أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 1st September,2001 العدد:10565الطبعةالاولـي السبت 13 ,جمادى الآخرة 1422

مقـالات

قصة اللغة العربية في تونس وانحسار اللاتنية
د. عبدالعزيز بن عبدالله السنبل
اللغة العربية في تونس عريقة تمتد بداياتها إلى زمن الفاتحين عندما بدأت تنتشر مع انتشار الدين الإسلامي الحنيف. وقد أسس عقبة بن نافع الفهري مدينة القيروان سنة 50 للهجرة، فكانت عاصمة الإسلام والعربية في تونس. «وكانت تسمى إفريقية» وفي كامل الشمال الإفريقي أو ما نطلق عليه حاليا المغرب العربي. وقد انتشرت العربية في المدن التي بناها الفاتحون أو فتحوها أو أعادوا بناءها، ثم انتشرت في البوادي والأرياف شيئاً فشيئاً وخصوصاً منذ أواسط القرن الخامس للهجرة عندما نزحت قبائل بني هلال وبني سليم إلى تونس، فكانت هجراتهم عاملا حاسما في تعريب تونس وانحسار اللاتينية وخاصة البربرية التي لا تتكلمها الآن في تونس إلا نسبة ضئيلة جدا من السكان في الجنوب الشرقي والجنوبي الغربي من المقيمين في بعض القرى الجبلية خاصة، خلافا لما هو عليه الحال في الجزائر والمغرب بالخصوص. لذلك فإن تونس بلد معرب بالكامل، والعربية فيها مزدهرة حية يتقنها المتعلمون ويفهمها ويتحدث بها غير المتعلمين من الكبار والصغار رغم خضوع تونس للاستعمار الفرنسي.
وقد كان للقيروان ثم للمهدية وتونس العاصمة دورها الكبير في نهضة الأدب العربي، وازدهار التأليف، وتطور الشعر والنثر والعلوم الشرعية والفقهية، فعرفت البلاد الشاعر والناقد الكبير ابن رشيق صاحب «العمدة»،وعلي الحصري الشاعر صاحب القصيدة المشهورة« ياليل الصب»، وإبراهيم الحصري صاحب «زهر الآداب».. ثم جاءت النهضة الحديثة فكان لتونس أدباؤها وشعراؤها الذين ازدهرت العربية وفنونها على أيديهم من أمثال الشاذلي خزندار أمير شعراء تونس، وجلال الدين النقاش، وحسين الجزيري، والشاعر الكبير أبي القاسم الشابي الذي جرى شعره في تونس وفي كامل أرجاء الوطن العربي مجرى الأمثال. وفي النصف الثاني من القرن العشرين، عرفت تونس أدباء وشعراء كباراً في مستوى كبار شعراء الأمة العربية وأدبائها. ومن ابرز الأدباء التونسيين: محمود المسعدي صاحب رواية «السد» الشهيرة، والبشير خريف صاحب الروايات والأقاصيص العديدة العذبة مثل« برق الليل»، و«الدقلة في عراجينها» و«مشموم الفل»، والشاعر أحمد اللغماني، والشاعر نور الدين صمود، والأستاذ الجامعي والشاعر جعفر ماجد، والشاعر رئيس اتحاد الكتاب التونسيين الميداني بن صالح، وغيرهم الكثير.
وقد كان لجامع الزيتونة وهو بمثابة جامع الأزهر بمصر وفي مرتبته دور كبير في الحفاظ على اللغة العربية لا في تونس فقط وإنما في الجزائر أيضا وربما في أقطار عربية وإفريقية أخرى. فهذا المعقل العتيق، الذي تواصل إشعاعه إلى بداية الاستقلال، قد كان منارة علمية ومؤسسة تدريبية تخرج منها آلاف بل عشرات الآلاف من حملة القرآن والحديث والعلوم المختلفة، فكان منهم القاضي والمحامي والمدرس والأديب.. وقد تحول جامع الزيتونة في بداية الاستقلال إلى كلية للشريعة وأصول الدين، وحذف التعليم المتوسط والثانوي الذي كان يقدم في إطاره، لكن السابع من نوفمبر أعاد إليه الاعتبار فجعله جامعة للتعليم العالي والبحث العلمي في الشريعة والحضارة، واستأنفت جامعة الزيتونة إشعاعها باستقطاب عشرات الطلاب من إفريقيا وآسيا وأوروبا المسلمة بالخصوص، إضافة إلى مئات الطلاب التونسيين الذين تستفيد الدولة التونسية من خبراتهم العالية في التدريس والوعظ والإرشاد والبحث والإعلام وغيرها من المجالات الحيوية.
وفي بداية الاستقلال، كان التعليم على صنفين: زيتوني معرب، وعصري مفرنس في معظمه. لكن كان لتونس مدارس ثانوية مشهورة في مقدمتها المدرسة الصادقية التي تخرج منها أغلب زعماء الحركة الوطنية ومعظم كوادر الدولة الحديثة تعلموا فيها العربية بإتقان لا يقل عن إتقان اللغة الفرنسية. ولم ينجز التعريب الشامل رغم القدرة عليه، لكن عهد السابع من نوفمبر الذي حل سنة 1987 مع الرئيس بن علي، أعاد إلى العربية اعتبارها في الإدارة والمجتمع والتعليم، وعرب التعليم الأساسي بقانون صدر عام 1991، لذلك فإن التلاميذ التونسيين يدرسون كل المواد العلمية باللغة العربية طيلة تسع سنوات هي مرحلة التعليم الأساسي، ويؤمل أن يتواصل تعريب تدريس المواد العلمية في المرحلة الثانوية بعد أن تم بالكامل تعريب المواد الإنسانية والاجتماعية بنجاح منقطع النظير.
وفي تونس صحف ومجلات كثيرة تصدر باللغة العربية، وحركة واعدة لنشر الكتاب العربي، ومؤسسات عاملة في مجال التعريب واللغة العربية إضافة إلى الجامعات والمعاهد والنوادي.. في مقدمتها المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون «بيت الحكمة» الذي يرأسه الزميل الأستاذ الدكتور عبدالوهاب بوحديبة المثقف البارز وعالم الاجتماع المقتدر. ولتونس مدرسون أكفاء في اللغة العربية تستفيد منهم أقطار عربية وأجنبية عديدة، ويعمل بعضهم في فرنسا ودول غربية أخرى لنشر اللغة العربية في صفوف أبناء الجالية المهاجرة التونسية والعربية. وتسند وزارة الثقافة التونسية سنويا جوائز في الأدب والترجمة، كما تنظم ندوات أدبية وفكرية وثقافية كثيرة، وتصدر مجلة ممتازة عربية اللغة هي «الحياة الثقافية».
والعربية الفصحى لدى التونسيين دقيقة أنيقة غالبا، ولهم حرص شديد على صفاء لغتهم تحريرا وكذلك تعبيرا في محادثاتهم مع أشقائهم العرب وفي برامجهم الإعلامية المتطورة. وقد علمت انه كان لتونس دور مهم في تعريب الجزائر المستقلة، كما كان لها عبر الفترات التاريخية دور أساسي في نشر اللغة العربية والثقافة الإسلامية بإفريقيا.
وللتونسيين بعض الاستعمالات الخاصة التي قد لا يفهمها العربي أو المستعرب بيسر ومن أول وهلة، مثل استعماله لكلمة« تربص» بمعنى «تدريب» أو«دورة تدريبية «أو» «رسكلة» بمعنى« إعادة التأهيل»،«أو«نزل» بمعنى»فندق.. الخ. ولكنهم مدركون لضرورة المحافظة على وحدة اللغة العربية ومفهوميتها، لذلك ترى مثقفيهم حريصين على استبعاد ماقد لا يفهمه شقيقهم العربي، وعلى تبني الألفاظ والعبارات العربية المشتركة، وهو ما يؤكد دور التونسيين البارز في العمل الجاد على تحقيق وحدة الثقافة العربية التي ركيزتها وقوامها، اللغة العربية الشريفة.
ص. ب 1120 تونس

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved