أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 6th August,2001 العدد:10539الطبعةالاولـي الأثنين 16 ,جمادى الاولى 1422

مقـالات

ماذا فعل الفكر الانقلابي بهذه الأمة؟
عبدالله بن ثاني
يوم الخميس الثاني من اغسطس إذ تعود بنا الذاكرة إلى كارثة مؤلمة وقاسية في أن واحد بحق الإنسان العربي المثخن بالجراح بعد ان طوح صدام حسين بأحلامه الكبرى، وهيأه نفسياً لقبول تنازلات فيما يخص قضاياه المصيرية.
كان العرب يحلمون بوحدة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ويحلمون بحل قضية فلسطين المغتصبة، ويحلمون بالوقوف أمام الهجمات الشرسة على تراثهم وثقافتهم وخصوصيتهم، وبكل أسف تبدد الحلم في ليلة الخميس الثاني من اغسطس 1990 فدمر الحلم العربي من أرجاء النفوس على يد الأنظمة الانقلابية التي تقوم على أساس الحزب الواحد والسلطة الفردية المطلقة والاليغارشية العسكرية، فتأثرت البنية السياسية والثقافية والاقتصادية وعاد الوطن العربي إلى عصر التخلف والاستبداد في حين ان العالم بأسره يتسابق إلى تحقيق حياة أفضل لمواطنيه تحت ما يسمى بالوعي الأممي، وبرزت ظاهرة الخطابات الرنانة والاتهامات المزيفة مبرراً لتلك التصرفات المتخلفة في خطاب سياسي فاشل يؤكد انه مهما تعددت التجارب السياسية في الوطن العربي فالحقيقة المرة ان عورة الديمقراطية في ذلك الخطاب الفاشل التي تبناها العسكر قد انكشفت بحكوماتها وأحزابها وبرلماناتها ومؤسساتها مما أضر بالمواطن العربي ابتداء من جوعه وفقره وتحطيمه وفشله بالانتماء إلى هذا الفكر الانقلابي وانتهاء بالضغط عليه تهديد النزعة البيروقراطية والاستبدادية.
ان نظام العسكر في الوطن العربي قد سقط في تحقيق اهداف الأمة من إنشاء دولة وطنية قوية قادرة على مواجهة الاستعمار والصهيونية وتحقيق الاستغلال الاقتصادي وتحرير فلسطين والعمل على ارساء قواعد نظام ديمقراطي يقوم على التعددية والانتخابات الحرة من خلال الاعتماد على اطروحات ومبادئ نسفت التاريخ المشرق لهذه الأمة ابتداء وانتهاء بحجة ان ذلك تحت ضغط مطالب وطنية لمواجهة التحديات والاستعمار والامبريالية العالمية.
ومما يؤسف له في هذا الجانب ان دولة العسكر «الثورة» عندما أمسكت بالسلطة المطلقة لم تترك الشعوب تقرر مصيرها وتحدد مستقبلها بل انها حالت دون تطور تلك الشعوب بعد تحجيم الإنسان العربي بالشعارات المزيفة والخطابات الكاذبة التي خدرت الأمة تجاه التفاعل الحيوي بعد إلغاء فكرة المؤسسات والمجالس الحرة التي تشكل قوام المجتمع المدني الحر، كيف يكون هذا؟ ودولة العسكر قد زرعت الفشل والاحباط والخوف في صفوف النخب المسؤولة دوماً عن قيادة مسيرة التحديث في مجتمعات العالم، ولم يقتصر على ذلك بل انها لجأت إلى التصفية والسحق والطرد من الوطن بحجة الخيانات العظمى للأمة.
يخرج علينا أحدهم في وسائل الإعلام معلقاً أوسمة الخيانة والغدر واللؤم على صدره النتن، يتحدث عن النضال والديمقراطية والصمود وطرد المستعمر، ونسي هذا المجرم في حق نفسه وحق الأمة انه اخطر من المستعمر بخلقه الأزمات الاقتصادية والسياسية والمديونية الثقيلة التي تؤكد فشل نظامه الذي يواجه المطالب الشعبية بالقمع والتصفية والأسيد.. وخير دليل على ذلك الوضع المؤسف للأمة ما يمر به العراق، الذي كان في يوم ما أغنى دولة عربية على الاطلاق، لقد حوله العسكر في ظل سيادة الحزب الواحد إلى خراب ودمار وجوع وأوبئة وأمراض فتاكة حتى باع المواطن العراقي شرفه ليسد به الرمق.
لقد صادر العسكر وطنية الإنسان وحقوقه العامة ابتداء من حقه في الحرية والتفكير والتعبير والتعليم والعمل والمساواة وتكافؤ الفرص وانتهاء بالكرامة التي صادرها العسكر إلى الأبد، بعد ان اتخذت الثورية المتمثلة في الفكر الانقلابي من نفسها حكماً يفرض الوصايا والرقابة على الشعب في أسلوب فوضوي ارهابي في ظل غياب انسنة العسكر ومؤسسات المجتمع المدني الذي يؤكد مراراً وتكراراً ان المجتمع ليس مجرد كم من الأفراد، بل هو علاقات ومصالح بين الحاكم والمحكوم، فالشعوب العربية تطمح لوعي اجتماعي وسياسي واقتصادي يرفع من الإنسان العربي الذي لم يعد يؤمن بتلك الايديولوجيات المتخلفة والعادات القديمة والتقاليد البالية، إذ لم يعد ابن الفلاح فلاحاً، ولا ابن الحداد حداداً، ولا البدوي متنقلاً في البراري يبحث عن الماء والكلأ في ظل عهد متخلف بائد مستبد بقيوده القبلية فلماذا لم تدرك ثورة العسكر ان المأسسة وقولبة عملية التحول الكبرى لابد لها من طرح حر يحترم الرأي والرأي الآخر، وذلك بفسح المجال لقيام مجتمع مدني ضروري خروجاً من الحروب الأهلية والكوارث الوطنية التي تنتهي دوماً إلى نتيجة واحدة وهي هزيمة جميع الأطراف.
ولماذا لم تدرك ثورة العسكر في الوطن العربي ان ميل العربي منذ الجاهلية إلى الدفاع عن حريته الشخصية قد يحدث فجوة بينه وبين النظام المتسلط، تؤدي في النهاية إلى قمعه بالأسلحة الفتاكة ومن ثم يتحول الاستبداد إلى طبع تصعب إزالته سلمياً.
وهذا ما تؤكده مبادرة الإعلان العالمي لحقوق الشعوب، الذي صدر في الجزائر يوم الرابع من تموز/يوليو 1976م وأكدت هذه المبادرة «ان العالم الثالث يعيش الأمل والخوف، لذلك نعلن ان كل شعوب العالم لها نفس الحق من الحرية، كما لها حق الانعتاق من كل تدخل أجنبي، كما ان لها إن كانت مستعبدة حق النضال من اجل تحررها، وهو نضال لها فيه حق الاستعانة بشعوب أخرى، ولأننا مقتنعون بأن الاحترام الفعلي لحقوق الإنسان يتطلب احترام حقوق الشعوب فإننا اعتمدنا هذا الإعلان».
ويأتي بعد كل التضحيات التي قدمها العرب الشامخون في مواجهة المستعمر الثوار المستبدون والعسكر المتخلفون ليفرضوا قوانين الطوارئ ونظم الأحكام العرفية وعراقيل لا ترقب في مؤمن إلا ولا ذمة اعتماداً على قاعدة شرسة من التسلط والهيمنة واحتكار القرار ومصادرة الحقوق العامة بعد ان ملأوا الدنيا بشعارات الحرية والاستقلال وطرد الأجنبي ليحلوا في مكانه وينهبوا ضعف ما نهب من مدخرات الشعوب الطموحة للحرية والاستقلال والتي أكدت التجارب التي عصرتها انها تملك وعياً هائلاً وقدراً عظيماً من المسؤولية يساعدها على صياغة مستقبل مشرق عن طريق التداول وعياً هائلاً وقدراً عظيماً من المسؤولية يساعدها على صياغة مستقبل مشرق عن طريق التداول السلمي والاشتراك في صياغة القرار ومنع الصدام بين الأطراف والأحزاب والمفكرين وتحقيق المساواة والعدل والاعتراف بالحريات الأساسية لأفرادها وللمجتمعات الأخرى. وقد أشار إلى ذلك الأفغاني في العروة الوثقى إذ قال: «إن الأمة التي ليس لها في شؤونها حل ولا عقد، ولا تستشار في مصالحها، ولا أثر لإرادتها في منافعها العمومية وإنما هي خاضعة لحاكم واحد ارادته قانون ومشيئته نظام، يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد، فتلك أمة لا تثبت على حال واحد، ولا ينضبط لها سير، فتعتورها السعادة والشقاء ويتناولها العز والذل».
إن المتأمل في حكم صدام حسين على أرض الواقع يجد عدم مساواة في الحد الأدنى من الدخل والثروة والمكانة الاجتماعية والثقافية والخوف من الاستبداد والقمع بعد ان استخدم ضد شعبه المسكين كل أنواع سلاح الدمار الشامل، وملأ أرضهم باليورانيوم المستنفد والنفايات النووية مما أثر على صحة الإنسان عموماً.
إنه كارثة وابتلاء للمؤمنين الصابرين منذ ان تولى في شهر يونيو عام 1979م رئاسة الجمهورية العراقية بعد اعفاء البكر من جميع مناصبه وفرض الاقامة الجبرية عليه في منزله، وفي يوليو عام 1979م اعدم ثلث أعضاء مجلس قيادة الثورة وأكثر من 500 عضو كانوا من أبرز أعضاء مجلس قيادة الثورة وأكثر من 500 عضو كانوا من أبرز أعضاء الحزب كما جاء في النشرات المبثوثة على شبكة الإنترنت.
وفي اليوم الثامن من اغسطس من عام 1979م اعدم غانم بن عبدالجليل وزير التعليم ومحمد محجوب وزير التربية ومحمد عايش وزير الصناعة وصديقه الحميم عدنان الحمداني، ود. ناصر الحاني سعيد، ثم قتل مرتضى سعيد الباقي تحت التعذيب.
ولم يقتصر الاعدام على أصدقائه بل تجاوزهم إلى إعدام أبرز علماء الشيعة محمد باقر الصدر في 9 ابريل عام 1980م واخته زينب، بعد سنة من توليه القيادة شن حرباً ضد إيران ووقف معه العرب بحكم انه حام لبوابة الوطن العربي الشرقية، ولم يقصر عليه اهل الخليج بالدعم المادي والدبلوماسي والعسكري فكون بسبب أموال الخليج ترسانة اصبحت في المرتبة الرابعة عالمياً اعتقاداً من أهل الخليج ان العراق بلد عربي يستحق الوقوف والمساعدة ولم ينتبهوا إلى خططه التوسعية في المنطقة، لقد دفع أبناء الخليج استقرارهم وأمنهم واقتصادهم من أجل العراق في تلك الحرب وبمجرد انتهاء الحرب وقتل نصف مليون من شباب العراق بعد تمزيق اتفاقية الجزائر التي وقعها صدام حسين بنفسه مع شاه إيران التفت إلى من كانوا وراءه في تلك الحرب ووجه سهام غدره وكشر بأنيابه ضد أهل الخليج بحجج واهية ومزعومة كانت الدبلوماسية السعودية كفيلة بحلها من جذورها لو وجدت حسن نية من جانب البعثيين في العراق ولكن أبى صدام إلا ان يظهر على حقيقته وان يفضح امره على رؤوس الأشهاد.
لقد كلفت الحرب الايرانية العراقية 200 ألف مليون دولار بعد ثماني سنوات كانت كفيلة ان تنهض بالمستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في العراق، ثم يعلن صدام حسين بعد غزو الكويت ان حربه ضد إيران كانت خطأ وعاد إلى الاتفاقية التي مزقها بيده، دون محاسبة من أحد في الكوارث التي تحملها العراق بسبب ذلك، ثم يضرب شعبه الكردي بأبشع أنواع سلاح الدمار الشامل في حلبجة وغيرها شمالا وجنوبا من غازات سامة وكيماوية وقنابل النابالم الحارقة، بل امر الجيش ان يدك مدنا بأكملها ويسحقها في الأرض على رؤوس الأطفال والنساء.
ولم يقتصر بطشه في شعبه بل تجاوزه إلى الكويت، فطرد شعباً بأكمله وخرب البنية التحتية ونهب المتاجر وفجر آبار النفط محدثا كارثة بيئية كبيرة.
إن تقارير منظمة العفو الدولية نشرت أسماء 47 عالماً وداعية قتلهم وعلى رأسهم الشيخ عبدالعزيز البدري من أهل السنّة، وحارب الكتاب الإسلامي واغلق المساجد وشجع العلاقات غير الشرعية بين الشباب والفتيات، وفتح النوادي الليلية وشجع الفساد في كافة المجالات ثمن يخرج على هذه الأمة الساذجة ويعلن الجهاد وانه عبد الله المؤمن، سبحان الله، وهل نسي انه خدم بتصرفاته الصهيونية العالمية كما لم يخدمها أبناؤها المخلصون؟ وهل نسي ان العراق كان من آخر الدول التي قبلت الانضمام إلى منظمة المؤتمر الإسلامي بعدما شعر بعزلة قاسية؟.
إن نظاما يثقب الآذان بالآلات الكهربائية، ويستخدم المنشار الكهربائي والسير على الزجاج والصواعق الكهربائية، والتعليق بالمراوح والكي بالسجائر والاغتصاب أمام الأقارب لا يمكن ان يكون في يوم ما مجاهداً في سبيل الله ومحرراً للأقصى من اليهود بعد ارسال جثث العمال المصريين إلى وطنهم في صناديق بعد ان شاركوا العراق الحرب والسلم بعدما اعطى اجتياحه للكويت مبررات لهم حتى صرح أحد أعضاء الكنيست من حزب الليكود بأنه على إسرائيل ان تستغل الوضع المتفاقم في الخليج لقمع الفلسطينيين وبكل اسف ساعد على انشغال العرب بعدوانه بهجرة 600 ألف يهودي من الاتحاد السوفيتي إلى فلسطين.
وبحق مطلق هو المسؤول أمام الشعوب في انهيار النظام العربي إثر عجز جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي عن ردع عدوانه حتى استدعيت قوات التحالف وكان الوجود الأجنبي الذي يحد من خطط صدام التوسعية وجنون العظمة والغريزة العدوانية والجبلة الشريرة وهو المسؤول عن فشل الوحدة العربية والروابط القومية.
ومع ذلك لم تسلم تلك المجتمعات البريئة من تهم النظام وأكاذيبه، والدليل على ذلك ان المملكة العربية السعودية قد وفرت لمخيم اللاجئين العراقيين في رفحاء كل السبل التي تهم الإنسان من أكل وشرب وأمن وراحة وتعليم حتى تحول اللاجئون إلى تجار يبيعون الماء والدجاج والمعلبات بأبخس الأثمان بشهادة الجميع وتحملت الدولة حفظها الله استفزازهم وعبثهم واحراقهم مؤسسات التعليم العالي التي تكلف الدولة بفتحها لهم بالعفو والإنسانية والتقدير لظروفهم النفسية لكنهم ما إن رجعوا إلى ذلك النظام حتى أجبرهم على سب الأسلوب السعودي الشريف في تعامله والعالم والمنظمات الإنسانية تشهد على افترائهم الكذب والتزوير.
أيها السادة: قال تعالى «لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله».. وصدق الشاعر خلف هذال في قوله:
من دون صهيون بنتنا صهاينا.
والله من وراء القصد.
abdullahthani@hoxmail.com

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved