أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 24th August,2001 العدد:10557الطبعةالاولـي الجمعة 5 ,جمادى الآخر 1422

شرفات

الواقع والدراما: علاقة شائكة
هل نجحت السينما فعلاً في التعبير عن مشاكل الشباب وهموم البطالة؟
الفنون لا تنمو من فراغ، فهي ليست منبتة الصلة بالواقع المعاش وبالمتغيرات الاجتماعية التي تطفو على سطح المجتمع من وقت لآخر، والسؤال الأساس الذي يفرض نفسه: هل السينما وكذلك التلفزيون كانا قادرين على متابعة ما يحدث في المجتمع العربي من تغيرات؟ وهل كانت السينما بالفعل واضحة وجريئة في تعرية مشاكلنا الاجتماعية أم تحولت إلى أداة تنويم مغناطيسي،
في محاولة للإجابة عن مثل هذه التساؤلات أعد الباحث عادل يحيى أطروحته للدكتوراه عن: «الواقع والدراما في السينما والتلفزيون» وبعد إجازتها أعدها للنشر وصدرت في كتاب عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2001م،
ينقسم الكتاب إلى قسمين أساسيين: قسم نظري وآخر تطبيقي يشمل عشرة أفلام مصرية بجانب مسلسل ليالي الحلمية، ويُعنى الباحث في الجزء التنظيري بمناقشة بعض المصطلحات والمفاهيم المتعلقة بقضايا العمل والبطالة، فالعمل عنصر أساسي يحقق الفرد من خلاله صعوده الاجتماعي من طبقه إلى أخرى (الطبقة مصطلح يشير إلى اشتراك مجموعة من أفراد المجتمع في عدد من الصفات الاقتصادية والاجتماعية)، ومن خلال هذا الصعود يتحقق ما يسمى بالحراك الاجتماعي،
والحقيقة أن للحراك الاجتماعي ستة مصاعد شهيرة هي: الاقتصاد والسياسة والمؤسسة العسكرية والمؤسسة الدينية والعلم والزواج وكثيراً ما يلعب العمل وبذل الجهد أو الإرث والنسب دوراً مهما في اختيار هذا المصعد أو ذاك،
وحدد المؤلف الفترة ما بين عامي 1975م و1994م باعتبارها أكثر فترة شهدت تحولات اجتماعية واقتصادية كثيرة مثل الانفتاح الاقتصادي وعدم تعيين الخريجين وانتشار القيم الاستهلاكية وصعود النماذج المنحرفة إلى قمة المجتمع، وتظهر البطالة كمشكل رئيسي باعتبارها تعنى فقد حق الحراك الاجتماعي، ومن مصر يقدر عدد العاطلين من خريجي الجامعات بحوالي مليون ونصف عاطل،
ثم ينتقل المؤلف إلى الجزء التطبيقي من الكتاب ويختار عشرة أفلام مهمة أنتجت في ما يسمى بعصر الانفتاح وهي: عودة الابن الضال (1976م) وانتبهوا أيها السادة (1980م)، المذنبون (1976م)، المشبوه (1981م)، أهل القمة (1980م)، الحب فوق هضبة الهرم (1986م) الطوق والأسورة (1986م)، سوبر ماركت (1990م)، البحث عن سيد مرزوق (1991) البداية (1986) بالاضافة إلى مسلسل ليالي الحلمية بأجزائه الخمسة (1991 1995)،
في فيلم عودة الابن الضال ليوسف شاهين يدور الصراع الطبقي بين عائلة المدبولي الرأسمالية وبين العمال المطحونين، ويبدو أن الانفتاح أثر بالسلب على هؤلاء العمال حيث تم الاستغناء عن أكثر من نصف عمال المصنع، وعندما يلجأون إلى علي المدبولي رمز الحلم والأمل والأخ الشقيق لطلبة المستبد (شكري سرحان) يخبرهم على أن المسألة تحتاج إلى «شوية صبر» وتبدو الأم «تفيدة» المحبة لابنها الصغير علي موزعة بين ولديها، فهي بوعيها وعقلها مع كل ما يفعله «طلبة» لكن قلبها يهفو إلى «علي» العائد من الغياب، وكذلك الأب المدبولي الكبير (محمود المليجي) يبدو سلبياً إزاء ما يفعله طلبة عاجزاً عن الفعل إلى أن ينهار البيت الاقطاعي في عمليات قتل بالجملة تصدر حكماً بعدم صلاحية الجميع وأن الأمل يبقى معقوداً على أجيال جديدة لم تأخذ فرصتها بعد،
وإذا كان الصراع في عودة الابن الضال يأخذ شكلاً جماعياً إلى حد ما فإن هذا الصراع الطبقي يتكرر في أفلام أخرى من خلال نماذج فردية مثل الأستاذ الجامعي والزبال (حسين فهمي ومحمود ياسين) في فيلم (انتبهوا أيها السادة) من إخراج محمد عبدالعزيز، ومثل الضابط النزيه واللص الوصولي (عزت العلايلي ونور الشريف) في فيلم «أهل القمة» لعلي بدرخان، أما فيلم الحب فوق هضبة الهرم لعاطف الطيب فيركز بالأساس على إحباط شباب الخريجين الذين لا يجدون فرصة عمل جيدة أو مسكناً جيداً أو حياة زوجية كريمة لأن الطبقة العليا في المجتمع غدت متكلسة وغير قابلة للاختراق أشبه بطبقة ثلجية تقتل الأحياء أسفلها، لنصل في النهاية إلى مفارقة ساخرة تتهم الزوجين بارتكاب فعل فاضح يخدش الحياء العام بدلاً من اتهام المجتمع بأسره بأنه هو الذي يمارس الفعل الفاضح،
وفي فيلم «المذنبون» لسعيد مرزوق تتضح الإدانة الرمزية لجميع وجهاء المجتمع: الطبيب والمهندس والضابط والتاجر والممثل، فهؤلاء جميعاً لا يتورعون عن اغتيال مجتمعهم بلا رحمة أو شفقة، نفس الإدانة الرمزية المفجعة نلقاها في فيلم سوبر ماركت لمحمد خان حيث أصبح كل شيء يباع ويشترى حتى مشاعر الطفولة البريئة!،
ورغم حرص المؤلف على تنويع النماذج المختارة لكن يلاحظ أن أفلام مثل المشبوه والطوق والأسورة لا تعد بصورة مباشرة عن القضايا الاجتماعية المثارة في الجزء النظري، وكذلك العنوان يوحي بالحضور المتوازن للأعمال السينمائية والتلفزيونية على حين اكتفى المؤلف بمسلسل واحد في مقابل عشرة أفلام تمثل أغلبها حسب تاريخ الإنتاج ثلاث سنوات فقط (76، 80، 86) من الحقبة الطويلة المخصصة للبحث،
يضاف إلى ذلك أن المؤلف كان حريصاً من خلال سرد قصة الأفلام المختارة إلى التأكيد على الجوانب الاجتماعية، أكثر من حرصه على النواحي الفنية والتقنية لهذه الأفلام، فيندر أن يلتفت إلى زاوية كاميرا أو تكوين كادر، ورغم هذه التضحية بالجانب الفني لصالح القضايا المثارة في الأفلام يخلص المؤلف د، عادل يحيى إلى أن هناك غياباً للفنان المبدع عن واقعه وانفصاله عنه وهذا جزء من الأزمة الرئيسية في الأعمال الدرامية خاصة السينما، وإما أن نصدق هذه النتيجة ونكذب تحليل الباحث للأفلام أو العكس، أي أن نصدق التحليل ونكذب النتائج!!،


أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved