أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 25th July,2001 العدد:10527الطبعةالاولـي الاربعاء 4 ,جمادى الاولى 1422

مقـالات

بلادنا وإنسانها والصورة في الخارج
حمد بن عبد الله القاضى
* * أسعدني كثيراً مقال أخي الكريم: علي بن سعد الموسى في صحيفة «الوطن»، الذي عنونه ب «السعوديون.. صورة من الخارج».
شدني كواحد من أبناء هذا الوطن المهمومين بجلاء صورة بلادنا وإنسانها في الخارج بعد أن ظُلمت بلادنا وإنسانها كثيراً من قبل الأقربين والأبعدين معاً..!
إنه يؤلمنا كثيراً أن كثيراً من الأشقاء لا يعرفون عن بلادنا إلا أنها بلد آبار البترول وغابات الإسمنت.. ولا يعرفون عن إنسانها إلا أنه أنموذج للإسراف والترف.. وهذه صورة مؤلمة وقاتمة..!
وقد تكونت هذه الصورة لأن جلاءها لم يكن في أولويات اهتمامنا لأن الكثير منا استغرق جهده في تنضيد عقد منظومة بلادنا التنموية، والبعض منا في تحصيله العلمي، أو عالمه العملي، أما البعض فهم مع الأسف شكلوا أغلب جوانب هذه الصورة المظلمة، إنهم بعض من يسافرون إلى الخارج ولا يراهم الآخرون إلا بين أندية الليل، ومقاعد «الكابريهات»، هناك يسهرون ويلعبون ويبذرون ويمارسون فعل السفه والإسراف والتشويه، ورغم أنهم قلة إلا أنهم أعطوا صورة غير واقعية عن إنسان هذا الوطن الذي هو أنموذج آخر: يعمل ويكدح، ويبني في مكتبه ومعمله وجامعته وعيادته..!
ولقد توقفت كثيراً عند قصة الزميل الكريم: الموسى مع صديقه الذي كان ينظر إلى بلادنا بنظرة أخرى، وعندما جاء إليها اتضحت له الصورة، وانبلج «صباح الإشراق السعودي»، أمام كل ذي عينين..!
لكن هل كل الناس في الخارج يمكن أن يزوروا بلادنا لتغيير الصورة المعتمة وتحل مكانها الصورة المضيئة..؟.
* * لقد عشت مثل هذه التجربة أكثر من مرة وآخرها مع آديب صديق التقيته في إحدى المناسبات الثقافية خارج بلادنا وكان يحمل صورة غير جيدة عن تجربة «الشورى السعودية»، وأسلوبها وطريقة اختيارها، وعندما تحدثت له عن تجربة الشورى لدينا، وعن منجزاتها إذا ما قورنت بمنجزات المجالس المماثلة والعريقة في دول العالم الثالث، وعندما أبنت له أن منهج «الشورى»، جاء من ثوابتنا.. واننا ارتضيناها قيادةً ومواطنين لأننا وجدنا أنها هي التي تحقق أهداف وطننا بعيداً عن المزايدات، والجدل.. وبعد حوار موضوعي توفرت لديه القناعة بتجربة الشورى السعودية.. بل تمنى لو تمت هذه التجربة على أرض وطنه، وقد كتبت عن هذه الواقعة قبل فترة في صحيفة «الجزيرة».وإنني أتفق مع الزميل الكريم الموسى فيما أشار إليه حول صورتنا في الخارج، وأحمد له غيرته من أجل جلاء هذه الصورة، وأختلف معه فيما أشار إليه حول «معارض المملكة بين الأمس واليوم»، وأنها لم تحقق الهدف من قيامها في التعريف الإيجابي ببلادنا وإنسانها، وأنها لم تنتزع تلك «القتامة»، الإعلامية عنا..! هنا أختلف مع الكاتب الكريم وأتحاور معه عن واقع ما رأيته كشاهد عيان على هذه المعارض حيث شاهدتُ بعضها زائراً لها وفي بعضها مساهماً في مناشطها.
ولن أتطرق هنا إلى ما شاهدته من الآثار الإيجابية لهذه المعارض على مكتسباتنا الاقتصادية والاجتماعية والصناعية، ولكنني فقط سوف أقصر حديثي عن أثر هذه المعارض على «الجانب الثقافي»، لبلادنا وإنسانها بحكم أنني معنيٌّ بالشأن الثقافي من ناحية وبحكم معايشتي لفعاليات النشاط الثقافي في بعض هذه المعارض.
لقد شرفت أن أكون مسوولاً ومشرفاً على النشاط الثقافي خلال إقامة معرض «المملكة بين الأمس واليوم»، في جمهورية مصر العربية.. هذا المعرض الذي زاره وشاهده مئات الآلوف من أبناء الكنانة ومن الأجانب المقيمين وافتتحه رئيسها الكريم.
لقد تم في هذا المعرض إقامة «نشاط ثقافي شامل»، ضم أكثر من خمسة عشر منشطاً ما بين محاضرة ومعرض وندوة وأمسية وشارك في هذا النشاط نخبة من أبناء هذا الوطن من وزراء وكبار مسؤولين عن جوانب من منظومتنا التنموية «الزراعية والصناعية والاجتماعية»، كما شارك عدد من الشعراء والمثقفين والأدباء السعوديين وأعطوا صورة مضيئة عن انطلاقتنا الثقافية والحضارية التي يجهلها الكثيرون مع الأسف حتى أقرب الناس إليها حيث ينظرون إلى بلادنا على أنها بلد البترول، وغابات الإسمنت كما أشرت أنفاً ولا يعرف أكثرهم أنه كما يسمق على أرض بلادنا منار المصنع فعلى صحرائها ترتفع منارة الجامعة وكما تعلو طوابق الإسمنت فعلى هذه الأرض ترفرف سنابل القمح..!
ولقد حظيت المناشط الثقافية بحضور كبير جداً من مثقفين ومسؤولين وصانعي قرار حضروا وشاركوا وسألوا وعلقوا مما شكل نجاحاً باهراً لهذا النشاط الثقافي المصاحب لمعارض المملكة بين الأمس واليوم.. واذكر هنا موقفين شاهدتهما بحكم إشرافي وإدارتي للحوار في هذه المناشط:
* الأول: الكلمة التي سمعتها ونشرتها بعض الصحف للأديب الكبير يوسف إدريس رحمه الله هذه الكلمة قالها عندما وجد الازدحام والتدافع على حضور إحدى المحاضرات الثقافية في معرض المملكة حيث قال: «لم نعتد مثل هذا الحضور إلا في مباريات كرة القدم».
* والموقف الثاني: عند إلقاء د: ناصر السلوم محاضرته عن تطور الطرق بالمملكة واستخدام أحدث الوسائل التقنية في إنشائها وبنائها. وبعد المحاضرة والحوار الذي دار فيها أحاط به عدد من المهندسين في مصر يسألونه ويستفسرون منه راغبين الاستفادة من تجربة المملكة المتميزة في بناء الطرق.
* * إن هذا الحضور الكبير والتفاعل لمثل هذه المناشط الثقافية وهي جزء من مناشط معرض المملكة الذي حضره وزاره الملايين في كل بلد أقيم فيه يكشف نجاح هذه المعارض وتحقيقها لأهدافها في الإسهام والتعريف بمنظومتنا التنموية سواء كانت اقتصادية أو زراعية أو حضارية أو ثقافية، ومن جانب آخر أحسب أنها أعطت صورة مشرقة عن الوجه الآخر المشرق للإنسان السعودي «بعقاله وغترته»، .. حيث شاهدوه محاضراً ومنتدياً ومهندساً وطبيباً أعطى صورة مضيئة عن عطائه وإسهامه في بناء وطنه، وإضافته لحضارة الآخر، أما النقطة الأخرى التي أختلف فيها مع الكاتب الكريم فهي أن هذه المعارض ركزت على نمط حياتنا الصحراوية والمعيشية الماضية.. ومن خلال مشاهدتي لنماذج من هذه المعارض رأيت أن «الصور التي تمثل ماضينا»، كانت جزءاً من هذه المعارض، ولكن الأغلب هو عرض جوانب نهضتنا الحديثة كتوسعة الحرمين الشريفين، والمطارات الدولية والمستشفيات التخصصية، والمدن الجامعية وغيرها.. وقد جاء تمثيل الماضي في هذه المعارض في تقديري لكي يرى الآخرون أننا لسنا «شجرة مقطوعة»، بلا جذور.. بل إننا نرتكز على ماضٍ عريق.. وإن كان مفعماً بالشظف إلا أن كل أمة تعتز بماضيها وتراثها وتعريف الآخرين به، ليرى الآخرون أننا انطلقنا من شظف الماضي إلى مدنية الحاضر بعصامية وعرق وعطاء وجهد.. وأننا لم نولد وفي فمنا ملعقة من مدنية وحضارة.
* * وفي الوقت الذي أجزم إلى درجة اليقين أن هذه المعارض أسهمت كثيراً في بلورة جوانب مضيئة من حضورنا الثقافي والحضاري وكشفت للآخرين عن مناحٍ كثيرة من صورتنا الحضارية والثقافية وإسهام المواطن فيها فإنني أجزم أنه بقي المزيد من الخطوات الأخرى سواء كانت إعلامية أو غيرها للكشف عن مزيد من جوانب حاضرنا الزاهي، ومن الصعب أن يتم ذلك خلال وقت قصير، ذلك أن هناك «تراثاً من الإعتام الإعلامي» بقصد أو بدون قصد يحيط بمنظومتنا السعودية.. وهذه المعارض والحق يقال أسهمت عبر المجسم والصورة والمحاضرة والندوة في إبراز جوانب ليست قليلة من مكتسباتنا الحضارية والثقافية ومن تابع ما عرض ونشر في صحافة وشاشات البلدان التي أقيمت فيها هذه المعارض يدرك الأثر الجميل والمحمود لهذه المعارض.
* * ختاماً لعل الجميل جداً أن هذه المعارض وكما رأيناها جاءت بشكل مبسّط ولم تتطلب إلا أقل التكاليف كما رأيت ولابد من إزجاء الشكر هنا بالمناسبة إلى من كان خلف هذه المعارض من واقع حافزه الوطني ، وحسه الإعلامي ألا وهو سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز الذي خطط ودعم وساند وحضر هذه المعارض وكان معه رجال استطاعوا بقيادة سلمانهم أن ينفذوا ويبرمجوا طموحاته وعشقه وعشقهم لوطنهم من خلال إشرافهم على هذه المعارض فجعلوها حقاً تجلو بعض التعتيم الإعلامي عن صورتنا بالخارج وأقول وإنني أتطلع مع أخي الكريم إلى المزيد من الحضور الإعلامي لبلادنا، فالعالم يعرف كثيراً عن حضورنا السياسي ومنجزنا الاقتصادي لكننا بحاجة إلى أن يعرف الكثير عن منجزنا الثقافي والاجتماعي والحضاري الذي يحق لنا أن نفخر به وأن نقدمه للآخرين ليروا أننا وظفنا ما أفاء الله به علينا من نعمة البترول في بناء هذا الوطن وإنسانه حتى استطعنا أن نكون في زمالة مع أكثر الدول تقدماً وسمواً في الوقت الذي تبددت ثروات كثير من البلدان في العالم الثالث في ضجيج الشعارات، والتبذير في الشكليات التي لم تغن أبناءها من فقر التحضر.. ولم تسمنهم من جوع التخلف.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved