أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 10th August,2001 العدد:10543الطبعةالاولـي الجمعة 20 ,جمادى الاولى 1422

شرفات

عالم النبات في شعر المتنبي: )1(
صنفت الكائنات الحية داخل عالمين هما: عالم النبات، وعالم الحيوان. ولقد صنفت النباتات إلى أشجار وشجيرات وأعشاب. والحركة مقيدة في النبات لأنه ثابت في مكانه. والبنات ذاتي التغذية، أي يمكنه تكوين مادة جسمه، والمحافظة عليها، من مواد أولية بسيطة بمساعدة اليخضور الكلوروفيل خلال عملية البناء الضوئي. ونمو النبات هو من النوع غير المحدد أي مستمر طيلة حياته. وخلايا النبات تحيطها جدر سليلوزية غير حية، كما تحتوي على البلاستيدات بأنواعها مانحات اللون وتخزن الكربوهيدرات السكريات على صورة حبيبات نشا. ويضم عالم النبات الطحالب الراقية متعددات الخلايا والنباتات الخضر جميعها. ويميز البناء الضوئي ضوء الشمس + ثاني أكسيد الكربون + يحضور + ماء لينتج سكريات طريقة تغذيتها. وتضم هذه المملكة خمسة اقسام شعب هي الطحالب الحمر، والطحالب البنية، والطحالب الخضر، والحزازيات، والوعائيات بطوائفها الثلاث السراخس، والمخروطيات، ومغطاة البذور.
ورد في لسان العرب لابن منظور )1417ه 1997م(: أن النبت: النبات، والنبات: كل ما أنبت الله في الارض، فهو نبت، والنبات فعله، ويجري مجرى اسمه، يقال: أنبت الله النبات إنباتاً. والمنبت موضع النبات. والنبتة: شكل النبات وحالته التي ينبت عليها. ويقول ابن قتيبة )1418ه 1998م(: الخَلاء هو الرّطْب، والحشيش هو اليابس، ولا يقال له رطباً حشيش. والشجر ما كان على ساق، والنَّجم ما لم يكن على ساق. قال الله عز وجل: «والنَّجْم ُ والشَّجَرُ يَسْجدَان» سورة الرحمن: الآية «6». والنَّوْرُ من النبت: الأبيض. والزَّهر: الأصفر، يكون أبيض قبل أن يصفر، هذا قول ابن الاعرابي.
والأبُّ: المرعى. ويقول الربعي )1407ه 1987م(: المرج: كثرة المرعى، والخصيب والخصب كثرة المطر، وترادف الكلأ، وهو كثرة النبات، وأعشبت الأرض تعشب إعشاباً فهي معشبة، وأمرعت وأكلأت، ومكان مكلئ معشاب إذا تكاثر فيه النبت، والخلاء النبت، والنور والنُوار زهر الأشجار، والكمام والأكمام مخارجه من شجره، والجدب والمحل والقحط بمعنى، وهو عندما تقل الامطار وتجدب الارض. ويقول الثعالبي في كتابه «فقه اللغة وسر العربية»: كل نبت كانت ساقه انابيب وكعوباً فهو قصب، وكل شجر له شوك فهو عضاه، وكل شجر لا شوك له فهو سرح، وكل نبت له رائحة فهو فاغِيَة، وكل نبت يقع في الأودية فهو عقار الجمع عقاقير ، وكل ما يؤكل من البقول غير مطبوخ فهو من احرار البقول، وكل ما لا يسقى إلاّ بماء السماء عِذْيٌ، وكل ما واراك من شجرة أو أكمة فهو خَمَر، والضَّراء ما واراك من الشجر خاصة، وكل ريحان يُحيَّا به فهو عَمَارٌ.
قال أبو الطيب المتنبي في قصيدة يمدح بها عضد الدولة:


1 قد صَدَقَ الوَرْدُ في الذي زَعما
أنَّكَ صَيَّرتَ نَشْرُهُ دِيَما
2 كأنَّما مائجُ الهواءِ بِهِ
بَحْرٌ جَوَى مِثْلَ مائِهِ عَنَما

يقول العكبري في شرح البيت الأول: الديم: جمع ديمة، وهي المطر الساكب الدائم. والمعنى: كان قد نثر ورداً، والورد لم يزعم شيئاً، فقوله: «زعم» هو على المجاز، أي لو زعم لقال هذا انه ينثره كنثر المطر. ويقول العكبري عن البيت الآخر: العنم: شجر لين الاغصان، يشبه به بنان الجواري، وقال ابو عبيدة: هو اطراف الخروب الشامي. والمعنى: يقول: كأن الهواء وهو مائج به عند نثره و)هو( يفرقه بحر من العنم. يريد: كثرة الورد في الهواء شبهه ببحر جمع من العنم مثل مائه في الكثرة.
لقد تطرق أبو الطيب في بيتيه السابقين الى الورد والعنم، فالورد كما يقول الدمياطي )1965م(: من كل شجر نورها، وقد غلب على نوع الحوحم، وهو الاحمر المعروف الذي يشم، اما العنم فهي شجرة حجازية لها ثمرة حمراء يشبه بها البنان المخضوب.
وفي لسان العرب لابن منظور: ورد كل شجرة نورها، وقد غلبت على نوع الحوحم. قال ابو حنيفة: الورد نور كل شجرة وزهر كل نبتة، واحدته وردة، قال: والورد في بلاد العرب كثير، ريفية وبرية وجبلية. الجوهري: الورد بالفتح، الذي يشم، الواحدة وردة وبلونه قيل للأسد ورد، وللفرس ورد، وهو ما بين الكميت والاشقر. ابن سيدة: الورد لون احمر يضرب الى صفرة حسنة في كل شيء. والعنم: شجر لين الاغصان لطيفها يشبه به البنان، كأنه بنان العذارى، واحدتها عنمه، وهو مما يستاك به، وقيل: العنم أغصان تنبت في سوق العضاه، رطبة، لا تشبه سائر أغصانها حمر اللون، وقيل: هو ضرب من الشجر له نور احمر تشبه به الاصابع المخضوبة. ويقول هلالي والهواوي )1415ه 1995م(:
الزهرة فرع نباتي قصير مختص بعملية التكاثر الجنسي وتكوين الثمار والبذور، وتنمو الزهرة في ابط ورقة صغيرة تسمى قنابة، قد تكون خضراء اللون او ملونة.
لقد اشار الشاعر في بيتيه السابقين بصورة غير مباشرة الى الرائحة العطرة للورد وانتقالها مع الهواء، وقد ربط ايضا بين الرطوبة وانتقال الرائحة، فالورد عندما نثره عضد الدولة صير نشره مطرا ساكبا دائما، وكأن مائج الهواء به بحر جوى مثل مائه عنما، أي أن لونه أحمر بلون العنم..!!
وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها عضد الدولة ويودعه:


وَيَمْنَعُ ثَغْرَهُ من كُلِّ صَبّ
وَيَمنحَهُ البَشَامَةَ والأَراكا

يقول العكبري في شرح هذا البيت: البشام والأراك: ضربان من الشجر يستاك بفروعهما. والمعنى: يقول: لا يصل إلى ثغرها محبوبة الشاعر عاشق لصونها وعفتها،ولكن تمنحه، أي تعطيه، وتبذل له هذين الضربين من الشجر الذي يستاك به.
لقد اشار شاعرنا المتنبي في بيته هذا الى نوعين من النبات هما البشام والأراك، يقول الدمياطي )1965م(: الأراك: شجر الحمض معروف له حمل كحمل عناقيد العنب يستاك به، أي بفروعه. وقال أبو حنيفة: هو افضل ما استيك بفروعه، واطيب ما رعته الماشية، رائحة لبن الواحدة أراكة. واسمه العلمي Salvadora Perisca ويطلق عليه بالانجليزية شجرة فرشة الاسنان. اما البشام: فهو شجر عطر الرائحة طيب الطعم، وفي حديث عتبة بن غزوان: ما لنا طعام إلا ورق البشام. وقال أبو حنيفة: يدق ورقه ويخلط بالحناء يسود الشعر. وقال مرة: البشام شجر ذو ساق وافنان وورق صغار اكبر من ورق الصعتر، ولا ثمر له. واذا قطعت ورقته او قصف غصنه هريق لبناً ابيض. وقال غيره: ويستاك بقصبه، واحدته بشامة. واسمه العلمي Amyris gileadenis، وهو أنواع. واسمه بالانجليزية شجرة بلسم مكة. وفي لسان العرب لابن منظور: الأراك: شجر معروف وهو شجر السواك، يستاك بفروعه. قال ابو زياد: منه تتخذ هذه المساويك من الفروع والعروق، وأجوده عند الناس العروق وهي تكون واسعة محلالاً، واحدته أراكة. والبشام: شجر طيب الريح والطعم يستاك به، وفي حديث عُبادة: خير مال المسلم شاة تأكل من ورق القتاد والبشام.
لقد وصف شاعرنا المتنبي في بيته السابق محبوبته بالعفة والصون، لانها لا تسمح لأحد من ان يصل الى شفتيها، ويقبلها مع فمها، ومع هذا فهي لنظافتها ومحبتها للرائحة الحسنة تنظف فمها واسنانها بفرعي نبات البشام والأراك. وهنا نتبين ان شاعرنا استخدم نباتين طيبي الرائحة والطعم في اضفاء صفة حسنة تتمتع بها محبوبته.
وقال الشاعر في قصيدة قالها لما تاب بدر بن عمار من الشرب مرة بعد مرة، فرآه يشرب:


في كُلّ يَوْمٍ بَيْنَنا دَمُ كَرْمَةٍ
لَكَ تَوْبَةٌ من تَوّبَةٍ من سَفْكِهِ

يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى: انه جعل الخمر دم الكرم استعارة، وجعل شربها سفكاً، أي كل يوم تتوب من توبتك من شرب الخمر، فالتوبة من التوبة ترك التوبة.
يقول الدمياطي )1965م(: عنب جمعه أعناب: ثمر الكرم، ويقال: هذا عنب وعنباء بالمد، واحدته عنبة. واسمه العلمي Vitis Vinifera . وكرم: في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه انه صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسموا العنب الكرم، فإنما الكرم الرجل المسلم». قال الزمخشري: أراد أن يقرب ويسدد ما في قوله عز وجل: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم» بطريقة أنيقة ومسلك لطيف، وليس الغرض حقيقة النهي عن تسميته أي العنب كرما، ولكنه رمز الى ان هذا النوع من غير الاناسي المسمى بالاسم المشتق من الكرم انتم احقاء بألا تؤهلوه لهذه التسمية تميزة للمسلم التقي أن يشارك فيما سماه الله تعالى وخصه بأن جعله صفته. وفي لسان العرب: قال الجوهري: الحبة من العنب عنبة. والعنب الخمر، حكاها أبو حنيفة، وزعم انها لغة يمانية، كما ان الخمر العنب أيضاً. والكرم: شجرة العنب واحدتها كرمة.
لقد شبه ابو الطيب في بيته هذا لون مستخلص ثمر الكرم بالدم، وهنا نظر شاعرنا إلى التشابه الكبير بين اللونين، لون عصير العنب الخالص ولون الدم.
وقال ابو الطيب وقد حضر مجلس سيف الدولة وبين يديه ترنج وطلع:


شَدِيدُ البُعْدِ من شُرْب الشَّمول
تُرُنْج الهِنْدِ أو طَلْعُ النَّخِيلِ

يقول العكبري عن هذا البيت: اللغة الفصيحة أُتْرج، واترجَّه: واحدة. ومنه الحديث: «ومثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كالأُترجَّة: ريحها طيب وطعمها طيب».
والمعنى: يقول: ترنج الهند وطلع النخيل، شديد بعدهما عن محلك من شرب الخمر، وإن كان غيرك يتخذها لذلك، لان هذه الحال غير مظنونة بك، وإنما استحضارك لهما، وما يشاكلهما من الرياحين استمتاعاً بحسن ذلك، لا مخافة فيه الى ما يكره، واستجازة لما لا يحسن، وكل شيء طيب حسن يحضر مجلسك الكريم.
ويقول الدمياطي )1965م(: أترُج وأترج، وأترنج: وهو كثير ببلاد العرب، ولا يكون برياً. واسمه العلمي citrus limonum. وفي لسان العرب: الطًَّلعْ، نَور النخلة ما دام في الكافور. وحكى ابن الاعرابي عن المفضل الضبي انه قال: ثلاثة تؤكل فلا تسمن: وذلك الجمار، والطلع، والكمأة، اراد بالطلع الغريض الذي ينشق عنه الكافور، وهو أول ما يرى من عذق النخلة. وأطلع الشجر: أورق، وأطلع الزرع: بدا، وفي التهذيب: طلع الزرع اذا بدأ يطلع وظهر نباته.
لقد اشار ابو الطيب في بيته السابق الى حقيقة معروفة، وهي ان بعض النباتات او ثمارها او ورودها وزهرها قد تستخدم لحسن رائحتها وعبقها وجمالها وحسن لونها، وقد تستخدم لأغراض أخرى، قد تكون ضارة للانسان، فسيف الدولة كان بين يديه ترنج وطلع النخل، ولكن سيف الدولة بعيد عن شرب الشمول الخمر ، وهذا يعني ان الخمر يمكن ان تصنع من هذين النبتين. وتعد النخلة سيدة أشجار العرب وقد صنف العلماء نبات نخيل البلح، فالنخلة تتبع عالم النبات Plantae، من شعبة او قبيلة قسم النباتات البذرية Spermatophyta من تحت شعبه مغطاة البذور Angiospermae من صف أو طائفة ذوات الفلقة الواحدة Monocotyle donea من الرتبة النخيلية Palamales من الفصيلة أو العائلة النخيلية Palmae من جنس النخيل Phoenix، نوع نخيل البلح Phoenix dacty lifera.
وقال المتنبي في بطيخة في يد أبي العشائر:


1 ما أنا والخمرُ وبطِّيخةٌ
سوداء في قِشْر من الخَيْزرانِ
2 يُشْغَلني عنها وعن غَيْرها
تَوْطِينيَ النَّفسَ لِيَوْم الطعِّانِ

يقول العكبري فيشرح البيت الأول: الخيزران: أصول الرماح، وقيل: هو عروق تكون في الارض، والعرب تجعل العرق خيزرانة. والمعنى: يقول: مالي ولهذه البطيخة، وإنما أشتغل بالطعن والضرب فيما بينه بعده بقوله. ويقول العكبري عن البيت الآخر: المعنى: يقول: يشغلني عنها، أي عن هذه البطيخة، ما أسوي وأهيئ ليوم الحرب، فعمَّ بقوله «عن غيرها»، وهو يريد التخصيص، وقوله «توطيني» أي أقرها وأثبتها للطعن يوم الطعن.
يقول الدمياطي )1965م(: بطيخ وطبيخ: لغتان، وهو من اليقطين الذي لا يعلو، ولكن يذهب حبالاً على وجه الأرض. واحدته بهاء. وتطبخ الرجل: أكل الطبيخ كسكين، وهو البطيخ بلغة أهل الحجاز، واسمه العلمي Cucumis melo.
وخيزران: شجر هندي. وقال ابن سيدة: لا ينبت ببلاد العرب، وإنما ينبت ببلاد الروم، وهو عروق ممتدة في الأرض. وقال ابن سيدة أيضاً: نبات لين القضبان أملس العيدان، كالخيزور، والخيزران ا لقصب. وفي لسان العرب: الخيزران: عود معروف، وقيل: كل عود لدن متثن خيزران. وقيل: هو شجر، وهو عروق القناة، والجمع الخيازر. والخيزران: القصب. والخيزران: الرماح لتثنيها ولينها.
وقال الشاعر في مجلس ابن طفج، وقد أقبل الليل وهما في بستان:


فإن يَكُنْ طَلبُ البُسْتانِ يُمْسكنا
فَرُحْ فَكُلّ مكانٍ مِنْكَ بُسْتان

يقول العكبري عن هذا البيت: البستان، مفرد، وجمعه: بساتين، وهو الموضع الذي فيه الشجر والنخيل. وضده: القراح. والمعنى: يقول: إن يمسكنا طلب القعود في هذا المكان، فكل موضع تكون فيه هو بستان بك.
لقد شبه شاعرنا في بيته هذا ممدوحه ابن طفج بالبستان. والبستان وكما هو معروف يحتوي على صنوف الاشجار، والثمار والورود والزهور والروائح الطيبة العبقة، والهواء العليل، وهنا فقد استخدم الشاعر موضعاً معيناً لنبتات متنوعة ليمدح به ممدوحه ويشبهه به..
يتبع
أ. د. عبدالرحمن بن سعود بن ناصر الهواوي
الرياض ص. ب 87416

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved