أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 30th August,2001 العدد:10563الطبعةالاولـي الخميس 11 ,جمادى الآخرة 1422

مقـالات

مع التربويين
القيادة التربوية
د. عبدالحليم العبد اللطيف
لا أحد ينكر التطور السريع والمذهل والتحول الكبير الذي تشهده إدارة المكاتب الإدارية والتربوية خاصة بعد الاهتمام الكبير بهذه المكاتب وتلاقح الأفكار وتناقل الخبرات والتجارب خاصة الجيد والمفيد منها. كما كان للتأهيل الجيد لقادة هذه المكاتب والتدريب المستمر أعظم الأثر في التأثير والتطوير والتعمير، يضاف الى ذلك استخدام الأجهزة الحديثة والكثيرة. ولكي يجد القائد التربوي متسعا من الوقت للتفكير والتطوير والمتابعة والتخطيط السليم فإنه يحتاج في ذلك الى أشياء كثيرة تساعده وتسانده لكي يدير عمله ويتابعه بهمة واقتدار. ورجال الإدارة شأنهم شأن غيرهم من البشر يعملون في وسط من الصعب معرفة جميع أحواله وظروفه ومنشطاته ومثبطاته. ومعروف لدى الخاص والعام أن سلوك الإنسان وتعامله يتوقف غالبا على تفاعل الظروف المحيطة به، أو أولئك الذين يعملون معه. يضاف الى ذلك التكوين الداخلي للفرد واستعداده لهذا التأثير والتأثر أو الانجذاب. ولذا نجد الشرع المطهر ركز كثيرا على البطانة الصالحة واهتم بها كثيرا وخصت بالدعاء والاهتمام لأثرها الكبير على من تحيط به. كما أنه من المعلوم جدا أن سلوك القائد التربوي يتمدد وفق نظرته الى منصبه، وإذا كانت نظرة رجل الإدارة التربوية الى مرؤوسيه منخفضة وهذه توجد لأسباب كثيرة زاد ذلك بالطبع من أعبائه ومشغولياته لأنه يتفقد أعمالهم ويشرف كثيرا وبدقة على أدائهم كما أن قضاء وقت بالتوجيه والمتابعة يقلل من عطائه وفاعليته والعكس صحيح ومجرب. فإذا ما كان العاملون من ذوي القدرة والندرة والتأهيل الجيد والدقيق والاهتمام بعملهم وفق الأصول المرعية نجد العبء الاشرافي والتوجيهي يقل ويصبح عنده وقت مناسب وجهد يمكن أن يصرف فيما هو نافع ومفيد. وإذا نظر القائد التربوي الى مرؤوسيه نظرة إيجابية زاد ذلك من جهده وجهدهم ومرونته ومرونتهم وقل كثيرا الالتزام بحرفية النظم، ونظر الى الجوهر والمصلحة وفق النظام أو ما يسمى بفقه النظام.
أما إذا نظر إليهم نظرة سلبية وشك في عطائهم وقدراتهم فإنه حينئذ لن يقبل آراءهم ومقترحاتهم وسيقل العطاء ويختل الأداء وتصبح الإدارة رديئة والحصيلة أقل. وهذا يحصل كثيرا في العديد من الإدارات التربوية الضعيفة. والقائد التربوي قدوة والتربية بالقدوة هي أفعل وأفضل الوسائل جميعا وأقربها الى النجاح والفلاح إذ أنه يربي بسلوكه الشخصي قبل أن يكون بالكلام. والتربية بالقدوة حينما تستقر في النفس تهزها من قواعدها وتتغلغل فيها الى الأعماق إذ أنه يكون الأنموذج الحي لمن معه وهو المفسر والمترجم للقائد التربوي المسلم سواء بأخلاقه الذاتية أو بتعامله مع الناس أجمعين. وهي بحق قيادة صالحة تسيطر على القلوب والأرواح قبل سيطرتها على الأجسام والأشباح ومن أخص خصائصها أنها تبعث في روح القائد ومن معه الإحساس بالعزة من غير كبر مقيت مميت كما تبعث روح الثقة في غير اغترار وشعورا بالاطمئنان في غير تواكل. وعند ذلك يتذوق الجميع لذة الحقائق ولذة العدل والفضل والنبل والإطمئنان. يعاونه في تحقيق ذلك كله جماعة تربت على أخلاق الإسلام تساعده في تنظيم وقته وتوزيع جهده وكيف يستقبل مراجعيه وكيف يقضي حوائجهم بيسر وعدم عسر. ولأهمية عمل السكرتارية أو أمين السر، والسكرتارية في الأصل كلمة لاتينية اشتقت من السرية في الأعمال، ولذا تطورت حديثا حتى أصبحت تقريبا الوظيفة المساندة أو المعاونة للمدير واختيار هذا السكرتير يخضع لذوق المدير وفطنته وإدارته. وهو يستقبل غالبا المكالمات والرسائل البريدية كما يستقبل الزوار والمراجعين. وكلما ازدحم العمل وكثر ورقه كلما كان لأثر السكرتارية مكانته وفاعليته. ولذا نجد في دنيا الناس شرقا وغربا تفاوتا كثيرا بين أعمال هؤلاء المديرين كما نجد الفرق الشاسع بينهم قوة وضعفا ودقة وخلافها. وهناك متطلبات ومهارات يجب أن تتوفر في من يتولى إدارة المكاتب مضافة الى المؤهلات العلمية. وهناك أيضا صفات شخصية وهي الأهم ومن أهمها الأمانة وحفظ الأسرار، وقوة الذاكرة، ورحابة الصدر، وحسن الخلق وجودة الحديث، وحسن المظهر والمخبر، والعناية بالترتيب والتنظيم، واللياقة وحسن التصرف. وهناك صفات كثيرة أودعها الله في بعض خلقه يتفاوتون بها، وكلما كان مدير المكتب معلما بأعماله مدركا لواجباته كلما أراح المراجع والمدير وخفف عنه الكثير من أعبائه وساعده في عمله. غير أن هناك البعض إما انه لا يحسن الاختيار أو لا يتابع ويراقب عمل مدير المكتب فيحصل أحيانا ما لا يرغب فيه من تأخير للمعاملات أو عدم فهم لموضوعاتها واختلافها من حيث الأهمية والسرعة ولا أين ذهبت ولا يحسن متابعتها والوصول بها الى مرامها. كما أن بعض العاملين في المكاتب يلزمه أن يحسن استقبال الزوار لها ويوجههم
الى ما ينفعم لقضاء ما أتوا من أجله ولا يضيق بهم ولا يؤخرهم أكثر من المعتاد، فمجيء الناس الى أي مسؤول تربوي دليل على حاجتهم اليه وأنه أهل لقضاء تلك الحاجات على حد قول الشاعر:


على باب أبي منصور
علامات من البذل
جماعات وحسب البا
ب فضلا كثرة الأهل

وقال الشاعر:


يسقط الطير حيث ينتشر الحب
وتغشى منازل الكرماء

وقال حبيب:


ليس الحجاب بمقص عنك لي أملاً
إن السماء ترجى حين تحتجب

وقال آخر:


يزدحم الناس على بابه
والمشرب العذب كثير الزحام

وقال الماوردي في أدب القضاء يشترط في الحاجب ثلاثة شروط وهي العدالة والعفة والأمانة وخمسة شروط مستحبة، وهي أن يكون حسن المنظر وجميل المخبر وعارفا بمقادير الناس وبعيدا عن الهوى ومتعدل الأخلاق.
وقال أبو عاصم جامعا الصفات النبيلة فيما نحن بصدد الحديث عنه:


هش إذا نزل الوفود ببابه
سهل الحجاب مهذب الخدام
وإذا رأيت صديقه وشقيقه
لم تدر أيهما أخو الأرحام

وقال منصور الفقيه:


إذا كان لابد من حجبة
ومن حاجب فاجعلوه رفيقا
يخاطب من جاءه بالجميل
فيأتي صديقا ويمضي صديقا

وقال عبدالملك بن مروان لأخيه عبدالله حين وجهه الى مصر:
إعرف حاجبك وكاتبك وجليسك فإن الغائب يخبره عنك كاتبك والمتوسم يعرفك بحاجبك والخارج من عندك يعرفك بجليسك، وقال يزيد بن المهلب لابنه مخلد حين ولاه جرجان استطرف كاتبك واستعطر حاجبك، وفي لفظ واستعقل حاجبك.
كتب رجل إلى عبدالله بن طاهر:


إذا كان الجواد له حجاب
فما فضل الجواد على الخيل

فأجابه:


إذا كان الجواد قليل مال
ولم يقدر تعلل باحجاب

قال المنصور للمهدي يا أبا عبدالإله لا ينبغي أن يكون الحاجب جهولا ولا عييا ولاغبيا ولا متشاغلا ولا خاملا ولا ذهولا ولا محتقرا ولا ذميما ولا جهولا ولاعبوسا فإنه إن كان جهولا أدخل ذلك على صاحبه العذر الضرر حيث لا يقدر المنفعة وإن كان عييا لم يؤد الى صاحبه ولم يؤد عنه وإن كان غبيا جهل مكان الشريف فأحله غير نزلته وحطه عن مرتبته وقدم الوضيع عليه وجهل ما عليه وماله وإذا كان جهولا متشاغلا أخل بما يحتاج اليه صاحبه في وقته وأضاع حقوق الفاشين لبابه واستدعى به الذم من الناس له، وأذن عليه لمن لا يحتاج الى لقائه ولا ينتفع بمكانه، وإذا كان جهما عبوسا تلقى كل طبقة من الناس بالمكروه فترك أهل النصائح نصائحهم وأخل بذوي الحاجات في حوائجهم وقلت الغاشية لباب صاحبه فرارا من لقائه.
ولقد أحسن القائل:


أخو البشر محبوب على حسن بشره
ولن يعدم البغضاء من كان عابسا

وقال سعيد الزبيدي:
يعجبني من القراء كل سهل طلق مضحاك فأما من تلقاه ببشر ويلقاك بعبوس يمن عليك بعمله فلا أكثر الله في القراء هذا.
مسك الختام:


لا تجلس بباب من يأبى
عليك دخول داره
وتقول حاجاتي إليه يعيقها
إن لم أداره
أتركه وقصد ربها
تقضى ورب البيت كاره


أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved