أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 14th August,2001 العدد:10547الطبعةالاولـي الثلاثاء 24 ,جمادى الاولى 1422

مقـالات

الاتجاه الإسلامي في الشعر العربي المعاصر التجليات والتحفظات
د، حسن بن فهد الهويمل
والإسلام الذي حف الجنة بالمكاره، وحف النار بالشهوات، ندب إلى الجمال، والله جميل يحب الجمال، والكون كله صفحة جميلة، خلق الانسان في أحسن تقويم، وصوره فأحسن صورته، زين السماء الدنيا بزينة الكواكب، وزينها للناظرين، وأنبت الحدائق ذات البهجة، وأنزل الماء على الأرض الهامدة الخاشعة، فأرباها وأنبت فيها من كل زوج بهيج، وجعل في الأنعام جمالاً حين يُريح أصحابها وحين يسرحون، وأحسن كل شيء خلقه، ووصف أنهار الجنة وثبات أهلها وحليهم، وندب إلى أخذ الزينة عند كل مسجد، وحث على الغسل والطيب والسواك واللباس الحسن والنعل الحسن،ولم يجعل شيئاً من ذلك من الكبر، والإسلام يدعو للحق والخير والجمال والجلال والاعتدال والنظام والنظافة والاستقامة، ويحرض على التربية الجمالية، ليكون احساس المسلم جمالياً يتذوق الجمال ويعبر من خلاله،
والقرآن الكريم يعتمد الجمالية البنائية والدلالية مستوفياً شرف اللفظ وشرف المعنى، وقد أمد البلاغيين من عيون البيان والبديع والمعاني، وجمالية النسق وسيلة للامتاع والتأثير والاستمالة، وليس الجمال غاية بذاته، ومن ثم فإن الجمال ذو بعد قيمي وظيفي، فيما يأتي الجمال والزينة عند الشهوانيين من باب الخداع الشيطاني «زين للكافرين ما كانوا يعملون»، «زين لفرعون سوء عمله»، «زين للناس حب الشهوات» وقد تعهد ابليس حين أغواه الله أن يستدرج الناس بالزينة «رب بما اغويتني لأزينن لهم في الأرض» فالزينة تكون طريق هداية وطريق غواية، والشعراء يكونون شعراء هداية وشعراء غواية، والجمالية القولية في الهداية والغواية واحدة، إذ ليس هناك فارق في البعد الفني، وإنما التمايز في البعد الدلالي، والشعراء الذين مكن الله لهم في سوح الشعر، وهداهم إلى أقوم الطرق، ظفروا بالحسنيين: جمال في الأداء ، وجمال في الموضوع، وكان القرآن الكريم المدد الثر لهم،
والشعراء الإسلاميون منذ العصر النبوي أدركوا «مهمة الشاعر»، وعرفوا حدود ما أنزل الله، واستغلوا المباح، وكيف لا يكون هناك مباح، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة «إن الأنصار يعجبهم اللهو» ويقول لأبيها حين نهر الجاريتين المغنيتين في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم :« دعهما يا أبا بكر فإن اليوم يوم عيد» كما أنه لم يتحرج من الخروج بعائشة، لينظرا معاً إلى الأحباش وهم يرقصون،
والناقد الإسلامي يعرف المحظور والمباح، ويعرف أن الإسلام لم يكن في يوم من الأيام عائقاً في طريق الفن والجمال والابداع، وكيف يكون وخالق الجمال هو الله الجميل المحب للجمال،
ومع الوعي التام بمهمة الشاعر والعالم وبحدود الترويح والايغال الرفيق في الدين المتين، فقد خاض الشاعر الإسلامي ساحة الصراع بين الكفر والايمان، محتفظاً بفنية الشعر ولغته العالية وأيد الرسول صلى الله عليه وسلم المنافحين عن حوزة الدين، وأهدر دم شعراء المشركين، ونهى عن رواية بعض القصائد، وذم مالئي الأجواف بالشعر، وعُني الخلفاء الراشدون ومن بعدهم بالشعر الأخلاقي، واهتم به الموسوعيون والمفكرون، كالجاحظ وابن قتيبة وابن مسكويه وابن حزم، واعتمده المفسرون والبلاغيون واللغويون والنحويون والصرفيون، وجاء ابن عباس على قائمة المتكئين على الشعر في التفسير وفي الاستمتاع به، ونشأت مذاهب وآراء حول مشروعية الاستمتاع بالشعر، وتداول النقاد آراء الشافعي والحصري وغيرهما، وأسقط المحتشمون من الرواة الشعر الفاسد، وتحرجوا من روايته، كابن هشام والمبرد والبطليوسي وابن بسام والشريشي، فلم يرو بعضهم النقائض، ولا شك أبي العلاء، ولا مجون أبي نواس، ولم يترددوا في نقد الفاسد من الشعر، نجد ذلك عند الباقلاني وابن سلام وابن عتيق، وفي المقابل تجد احتفاء بالقيم الأخلاقية وحثا على رواية الشعر، وما غابت الرؤية الإسلامية للأدب عبر كل العصور، وفي المقابل نجد المجون والتهتك عند الشعراء الشعوبيين، ورواية المجون والغزل الغلماني عند الأصفهاني وابن الجراح والثعالبي وغيرهم،
وإذا كنا نتلمس الاتجاه الإسلامي في الشعر الحديث، وهو تلمس محفوف بالمزالق، لما لهذا التيار من تباين في وجهات النظر، وتشعب في الطرق، واختلاف في التصور، فإن اتجاهات أخرى ليست من الإسلام في شيء يتراءاها المتابعون عن يمين وشمال، ومفارقتها الإسلامية تقتضي التركيز على مهمة الترشيد والأطر، ولو عدنا إلى رصد الحداثيين لاتجاهات الشعر، لوجدنا «خالدة سعيد» زوجة «أدونيس» تلمح إلى ان اتجاهات التجديد في الشعر الحديث مرتبطة بالعلمانية والتطورية الداروينية، وتلك أبعاد موضوعية لم يتحفظ عليها أحد، وبخاصة من أولئك الطيبين الذين يقفون من مصطلح الأدب الإسلامي وقفة الخائف المترقب، والمتسائل الشاك، والمتردد المثبط، والشعر حين تلوثه المادية الالحادية بكل وضرها، وحين تمتد عروقه لتمتص نسغ الماركسية والداروينية والعلمانية والفرويدية، يدين الواقع الحضاري للأمة المسلمة التي كاد يكون فيها المبدع الملتزم غريب الوجه واليد واللسان، فهذا الامتصاص تشويه للأدب وفنونه، وتدنيس لعقيدة الأمة، وإدانة لحضارتها في هذه المرحلة، وحين تتبدى لناشئة الأمة هذه الانحرافات، يتغير المنظور الثقافي، وتختلف الرؤى والمقاييس والمفاهيم، وصدق المستشرق «شارل بيلا» وهو كذوب، حين أكد أنه لا يقرأ إلا الأدب العربي القديم، لكون الأدب العربي الحديث أوروبي النزعة والأفكار، غير أنه مكتوب بحرف عربي، وتلك مقولة مخجلة ومخلة بالأهلية، لأنها مقولة ساخرة، فالمعاصرون يجترون سقط الحضارة الغربية، بحيث لا يبادرون، ولا يبتكرون، ولا يؤصلون، ومع ذلك يدَّعون التجديد،
والمخربون لمدينة الشعر بالتغامض والنثرية والالحاد والفحش يتقنعون بدعوى التجديد، وما لهم بالتجديد من علم، وليسوا منه في العير ولا في النفير، وتلك أعمالهم الابداعية وأقوالهم التنظيرية والنقدية، فهل شيء من الابداع أو التنظير جاء بمبادرة تسد حاجة، أو تستجيب لمطلب؟ أم أنهما أصداء لما في الشرق الماركسي أو الغرب العلماني؟، وجلب الظواهر وسائر القيم الفنية والدلالية ومحاكاتها، لا يكون تجديداً، التجديد انبعاث من الداخل، واستجابة طوعية عفوية لحاجة الأمة، واحتفاظ بالشخصية والخصوصية، وأخذ من الآخر بمقدار، وإذ يكون التجديد ضرورة لا مناص منها ولا مجال للتحفظ عليها، فإن له شرطه وتصوره ومجالاته، والناس أبناء حاضرهم، وعقدة الأبوية والانساق والثبات من المعوقات، ومن ثم فإن دعوى التجديد دون وعي ارتكاس في حمأة التقليد، وحالة الانبهار والانهيار لا تعد من التجديد في شيء، وتلك سمة الشعر الحداثي، وما راءٍ كمن سمعا، فهذه خرائبهم في مجموعاتهم الشعرية تنبئك عما في صدورهم، وحين يكون الانحراف الفكري والسقوط الأخلاقي والاعتراف المشين سمة الشعر الحداثي، نراه يقع في التغامض والطلسمة والنثرية والانقطاع، على حد قول محمود درويش: «قصائدنا بلا لون بلا طعم بلا صوت»، ولأنه كبير المخربين الذين جرَّؤوا المبتدئين على الرذيلة وانتهاك المقدس، فقد ظل مضطرب الرأي والرؤية، فهو يدعو إلى «إفهام البسطاء أو الصمت»ثم يناقض نفسه ليقول: «لن تفهموني دون معجزة لأن لغاتكم مفهومة إن الوضوح جريمة»
فإلى أي الرأيين نذهب:
إلى إفهام البسطاء، وهذا يقتضي الوضوح،
أو إلى الغموض لأن الافهام جريمة،
لقد حوربت الكلمة الطيبة بمشروعين مشبوهين:
مشروع الإفساد والانحراف،
ومشروع الغموض والاستحالة والعامية،
وهذا الاجهاض المتعمد للكلمة الطيبة، وتلك الترديات المخلة بالمروءة والعقيدة والمجهزة على الفن الرفيع تحفز الغيورين على الدين وقيمه والفن وأثره، وتحملهم على النهوض بمسؤولياتهم، لقد تقصى الدكتور «سعيد ناصر الغامدي» انحرافات شعراء الحداثة في رسالته التي تجاوزت صفحاتها ألفاً وسبعمائة صفحة،
وكنت سعيداً بمناقشتها متألماً ومستاءً من التفسخ والكفر البواح الذي رصده الدارس من خلال نصوص صريحة لا تحتمل التأويل، ولا أشك أن هذه الانهيارات التي منيت بها الأمة العربية وتسلط اليهود الأذلاء عليهم بالقتل والتشريد وممارسة بعض الحكام لأسوأ الأعمال مع شعوبهم ومكائد الأعداء والفتن العمياء إنما هو جزاء موافق لما هم عليه، والله جل وعلا لا ينصر إلا من ينصره، ولا يظلم ربك أحداً، ، وما أحوج الأمة إلى الاستقامة كما أمرت «وأن لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماءً غدقا» وما أحوجهم إلى أن يفروا إلى الله،
والذين اتخذوا مقولة الأصمعي في الفحولة والجزالة واللين، وأن للموضوعات أثراً في ذلك، وما جاء في «الموشح» و«أمالي المرتضى» و«الكامل»،من أن الشعر إذا أدخلته باب الخير لان، تعويل غير حصيف، ثم إن ضرب المثل بما عرض لشعر حسان بن ثابت من لين بعد إسلامه والتزامه لم يكن قد تبدى في شعره الجاهلي ضرب مع الفارق، فالإسلام حين اقتحم عوالم الأمة جاء مهيمناً، وجاء بقرآن بديل، وجاء بمهمات جسام،
فالقيم الأخلاقية الإسلامية حَدَّت من فوضوية الشعراء،
والقرآن باعجازه البياني بهر المتلقي وأغناه، وهذا لبيد يقول: «قد أبدلني الله بالشعر سورتي البقرة وآل عمران»،
والإسلام حوَّل أفراد الأمة من رعاة فارغين إلى قادة ومسؤولين،
وهذه الحياة الجديدة التي طرحها الإسلام غيرت المفاهيم، ، وربكت الشعراء، وحدَّت من فوضويتهم، وقمعت فجورهم، وأشعرتهم بقيمة الكلمة، والإسلام لم يتعمد اضعاف الشعر، ولم يكن من مهماته أن يصرف الشعراء عن الشعر ولا العلماء عن ا ستجادة معناه ومبناه، واستجادة مبنى الشعر من النقاد وإن ضعف معناه أو شابه شيء من الجنح لا يقدح بالعقيدة ولا يمس الخلق، وابن عباس الصحابي المتفقه أعطى جودة المبنى حقها، تجلى ذلك في موقفه من شعر الغزل العذري، وفي «الشعر والشعراء» و«العمدة» استجادة عمر لشعر زهير، لأنه لا يمدح الرجل إلا بما فيه، في المقابل تجلى موقفه المرهص لمصطلح «الأدب الإسلامي» من الخطيئة الذي سجنه، ثم رق له وأخرجه، ومن النجاشي الحارثي الذي توعده بقطع لسانه، وضعف الشعر نتيجة ارتباك الشعراء واندهاشهم بالقرآن ونهوضهم بمسؤولياتهم الإسلامية ولما يكن من مقاصد الإسلام، والضعف حقيقة وانكارها تعسف لا مبرر له،
غير أن الشعر استعاد عافيته، وأخذ الشعراء وضعهم الفحولي، بعد أن أشربوا في قلوبهم الإسلام، ووعوا رسالتهم، من ثم فإن الاتجاه الإسلامي حين يظفر بموهوب مستقيم على الطريقة، عميق الثقافة، صادق التجربة، يأتي بما لم تستطعه الأوائل، فأين الضعف في إسلاميات شوقي، وملامحم محرم، وابتهالات الأميري، وأغاني وليد الأعظمي، وأناشيد الرافعي وأحمد محمد صديق، ومعاناة التهامي، وصلاة محيي الدين عطية، وترانيم الميداني، وعرائس العظم، وتسابيح فودة، وتوقيعات يحيى الحاج يحيى، وثلاثيات الأمراني، وجراح عقيلان، وسبحات رجب، وشدو كمال رشيد، ونفثات جمال فوزي، وصرخة معروف محمود، وشكاية محمود غنيم، وانتفاضات أبي ريشة، ومنافحات حافظ، واجتماعيات الرصافي، وأين الضعف في الشعر الذي واكب حركات الاصلاح الديني، ودعا إلى التضامن الإسلامي، وتغنى بالوحدة العربية، ونافح عن الخلافة الإسلامية، وقاوم الاستعمار، وتصدى للظلم، وناهض الفساد عند مئات الشعراء الذين جاؤوا من قبل ومن بعد، ثم أين القوة في انحرافات الحداثيين النثريين المتغامضين؟ وأينها في فجور الماجنين المتهتكين؟ ممن أشاعوا الفاحشة، وجاهروا بالمعصية، وأشاعوا ما ابتلاهم الله به من القاذورات، فكانوا قدوة سيئة، فالضعف والقوة مرتبطان بالشاعر، وليس للشر أو للخير سبيل في ذلك، فالضعف الفني يرتبط بإمكانيات الشاعر ذاته وبموهبته وبتجربته وبثقافته، ولا يمتد إلى الاتجاه كما يتصور البعض،

أعلـىالصفحةرجوع











[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved