أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 12th August,2001 العدد:10545الطبعةالاولـي الأحد 22 ,جمادى الاولى 1422

الثقافية

حياتي
قراءة وتعليق حنان بنت عبدالعزيز بن عثمان بن سيف
اسم الكتاب: حياتي
اسم المؤلف: أحمد أمين
الطبعة الأولى - بيروت - عام 1969 دار الكتاب العربي
إن حديث الإنسان عن نفسه عادة بغيض ثقيل، لأن حب الإنسان نفسه كثيرا ما يدعوه إلى أن يشوب حديثه بالمديح ولو عن طريق التواضع أو الإيماء أو التلويح، وفي هذا المديح دلالة على التسامي والتعالي من القائل، ومدعاة للاشمئزاز والنفور من القارئ والسامع، ولذلك لا يستساغ الحديث عن النفس إلا بضروب من اللباقة، وأفانين من اللياقة.
بهذه الكلمات الرائعات استهل الأديب أحمد أمين كتابه الموسوم حياتي، وقد عني بالكتاب إخراجاً وتقديماً الدكتور الفاضل عبدالعزيز عتيق حيث قدم له بمقدمة وافية جاءت على متن الكتاب تلخيصاً وعرضاً وهي بمثابة مدخل إلى بوابة الكتاب.
وقد بيَّن المؤلف رحمه الله تعالى الهدف من تحرير هذا الكتاب فقال في مقدمة الطبعة الأولى:
) فلماذا إذن لا أؤرخ - حياتي - لعلها تصور جانباً من جوانب جيلنا، وتصف نمطاً من أنماط حياتنا، ولعلها تفيد اليوم قارئاً وتعين غداً مؤرخاً فقد عنيت أن أصف ما حولي مؤثراً في نفسي، ونفسي متأثرة بماحولي( والطريقة التي انتهجها المؤلف في رواية الأحداث هي كما جاءت على لسانه: )فأنا أروي من الأحداث ما تأثرت به نفسي، وأحكيها كما رأت عيني ، وأترجمها بمقدار ما انفعل بها شعوري وفكري( وينتمي المؤلف إلى أسرة فلاحة مصرية، فأبوه من سُمُخراط من أعمال البحيرة، وكان والده يملك في بلده نحو اثني عشر فدانا، ولكن توالى عليهم ظلم السخرة، وظلم تحصيل الضرائب فهجروها ويصف المؤلف مآلهما وحالهما بعد هجرتهما فيقول: )سكن الشريدان في بيت صغير في حارة متواضعة في حي المنشية، وعاشا على القليل مما ادخرا(... ولكن سرعان ما شق الأخ الكبير طريقه في الحياة فكان صانعاً كسوباً، وكان أكبر الظن أن يأخذ أخاه الأصغر معه وهو أبي ليكون صانعاً بجانبه، يعينه على الكسب أول أمره، ولكن نزعة طيبة غلبت عليه فوجهه نحو التعلم، واحتمل نفقته، فهو يحفظ القرآن ويلتحق بالأزهر( وكانت أول مدرسة تعلم فيها المؤلف هي البيت، وطابع البيت يغلب عليه البساطة والنظافة، وفي حجرة من حجرات هذا البيت كانت ولادة المؤلف في الساعة الخامسة صباحاً من أول اكتوبر سنة 1886م، وكأن هذا التاريخ ارهاص بكونه مدرسا، فأول شهر اكتوبر هو موعد بدء افتتاح الدراسة، وكل خصائص هذا البيت انعكست في شخصيته، فالإفراط في جانب الجد، والصبر على العمل والجلد في تحمل المشاق، والاستجابة لعوامل الحزن أكثر من الاستجابة لعوامل السرور كل هذا صدى لتعاليم البيت ومبادئه، والمدرسة الثانية هي الحارة، حيث لعب مع أبنائها وتعلم منهم مبادئ السلوك وتبادل مع أطفالها عواطف الحب والكره، والعطف والانتقام والمدرسة الثالثة كانت الكتّاب، وكان في ذلك العصر كتاتيب ومدارس ابتدائية وثانوية قليلة راقية بعض الرقي، ولبث في هذه الكتاتيب الأربعة نحو خمس سنوات حفظ فيها القرآن وتعلم فيها القراءة والكتابة، وتردد والده في تعليمه وتوجيهه تردداً شديداً، هل يوجهه للدراسة في المدارس الجديدة وعلى الطراز الحديث، أم يدخله الأزهر، واستشار في ذلك خلقاً كثيراً، ثم استخار ربه وأدخله الأزهر، وعن حياته في الأزهر يقول: )الأزهر شيء غامض لا أعلم كنهه ولا نظامه ولا منهجه ولا مستقبله، أقدم عليه في هيبة وغموض وأسمع عند الباب صوتاً غريباً، دوياً كدوي النحل يضرب السمع ولا تستوضح له لفظاً، فتأخذني الرهبة مما أسمع، وأرى أبي يخلع نعليه عند الباب ويطويهما ويمسكهما بيده فأعمل مثل عمله، وأسير بجانبه قليلاً في ممشى قصير، أدخل منه على إيوان كبير، لاترى العين آخره، فرش كله بالحصير وامتدت أعمدته صفوفاً كل عمود وضع بجانبه كرسي عال مجنح قد شد إلى العمود بسلسلة من حديد، وجلس على كل كرسي شيخ معمم كأبي، بيده ملازم صفراء من كتاب، وأمامه حلقة مفرغة أحياناً وغير مفرغة أحياناً، يلبس أكثرهم قباء أبيض أو جلباباً أبيض عليه عباءة سوداء، وأمامه أو بجانبه مركوبه، ويمسك بيده ملزمة من كتاب كما يمسك الشيخ، والشيخ يقرأ أو يفسر والطلبة ينصتون أو يجادلون وبين العمود والعمود بعض الطلبة يجتمعون فيأكلون أو يذاكرون(.
وبعد أن يقيد الطالب في دفتر الأزهر يترك وشأنه فهو يختار العلوم التي يدرسها والكتب التي يقرؤها، والمدرسين الذين يدرسونه، فإذا لم يرزق بمرشد يرشده غرق في هذا البحر الذي لا ساحل له، وتعلم في هذا الأزهر ونجح فيه نجاحاً كبيراً، وأحس التفوق على زملائه في الأزهر حتى انه كان يقرأ عليهم شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، وشاءت الأقدار، وحانت الفرصة ان يلتحق بمدرسة راتب باشا بالاسكندرية وعين فيها معلماً وكان هذا وهو يبلغ من العمر ثماني عشرة سنة ويقول: ).... فسافرت ورأيت البحر لأول مرة فسحرني وصرت آنس به، وأجلس إليه وأتأمل في أمواجه، فأنسى لوعة غربتي، وحببت إليَّ القراءة في المكان الخالي على شاطئه(، وتقلب في مناصب عدة ، ودرس في مدارس كثيرة، واحتاج أن يتعلم اللغة الانجليزية فاختار سيدة انجليزية مس بور Powerفي الخامسة والخمسين من عمرها، مثقفة ثقافة واسعة، تجيد الانجليزية والفرنسية والألمانية، وهي ذات رأي تعتد به جريدة «التايمز» فترحب بمقالاتها، وقد أثرت هذه الشخصية الانجليزية في شخصية أحمد أمين، فيقول: )رأتني شاباً في السابعة والعشرين أتحرك حركة الشيوخ، وأمشي في جلال ووقار، .... ولا شيء حتى من اللهو البريء وأصرف حياتي بين دروس أحضرها ودروس ألقيها، .... ورأتني لا أبتهج بالحياة ولا يتفتح صدري للسرور، فوضعت لي مبدأ هو «تذكر أنك شاب» تقوله لي في كل مناسبة وتذكرني به من حين إلى حين(، وعن تجربته في لجنة التأليف والترجمة والنشر يقول: )تكونت اللجنة على هذا المنوال سنة 1914، ونحن الآن في سنة 1953م فيكون قد مضى عليها أكثر من ست وثلاثين سنة، وقد طبعت من الكتب أكثر من مائتي كتاب، وكانت لا تقرر كتاباً إلا إذا حولته على اثنين خبيرين بالموضوع يبديان فيه رأياً بالصلاحية أو عدمها أو حاجته إلى التعديل، ولبثت طول هذه المدة رئيساً للجنة يعاد انتخابي فيها رئيساً لها كل عام(، وقد تقلب المؤلف في عدة مناصب أترك أمر الإحاطة بها وقراءتها لقارئ الكتاب فيجد من خلال سطور الكتاب ما يروي ذا الغلة الصادي، وقد اتفق هو والدكتور طه حسين والأستاذ عبدالحميد العبادي على دراسة الحياة الإسلامية من نواحيها الثلاث في العصور المتعاقبة من أول ظهور الإسلام، فيختص الدكتور طه بالحياة الأدبية والأستاذ العبادي بالحياة التاريخية ، ويختص المؤلف بالحياة العقلية، غير ان اختصاص المؤلف هو الذي كتب له البقاء، ومن ثم الخلود، وذلك في كتابه «فجر الإسلام» وصرف فيه مايقرب من سنتين فرسم منهجه ورتب موضوعاته، وكان إذا وصل إلى موضوع جمع مظانه في الكتب، ثم يقرأ ما كتب عن الموضوع ويمعن النظر، ويكتبه مستدلا بالنصوص التي يعثر عليها حتى يفرغ منه، ثم ينتقل إلى الموضوع الذي بعده وهكذا يسير على هذا المنهج حتى رأى كتابه النور، وتولى عمادة كلية الآداب، وحاول أثناء العمادة ان يحقق ثلاث مسائل لم ينجح فيها كثيراً:
الأولى: تنظيم الحياة الاجتماعية في الكلية، فالحياة فيها مقتصرة على دروس تلقى ودروس تسمع من غير أن يكون هناك حياة اجتماعية ترفه عن الطلبة وتوثق الصلة بينهم وبين أساتذتهم.
الثانية: حاول تحسين العلاقة بين الطلبة والأساتذة من ناحية الاشراف الخلقي، فأراد ان يخصص لكل استاذ عدداً من الطلبة يشرف عليهم اشرافاً أبوياً، يفضون إليه بمشاكلهم المالية والنفسية والاجتماعية.
الثالثة: محاربة الطريقة التي يتبعها كثير من الأساتذة من قلبهم المحاضرات إلى دروس إملاء، فهم يملون على الطلبة ما حضروا، أو يوزعون عليهم مذكرات مختصرة، وكان يرى في هذا إماتة للروح العلمية الجادة وإنما المنهج الصحيح كما يراه المؤلف هو إرشاد الطلبة إلى مراجع الدرس ثم إلقاء الاستاذ المحاضرة وتقييد الطلبة بأنفسهم لأنفسهم النقط الهامة، مما فهموا واعتمادهم على أنفسهم في ذلك.
وبعد حياة حافلة بالنشاط وفي يوم من الأيام كما يقول المؤلف: )وكل شيء يسير على طبيعته والحياة تجري على سنتها والآمال مفتحة كعادتها، والعمل يتبع نهجه المألوف، فأنا عاكف على القراءة والكتابة والدرس والتحصيل والانتاج، وإذا بي فجأة أرى كأن نقطة سوداء على منظاري، فأظنها أول الأمر نقطة ماء سقطت عليه فأمسحها، ثم أضعه على عيني فأراها كما كانت، وإذا العيب في العين وليس في المنظار( ثم يجري عملية جراحية من أجل التحام هذه الشبكية ومن بعدها يصاب بجلطة في الدماغ يكتب له الشفاء منها، وفي سنة 1948 يقرر مجلس كلية الآداب ومجلس جامعة فؤاد الأول منحه الدكتوراه الفخرية ومنحه جائزة فؤاد الأول وهي إحدى الجوائز التي تقدر بألف جنيه مصري وتمنح لمن ينتج أحسن عمل أوانتاج في الآداب والعلوم والقانون، وقد منح هذه الجائزة على إثر كتابه «ظهر الإسلام»، ويذكر المؤلف نظام حياته اليومي فيقول: )حياتي اليومية فإنها تكاد تكون حياة رتيبة كأني قطار لاينحرف عن السير على قضبانه فلا مغامرات ولا مفاجآت( ولنترك للقارئ الكريم مراجعة هذا البرنامج من خلال حديث المؤلف نفسه، وأخيراً انتهت هذه الرحلة والتي كانت موفقة في كل طور من أطوارها حيث يقول المؤلف: )ومع هذا فإني أحمد الله إذ منَّ عليَّ بالتوفيق في أكثر ما زاولت من أعمال فيما ألفت من كتب في عملي بلجنة التأليف في الجامعة الشعبية في الجامعة المصرية في الجامعة العربية في عمادة كلية الآداب(.
وأخيراً لقد كان حديث الكتاب ممتعاً جداً، أضف إلى ذلك القدرة الفائقة على الوصف الدقيق والتحليل الواعي ويعتبر هذا الكتاب وثيقة خطيرة عن تاريخ مصر أدبياً واجتماعياً وعقلياً، فهو خير مرجع لتاريخ النهضة المصرية الحديثة والحركات الفكرية والسياسية التي واكب أحمد أمين مسيرتها في عصره ، وهو خير مثال يقدم لشباب المستقبل ليرى ويعرف ان الارتفاع بالنفس من الهاوية إلى القمة وفي التهافت إلى العلو، لا يتأتى إلا بالصبر الجميل والسعي الحثيث، ولغة الكتاب عالية جداً، وسرد الأحداث جاء متسلسلاً متتابعاً، إضافة إلى الأسلوب الأدبي الراقي، الذي يرفع بالقارى إلى إعادة قراءة الكتاب مرات عديدة.
ص.ب 54753
الرياض 11524

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved