أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 11th August,2001 العدد:10544الطبعةالاولـي السبت 21 ,جمادى الاولى 1422

عزيزتـي الجزيرة

هذه ردودي على مغالطاتك يا نزار!
يفترض بمثلك ألاّ يتكلم بغير العربية
عزيزتي الجزيرة
تحية عطرة لك ولقرائك وكتّابك الكرام.
أما بعد: الجميع يعرف مكانة الشعر «العامي» في جزيرة العرب خصوصاً، وفي جميع الأقطار العربية عموماً. والكل يعرف أنه يسبق الشعر العربي بمراحل، وسبب ذلك اللهجات المحلية في أرجاء الوطن العربي بل في أرجاء الدولة الواحدة. وكما يجب علينا عدم ازدراء من يقرض الشعر بلهجته المحلية، لأنه تربى عليها فإنه من أوجب الواجبات أن نشجع من يقرض الشعر بلغتنا الأم ونبرز محاسن قصيدته لا أن «نفصفص» قصيدته لإبراز مثالبها، وكأننا نقول له: اترك الشعر فإنه لن يطعمك خبزاً!!.
وهذه دعوة أو جهها عبر صحيفتنا الجزيرة من خلال عزيزتي الجزيرة لكل ناقد بأن يبرز المحاسن إلى جانب العيوب على الأقل هذا إن لم يبرز المحاسن فقط خصوصاً إذا ما تعرضوا لقصائد شعراء مبتدئين. وإن لم يكن بد من هذا فليجعلوا نقدهم فيما بينهم ولا ينشروه على الملأ. بل إن المشكلة الكبيرة هي أن ينشروا نقداً ينقد عليهم منه.
وقد قرأت في صحيفتنا ولا أقصد نفسي فقط الجزيرة في هذه الصفحة في عددها رقم «10526» في يوم الثلاثاء الواقع في الثالث من شهر جمادى الأولى لسنة اثنتين وعشرين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية مقالاً نقدياً للأستاذ: نزار رفيق بشير، وما دعاني للكتابة هو مافيه من مغالطات وازدراء لأحد شعراء العربية المجيدين حقاً لا محاباةً في زمن لم تعد الأمهات فيه قادرات على انجاب الشعراء ألا وهو الشاعر غالب العظم.
وسوف أحاول في مقالي هذا تسليط الضوء على أخطاء ومغالطات الناقد الكبير الأستاذ نزار بشير فأقول بعد الاستعانة بالله سبحانه:
أولاً: أخذ الناقد على الشاعر عدم صبره في مطلع قصيدته عندما قال:


إليكِ أبثها كلمى وحرّى
فلست أطيق بعد اليوم صبرا

حيث قال: «اصبر أحسن لك، فالصبر مفتاح الفرج، فإن صبرت فأمر الله نافذ وإن لم تصبر فأمر الله نافذ» ثم قال كلاماً لا أعلم قصده منه غير أني ألمح فيه نبرة التهكم والسخرية فضلاً عن خروجه عن الموضوع ثم نعم الصبر محمود لكن في غير هذا الموضع. يقول البحتري:


ماأجمل الصبر إلا عند فرقة من
ببينه صرت بين البث والحزن

ثانياً: علق الأخ نزار على البيت الثالث من قصيدة غالب العظم وهو:


وأضحى الشعر عندي نوح آه
فكيف يكون هذا الشعر شعرا

علق بقوله: «ونصف هذا البيت عبارة عن كلمة واحدة..». وكأنه لم يقرأ قط قول المتنبي:


ومن جاهلٍ بي وهو يجهل جهله
ويجهل علمي أنه بيَ جاهل
وقوله في القصيدة نفسها:
فقلقلت بالهم الذي قلقل الحشا
قلاقل عيس كلهن قلاقل

إن الشاعر غالب يقصد «شرح البيت»: إن الشعر صار إظهاراً للألم ثم يتعجب وحق له ذلك فكيف يكون إظهار الألم شعراً؟!.
ثالثاً: علق الأخ الناقد على البيت الرابع وهو:


أبثك لوعتي وشقاء نفسي
لعلي قد كشفت الآن سرا

بقوله: «بث «بس» يكفي هذا. فكل هذا البيت لتبثها لوعتك وشقاء نفسك «طيب» ما الذي يطفئ لوعتك ويسعد نفسك لكي تفعله؟». أقول: إن مجرد الحديث خصوصاً مع من نحب يطفئ قليلاً مما نحس به من ألم، وهذا معروف لدى علماء النفس فالتنفيس عن النفس أفضل من الكتمان الذي يفضي إلى الاكتئاب.
ثم لمن كشف شاعرنا سره؟ أ لقريب أم بعيد؟.
رابعاً: علق الأستاذ نزار على البيت الخامس وهو:


معذبتي فدتك الروح مني
فإني قد شربت هواك قسرا

بقوله: «وعلام تفديها وقد شربت هواها قسراً لاعن رغبة ولاطواعية.
ألا يوجد فيها ما يغريك بحبها. ولماذا شربت هذا الحب؟ لعله مقلب..».
أقول: إن الشاعر أجاد حيث أحبها بالإكراه وهذا دليل على جمالها فهو أحبها مكرهاً بسبب جمالها، ولو كان قد أحبها طواعيةً لقلنا إنها ربما لم تكن جميلة وهو هنا يذكرني بقول عنترة العبسي:


عُلِّقتها عرَضاً وأقتل قومها
زعماً لعمر أبيك ليس بمزعم

خامساً: علق الأخ نزار على البيت السادس وهو:


لقد سددت من عينيك سهماً
شديد البأس في قلبي استقرا

بقوله: «والسهام من العينين قديمة..» ثم قال: «والسهم يوصف بالسرعة لابقوة البأس..». أقول: هل تريد يا أخ نزار من الشاعر أن يقول: لقد سددت من عينيك صاروخ سكود؟!.
ثم هو قال: سهماً لأنه يوصف كما قلت بالسرعة.
فهي رمته بسهم سريع، ولأن السهم جاء ممن نحبهم فإنه شديد مع كونه سريعاً.
سادساً: علق الأخ الناقد على البيت الثاني عشر وهو:


فرفقاً بالفؤاد وما يعاني
فإني والفؤاد لديك أسرى

بقوله: «يا أخي والله عيب، أين الرجولة.. هذه واحدة والأخرى فإني والفؤاد لديك أسيران لا أسرى». وأقول: إنه لاعيب في ذلك ألم تقرأ لامرئ القيس قوله:


أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل
وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
أغرك مني أن حبك قاتلي
وأنك مهما تأمري القلب يفعل
وأنك قسمت الفؤاد فنصفه
قتيل ونصف بالحديد مكبل
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي
بسهميك في أعشار قلب مقتل

وأما ملاحظتك الثانية فكما تعلم ويعلم غيرك أن الاثنين جمع.
سابعاً: علق الأستاذ نزار على البيت الرابع عشر وهو :


ولما ضاقت الأيام مني
نذرت لطيفك المعسول نذرا

بقوله: «ضاقت الأيام مني أم بي؟. وإذا ضاقت الأيام هل مرت بسرعة وهذه أيام الهناء والمعنى متناقض».
وأقول: يقول الله سبحانه وتعالى: «مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا». أي بسبب خطيئاتهم. فالشاعر يقصد أن الأيام ضاقت بسببه.
ثم هو لم يقل: إنها مرت بسرعة أو ببطء.
ثامناً: علق الأخ الناقد على البيت السابع عشر وهو:


فأنت إذا جلست ملاك حسن
وأنت إذا نطقت نطقت درا

بقوله: «وما هذه مقابلة، فإذا جلست فملاك حسن وإذا وقفت.. هكذا المقابلة كقول دوقلة المنبجي:


وما شأنها طول ولا قصر
فقيامها وقعودها زصر».

أقول: ومن قال إن هناك مقابلة؟ ثم إن الشاعر يقصد بقوله: «جلست» سكتت، ودليل ذلك قوله: «نطقت». وهذا يسمى في علم البلاغة طباق أو مطابقة، وتعريف الطباق هو: الجمع بين لفظين متضادين.
ثم إن بيت المنبجي الذي سقته مثالاً على المقابلة خاطئ، إذ لا يوجد فيه مقابلة لأن المقابلة هي الإتيان بكلمتين أو أكثر ثم الإتيان بمايضادهما على الترتيب. فبيت المنبجي فيه طباق بين طول وقصر، وقيامها وقعودها. أما البيت الذي أوردته بعد ذلك وهو:


هيفاء مقبلة، عجزاء مدبرة
لا يشتكى قصر منها ولاطول

فهو مثال صحيح على المقابلة بين هيفاء مقبلة وعجزاء مدبرة. وفيه طباق بين قِصر وطول في الشطر الثاني لكن البيت هو الثالث من قصيدة كعب بن زهير رضي الله عنه في اعتذاره للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وليس كما قلت لحسان بن ثابت رضي الله عنه.
تاسعاً: علق الأستاذ نزار على البيت التاسع عشر وهو:


فكيف يكون هذا الحسن سيفاً
رويدك قد شطرت القلب شطرا

بقوله: «شطرت القلب شطراً والصحيح شطرته شطرين» وأقول: إن شطراً مفعول مطلق كقولك: نقدت القصيدة نقداً. ثم إن الشطر هو النصف فهل يعقل أن يأتي شخص ويقول: شطرت قلبي ثلاثة أشطر أو أربعة؟!.
عاشراً: علق الأخ نزار على البيت العشرين وهو:


لقد أثخنت في قلبي جراحاً
وعثت بمهجتي صداً وهجرا

بقوله: «يا أخي هل أنت في معركة جراح وسيوف...». وأقول: إن محبوبته أرحم من فاطمة محبوبة امرئ القيس التي قسمت فؤاده «شطرته» فنصف مقتول ونصف مأسور في أبياته الآنفة الذكر.
حادي عشر: علق الناقد على البيت الواحد والعشرين وهو:


فإن يكن اللسان أتى بوزرٍ
فمن لم يأت ويح القلب وزرا

بقوله: «لقد سمعنا أن ألف اعتذار لا تصحح الخطأ». وأقول: إنني سمعت أن اعتذاراً واحداً صحح أو بمعنى أصح أصلح بين متخاصمَين. فلا يهمنا ما سمعت.
ثم إن الشاعر أصاب هنا فمن منا نحن البشر لم يخطئ. ثم إنه قال: «ويح القلب» و«ويح» كلمة رحمة و«ويل» كلمة عذاب، وقيل إنهما بمعنى واحد.
ثاني عشر: علق الأستاذ نزار على البيت الثالث والعشرين وهو:


هبيني من هواك شذا فإني
وهبتك قلبي المذبوح مهرا

بقوله: «وماذا تفعل بقلبك المذبوح؛ هبها سيارة وفيلا فخمة ورصيداً في البنك عش العولمة ودع عنك )الخرابيط(».
أقول: كان يفترض بناقد قدير مثلك ألا يتكلم بغير العربية، هلا قلت: منزلاً أوبيتاً فخماً وهلا قلت: رصيداً في المصرف. وهلا قلت: دع عنك الخزعبلات. ثم إن هذه الماديات لاتساوي حرف الحاء في كلمة «حُب».
أخيراً: علق الأخ نزار على البيت الرابع والعشرين وهو:


لعلك ترأفين غداً بحالي
جزاك الله عن عينيّ أجرا

بقوله: «وأنا أحرضها ألا ترأف بحالك بل تشتد حتى تعرف ما تقول... ثم يقال جزاك الله خيراً وليس أجراً». وأقول: هنا أنا أقف مع الناقد فأنا أيضاً أحرضها )على( ألاّ ترأف بحالك بل تشتد لكن ليس لتعرف ماتقول بل لتقول وتقول وتقول.
ثم إن الأجر يكون غالباً في الآخرة، أما الخير فهو في الدنيا. فهو يدعو لها في الآخرة لا الدنيا.
وفي الختام أعود لأشدد على ضرورة نقد شعراء العربية بإظهار محاسنهم لا عيوبهم، ولا ننتظر من شاعر مبتدئ قصائد هي الغاية، بل التشجيع مهم لمثل هؤلاء. وأدعو من هذا المنبر جميع الشعراء لنشر قصائدهم وألا يجعلوها حبيسة الدفاتر، وليعلموا أنه إن وجد شخص أو شخصان يحرصون على إظهار العيوب واستعراض العضلات فليعلموا أن هناك العشرات ممن يشجعونهم ويشدون من أزرهم.
والله من وراء القصد. والسلام عليكم وحمة الله وبركاته.
بدر بن عبدالعزيز آل عبدالرحمن
الرياض

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved