أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 6th August,2001 العدد:10539الطبعةالاولـي الأثنين 16 ,جمادى الاولى 1422

عزيزتـي الجزيرة

رحمك الله يا شيخ مقبل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين اما بعد:
ان المصائب وان تساوت في الحزن والاسى واشتركت في الالم والكمد الا ان من اعظمها وقعاً واشدها خطباً، واكثرها ألماً، موت العلماء وفقد المحدثين النجباء الذين في تمسكهم بمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم اقوياء فإن فقدهم ثلمة في الاسلام لا تسد، وجرح في النفوس لا يضمد، روي عن ابن مسعود انه قال: (موت العالم ثلمة في الاسلام، لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار).
فكيف يكون الامر اذا اصيبت الامة الاسلامية في كبار علمائها وأعظم أئمتها وابرز دعاتها؟ لاشك انها فاجعة عظيمة، ومصيبة أليمة ومحنة كبيرة.
فقدنا في هذين العامين كوكبة من العلماء ومن المحدثين الاصفياء اصيبت الامة بفقد إمامها وعالمها ابي عبدالله عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله، ثم لحق به رفيق دربه المحدث العلامة ابي عبدالرحمن محمد بن ناصر الألباني رحمه الله، ثم الامام المجتهد ابي عبدالله محمد الصالح العثيمين رحمه الله وغيرهم من علماء الامة، ثم في يوم السبت التاسع والعشرين من شهر ربيع الآخر لعام ألف وأربعمائة واثنين وعشرين من الهجرة فقدنا محدث الديار اليمنية ومحيي الآثار السلفية وقامع البدع الخرافية ابي عبدالرحمن مقبل بن هادي الوادعي.
سيذكرني قومي اذا جد جدهم
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
إنما يعظم المصاب بعظم المصيبة، ولقد كانت المصيبة مفجعة والمصاب جللا، ولكن الذي يستعصم به كل مسلم هو الرضا عن الله عز وجل واحتساب ما اصابه عنده فإنا لله وإنا اليه راجعون، فإن العين لتدمع وان القلب ليحزن وانا على فراقك يا أبا عبدالرحمن لمحزنون.
الشيخ مقبل رحمه الله هو مقبل بن هادي بن مقبل بن قائدة (1) الهمداني الوادعي الخلالي من قبيلة آل راشد نشأ وترعرع في صعدة في وادي دماج من اليمن.
درس كغيره من اهل اليمن في ذلك الوقت في المكتب حتى انتهى من منهج المكتب. ثم رحل الى بلاد الحرمين ونجد، وسمع هناك من الواعظين والمرشدين فطلب منهم ان يرشدوه الى بعض الكتب المفيدة ليشتريها. فأُرشد الى صحيح البخاري، وبلوغ المرام، ورياض الصالحين، وفتح المجيد، فعكف على تلك الكتب وعلقت بذهنه خصوصا فتح المجيد.. ثم رجع الى بلده ومكث ما شاء الله ان يمكث ثم رجع الى ارض الحرمين ونجد. فدرس فيها على مشايخ كان من ابرزهم:
1ـ محمد بن سنان الحدائي.
2ـ يحيي عثمان الباكستاني وأخذ عنه التفسير، والبخاري ومسلم.
3ـ القاضي يحيي الاشول واخذ عنه سبل السلام.
ثم درس في معهد الحرم المكي وكان ممن درسه:
1ـ الشيخ عبدالعزيز السبيل.
2ـ الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد واخذ عنه التحفة السنية.
3ـ الشيخ محمد السبيل واخذ عنه الفرائض.
4ـ الشيخ محمد بن عبدالله الصومالي وهذا درس عليه (في الحرم المكي).
وبعد الانتهاء من معهد الحرم انتقل الى الجامعة الاسلامية فدرس في كلية الدعوة وأصول لدين، وعند العطلة الصيفية كان يخشى من ضياع الوقت فانتسب في كلية الشريعة لأمرين، أ- اتزود من العلم، ب- ان الدروس متقاربة وبعضها متحدة فهي كالمراجعة لما درس في اصول الدين وانتهى من الكليتين وأعطي شهادتان، ثم درس الماجستير وكانت رسالته في الإلزامات والتتبع للدارقطني.
وكان فترة وجوده في المدينة تحضيرا لدروس العلامة الشيخ ابن باز في الحرم المدني في صحيح مسلم ويحضر مع الشيخ الالباني في جلساته مع طلاب العلم.
وكان خلال وجوده في الحرم المكي والمدني يدرس لطلبة العلم بعض المتون.
ثم بعد هذه الفترة المليئة بالجد والاجتهاد والتحصيل رجع الى بلده صعدة وكانت مليئة بالبدع والتشيع، فنذر نفسه ووقته وماله للعلم والدعوة معا وهذا مما تميز به رحمه الله. وكان حوله من الطلاب في المركز ما يقارب الألف طالب او يزيدون من مختلف اقطار العالم من الخليج والدول العربية. وامريكا وبريطانيا، فرنسا، والمانيا، حتى اصبح المركز جامعة للحديث والفقه يتخرج منه الآن الطلاب الذين يعودون لنشر السنة في بلادهم.
وكان يدرس رحمه الله في المركز تفسير ابن كثير بعد الظهر، صحيح البخاري بعد العصر، صحيح مسلم وبعده مستدرك الحاكم بين المغرب والعشاء. وشرح ابن عقيل ثم مرض الشيخ وترك تدريسه.
وطلبة الشيخ كثير ولكن اذكر اشهرهم:
1ـ أحمد بن ابراهيم ابوالعينين المصري.
2ـ أحمد بن ثابت الوصالي مستفيد في النحو.
3ـ أحمد بن سعيد بن علي الأشهبي متبحر في البحث.
4ـ أسامة بن عبداللطيف القوصي وله كتاب الأذان (مشهور).
5ـ عبدالعزيز بن يحيي البرعي.
6ـ مصطفى بن اسماعيل أبوالحسن المصري له تأليف وتحقيقات مشهورة من طلبة العلم في الحديث.
7ـ مصطفى بن العدوي ابو عبدالله المصري صاحب المؤلفات الكثيرة الذي من اعظمها جامع احكام النساء في 5 مجلدات.
أما مؤلفات الشيخ رحمه الله فله مؤلفات كثيرة أحيا بها المكتبة الاسلامية وانتفع بها كثير من طلبة العلم فأذكر على سبيل الاختصار:
1ـ رياض الجنة، مطبوع.
2ـ تحريم الخضاب بالسواد، مطبوع.
3ـ شرعية الصلاة في النعال، مطبوع.
4ـ الصحيح المسند من اسباب النزول، مطبوع.
5ـ حول القبة المبنية على قبر (الرسول صلى الله عليه وسلم)، مطبوع.
6ـ تحقيق ودراسة (الإلزامات والتتبع للدارقطني) مطبوع.
7ـ الشفاعة، مطبوع.
8ـ تحقيق وتخريج مجلدين من تفسير ابن كثير.
9ـ الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين، مطبوع.
10ـ السيوف الباترة لإلحاد الشيوعية الكافرة، مطبوع. وغيرها من الكتب النافعة والتي بلغت في بعض المصادر ثلاثة وثلاثين مؤلفا.
وقفة يسيرة مع جهوده
الشيخ رحمه الله كان من المجاهدين في نشر هذه الدعوة المباركة وتعليمها. وكان سببا لانتشار السنة في اليمن، خاصة في منطقته التي يحل بها وهي صعدة.
وكان سببا رحمه الله لنشر الحديث في اليمن ومعرفة علومه وكذلك عُرف السؤال عن صحة الحديث من ضعفه بسببه رحمه الله.
وكان شيخنا رحمه الله له جهد مشكور وسعي مبرور في الدفاع عن السنة والصبر على تحمل الأذى هنا وهناك في سبيل نشر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد أوذي الشيخ وسجن وطرد في سبيل نشر هذه السنة حتى منّ الله عليه وعلى أهل السنة بالنصر فصار لهم الكلمة والاحترام فدخل أفواج من الناس في هذه الدعوة المباركة بفضل الله ثم بصبره رحمة الله عليه.
والشيخ رحمه الله لم يزدد ماله شيئا من وراء عمله العلمي ولا الدعوة الى الله انما يدفع من ماله الخاص لطلبة العلم والدعوة الى الله، فكان رحمه الله فقيرا ومع فقره ببذل ما عنده لطلبة العلم حتى حدثني بعض الطلبة انه وهب لطلابه مزرعته ليقتسموها؟
وقفة عجيبة) بلغ ابا حاتم العودي حفظه الله بعض التضجر من الشيخ بسبب تكالب الاعداء وكان ابوحاتم في مأرب فكتب الى الشيخ يا أبا عبدالرحمن اثبت ولا تبال بالقلاقل والزلازل فوالله ان البدو برؤوس الجبال وبالأودية يدعون لك.
أهم صفاته رحمه الله:
أما صفاته الخلقية، فهو ابيض تشوبه حمرة، خفيف اللحية، الى القصر اقرب، نحيف الجسم، يرتدي عمامة وقميصا الى انصاف ساقيه، رؤيته تذكر بالرعيل الاول، سماحة في المحيا، نور في الجبين، ببساطة وتواضع، ترتاح لمجالسته وتأنس بحديثه، تتمتع العين برؤيته فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء.
أما صفاته الخلقية:
1ـ التمسك بالسنة ظاهرا وباطنا أحسبه كذلك والله حسيبه، فهو في كل شيء يفعله او يذره ويتركه يتمثل السنة فيه ولذلك ترى نور السنة في محياه كما تقدم.
واذا جلست معه ما أكثر ما تسمع من ترديده للسنة وأهل السنة فهو يحب السنة وعاش لخدمة السنة ومات عليها نسأل الله ان يحشره مع صاحبها.
2ـ التواضع الجم: وذلك يتمثل في ملبسه في منزله، في أكله، في حديثه.
بل يسأله السائل ثم يجب على مسألته ويأتي بالفوائد الكثيرة ثم يقول للسائل او الحاضرين بارك الله فيكم عندكم شيء تفيدونا به. واذا قلت له فائدة مع انها قد يعرفها يثني عليك بعبارات عظيمة لتشجيع الطالب الذي امامه.
ولولا قصر المقام لذكرت من تواضعه الشيء العجيب مع اني لم أره الا مرة واحدة ولكن اترك هذا الحديث للملازمين له.
3ـ كان رحمه الله رجّاعا للحق فهو بشر يصيب ويخطىء ولكن اذا بان له الصواب بالدليل فانه يرجع ولو كان ذلك من صغار طلبته رحمه الله.
4ـ شديد الغيرة على التوحيد والسنة فبينما ترى هذا الشيخ الوقور الهادي اذا انتهك التوحيد أو أنتهكت السنة انقلب الى أسد يزأر بالادلة والبراهين للرد على المخالف وإفحام الخصم وهذا كثير في كتبه واشرطته رحمه الله.
5ـ كان رحمه الله آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر قوالاً بالحق من غير مداراة لا يبالي بمن خالفه عندما يظهر له الحق. فهو فيما يراه حقا لايداهن ولا يجامل بل ولا يداري فسبب ذلك له عداوة بعض الناس.
6ـ كان رجل علم ودعوة من غير اثارة فتن ولا فوضى ولا طلب رياسة ولا منصب ولا شهرة.
7ـ وهو رجل علم وعمل فهو يتعلم ليعمل بعلمه فما من سنة يتعلمها الا وهو يبادر بالعمل بها.
8ـ وهو رجل قنوع بالقليل من امور الدنيا، أقل شيء منها يكفيه المهم عنده ان يعيش بين صحيح البخاري وصحيح مسلم وسائر السنن وتفسير ابن كثير وقبل ذلك كتاب الله.
9ـ كان حسن المعاشرة لمن يعاشره ويزوره، بعيد عن التكلف كريم الطباع والخصال وكان رحمه الله يكرم الضيف يشهد على ذلك من زاره في بلده وخاصة أهل نجد وقال بعض طلبته ما أحببنا أهل نجد الا لما رأينا من اكرام الشيخ لهم.
10ـ كان موقرا لعلماء السنة قديما وحديثا فكثيرا ما يثني على الامام ابن باز والألباني وابن عثيمين ويحث على الأخذ منهم.
وصفاته رحمه الله كثيرة وهذه أهمها.
وفاته: لقد تأثر الشيخ بمرض وهو التليف في الكبد ورفض الخروج من بلده ولكن الطلاب اصروا عليه ولما في بقائه من نفع الاسلام والمسلمين خاصة بعد وفاة الأئمة من قبله.
فقامت الدولة السعودية وفقها الله وعلى رأسهم الامير نايف بن عبدالعزيز وفقه الله باستدعاء الشيخ الى ارض الحرمين وعلاجه على نفقة الامير نايف وجاء الى المستشفى التخصصي بالرياض فقرر الاطباء ارساله للخارج الى امريكا فسافرالمرة الاولى ثم رجع الى مكة ومكث فيها حتى يتم السفر مرة اخرى للعلاج كل ذلك على نفقة الامير نايف وفقه الله وهي من عادة حكام هذه البلاد من مراعاة وتقدير علماء السنة جزاهم الله خيرا ولكن الشيخ احس بثقل المرض حتى توفاه الله عز وجل في يوم السبت 29/4/1422هـ بعد صلاة المغرب وصلي عليه رحمه الله في الحرم المكي بعد الفجر ليرحل الشيخ الى جوار ربه ان شاء الله تاركا خلفه مؤلفات علمية عظيمة ودعوة مباركة اتت ثمارها وطلابا بررة ينشرون علم الشيخ ودعوته.
اللهم ارحم شيخنا أبا عبدالرحمن واجمعنا به في دار كرامتك.
حاشية:
(1) اسم رجل
عتيق بن عبدالله العويرضي

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved