أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 12th August,2001 العدد:10545الطبعةالاولـي الأحد 22 ,جمادى الاولى 1422

عزيزتـي الجزيرة

)ضيقة الصدر( ما بين العلاج الشعبي والصحة النفسية
سعادة رئيس التحرير
تعقيبا على موضوع )العلاج النفسي بين الخجل والدجل( الذي نشر في العدد )10527( فإنني أرسل إليكم هذا المقال نظرا لاعتقادي بأهمية العلاج النفسي وخطورة إهماله من قِبَل الغالبية العظمى من المواطنين
يتعرض كل منا في فترة من حياته لعدد من حالات الاحباط وخصوصا عندما لا تتوفر للفرد الفرصة لتحقيق الاهداف التي يعتقد الفرد بأن الحياة لا تستقيم دون الوصول اليها.
فمثلا الطالب عندما لا يستطيع الحصول على النسبة التي تمكنه من الالتحاق بالكلية التي خطط على الالتحاق بها قد يصاب بالاحباط عندما يضطر الى الرضى بتخصص لا يمكنه من اقتحام الحياة العملية التي جعلها هدفه، والشخص الذي يضطر الى التضحية بطموحاته العلمية ويستبدلها بوظيفة بدافع الحصول على المورد المادي لمن يعول من اسرة يظل طوال حياته يعاني الصراع الناتج عن عدم اشباع رغبة تحقيق الطموح العلمي.
إذاً فالظروف الاقتصادية والتفاعل مع الآخرين كلها ميادين لمختلف المواقف الاحباطية للافراد باختلاف مستوياتهم المادية والثقافية. ان شروط الحياة التي نحياها توفر الفرص المناسبة لظهور الصراع، وهو حالة مؤلمة لا يستطيع الكثير من الناس تخطيها دون مساعدة من الافراد المتخصصين في علاج الصراعات النفسية. ومع ذلك فان قليل من الناس من يغامر ويذهب الى مؤسسات العلاج النفسي لان الذهاب الى تلك المراكز بدافع طلب المساعدة لمواجهة مشاكل شخصية يحتم على الفرد ان يخبر المعالج النفسي بالصدمات التي يواجهها المرء في محيطه. ونظرا لكون كل منا يعتقد بأن الكفاءة العالية تعني قوة الفرد على تحمل الصعوبات مهما كانت درجة تلك الصعوبات ولذلك فإن ما يجعله يستبدل المعالج الشعبي بالطبيب النفسي نظرا لكون الكثير منا قد نشأ في أسر لا تجد ادنى غضاضة في الذهاب الى بعض المعالجين الشعبيين اذا تفضيل الناس لساحات المعالج الشعبي على عيادات الامراض النفسية يرجع لعدة أسباب منها على سبيل المثال لا الحصر: 1 ضآلة المعلومات عن الدور الذي تؤديه مراكز العلاج النفسي حيث إن المفهوم السائد لدى عامة الناس بانها مصحات للمجانين.
2 توفر السرية فالمريض الذي يذهب الى المعالج الشعبي لا يضطر الى ذكر اسمه كاملا والمرأة لا تضطر الى كشف وجهها.
3 قد تلعب الاتجاهات الدينية دورا كبيرا في ثقة المواطنين بالمعالج الشعبي فكون بعض المعالجين الشعبيين يقرأ بعض الآيات القرآنية يجعل أهل المريض يثقون باهمية علاجه.
4 نظرا لكون كل مجتمع يحاول الاحتفاظ ببعض الانماط السلوكية التي تعطيه صبغة مختلفة عن المجتمعات الاخرى فقد تكون ثقة الناس بالمعالج الشعبي احد تلك الانماط السلوكية.
وقد نجد العذر لسلوك من يأبى اللجوء الى مؤسسات العلاج النفسي حينما نتذكر بان النظرة الاجتماعية Sosial Stigma تجاه تلك المؤسسات كانت ولا تزال ترتبط بمفهوم الفئة )الجنون(.
فلقد وصلت مقالات بعض الاسر في تجنب الذهاب الى تلك المؤسسات الى درجة انها تفضل ان تحتجز ابناءها الذين يعانون من )الفصام( في غرف خاصة بهم في المنزل دون التفكير بعلاجهم خوفا من العار الذي سيلحق بالاسرة عند الاعتراف بان احد ابنائها مصاب بالفصام.. واذا كان لابد لي من تقديم دليل يوضح نفور الناس من مؤسسات العلاج النفسي فسوف اشير هنا الى ان كثيرا من الحالات تحاول ان تجد حلا لما تعانيه من مشاكل عن طريق مهاتفة المستشفى. وعندما اقترح عليهن المجيء الى المستشفى يخبرنني بأن اولياء امورهن سواء كانوا ازواجا أو آباء لا يوافقون على مجيئهن الى المستشفى لانهم لا يريدون ان تقارن زوجاتهم او بناتهم بالمجانين. ولعل الكثير من القراء قد سمع المقولة التي توضح درجة تطير معظم الناس من الامراض النفسية باختلاف درجاتها تلك المقولة هي )ان من يدرس علم النفس لابد وان يصبح معقدا(. ان هذه المقولة قد جعلت احدى الاسر ترغم ابنتها وهي في السنة الثالثة على تغيير تخصصها من )علم نفس عيادي الى تخصص رياض اطفال( بسبب خوف الاسرة من ان تتعقد البنت نتيجة دراسة ذلك التخصص.
كيف يمكن وضع الاستراتيجيات الفعالة لتغيير نظرة الناس تجاه مؤسسات العلاج النفسي؟إن الطريقة الفعالة لعلاج مرض الخوف هي جعل المريض يواجه الشيء الذي يخاف منه بطريقة متكررة.. فمثلا المريض الذي يخاف من العنكبوت يرغم داخل العيادة النفسية على مشاهدة عنكبوت حي يتحرك داخل قنينة شفافة ثم يطلب من المريض في الزيارة الثانية للعيادة ان يلمس العنكبوت باصابعه ثم يحمله بيده لكي تتحطم عقدة خوفه من العنبكوت Exposure.
إذاً الخوف الذي يعانيه الكثير من الناس تجاه مراكز العلاج النفسي يمكن التغلب عليه بأن تكون العيادات النفسية متوفرة في اماكن لا يجد الناس حرجا من التردد عليها مثل مراكز الرعاية الاولية Primary Care Clinices حيث تتوافر عيادات الاسنان والحوامل وغيرها فان توفير العلاج النفسي داخل تلك المراكز من شأنه ان يثمر النتائج التالية:
1 تساعد المواطن على ان يدرك بان المرض النفسي ظاهرة مرضية تحدث لجميع الامم والافراد في اي وقت مثلها مثل سائر الامراض العضوية الاخرى.
2 ان وجود عيادة نفسية في مركز صحي يمنع اختلاط الحالات الحادة Acute Psychoshis بالحالات المرضية غير الحادة Neutosis نظرا لكون الحالات الاخيرة مثل حالات الاكتئاب البسيط. الخجل الاجتماعي القلق، يخرج أصحابها عند تحويلهم الى المصحات النفسية وقد يدفعهم الشعور بالحرج الى عدم الذهاب الى تلك المصحات ولقد لاحظت شخصيا ان بعض المريضات يفضلن الانتظار في ممرات المستشفى بدلا من الجلوس في غرفة الانتظار حينما تتواجد في غرفة الانتظار الحالات المرضية الحادة.
3 اذا كان الكثير من الناس يستسهل الذهاب الى المعالج الشعبي نظرا لكون زيارته تستغرق رحلة واحدة فقط في حين ان الذهاب الى مراكز العلاج النفسي تتطلب زيارة المركز الصحي اولا بهدف الحصول على تحويل الى مؤسسة العلاج النفسي. ثم تأتي بعد ذلك مشقة الحصول على موعد يناسب المريض او من يقوم بتوصيله )اذا كانت الحالة امرأة( فان وجود عيادة نفسية داخل المركز الصحي يؤدي الى اختصار الوقت المستهلك عند القيام برحلتين.
ان تخوف معظم الناس من مراكز العلاج النفسي يفرض علينا تخطيط برامج تتصف بالشمولية وتهدف الى تبديد الغموض الذي يحيط بالامراض النفسية. فاذا كان توفير عيادة نفسية داخل المركز الصحي يعتبر احدى دعائم هذا البرنامج الشامل فان ثاني دعائم هذا البرنامج الشامل يقتضي توفير معالج نفسي او معالجة نفسية في المدارس وخصوصا في مرحلتي المتوسطة والثانوية فان طبيعة العمر في هاتين المرحلتين سوف تفرز الكثير من الصراعات وصعوبات التكيف Malajust Mentونظرا لان التكوين الشخصي للطلبة يختلف من فرد الى آخر فإن الصراعات التي يتعرض لها الطلبة )من كلا الجنسين( في تلك المراحل العمرية قد تكون مصدرا لعدد من الاضطرابات النفسية التي تجهل الاسرة كنهها مما يجعل الكثير من الامهات يذهبن ببناتهن الى عدد من امكنة العلاج الشعبي لعلاج ما تعانيه البنت من )ضيقة الصدر( التي كثيرا ما تتطور الى مرحلة رفض البنت للمدرسة. لابد ان نتذكر بأن طبيعة العلاقة بين الأم وبنتها والتي غالاب ما تكون سطحية لا تشجع البنت على ان تبوح لامها بما يسبب لها )ضيقة الصدر( كما ان الخلفية التعليمية للكثير من الامهات لا تمكنهن من ادراك العوامل الخفية )لضيقة الصدر( واذا كان لابد لي من الاستشهاد ببعض الحالات التي توضح اهمية تواجد المعالج النفسي او المعالجة النفسية في المدارس فسوف اذكر هنا حالة طالب عمره )15( سنة يدرس في المرحلة المتوسطة يضطر الى اداء صلاة الظهر في المدرسة دون وضوء لانه لو دخل دورة المياه لكي يتوضأ فسوف يستغرق جميع الوقت المخصص للصلاة في تكرار الوضوء )وسواس قهري( الامر الذي يعرضه للعقاب او للضرب.. ولقد قام هنا الطالب بمراجعة المستشفى بغير علم من أسرته لكي لا يتعرض للضرب المبرح من قبل اخيه الأكبر الذي يعتقد بأن الوسوسة من الشيطان.
ويبدو ان الغالبية العظمى من المواطنين على اختلاف مستوياتهم التعليمية تعزو جميع اعراض الامراض النفسية الى الشياطين فلقد اخبرتني احدى الطالبات وهي في المرحلة الثانوية بان احدى المدرسات قالت لها اقرأ عليك علشان يطلع الشيطان منك طبعا كان رد فعل الطالبة عنيفا فقد صرخت بالمدرسة: انا ليس بي شيطان.. الشيطان بك أنت.
لا نعرف من الملوم عن ذلك الموقف.. اهو المدرسة التي لم تقرأ شيئا عن اعراض الهستيريا ام أسرة الطالبة التي خمنت اعراض الهستيريا على انها )حسد( ويجب ان يعالج عند بعض المدعين أو ربما المشعوذين.
إلا ان هذا الموقف يؤكد حقيقة واحدة هي ان البرامج الارشادية الهادفة الى توعية الناس بالامراض النفسية شيء جوهري في المدارس بمراحلها الثلاث )ابتدائي، متوسط، ثانوي( نظرا لكون تلك المراحل الثلاثة تحتل حقبة زمنية لا يستهان بها من حياة الطلبة يواجه الناشئة اثناءها صعوبات حياتية قد تعوق نموهم الانفعالي ما يسبب تأخرهم دراسيا، إذاً لا يعقل ان نعزو جميع حالات التأخر الدراسي الى ضعف القدرات العقلية.
الخلاصة: إذاً إن الاستفادة من المدرسة كمؤسسة اجتماعية توفر فرص النمو العلمي والانفعالي تتطلب التخطيط لبرنامج الارشاد النفسي الذي يقتضي مساهمة القطاعين التعليمي والصحي.. فهذا من شأنه أن يقلل من حجم الهوة القائمة حاليا بين طلبة المدارس وبين مراكز العلاج النفسي.
سبيكة عبدالكريم الوهيب
أخصائية صحة نفسية
مستشفى الأمل الرياض

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved