أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 3rd August,2001 العدد:10536الطبعةالاولـي الجمعة 13 ,جمادى الاولى 1422

شرفات

المسرح العربي الآن خارج السياق.. نهاد صليحة عميدة المعهد العالي للنقد الفني:
تمنيت أن أصبح ممثلة لكن التدريس كان قدري
وأنا طالبة كنا نهتم بالحياة العامة والمسرح قدر اهتمامنا بالأدب الإنجليزي
على الدول العربية أن تدعم المسرح وفي الوقت نفسه أن ترفع يدها عنه
تتسم نهاد صليحة بالتلقائية والحماس.. تكتب وتفكر وتتكلم بنفس الطريقة. أستاذة أكاديمية من الطراز الأول بقدرتها على المتابعة والدأب والدقة والوضوح، وناقدة مسرحية لا تكف عن دعم الحركة المسرحية أينما كانت.. تكتب باللغتين الانجليزية والعربية في الأهرام «والأهرام ويكلي» ومجلة المسرح وغيرها من الدوريات، بجانب الترجمات المهمة التي قدمتها لقراء العربية مثل «نظرية العرض» و«التفسير والتفكيك والأيدلوجيا» الذي صدر مؤخراً وهي الآن تتولى عمادة بأكاديمية الفنون في المعهد العالي للنقد.
* برغم أن تخصصك الأساسي هو الأدب الانجليزي إلا أنك اتجهت بشكل محدد إلى المسرح.. لماذا؟
* عندما كنت في الجامعة كان رئيس قسم اللغة الانجليزية هو المرحوم رشاد رشدي وكان في نفس الوقت مديراً لمسرح الحكيم، ومن أساتذتي آنذاك سمير سرحان ومحمد عناني وعبدالعزيز حمودة، وهم جميعاً ساهموا في إصدار مجلة المسرح. بل إن جميع أساتذة القسم كالدكاترة فاطمة موسى وعزيز سليمان ونسيم مجلي، كانوا منغمسين في النشاط المسرحي إذ كانت السياسة التعليمية في القسم تشجع الطالب على ألا نغلق من دائرة الأدب الانجليزي، فكان من ضمن الواجبات والمناقشات أن نحضر العروض المسرحية وأن ننقذها، وكذلك شعرنا ونحن طلاباً بأننا جزء من مسرح الحكيم ومن مجلة المسرح.
هناك عامل آخر ساهم في هذا الاتجاه وهو أن الدكتور رشاد رشدي اتفق مع الدكتور محمد مندور أن يقيما احتفالاً مسرحياً عام 1964م بمناسبة مرور أربعمائة عام على ميلاد شكسبير، وبالطبع يشترك في الاحتفال طلاب قسم انجليزي وطلبة معهد الفنون المسرحية، حيث تقدم مسرحيات شكسبير باللغتين العربية والانجليزية، وكان من بين المشاركين المخرج المسرحي هناء عبدالفتاح رباب حسين، ونور الشريف الذي كان معنا لكنه لم يشترك نظراً للمنافسة بينه وبين هناء آنذاك. وكذلك الكاتب المسرحي محمد سلماوي.. وكان يشرف علينا الدكتور رمزي مصطفى والدكتور عزيز سليمان. وأذكر أننا أردنا أن نقترب من أعلى درجة من الحرفية فاستعرنا ملابس مسرحية عطيل التي كان يقدمها آنذاك حمدي غيث وليلى طاهر. وفي هذه الاحتفالية مثلت دور هيرميا في حلم ليلة صيف ودور ديز ديمونة أمام محمد سلماوي، وكنا جميعاً نشارك في العرض بحب غير عادي.
نماذج غربية
* لكن برغم هذا الحب للمسرح لم تتجه لدراسته في الماجستير ودرست نماذج من الرواية الغربية؟
* عندما تخرجت وحصلت على تقدير امتياز رفضت التعيين حيث كان بداخلي أحلام كبيرة عن السفر والعمل كممثلة أو صحفية، ويومها قال لي الدكتور رشاد رشدي: لا ترفضي التعيين» . لكن رفضت وقررت السفر مع زوجي الدكتور محمد عناني الذي كان مبعوثاً إلى انجلترا، وآنذاك كانوا يمنحون المبعوث سبعة وأربعين جنيها وزوجته سبعة جنيهات ، ولم يكن من السهل تحويل أي نقود من مصر آنذاك، فظللت حوالي عامين أعمل وأوفر مصاريف الدراسة، وحين تقدمت للماجستير عام 1968م كانت المصاريف قد ارتفعت بشكل جنوني، فتقدمت إلى الجامعة للحصول على كورس عام في الرواية الحديثة لأنني بجانب حبي الشديد للمسرح كنت أحب فرجينيا وولف وجيمس جويس وجوزيف كونراد، لأنه كاتب له مزاج خاص ويستخدم تقنيات شديدة الحداثة، ثم لأنه كتب عن أوضاع وثورات تهم أي إنسان من العالم الثالث.
ولذلك كان الكورس الأساسي عن الرواية الحديثة والرسالة التي خصصت لها ستة أشهر كانت عن روايات مختارة لكونراد.
* هناك فترة توقف كبيرة بين حصولك على الماجستير عام 1969م وحصولك على الدكتوراة عام 1984م.. لماذا؟
* بعد حصولي على الماجستير لم أستطع أن أكمل للحصول على الدكتوراة بسبب ظروفي المادية، وكانت البعثات مستحيلة آنذاك، كما أن الظروف التي مرت بها مصر آنذاك حيث توفي عبدالناصر ثم حدثت حرب أكتوبر مما اضطرني للذهاب والعودة مرتين، واكتفيت بالوقوف بجانب زوجي إلى أن عدنا إلى القاهرة بعد أن طالت بنا الإقامة في انجلترا وكانت أول وظيفة حصلت عليها في الأكاديمية عام 1977م واعتبرتها نوعاً من التنازل عن أحلامي كممثلة أو صحفية فكنت أردد ماتقوله فيروز: «مثل الطير الراجع من سفر الزمان قطعت الشوارع ما ضحك لي إنسان». الناس والأشياء تغيرت، وظللت خمس سنوات أعمل وأكافح للحصول على بعثة لنيل الدكتوراة إلى أن سافرت إلى انجلترا مرة أخرى عام 1982م وذهبت إلى كلية الدراما بجامعة اكسترا وهي جامعة عريقة، حيث اخترت الشاعر بايرون لدراسة مسرحه وليس شعره لأن معظم الدارسين يكتفون بدراسة شعره من منظور حداثي، وبالفعل أنجزت دراستي في عامين. أي أن الماجستير كان في الرواية والدكتوراة كانت في المسرح.
حسن الحظ
* يلاحظ الكثيرون أنك شديدة المتابعة للمسرح العربي قرابة أربعين عاماً تقريباً، رغم أنك عشت فترة طويلة بعيدة عنه في انجتلرا..!!
* ربما كان من حسن حظي أو سوء حظي أنني بدأت مشاهدة المسرح منذ أن التحقت بالجامعة ورغم سفري إلا أنني كنت أنتهز فرصة الاجازة وأشاهد المسرح عبر شرائط الفيديو أو القراءة عما فاتني من عروض، وساعدني الهروب من سحر فترة الستينيات على اكتساب منظور محايد بعيد عن اللحظة العاطفية التي كانت سائدة آنذاك.
ومنذ عام 1984م وأنا أشاهد المسرح بانتظام كما أنني شاهدت الكثير من العروض عند إعادتها على مسرح الثقافة الجماهيرية كالزير سالم والمهزلة الأرضية وأعمال نعمان عاشور وغيرها.
* عندما نعقد مقارنة بين مسرح الستينيات ومسرح نهاية القرن، يرى الكثيرون أن هناك تدهوراً شديداً..!!
* لاأحب كلمة «تدهور» «أو «تراجع» .. يمكن القول: إن السياق تغير.. هناك فرق بين مسرح كانت تسانده الدولة بكل قوتها وتعطيه أهمية كبيرة وتحاسب على الكلمة بالسجن أحياناً، وبين مسرح لا يعنى به أحد ولم يعد جزءاً من المشروع الثقافي. ربما لو وفرنا السياق المناسب للمسرح فإنه يزدهر مرة أخرى.
فلايوجد بلد يقدم المسرحية مرة واحدة ثم يدفنها حية كما نفعل نحن الآن.. في جميع بلدان العالم حتى العالم الثالث مثل الأرجنتين هناك مايسمى بتراث المسرح الذي يُعاد بصورة دورية كي يظل متاحاً جنباً إلى جنب مع التراث العالمي ومع المسرحيات الجديدة. الآن لا يوجد تشجيع للكتاب الجدد، ولا يعاد عرض التراث المسرحي والمخرج يريد أن يؤلف والمسرح تحول إلى عروض خفيفة استعراضية.. لو نظرت إلى خشبة المسرح ستشعر أن هناك فراغاً أو غياباً على مستويات متعددة، والأمر يحتاج إلى إعادة نظر في السياسة المسرحية أو في فهمنا لفلسفة المسرح.
تصحيح الأوضاع
* ومن خلال متابعتك الجادة لما ينجزه الشباب، ألا يمكن أن تؤدي جهودهم إلى تصحيح الأوضاع؟
* جهود الشباب تمنع من اليأس وتعطي الأمل لكن إلى متى يستطيع هؤلاء الشباب أن يعطوا في ظل هذه الظروف.. لو عدنا إلى الوراء سنجد أن الفنان الراحل كرم مطاوع أصبح مديراً للمسرح القومي في الثانية والثلاثين من عمره أما الآن فهؤلاء الشباب قد تجاوزوا الثلاثين ومازلنا نتعامل معهم بمنطق الهواة ولانعطيهم المساحة الكافية للتعبير. وعند ما قدم مشروع لإحياء مهرجان المسرح الحر إلى الوزير فاروق حسني عن طريق جابر عصفور وحول الوزير المشروع إلى صندوق التنمية الثقافية الذي أعلن عن ترشيح ستين فرقة وقالوا: إنهم سيختارون اثنتي عشرة فرقة يتم دعمها مادياً وإلى الآن لم يصرفوا مليماً واحداً! هذا مثال واحد فحسب.
* وإذا حاولنا إلقاء الضوء على الأوضاع في بلاد عربية أخرى؟
* من خلال المهرجانات العربية والمؤتمرات التي أشارك فيها أرى أن البلدة الوحيدة التي عالجت مشاكل المسرح بكفاءة هي تونس لأنها أقامت قاعدة إدارية وتمويلية سليمة، وهناك تعاون ما بين الدولة والفرق المحترفة غير التجارية على تقديم فن مسرحي رفيع لأن الدولة لا تتدخل بيروقراطياً وتعطي معونات وتسهيلات ثم بعد الانتاج تشتري من الفرق عروضاً تساعد على تغطية التكاليف. بالإضافة إلى إقامة جسور مستديمة مع الفرق الأوربية لتطوير اللغة المسرحية وتسويق العروض.
أما دعم الدولة للمسرح فقد أثبت فشله في الظرف الحالي وفي ظل العولمة سواء في سوريا أو مصر أو دول الخليج. أما الجزائر والسودان فقد خرجتا من الاهتمام بالمسرح لظروفهما الخاصة. والغريب أن العراق برغم أزمته وما يعانيه من قحط إلا أن مسرحه التجاري مزدهر لوجود طبقة من المرتزقة.
بالنسبة للبنان هناك نماذج مشرقة مثل فرقة مسرح المدينة وهي فرقة خاصة تقوم على المعونة والمبادرات الفردية. ولابد أن تعيد الدول العربية النظر في أهمية النشاط المسرحي وعدم الاستهانة به بدلاً من أن يتحول إلي رقص وغناء فحسب أو إلى شيء هلامي لا يحمل من المسرح إلا الاسم فحسب.
للأسف لدينا الكتاب والممثلون والمخرجون لكن ليس لدينا الدعم الواعي، ويكفي أن نعلم أن فرقة الرويال شكسبير في انجلترا تحصل سنوياً على دعم بحوالي «80» مليون جنيه استرليني، وفي أمريكا مركز لدعم الفنون وهي الدولة التي توصف بأنها أكبر دولة رأسمالية. نحن بحاجة إلى رفع الهيمنة البيروقراطية والتسلط السياسي، ويصبح الدعم بدون أن تدخل يد السلطة مثلما يحدث في تونس التي بها خمس فرق مسرحية على درجة رفيعة منها فرقة جالون وفرقة توفيق جبالي وفرقة دليل بكار ومحمد إدريس وغيرها.
* لكن هناك بجانب قصور الدعم المادي اتهام بأن الكفاءات المسرحية حالياً أقل مستوى مقارنة بالأجيال السابقة؟
* لأننا افتقدنا التبادل الثقافي والبحث عن فرق أجنبية تقدم عروضاً قوية، أو إعطاء فريق من الفرص للبعثات الخارجية، ولاننسى أن مسرح الستينيات في مصر قام على أكتاف العائدين من الخارج، فكرم مطاوع وسعد أردش درسا في إيطاليا، وجلال الشرقاوي في فرنسا وأحمد عبدالحليم في انجلترا.. فلماذا لانختار سنوياً اثنين من الشباب ليسافروا مثلاً لمدة سنتين إلى انجلترا أو فرنسا أو إيطاليا أو حتى بولندا؟! لأن المسرح فن عالمي يحتاج لأن يتعرض لتيارات مختلفة.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved