أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 22nd August,2001 العدد:10555الطبعةالاولـي الاربعاء 3 ,جمادى الآخر 1422

مقـالات

دعوة لإحياء القرار 3379
د. رشيد الحاج صالح
كثيرة هي الأسباب التي تستدعي العمل من أجل إحياء القرار «3379» الذي يعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، وآخر هذه الأسباب القمع الإسرائيلي الوحشي لانتفاضة الأقصى «قتل الأطفال، الحصار الاقتصادي، تهديم البيوت، اغتيال القيادات.. إلخ» وذلك بالإضافة إلى وصول اليمين الإسرائيلي المتطرف إلى الحكم في إسرائيل مؤخراً، الأمر الذي يجعل من كشف حقيقة الصهيونية وجوهرها العنصري وتعين هذا الجوهر في أبشع صورة في سياسة إسرائيل وتعاملها مع الشعب الفلسطيني والأطراف العربية الأخرى، مهمة ضرورية اكثر من أي وقت مضى.
واستجابة لهذه التحديات والظروف فقد اجتمعت في دمشق في مستهل شهر فبراير «لجنة الدعوة لتأسيس جمعية إحياء القرار رقم 3379» وتألفت من السادة: د. جورج جبور، د. يوسف سلامة، د. طيب تيزيني، د. سهيل ملاذي، الذين باشروا العمل لتأسيس هذه الجمعية.
وفي الواقع فإن الحديث عن إحياء هذا القرار يستدعي الحديث عن ظروف صدوره وظروف اعدامه. ففي 15/11/1975م أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة وبعد مداولات ومماحكات طويلة القرار رقم «3379» الذي يقرر ان الصهيونية «شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري» وطالب جميع الدول في العالم مقاومة هذه الايديولوجية الصهيونية ووصفها بأنها تشكل تهديداً للسلم والأمن العالميين.
ويعود الفضل في اصدار هذا القرار إلى التضامن العربي الذي أعقب حرب تشرين حيث صوتت عليه جميع الدول العربية، وإلى التعاطي الايجابي للوفود العربية التي استطاعت جمع أكبر عدد ممكن من الأصوات لدعم هذا القرار، وهكذا فقد اتى هذا القرار نتيجة تضافر جهود عربية وبروز الكتلة العربية ومعها الافريقية كعنصر فاعل في الأمم المتحدة، هذا التضافر الذي سينتهي بعد ذهاب السادات إلى إسرائيل واندلاع الحرب في لبنان والخليج العربي مع بداية الثمانينات.
ومنذ ذلك الوقت، بدأ العد التنازلي لتردي الأوضاع العربية، وكثرت الخلافات العربية العربية، الأمر الذي أدى إلى تراجع دور الكتلة العربية في الأمم المتحدة وهو ما ساعد على ايجاد فرصة مناسبة لإسرائيل من أجل العمل على الغاء ذلك القرار، حيث مرت الدول العربية بظروف عديدة ساعدت على اضعافها وتدني الروح القومية لديها بل والوطنية، وكان من أهم هذه الظروف، تآمر الدول العربية على بعضها البعض بسبب وتناحرها نتيجة لاختلاف مصالح الأنظمة الحاكمة وتباين توجهاتها الايديولوجية، وتدني مستوى حقوق الإنسان واضعاف الحياة السياسية في تلك الدول وصولا إلى الغائها في بعض الظروف والحالات، بالإضافة إلى حرب لبنان، وحرب الخليج الأولى والثانية وانهيار الاتحاد السوفيتي وبروز النظام احادي القطب، الأمر الذي جعل من ترك الفلسطينيين يواجهون مصيرهم بمفردهم نتيجة طبيعية لتلك الظروف، واقتصر دعم الدول العربية للقضية الفلسطينية على الدعم الإعلامي الذي كان يهدف إلى تلافي حرج تلك الحكومات أمام شعوبها.
ومع بداية التسعينات ذهب العرب إلى مؤتمر مدريد محملين بكل تلك الظروف والأوضاع وأتت إسرائيل بعقلية المنتصر القوي الذي يريد تطبيق شروطه بالرغم من تطمينات الأطراف الراعية للمؤتمر بأن مرجعية هذا المؤتمر هي قرارات الأمم المتحدة ولذلك لم تجد إسرائيل أي مانع من العمل على إلغاء هذه القرارات، وكانت البداية مع القرار 3379 الذي شكل الغاؤه اول ثمرة لمؤتمر مدريد، أما القرارات التي لم تحن الظروف والأجواء لالغائها فقد قدمت إسرائيل خلال المسيرة السلمية الطويلة تفسيرات خاصة لها تتفق ومصالحها مستغلة في ذلك عدم نزاهة راعي عملية السلام.
ومن هنا فإن الجهود المبذولة لدعم إحياء القرار 3379 تكتسب أهميتها من النقاط التالية:
1 الكشف عن الطابع العنصري للصهيونية التي تمارسه بشكل يومي ضد الانتفاضة والمتمثل في تزايد موجة القمع العنصري ضد الفلسطينيين، وذلك من خلال القيام بمقارنات بين الصهيونية والأنظمة العنصرية التي وجدت بين حين وآخر في مناطق مختلفة من العالم، وتبين هذه المقارنات ان إسرائيل هي كيان عنصري لا يختلف عن تلك الأنظمة فمن شأن هذه المقارنات كسب تأييد الشعوب التي عانت من مثل هذه الأنظمة العنصرية.
2 إن العمل على إحياء القرار 3379 يعني العمل على رفض الغاء أي قرار من قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية في المستقبل، إذ لا يخفى على الكثيرين ان إسرائيل ستتصيد الفرص والظروف لتمرير إلغاء قرارات أخرى مثل القرار 194 الذي يضمن للاجئين الفلسطينيين حق العودة إلى وطنهم، ولذلك فإن هذه الجهود موجهة أيضاً لمساندة قرارات يمكن ان تلغى في المستقبل، فإسرائيل سوف تستغل مجرد الحديث عن السلام حتى تخلق لدى الآخرين انطباعاً بأن السلام قادم وبالتالي لم تعد هناك حاجة إلى تلك القرارات، فمثل هذه الجهود عليها ان تؤكد ان عملية السلام ومسارها سواء كان متعثراً أم سالكاً لا علاقة له بقرارات الأمم المتحدة وإمكانية إلغائها، فسواء انسحبت إسرائيل ام لم تنسحب من الأراضي المحتلة فإن ذلك لا يلغي انها دولة عنصرية قامت على سياسة التهجير والمذابح واغتصاب أراضي الغير والتنكيل بالشعب الفلسطيني وغير الفلسطيني، والغاء القرار 425 على سبيل المثال لا يلغي الجرائم التي ارتكبتها في الجنوب اللبناني والمعاناة التي عاشها اللبنانيون بسبب الاحتلال الإسرائيلي والغاء القرار 338 لا يلغي معاناة السكان الذين شردوا وواجهوا ظروفاً قاسية وعاشوا لسنوات طويلة، بعيدين عن اوطانهم أو أهلهم، حتى وان طبقت إسرائيل تلك القرارات، وان انسحبت من الأراضي العربية المحتلة، وإذاً فلابد من التأكيد على الفصل بين قرارات الأمم المتحدة ومسار عملية السلام ومدى تطبيق إسرائيل لتلك القرارات، وان عدم وجود هذا الفصل هو الذي أدى إلى الغاء القرار 3379.
3 إن العمل على إحياء القرار المذكور هو عمل اهلي لابد ان تقوم به مجموعة من المنظمات والجمعيات غير الحكومية، لأن مثل هذه الجمعيات تكون فاعلة اكثر من المؤسسات الحكومية، فالعمل الحكومي العربي يعاني من المزاجية وعدم الجدية وبالتالي سيتحول ذلك العمل إلى ساحة لتبادل التهم وتلميع صور الحكومات والمتاجرة بالقضية الفلسطينية والمزاودات على الآخرين، يضاف إلى ذلك فإن مثل هذه الجهود غير الحكومية ترفع الحرج عن الحكومات العربية الراغبة بالسكوت أو المطبعة مع إسرائيل، وبالتالي فإن العمل على دعم إحياء القرار 3379 بشكل غير حكومي هو مواز او مستقل عن العمل الحكومي ولا يخضع لصفاء أو تلبد العلاقات العربية العربية. فالحكومات العربية تعثرت كثيراً في هذا المجال، وخير مثال على ذلك «مكتب مقاطعة إسرائيل» التابع لجامعة الدول العربية الذي تم تأسيسه منذ عام 1951م فهذا المكتب لم يستطع حشد الجهود لعزل الشركات التي تتعامل مع إسرائيل ولم تلاقي «القائمة السوداء» التي يصدرها أي نجاح وبقيت سجينة تلبد العلاقات واختلاف المصالح.
4 وعلى اعتبار انه جهد غير حكومي فإنه يستطيع ان يتوجه إلى الجمعيات والمنظمات العالمية غير الحكومية، فمثل هذه المنظمات تشكل في العالم العربي قوة ضاغطة لا يستهان بها، وإذا لم تكن هناك إمكانية لإحياء القرار المذكور رسمياً فهناك إمكانية لإحيائه على مستوى المنتديات العالمية غير الحكومية المناهضة للعنصرية، والتي لابد من تذكيرها بحقيقة الصهيونية.
5 يضاف إلى ذلك، فإن الجمعيات غير الحكومية لا تسأل من قبل الغرب عن سجل حقوق الإنسان في بلدانها كما يحصل عادة مع الحكومات العربية، وبالتالي فإن هذه الجمعيات تستطيع العمل بحرية أكبر مما لو كانت جمعيات أو مؤسسات حكومية، فهذه الجمعيات ليس لها علاقة بتدني مستوى حقوق الإنسان ولا بالسجون التي تنتهك فيها تلك الحقوق وبالتالي يمكن ان تلاقي الاستحسان والقبول أكثر من المؤسسات الحكومية.
6 انطلاقاً من ان هذا العمل هو عمل قومي، فإن جميع الفئات الثقافية والاتجاهات السياسية والفعاليات الدينية مدعوة للمشاركة في هذه الجهود، فالجميع مدعو لدعم هذه الجهود بشرط واحد فقط وهو ان يكونوا مناهضين لجوهر الصهيونية العنصري، وكل أشكال التمييز العنصري.
ان الالتفاف حول هذه الجهود ودعمها أمر ضروري، حتى لا يأتي اليوم الذي تصدر فيه الأمم المتحدة قراراً يصف الصهيونية بأنها حركة تحررية على العالم دعمها، وحتى لا تتكرر فضيحة وسابقة ليس لها مثيل كسابقة الغاء القرار 3379 وهو الأمر الذي ينذر به استمرار انهيار الاوضاع العربية.
كاتب سوري

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved