطر عربي والحيلولة دون نزوح الرساميل إلى الخارج يتطلب فرض حماية على المستوى المعقول من القيود الجمركية والأداء الحكومي والتحصين ضد المنافسات الأجنبية الكبرى عبر سوق عربية مشتركة بعد تحرير العقل العربي من الفكر الانقلابي والأنظمة العسكرية إحياء للمشروع العربي المشترك وتطبيعاً للعلاقة بين المواطن ووطنه في ظل حكم مدني يرتقي في كنفه الإنسان العربي علمياً وتقنياً وثقافياً من أجل العمل النهضوي.
إن إجراء مصالحة عربية شاملة في إطار جامعة الدول العربية مطلب ضروري أيضاً بعد تقديم الاعتذار الرسمي من قبل الأطراف المعتدية وتوقيع معاهدات عدم الاعتداء وبذل ما يؤكد زوال الخطط التوسعية للأنظمة العربية القمعية التي يحكمها العسكر والذين طحنوا الإنسان العربي مادياً ومعنوياً بتصرفات صبيانية لا ترقى إلى مستوى نظام سياسي يحكم دولة عربية تملك صوتاً في هيئة الأمم المتحدة.
إن الاستقرار السياسي في منطقة الشرق الأوسط مطلب ضروري آخر بعد انهاء مسائل الخلاف وتشكيل قوة ردع عربية لتنفيذ قرارات جامعة الدول العربية التي يجب ان يعاد صياغة ميثاقها وفق ما تفرضه علينا العولمة.
أيها السادة:
إن الخبراء عندما قالوا إن العولمة باختصار «أرض بلا حدود، وثقافة بلا حدود، وسوق بلا حدود» نسوا انها فقر بلا حدود أيضاً.
abdullahthani@hotmail.com

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved