أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 3rd August,2001 العدد:10536الطبعةالاولـي الجمعة 13 ,جمادى الاولى 1422

شرفات

طبيب وكاتب أدب السيرة الذاتية
الدكتور محمد الجوادي يقلب أوراقه في الأدب والسياسة
حوار شريف صالح
يعمل محمد الجوادي أستاذا مساعداً الجراحة القلب بجامعة الزقازيق، ورغم هذا أنفق حوالي ربع قرن من الزمان راصداً لديوان الحياة المعاصرة في مصر، يكتب عن الوزراء ويرثي العلماء وينسج سيراً ذاتية تضيء المستقبل لأجيال قادمة.. من أين جاء الجوادي بالوقت كي يكتب أربعين كتاباً ويحصل على جائزة مجمع اللغة العربية وجائزة الدولة التشجيعية في أدب السيرة الذاتية..؟!
يكاد الجوادي أن ينسى مهنته الأصلية كطبيب في زحمة البحث في كواليس الأدب والسياسة ورغم ذلك يصرح بأنه سيعتزل الكتابة ويكتفي بالطب.. ولا نملك في النهاية إلا أن نقترب أكثر من مشروعه البحثي الدؤوب..
قراءة نصوص السياسيين تساعد على «تشخيص» العصر
ابتدعت المقال «التأبين» منذ بداية الثمانينيات
أنوشكا
من «القال والقيل» يصطاد الدليل
* قبل أن تخوض بعمق في مشروعك الفكري أو البحثي وما يثار حوله من أقاويل نريد أن نطلع القارئ على منهجك في تناول هذه الحقبة من تاريخ مصر...؟!
لقد تعودت على سبيل المثال أن أنتصر للواقعية على العقلانية إذا كنت أتحدث عن الماضي وما حدث فيه بالضبط حتى ولو تعارض مع المنطق كما كنت أنتصر للعقلانية على الواقعية حين أقلب الرأي في روايات أصحاب المصلحة. ويمكنني أن أزعم أن حرصي على المصداقية هو الذي جعلني أضحي بكل هوى تدفع إليه ظواهر الحقائق أو تمليه روح الرأي العام أو المسلمات التي أضحت تحكم كثيراً من رؤانا تجاه الماضي القريب.
وعلى هذا النحو استخدمت كل ماكان متاحاً لي من الوسائل التي يمكن للباحث أن يستخدمها فقرأت واستنبطت وافترضت وناقشت وراجعت وحاورت.. كما ألزمت نفسي في هذه المجموعة من الكتب بأن أورد فقرات كاملة من كثير من المصادر التي أتناولها لألقي بها الضوء على الأحداث حتى يمكن فهمها من خلال انطباعات الذين عايشوها وانفعلوا بها. وربما أورد النص الذي كتبه صاحبه في موضوع ما لأستشهد به على شيء لم يرده صاحبه منه، ولم ينتبه إليه وهو يروي ما حدث. ورغم أن هذا الأسلوب يبدو غريباً على كثير من الذين يمارسون الكتابة ولكني لا أستطيع أن أتنازل عن أسلوبي في القراءة والتحليل والنقد ليس لتصيد الفقرات والعبارات وإنما لتكوين تشخيص أقرب إلى الصواب.
صاحب المقال «التأبين»
* أصدرت عددا من المقالات في تأبين بعض الشخصيات العامة، ثم جمعت ذلك في كتابين باعتبارهما تراجم ذاتية.. هناك من يتهمك بأنها« مجرد انطباعات» وهناك من يرى الأمر« مجاملة» لأهل الحكم؟!
* ربما تكون هناك« مجاملة».. لكن بعض الشخصيات التي كتبت عنها توفيت وليس لها ذرية.. فمن أجامل إذن؟! أعتقد أن تلك المقالات المنشورة في جريدة الأهرام عبارة عن تقديم تعريف كامل بالشخص المتوفى وإيجابياته، ومحاولة التماس العذر من سلبياته إن أمكن.. وهذا الاتجاه المقال «التأبين» ابتدعته منذ الثمانينيات وأصبح يُقلد حالياً، وإن كان هؤلاء المقلدون الذي يكتبون يفتقدون الأرشيف، بعكس مقالاتي بأرشيفها المتماسك التي تعطي صورة انطباعية أفضل مع إلغاء وجودي تماماً وهو تقليد متبع في المجلات العلمية الأمريكية لتأبين العلماء المتوفين في باب ثابت يكتبه رئيس التحرير أو مدير التحرير أو الشخصية الفكرية للجمعية العلمية. من هنا فلا غرابة أن أجمع ما يزيد عن خمسين مقالاً في كتابي: «مصريون معاصرون» و«يرحمهم الله».
* هناك اتهام آخر بأن كتبك عن الوزراء والمحافظين، بقدر ما تحتوي على أرشيف مهم بقدر ما تفتقر إلى التحليل والمقارنة المثمرة؟
* هناك ثلاثة كتب أصدرتها وهي« المحافظون» و«الوزراء» والبنيان الوزاري» واعتبر أنها حجر الزاوية في كتابة تاريخ ثورة يوليو2 وبدون هذه الكتب الأساسية لا يمكن كتابة التاريخ 2 بدليل إن كل الكتب التي صدرت قبلها عانت من أخطاء فاحشة!! وبدليل إنها أصبحت مرجعاً أساسياً رغم وجود إدارات معلوماتية ووثائقية بمجلس الوزراء، لدرجة أن الدولة نفسها أصبحت ملتزمة بالترتيب الذي وضعته في كتبي في تحديد وزارات الوحدة مع سوريا بأربع وزارات بدلاً من واحدة، وبإثبات وزارة أزمة مارس 1954م وكانت غير مدرجة أصلاً في الوثائق..
وبالنسبة لكتاب«البنيان الوزاري» على وجه التحديد فإنه دراسة لضم وإنشاء وإدماج وفصل الوزارات ، ويستحيل على من لم يمارس علم التصنيف من علماء الحياة أن ينجز هذه الدراسة.
وهناك بعض المسؤولين أو الشخصيات العامة حين تسلط عليهم الأضواء يكون نجاحهم مرتبطا ب «كاريزما» معينة .. وربما يخفق الكثيرون لافتقاد هذه « الكاريزما»
لاتوجد «كاريزما» معينة للشخصية العامة عدا شيء واحد فحسب وهو «العمل» الذي يعتمد على ثلاثة مستويات: الاجتهاد والجدية والإجادة.. ومن حسن الحظ إن الحياة العامة أصبحت الآن تتقبل أناساً ناجحين كثفوا جهودهم في المستويين الأوليين دون «إجادة» وهذا يرفع من نسبة الشخصيات العامة وتأثيرها، وإن كان يضيع حق المجيدين، لكن لابأس في ذلك في مجتمعات نامية مثل مجتمعاتنا.
مواصفات السياسي العربي
هذا يفتح الباب للسؤال عن مواصفات السياسي العربي حالياً ومدى تطور ما يتمتع به من صفات سلباً وإيجاباً؟
* بالفعل تطورت مواصفات الرجل السياسي في المجتمع العربي، أحيانا إلى الأسوأ وأحيانا إلى الأحسن.. في وقت ماكان الشرف والأمانة والنزاهة أساسية. فمثلاً عام 1926م ترك عدلى يكن باشار رئاسة الوزارة بسبب حادث« تافه» وألح عليه رئيس أكبر الأحزاب الأئتلافية أن يبقي لكنه رفض.. ولكن أن تتعجب من أن هذا الحادث يتلخص في كون الحكومة تدعم بنك مصر، وأراد بعض أعضاء مجلس النواب تضمين الشكر في الرد على بيان الحكومة، فاعترض عبدالسلام فهمي جمعة النائب الوفدي ورئيس مجلس النواب فيما بعد بأنه لاشكر على واجب، فاعتبر عدلي باشا أن هذا بمثابة سحب ثقة من الحكومة!! الآن أصبحت «جلود» معظم السياسيين»«سم يكة» للغاية، وأصبح مفهوم النيابة والمعارضة أقل.. احترام الرأي العام والمال العام أقل.
على الناحية الأخرى هناك مزايا متعددة للسياسي العربي حالياً تتلخص في كثرة العمل والنشاط، سهولة سحب السياسي من الساحة.. كذلك بإمكان السياسي حالياً أن يعمل «ذات اليمين» و«ذات الشمال» نظراً لقلة التمسك بالأيدلوجيا في عصر التحولات الكبرى. كما يمكن أن نضيف إن تكلفة السياسي حالياً قليلة فهو لن يتحلى بالباشوية ولن يمتلك إقطاعية ما.
البنيان الوزاري في السعودية
* من خلال استقراء البنيان الوزاري في مصر أي البلاد العربية تشبهها.. وكيف ترى هذا البنيان في البلاد الأخرى؟
* أكثر قطرين يؤثران ويتأثران بمصر هما سوريا والأردن، ويكاد البناء الوزاري في البلدين أن يكون موازياً للبناء الوزاري في مصر. وستكون فلسطين الدولة الرابعة التي تكرس هذا النظام. أما إذا تأملنا المملكة العربية السعودية فنرى أنها أسست نظامها الخاص منذ المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود ولا تكف عن تطويره في هدوء، وتقلدها بقية دول الخليج حتى وإن أعلنت غير هذا أما المغرب والجزائر فقد خرجتا عن النظام الفرنسي وإن ظلتا متمسكتين بروحه.
* وماذا ينتظر من المجتمع العربي حالياً ونحن نعيش مطلع ألفية جديدة في تاريخ البشر؟
* الحفاظ على الموجود نفسه، فهذا يأتي قبل الحفاظ على الهوية.. لأن الحضارة الحديثة لن تعترف بأية جماعة صغيرة غير ذات قيمة على التأثير.. مجتمعات عربية كثيرة يمكن أن تتعرض لأزمة عدم وجود في القرن الواحد والعشرين، وبالتالي فالمطلوب من الساسة المحليين على جميع المستويات هو إثبات هذا الوجود بصفة دائبة وليس دائمة فحسب.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved