أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 6th August,2001 العدد:10539الطبعةالاولـي الأثنين 16 ,جمادى الاولى 1422

الثقافية

في منتدى عكاظ
باهيثم يقرأ المحيميد وأبو مدين..
تم مساء يوم الاثنين الموافق 9/5/1422ه ، عقد الجلسة الدورية العاشرة لمنتدى عكاظ ، حيث بدأت الجلسة عند التاسعة والنصف مساء، بقصة للكاتب يوسف المحيميد بعنوان «غبار العتبة» وكانت هذه القصة ضمن مجموعته الأخيرة «لغط موتى» وقد سبق للكاتب أن أصدر ثلاث مجموعات هي على التوالي:
«ظهيرة لا مشاة لها».
«رجفة أثوابهم البيض».
«لا بد أن أحداً حرك الكراسة».
ويعالج الكاتب في قصته هذه بأسلوبه القصصي مسألة فتاة تظل حبيسة غرفتها، ويظل الغبار جاثا على عتبة الباب ويظل أي تحرك في ذلك الغبار مثار شكوك وظنون تساور المجتمع.. وقد قال الكاتب في تلك القصة «رغم الغبار الذي يتكاثف على عتبة الباب المهجور، إلا أن أعين الخلق رددت بأن ثمة ملامح حذاء قد فضت الغبار، على أن قلة أشاروا بنظراتهم الحانية، إلى أنها تتقاطر بغلالتها السوداء، ومعطفها الصوفي الطويل، خارجة في الليل بالصراصير وبالصقيع..»
ثم تلا ذلك قصة للكاتبة الأستاذة سلوى عبدالفتاح أبو مدين قرأها نيابة عنها الأستاذ فهد العيلي، وكانت بعنوان «أنين الكلمات» بدأت الكاتبة قصتها بقولها:
«عند ذاك المنعطف كان يقف صبي صغير، لا أعلم بالضبط تقديراً لعمره.. كان أشعث الشعر، أغبر الوجه، مهلهل الثياب يقبض بيديه الصغيرتين على قطعة خبز ناشفة.. يتأملها بين الحين والآخر..
تقدمت اتجاهه خطوة.. بل خطوتين.. وفكرت.. ربما سأخيفه وما أن رآني حتى انكمش في زاوية المنعطف..»
ثم تقيم الكاتبة حواراً بين الراوي وبين الطفل يتضح من خلاله كون هذا الطفل من ذلك البلد الذي يشرد أطفاله كل يوم على مرأى ومسمع من القريب، والصديق، ومعاوني المعتدي لتقول له في النهاية:
«قلت: سأكتب .. أيها البطل.. سأكتب يا رمز حيفا والقدس.. وحمل رغيفه اليابس وحفنة من تراب أرضي وقبض عليها بكلتا يديه الصغيرتين.. وتوارى عن الأنظار..!!
ثم تلا ذلك قصة بعنوان «القرى» للكاتب المسرحي فهد ردة الحارثي وتحكي القصة خبر سعيد بن عطية الذي يلازم الصمت بينما الطبيعة من حوله، والماديات، والناس يثيرون الصخب، ويرددون حكاية صمته في عدد من الروايات، إلى أن يذهب إلى المدينة، ويختفي فيها، ثم تعود حكايته في القرية تنسج من جديد ثم كانت القصة الأخيرة بعنوان «العودة» للأستاذ عبدالرحمن المنصوري تحكي قصة انتظار امرأة لزوجها، ولهفتها لمقدمه، وحيرتها في تهيئة نفسها لاستقباله لتفاجأ به يعود إليها بطفل وامرأة.
* الجلسة والنقد:
وقد حفلت هذه الأمسية بمشاركات نقدية لكل من: الأستاذ فيصل الجهني، الأستاذ صبري رسول، الأستاذ عبدالله باهيثم، الدكتور محمود عمار.
وعن قصة يوسف المحيميد يقول الجهني:
«من عالم الغيب بأجوائه المفعمة بالقلق والتوتر، وطقوسه الضبابية ودلالاته المضمنة.. ولغته التي تلمح ولا تصرح.. تبوح ولا تعلن.. تأتي سردبات هذا الكاتب.. ومنها هذه القصة التي تتكئ على الدعامات الأساسية لذلك الفن الذي يقصد التعبير عن موقف واحد، ورؤية واحدة، وومضة من حياة انسان بحيث تكون زاوية الرؤية «التبئير» التي ينظر من خلالها المارد للعالم السردي موحدة الاتجاه وهذا ما يتجلى في هذه القصة، ثم انتقل الجهني إلى تفاصيل أخرى في تلك القصة مبيناً أن:
القصة تفوح شعراً من أولها إلى آخرها، من غير أن تؤثر ذلك العالم الشعري على تتابع السرد وتماسكه.
التكثيف الذي يتجلى في عناصر القصة في الحدث وفي المكان وفي وصف الشخصية أدى التكثيف إلى اتساع مجالات تأويل الدلالة.
أما عن قصة فهد ردة فيرى التحامها بالعالم المسرحي وخروجها عن تقنيات التمثيل واخراج المسرح، واستشهد لذلك بعدة جمل في القصة.
وأما عن قصة سلوى عبدالفتاح أبو مدين فيرى فيصل الجهني انبهار الكاتبة بضخامة الحدث وبشاعة العدوان، وضعف الضحية ومشروعية مطالبها وأن ذلك الانبهار أدى إلى أن يطوي الكاتبة في عباءته. فكانت الكاتبة مسوقة لحكاية لذلك الصوت الخارجي في مباشرة وفي تقريرية.
وكان دور الرد في تهيئة المسرح الملائم لظهور الشخصيتين لتقول ما يريد قوله المؤلف الحقيقي.
وأما عد قصة «العودة» للمنصوري فيرى الجهني أن تقنيات القصة بسيطة، وأن الكاتب كان عليه أن يشعل الحوار بين لحظة الانتظار ولحظة اللقاء.. بشكل أعمق وأمعن في انتقال رؤية السارد بين اللحظتين..
أما الأستاذ صبري رسول، فقد لمح في تقنيات المحيميد السردية قدرة على استكناه عوالم الشخصيات، وتوقف عند بعض التقنيات اللغوية ومنها مسألة الاضافة في الوصف في مثل جملة «بغلالتها السوداء، ومعطفها الصوفي الطويل» وطول الجملة في مثل جملة «على أن قلة أشاروا بنظراتهم الحانية، إليّ أنها تتقاطر بغلالتها السوداء، ومعطفها الصوفي الطويل خارجة في الليل..» حيث ان ما بين «أشاروا...إليّ أنها تتقاطر.. خارجة» فصل طويل بتلك الأوصاف التي تفاجئ الكاتب وهو يرصد الجملة الأساسية. أما قصة فهد ردة الحارثي فيرى أنها قصة تقليدية، وأن القصة كان ينبغي أن تتوقف قبل الفقرة الأخيرة وقد أشار بقصة المنصوري وبعنصر المفاجأة فيها، وتطور الكاتب.
وأما قصة سلوى أبو مدين فقد أشار إلى أنها كتابة مقالية، أما الدكتور محمود عمار فقد نفى الاسلوب الشعري عن قصة المحيميد، ورأى أن اللغة فيها تكلف مستدلاً على قراءته عدة مرات لعبارة البدء «لسنوات لم تجتز قدمها عتبة «الباب» وقد توقف ملياً عند قصة فهد ردة، معالجاً ما بدا له في أسلوبها اللغوي. وقد تعاطف مع قصة الاستاذة سلوى عبدالفتاح أبو مدين... وقد قدم خالد الخضري مداخلة نقدية في لمحات خاطفة عبر القصص.بين عتبة المحيميد وأنين أبو مدين غياب الرؤية!.
عبدالله باهيثم
عندما طلب مني إعداد قراءة لقصص يوسف المحيميد وسلوى أبو مدين رحبت لأول وهلة.. بل أنه ليشرفني أن يكون ثمة في قراءتي لقصة ما «أي قصة» ما قد يهم الآخرين الذين يشاركونني قراءة ذات «القصة» ذات «اللغة» ذات «الأدوات».
غير أنني اصطدمت بمعضلة حقيقية، وهي أنني لاأملك تحت يدي مجموع أعمال القاص الزميل يوسف المحيميد «أقصد حالياً.. الآن» كما لا أملك تحت يدي أكثر من «نص واحد» للكاتبة سلوى أبو مدين.. الأمر الذي لا يؤهل لقراءة موضوعية «بغض النظر عما تذهب إليه كنتيجة».. وبالتالي فسوف أتعامل مع نصوص بعينها خارج المنهج وأي منهج» وعليه فسوف أتحدث «طالما منحت شرف المشاركة» قلت: سوف أتحدث بايجاز عن انطباع مبدئي لي تكون لدي ازاء قصة بعينها، للكاتب القاص يوسف المحيميد ابتداء ففي «غبار العتبة» القصة التي كتبت في ديسمبر «93» خيل إليّ أن النص ينهض في صراعه مع السائد والمعمم في محيطه الاجتماعي والثقافي الذي ولد فيه ونشأ معاً ضمن حركة تطوره والذي يشكل في النهاية مرجعية النص.. ينهض في صراعه ذلك كله على مستويين: مستوى الرؤية وما هو فكري في الواقع السائد.. وفلسفي ومعرفي، ثانياً مستوى الرؤية وما هو لغوي في الواقع السائد وتخيلي وتعبيري، ماهو أدوات ومعان وأسلوب وصياغة..
* لكن السؤال هنا.. هو إلى أي مدى وعلى أي مستوى نجح المحيميد في تجاوز السائد في واقعه والمعمم في محيطه، والمكرر والمباشر والعادي والتقليدي.. هل تمكن المحيميد من تجاوز كل ذلك في قصة «غبار العتبة» على المستويين معاً في الوقت ذاته «؟؟» مستوى الرؤية ومستوى الرؤيا ؟؟ مستوى ما هو فكر ومستوى ما هو إبداع، ولغة!؟ أم على مستوى احدهما دون الآخر أم على مستوى أحدهما أكثر من الآخر؟
* لو تأملنا تفاصيل الصراع الذي تخوض الأرملة الشابة في جوف أعماق محيط اجتماعي قوي متماسك ضد مجموع القيم السائدة والتي ظلت تخنق أنوثتها وانسانيتها، لوجدنا أن «يوسف» منذ البدء ظل يمحور نصه في المستوى الفكري حول تلك القيم التي يمنحها بعداً شديد التأثير إلى درجة تستحوذ على اسطورية بالغة القوة في لغة الوصف.. ومنذ البدء:
) لسنوات لم تجتز قدمها عتبة الباب.. لم تعد أمام عينيها ولو لثوان وصيته الأخيرة.. لا تمس نعلها البلاستيكية تراب الشارع.. لا لا يتغلغل إلى يوم الدين.. الغبار يتكاثف على عتبة الباب المهجور.. أشوف البحر وأموت.. النافذة لم تفتح يوماً.. هكذا على نحو مستمر.. وبالرغم من المعطيات التي ظلت تمنح الرؤية آفاقاً بعيدة.. وتمنع الشراع نفسه مقاومة عالية تمتلك بقوة أسلحة الانتصار والتفوق وتجاوز المتاح والسائد.. إلا أن القاص هنا وعلى مستوى الرؤية كأنما هو لا يبصر من ذلك شيئاً «لا شيء أبداً»!!
انها رؤية قضي بالنص على نحو متصاعد باتجاه الهزيمة.. «فقط بعض غبار لا بين أن يهدر كقطيع لا حد له ، فوق عتبة باب منزلها؟!
انها هزيمة قاطعة ونهائية ولا تمشي «حتى في غضون مقاومتها الضعيفة» لا تمشي برؤية قائمة بوجود أمل!!
***
وإذاً.. سوف يمكن أن تقول: ان القاص المحيميد تمكن بالفعل من أن النص ينصف في الصراع مع السائد في واقعه والمصمم في محيطه على مستوى ابداعي لغوي، هنا يمنح النص قارئه قدرات الكاميرا متعددة الزوايا والتي تتمكن في مستوى السرد الحكائي الدرامي.. في مستوى الأسلوب الوصفي تتمكن من ابتكار مشاهد عديدة حدود تختلف تماماً عما تعود قارئو القصة مشاهدته في حالات الحوار الداخلي بين رموز الواقع السائد، وصور جديدة للحوار داخل الشخصية المحور ذاتها.
* وفي غضون ذلك.. يرقى المحيميد بلغة الحوار والوصف والسرد «المفردة والعبارة» إلى موقع متميز يمكننا أن نقيم الدليل المادي على أن ليوسف المحيميد لغته.. وأدواته التي تمضي به وبثقة نحو الخصوصية والتفرد..
غير أننا سوف نجد لزاماً علينا أن نطالب المحيميد بنص يقيم تناقضه وصراعه مع الواقع السائد. وعلى مستوى الرؤية بالذات من موقع فكري يمكنه من رصد أدق تفاصيل واقعه ومحيطه.. وإلى مناهل حركة تطوره في سياق المرحلة التي يمثلها وينهض منها وبها..
وأذكر هنا بما سبق وأن قلته من أنني أنهض من محض انطباع ابتدائي ولا أتحدث عن نهج.. أو نظرية قرائية بعينها واستعفي رحابة صدوركم ازاء كل: وجه القصور التي قد تصادفونه.
* أنين الكلمات:
لا يسعني إذ قرأت الأخت سلوى أبو مدين في كتابها «انين الكلمات» سوى أن أذهب أحيي ابتداء الموقف الذي تنطلق منه إلى الكتابة.. وهنا أجدني قادراً على أن أؤكد بثقة أن سلوى أبو مدين تملك أهم ما يفترض أن يمتلكه كاتب عربي عدا موهبته وهي بتعبير آخر المحارة التي تحتوي الجوهرة الغالية الثمينة متمثلة في انحيازها التلقائي وشبه الغطرسي في عفويته وتلقائيته نحو قضيتها.. قضية كل امرأة عربية في كيان شديد الصفاء والوضوح.. وهذا يكفي منطلقاً إلى مزيد من العطاء لن يكلفها أكثر من أن تصر على تغذية وعيها وروح الابتكار الوثابة داخلها..وهي في أن تقرأ.. وتقرأ باتجاه طموحها وتطلعها.. وآخر ما يمكن أن أبوح به لها ولكثيرين وكثيرات باخلاص ، هو أمنيتي بألا تخبو درجة انفعالها وألا تموت جذوة الغضب العارم هذه التي تتقد بين جوارحها..انها أمنية ما تزال راعشة راجفة أمام خوف البيراقراطية والموات المصمم في الاستسلام لمعطيات الظرف هل تكون؟؟.. بلى.. سوف تكون سلوى أبو مدين.. لم؟!

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved