أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 16th August,2001 العدد:10549الطبعةالاولـي الخميس 26 ,جمادى الاولى 1422

الثقافية

أتسجل القضية ضد مجهول؟
محمد عاتق الحربي
عرفت عبدالله بن إدريس منذ قرابة العشرين عاماً شاعراً صداحاً، وعلمت مؤخراً أن له ديواناً شعرياًَ أصدره عام 1419ه بعنوان« إبحار بلا ماء» فأسرعت لاقتنائه، لأقف وقفة المتأمل المستمتع، وحين كنت قد قرأت للشاعر نفسه في «كتاب عن الملك عبدالعزيز وأنه لم يكن يشجع الشعر العامي» قوله أي المؤلف :«وعلى الذين سنوا وشجعوا نشره في وسائل الإعلام إثمهم وإثم من عمل عملهم...» صار لزاماً علي أن أقف وقفة المحاسب وليس معنى ذلك أنني مع العامي، معاذ الله أن أكون كذلك لكني قرأت أشياء أعتقت لساني من الصمت، خاصة ً وأن الشاعر ابن إدريس ناقد معروف بكتابيه«عزف أقلام، وكلام في أحلى الكلام».
بدايةً من اسم الديوان« إبحار بلا ماء» اسم رائع يدل على محتوى وجداني ذاتي لا قصائد مناسبات، ولكني لم أجد فيه قصائد ذاتيةً إلا اثنتين أو ثلاثاً، فضلاً عن أننا نعرف ديواناً للشاعر سعد البواردي بعنوان« إبحار ولا بحر» ولنا أن نعقد مقارنةً سريعةً: فالسابق هو البواردي وهو أيضاً السابك بالكاف .
ولن يصدقني القارئ إذا قلت: إن في الديوان أخطاءً نحويةً لا يقع فيها أنصاف المتعلمين واختلالاتٍ في الوزن، وابتذالاً وسطحيةً، ولهذا سأستعرض معه بعض القصائد في الديوان على عجلٍ ما.
في قصيدة عنوانها «حفيدي» وهو عنوان لا يوحي بأي شيء في نظري يقول:


«فإن كنت ذا رؤيةٍ للحياة
تفل بروحك روح الضنى
تروم العلا والهدى
لا الردى
وتسبر غور الصراع
بين حق جلي السنا»

القصيدة على «فعولن» لكنها في آخر سطرين اختلت، وهو بطريقةٍ مبتكرةٍ يبشر المولود بمتاعب الحياة، مثل:


«ولا تتعجل مخاض الحياة
فقد يولد الليل في ضحوة ضاحية
فيسود كالظلم كالغطرسة
كارتفاق النفاق إلى غاية موبقة
وتضحي النخيل سعالي
تحيط المفازة بالأرجوان
وينفلق الزهر عن أفعوان»

ننتظر بعد هذا المقطع مولوداً متشائماً صفع بهذه الكلمات بدل أن يؤذن في أذنيه.قصيدة أخرى كان عنوانها« أسرجتُ بيتي..» هكذا يقتطع أي جملةٍ أو كلمةٍ من القصيدة لتكون عنواناً لها! أحبَّ الشاعر أن يجرب المجانسة بين الكلمات متناسياً أن من شروط الجناس عدم التكلف وعدم الإخلال بالمعنى، يقول:


أسرجت بيتي قنديلاً فقنديلا
وقلت ياعين ماللنور قد نيلا؟

فأي تكلف هذا وأي معنى وراء هذه الألفاظ! وأي ابتذال في قوله:


حتى القراءة وهي النبض في خلدي
ماعاد رونقها يسوى مثاقيلا

إن شاعراً قال في إحدى قصائده:


إن الحداثة إن يفتر مبسمها
على الأصيل بأنساقٍ وأوزان
وتكسب القول ألفاظاً منضدةً
من غير طلسمةٍ أو هذر سكران

فذاك رفد إلى موروث أمتنا ..........
فما التوقع ما يبقي أصالتنا ..........
لمطالب بإلحاحٍ بالتجديد في حدود المعقول المقبول، لكنه آثر السطحية متنازلاً عن جميع ماضيه الحافل بالعطاء، يقول في قصيدةٍ عنوانها« الرياض سلمان»:


تعال نعطي قليلاً من بضاعتنا
لشاعرٍ أرقص الوجدان والشيما

ونحن ندرك أن «نعطي» جواب الطلب لكنها بخل بجزمها! ولم أجد وجهاً لنصب «فضلها» في قوله:


وجه الرياض مضيء ذاك ديدنها
بيت العروبة لا شكوى ولا برما
حتى المسيئين من أبناء أمتنا
ومنكري فضلها لم تخطهم ديما

وشنيع بإلحاحٍ تخفيفه«تخطئهم» وأشنع منه أنه أوردها مع الديم في مقام عفوٍ وتسامح، فليست سهاماً حتى تصيب أو تخطئ، وليته قال مثلاً : «لم يحرموا الديما» وقبيح إشباعه «مل» لتصير«ملا» في البيت القائل:


خذها عجالة كهل ظل مزهره
يشجي ويطرب لا ملا ولا سأما

فضلاً عن «سأما» وهي«سئم» وقبيح هذا التركيب«خذها عجالة كهلٍ» أي «خذها سرعة كهل» ما هذا؟! تطالعنا في قصائد الديوان جميعها تراكيب سطحية واجتلاب قوافٍ وغير قوافٍ يطول عندها الوقوف، بل لا ينتهي.
«ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيب عتيد» ويا ابن إدريس لقد جئت بما لم تستطعه الأوائل، فإنك أول عربي يرفع اسم «لكن بتشديد النون» حين قلت:


ماكنت يوماً سلاحاً فاتكاً خطراً
حساً ولكن في المعنى لي الفخر

إن لك أن تحرك«خاء» الفخر ولكن لا تتماد في التمرد على اللغة« فالفخر» اسم لكن ويجب نصبه، وأنت رفعته. ويبدو أننا سنطيل الوقوف حول اللغة فالفعل المعطوف على فعلٍ مجزوم يجب جزمه، وأنت تقول:


عشرون عاماً على يأسٍ يراوحنا
لم تشرق الشمس أو يهفو لنا القمر

فلماذا تأبى ذلك وترفع «يهفو» المعطوفة على«يشرق» المجزومة؟!
وقِف لحظة مع اليهود الذين تقول لهم:


تيقنوا أنكم لن تنعموا أبداً
مادام موطننا المحتل يندحر

بلى والله إنهم لفي نعمةٍ وخيرٍ لا يطير غرابه، مادام موطنك المحتل يندحر، ومالك تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير في قولك:


أنا الذي أيقظ الأقوام من سنةٍ
وأيقظ الحس لهاباً له شرر

فاللهب لا يحتاج معه إلى الشرر، وإنني عند بعض أخطائك اللغوية أكذب على نفسي بأنها أخطاء مطبعية، إلا إذا ثبتت الحجة ودحضت خداعي لنفسي.
تقول عن لبنان:


متى نراك وقد غنيت من فرحٍ
«ياميجنا» وجبال الأرز تبترد؟

تراك نسيت أن ماهم فيه بسبب «الميجنا»! والله يقول:« ومن أعرض عن ذكري» ، وأين الوزن في قولك:


«سكون.. سكون.. سكون
أبنيّ استجبتُ لما تطلبون»
«لأسرح في عالمٍ غائم مستهام
ليس فيه رؤى أو بصيص منام»؟

وكثيراً والله ما اختل الوزن لديك، حتى في الشعر العمودي!! وآسف على تكرار هذه الجمل لأني سأشير إليها، أما السطحية والابتذال فالديوان ناضح بهما ويستطيع اكتشافهما أي قارئ، من تلك الأخطاء الفاضحة قولك:


إن الحداثة إن يفتر مبسمها
على الأصيل بأنساق وأوزان
وتسكب القول ألفاظاً منضدةً
من غير طلسمةٍ أو هذر سكران
وتبتني رؤيةً ما احول باصرها
إلى مبادئ إلحادٍ وكفران

فالملحوظ أن«تسكب وقد رفعت وتبتني» معطوفتان على«يفتر» المجزومة بإن الشرطية والشاعر ابن إدريس قد رفعهما!! والله حسيبه حين اضطره الوزن إلى تسكين نون«شنآن» الأولى، فهي بالتسكين تعني المبغض، وهو يريد البغضاء وسياق البيت يدل على صحة رأيي، ولكن للوزن الرأي الأول والأخير، يقول البيت:


فما لنا وشتيت الرأي متسع
نحذو الزعامات في خلفٍ وشنآن

يقول الله تعالى في الحديث القدسي:


«من ذا الذي يتألى علي..»الحديث
والشاعر يقول في جملةٍ تقريريةٍ:
زياد، تذكر أن لله حكمةً
إذا ما ابتلى والأجر حتماً مواكب

اللهم إنا نرجو الشفاء للأستاذ زياد، آمين. ولكن أيها الشاعر ليس بهذه الألفاظ التي تصدر الأحكام تقريراً لا يقبل المراجعة!! ولنعد إلى لغتنا، وقولك:


تقاسمتها والمخصبين ثقافةً
فزوراتهم تثري النهى وتواكب

لا أريد أن أتحدث عن سذاجة البيت وخطابيته، فهذا مفروغ منه، ولكن الحديث حول«المخصبين» فهي معطوف على تاء الفاعل، وأنت تأبى ذلك، ولا أريد أن أخبرك بأن عطف الظاهر على المضمر المرفوع لا يتأتى إلا بتأكيد المضمر إلا في أندر الضرورات، أقول لن أخبرك حتى تصحح الخطأ الأول.
كبير على النفس أن يجد القارئ في شعرك العمودي اختلالاً في الوزن، من ذلك قولك على البحر البسيط:


أم الحضارة، ياكبرى معاقلنا
بعد التصافي ليل العرب ينجاب

وقولك على البحر الطويل:


وتحفظ من تاريخ الجدود ملاحماً
هي الكرم الأسنى، عطاء ونائل

ويقول الشاعر والتخبط امتد إلى الصرف :


ومرت بها الأدهار يسراً وعسرةً
وما أثرت فيها الدهور الكواهل

فالكواهل جمع لكاهل «أعلى الظهر ما بين الكتفين» أما الكهل التي أرادها الشاعر فجمعها«كهول، كهلان، كهلة» ، وفي اللسان «قال ابن سيدة: وجمع الدهر أدهر ودهور وكذلك جمع الدهر «بتحريك الهاء» لأنا لم نسمع أدهاراً ولا سمعنا فيه جمعاً إلا ما قدمنا من جمع دهر» أ. ه، ج 4 ص 292.


وأسعدنا أخرى شهود معارك
بتمرين نجد نفذته البواسل

وأنا أجزم أن الشاعر يريد «البسلاء» أما البواسل فمفردها باسلة، ومن يصدق أن الشطرين السابق ذكرهما بيت شعري ؟ فضلاً عن كونه قفلةً شعرية أي:
آخر بيت! وحين كنت أراجع الديوان نبهني أخي المتقدم للدراسة الجامعية إلى أن الشاعر يرفع جواب الشرط والعرب كلهم يجزمونه في مثل قوله:


أومي عليك بكفٍ ملؤها حجر
ومخلبٍ إن يمس الصخر ينهار

ويقول بلفظة اخترعها لنفسه:
...................
لما غشاك من التحطيم عثيار
راجعت بعض المعجمات فوجدت«عثير: الغبار» ولم أجد العثيار التي جاءت من لدنه، واسم القصيدة« يا دار» وقد أنثها أول القصيدة ثم ذكرها آخرها!!
ونبهني أخي شكر الله سعيه إلى أن الشاعر رفع اسم«إن» !! وأعيد مرةً أخرى رفع اسم«إن»!! حينما قال:


وحسبها لخلود الذكر أن لها
من رسمها واسمها عزٌ ومقتبل

ولا اعتبار لاحتجاجنا بأن هذا خطأ مطبعي فقافية القصيدة كلها مرفوعة، كما لا اعتبار له فالوزن شاهد عليه لا له حين رفع فعل الشرط «إن تفيض» في قوله:


كم للقصيم على المكارم مكن يد
ماإن تفيض ففيضها مدرار

إلى هاهنا أكون وصلت ثلاثة أرباع الديوان، ووالله ومن حلف لكم بالله فصدقوه إن في البقية لأشنع من هذا.والسؤال الذي ينيخ بكلكله على أدباء السعودية: هذا الديوان بكل ما يحمله من تفكك وتناقض وتراكيب سطحيةٍ بألفاظ مجلجلةٍ لا إيحاء وراءها ولا معاني، وليس فيه سوى لغةٍ خطابيةٍ لا تحمل إلا أخطاءً فاضحةً من حيث اللغة والوزن هذا الديوان ماذا قدم للأدب السعودي الذي نستميت في الدفاع عنه؟ هاهو ذا أحد كبار أدبائنا، فهل تسجل القضية ضد مجهول؟!
'المدينة المنورة

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved