أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 21st August,2001 العدد:10554الطبعةالاولـي الثلاثاء 2 ,جمادى الآخر 1422

مقـالات

الاتجاه الإسلامي في الشعر العربي المعاصر التجليات والتحفظات 4 - 5
د. حسن بن فهد الهويمل
والنقد العربي القديم والحديث راعته ترديات الشعراء وانحرافاتهم، فكان أن واجه المنحرفين من الشعراء والمباركين للانحراف من النقاد، وحرض المؤمنين على القول السديد. والذين يدعون أن الشعر بمعزل عن الدين يضربون في فجاج التيه والإدعاء الكاذب، فالقرآن الكريم فرق بين شعراء الهداية والغواية، والرسول صلى الله عليه وسلم تعددت مواقفه من الشعر بتعدد المستويات الدلالية. والاتجاه الأخلاقي في النقد العربي القديم والحديث تقصاه عدد من الدارسين ورصدوه تاريخاً واتجاهاً، تنظيراً وتطبيقاً. نجد ذلك عند «نجوى صابر» في كتابها «الاتجاه الأخلاقي في النقد: أصوله وتطبيقاته»، وعند «محمد بن مريسي الحارثي» في كتابه «الاتجاه الأخلاقي في النقد العربي حتى نهاية القرن السابع الهجري»، وعند «غسان اسماعيل عبدالخالق» في كتابه «الأخلاق في النقد العربي من القرن الثالث حتى القرن السادس الهجري» وعند مصطفى عليان في كتابه «نحو منهج إسلامي في رواية الشعر ونقده».
ومع تحديد «مهمة الشاعر» في الحياة فإننا لن ندخل في جدل النقاد والأدباء، إذ كل فريق منهم يود من الشاعر خدمة غاية محدودة، دون النظر إلى الغايات الأخرى، والقليل من يرى تكافؤ الفرص، ولو امتدت نظرتنا إلى التراث لاستجلاء رؤيتهم في مهمة الشاعر، لرأيا الجدل قائماً بين «رواة الأخبار» و «النحويين»و «اللغويين»، وقد جسد هذا الاختلاف الجاحظ حين تحدث عن هم أبي عمرو الشيباني، وأبي عبيدة، وابن الأعرابي، ونظر بعض هؤلاء إلى القدم والحدوث الزمني، ونظر آخرون إلى اللفظ والمعنى، واستمر الحديث عن «مهمة الشاعر»، لتصل إلى العصر الحديث فيتلقفها الرومانسيون، والواقعيون، والكلاسيكيون، والأخلاقيون، والحداثيون، والحركيون، والمؤدلجون، والمسيسون، والفنيون، والإسلاميون، وسائر الطوائف، والأحزاب، والمذاهب، وكل حزب أو طائفة أو مذهب يرسم طريق الشاعر ويحدد مهمته. نجد مثل ذلك عند «سيد قطب» في كتابه «مهمة الشاعر»وفي كل مرحلة تعاد هذه القضية جذعة. وأحسب أن الوقوف بالحديث عند «مهمة الشاعر» وقوف ناقص، فالإنسان قبل أن يكون شاعرا هو صاحب عقيدة ورسالة في الحياة، والله قد استخلفه في الأرض، وهو سائله عما يعمل وعما يقول: «ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد». «إليه يصعد الكلم الطيب». «وقولوا قولا سديدا».
«وهدوا إلى الطيب من القول».
فتناول «مهمة الشاعر» بمعزل عن مهمة المسلم في الحياة تناول ناقص وساذج، وحين نتحدث عن «مهمة الشاعر» في الحياة مستحضرين مهمته كإنسان ومهمته بوصفه مسلما، نصل في النهاية إلى الغاية المرجوة، ومهمة المسلم في الحياة تقوم على عدة محاور:
عمارة الكون. هداية البشرية. عبادة الخالق.
التمتع بزينة الحياة التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق.
التفكر في ملكوت السماوات والأرض.
ولكل محور ضوابطه ومقتضياته التي لو تقصيناها لطال بنا الحديث وتشعب، ثم إن تناول الاتجاه الإسلامي في الشعر لا يقف عند حد النص بل يتعداه إلى: الموقف من الاتجاه ذاته، وترتيب الأولويات، وأسلوب التناول للقضايا والمواقف. والشاعر في مواجهة النوازل بحاجة إلى «موهبة قوية» و«ثقافة عميقة» و«وعي تام». وتلك إشكالية المشهد الثقافي، تتنامى فيه القضايا والمواقف والخيارات والرؤى، فمشروعية الفعل حين تختلف حولها وجهات النظر، ثم يكون لكل وجهةٍ منزع ودافع، يقتضي الموقف تحرير المسألة، ليكون طريق الأداء قاصداً معبداً، والذين يتعقبون أطروحات المفكرين والنقاد الإسلاميين، يروعهم التباين في وجهات النظر، فكيف إذا نظر المتعقب للمفكرين والنقاد الحداثيين والوضعيين والماديين؟ والمسلم الواعي من يعرف أن الرسل والأنبياء لا يملكون لأنفسهم ولا لعشيرتهم الأقربين نفعاً ولا ضراً، ومع هذا فإن من واجبه أن يعمل، وليس عليه هداية الضالين، فالله وحده الهادي لمن يشاء، وما يفعله الناصح معذرة إلى ربهم، ولعل الحائرين يهتدون.
والأدب الإسلامي: إبداعاً ونقداً وتنظيراً، قائم على أشده، وهو خاضع لسنة التدافع والتداول، يقوى، ويضعف، ولكنه لا يموت، وهو كغيره من الاتجاهات والنزعات في جزر ومد. ولو أننا أجلنا النظر فيما جمعه المهتمون بالقوائم السردية للشخصيات أو للأعمال أو ما قام به الدارسون والمترجمون للشعراء والكتاب والروائيين والقصاص والنقاد ذوي التوجه الإسلامي لوقفنا على آلاف المبدعين، وعشرات النقاد والدارسين، ومئات الدواوين والأعمال الروائية والقصصية، وما تم رصده قليل من كثير في زمن الريادة لهذا الاتجاه، وعندما يبلغ الأدباء مرحلة التأسيس والانطلاق، يأخذ الأدب الإسلامي موقعه الطبعي بين الاتجاهات والنزعات.
فالدكتور «عبدالباسط بدر» على سبيل المثال، أنجز «الجزء الأول» من «دليل مكتبة الأدب الإسلامي» حيث رصد فيه الكتب المطبوعة من مجاميع ودراسات وبحوث وتراجم ودواوين شعرية وأدب رحلات وروايات وقصص ومختارات ومذكرات ومسرحيات ومقالات. كما أنجز الأستاذ «أحمد الجدع» «معجم الأدباء الإسلاميين المعاصرين» في ثلاثة مجلدات، ترجم فيه للأدباء ذوي النزعة الإسلامية، وقدم نماذج من أعمالهم، وقد بلغ عدد الذين وسعهم هذا المعجم ثلاثمائة وثلاثة وستين أديبا، لم يكن من بينهم كاتب هذا البحث، مما يدل على عدم استيفائه لكل الأدباء ذوي النزعة الإسلامية، وصدرت من قبل سلسلة شعراء الدعوة الإسلامية في عشرة أجزاء، وقامت «رابطة الأدب الإسلامي العالمية» بمجلاتها ومؤتمراتها وندواتها ومكاتبها وكتبها، وقدمت الرسائل العلمية عن شعراء الدعوة الإسلامية في مختلف العصور إحصاءً وترجمة ومختارات وتوسع الدارسون في استيفاء الحديث عن ذوي النزعة الإسلامية وذوي المضامين الأخلاقية ومن خدموا حركة الإصلاح في القديم والحديث في مختلف الأزمنة والأمكنة في البلاد الإسلامية، وطبعت رسائل علمية عن العامل الديني في الشعر المصري والجزائري وسائر البلاد الإسلامية العربية وغير العربية، تبدت من خلالها الأفكار والمعاني، وتعددت الاتجاهات، وتنوعت الاهتمامات، وجاء الشعر القوي والضعيف، والمقبول، والمرفوض، والمتحفظ عليه، ومن خلط عملا صالحا وآخر سيئا، وكل هذه الكتب والأعمال مليئة بنصوص إبداعية تمثل الاتجاه الإسلامي في سائر فنون القول، وهي موزعة بين عدة اتجاهات.. منها على سبيل المثال لا الحصر:
الاتجاه الدعوي: والدعوة هنا تتجاذبها الحكمة والموعظة الحسنة والدفع بالتي هي أحسن، أو الغلظة والفظاظة وعنف القول، وتلك سمات الدعوة العامة، وحين تمتد رؤيتنا إلى فنيات النص، نجدها أقل مما هي عليه في الاتجاهات الأخرى، والدعويون يكونون من العلماء النظامين، ومن المفكرين المتفلسفين، ومن العاطفيين الثائرين، ومن ذوي الاتجاهات والمذاهب، ولسنا بصدد النظر في تفاصيل ما يقولون ولا من المعنيين بالمقبول والمرفوض والمتحفظ عليه، كل الذي يهمُّنا تجلية الاتجاهات.
وقد لاتكون الأعمال الشعرية الدعوية خالصة لذات الدعوة، إذ ربما يستهل الشاعر قصيدته بتصوير موقف بطولي أو إنساني، حتى إذا وثق من إصغاء المتلقي أفاض بالحديث إلى الدعوة، ويجب هنا أن نفرق بين الدعوة والموعظة، وإن كان بينهما خصوص وعموم، وشعر الدعوة لاتختص به طائفة من الشعراءعند قضية واحدة، ولايستقل بديوان، ولكن القصيدة ربما تكون خالصة للدعوة، وقد يتجاوز الشاعر الموعظة ليكون عمله خطاباً شعرياً مسيّساً، يعتمد ضرب الأمثال والتركيز على تجلية محاسن المشروع السياسي، وهذا اللون من الإبداع تفرزه الانتماءات الحزبية.
وقد يكون الشعر والشعراء في ظل حركات الإصلاح الديني، ولنذكر على سبيل المثال حركة الإصلاح الديني في الجزيرة العربية التي نهض بها المصلح المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله لقد ناصرها شعراء نجد المعاصرون حين تأثروا بها، واستجابوا لها، فكان منهم النظامون كابن سحمان وابن غنام، ومنهم المبدعون كابن مشرف وابن عثيمين وابن بليهد، ومن المعاصرين محمد بن سعد الدبل وعبدالرحمن العبيد وناشئة من الشباب الذين لا تحصي لهم عدداً، ولأنها ذات جزر ومد كما أدوار الحكم السعودي، فقد استجاب لها شعراء الآفاق الإسلامية، وتصدى لها بعضهم، وتركت أثرها الموضوعي في الشعر ومثلما انبرى الشعراء في نجد والحجاز وسائر البلاد لنصرة الدعوة نجد أن حركات الإصلاح الديني في مصر والشام حظيت بشعراء جاهدوا بأقلامهم وألسنتهم من أمثال: الرافعي وحافظ وشوقي ومحمود غنيم وأحمد محرم والكاشف، وبالرجوع إلى كتاب «العامل الديني في الشعر المصري»، وكتاب «الشعر الديني في الجزائر» تتبدى لنا الأبعاد والفنية والكم الكبير من النصوص والأعمال.
والشعر الدعوي أميل إلى الخطابية وأقوى في الأداء، وقد لا يكون موالياً لهذا المشروع أو ذاك. يقول الشاعر محمود النجار 1958م .. من قصيدة «طريق الحق»:


طريق الحق أعشقها
أسير بها ولا أجزع
مع الأجيال تنشأ في
رحاب الله لاتفزع
تحب الله تعبده
لغير الله لا تركع

ويقول محمد عواد 1934ه 1965م من قصيدة «صيحة الحق»:


أخي طال عهدُك بالمرقد
وطال اصطبارك بالحُقّد
وطال انتظارك يوم الخلاص
ويوم الكرامة والسؤدد

وإذا تجاوزنا «الاتجاه الدعوي» وجدنا اتجاهاً آخر، يتمثل في شعر المقاومة والتصدي للظلم، والشعراء ذوو الاتجاه الإسلامي تتنازعهم رغبات وهموم داخل الهم الأوسع.
فالهم الإسلامي ينطوي على أولويات، وكل شاعر تحركه الوقائع والأحوال، والوطن العربي تختلف وقائعه وأحواله ورؤاه وتصوراته وأوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، وتلك إشكالية العالم الإسلامي أضفاها على الأدب، كما أضفى عقباته إلى عقبات الأدب، وما أكثر العقبات في طريق الإسلام ومسالك الأدب الإسلامي، ومن ثم فإن الشاعر صدى للأحداث.
والمواقف في عالمه الذاتي والإقليمي والعالمي هي التي تحرك المواهب وتفجر المشاعر.
فشاعر إسلامي في المملكة يكون شعره في الأعم الأغلب متجهاً صوب الأحداث العربية وما تعانيه الأقليات المسلمة من تمييز واضطهاد، وما يشيع في البلاد الإسلامية من جنح فكرية وسقوط أخلاقي بسبب الحاكمية الوضعية، ولو ضربنا المثل بمشاطرة الشاعر السعودي لأبرز الأحداث الإسلامية، وهي «قضية فلسطين»، لوجدناه فوق التصور، حتى لقد أصدر عددٌ من الشعراء مجموعات شعرية عن هذه القضية، ومن أبرز الشعراء الذين شاركوا فيها: خالد الفرج، وحسن القرشي، وطاهر زمخشري وأحمد الغزاوي، وحسين عرب، وعثمان بن سيار، ومحمود عارف، ومحمد الدبل، وإبراهيم فطاني، ومحمد السنوسي، وزاهر الألمعي، والنعمي، والبهكلي، والبواردي، وأحمد الصالح، ومحمد هاشم رشيد، ومحمد فهد العيسى، وعبدالرحمن العشماوي، وكل أولئك يتبدى الحس الإسلامي في شعرهم، فالمقاومة إسلامية، والجهاد إسلامي، والقتيل شهيد، والتحريض على القتال وفق مفهوم إسلامي لا تحس بنزعة قومية ولا هم علماني ولا نظرة مادية.
وتواكب هذه القضية قضية «تحرير الجزائر»، وما لقيه الشعب الجزائري من نفي متعمد لعقيدته ولغته وثقافته. يقول السنوسي:


هناك فوق ذرى الأوراس معركة
وقودها عزة الإسلام والعرب

ويقول أسامة عبدالرحمن:


صبراً بني قومي فنيران العدا
برد على رسل الهدا وسلام

والشعر الإسلامي واكب فتوحات الملك عبدالعزيز واستعادته لملك آبائه وأجداده، وما عمله بعد معركة التكوين من إشاعة للأمن وإقامة للشريعة وقمع للفتنة ودعم متواصل لقضايا المسلمين. كل هذا فجّر مواهب الشعراء، ويكفي أن نضرب المثل بكتاب سعدت في الاشتراك بتأليفه هو: «الملك عبدالعزيزفي عيون شعراء صحيفة أم القرى»، والكتاب يقع في مجلدين كبيرين/ طبعة دارة الملك عبدالعزيز، واشتمل على مئات القصائد من عيون الشعر الإسلامي.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved