أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 2nd September,2001 العدد:10566الطبعةالاولـي الأحد 14 ,جمادى الآخرة 1422

الثقافية

المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون بيت الحكمة
د. عبدالعزيز بن عبدالله السنبل
ليس اسم «بيت الحكمة» بالجديد على الثقافة العربية الإسلامية بل إنه استرجاع لاسم معْلم من معالمها وقت أن كانت هذه الثقافة واعدة بل ومتصدرة لكل صنوف العطاء الثقافي والحضاري التاريخي وقتها.
فمن منا لم يسمع ببيت حكمة الرشيد الخليفة العباسي الذي خضعت له رقاب العظام والجبابرة في عهده الذي كان يأتيه خراج الأرض شرقاً وغرباً، ومن منا لم يسمع ببيت حكمة ابنه المأمون ا لذي وسع من بيت أبيه واستقدم له العلماء والمترجمين والناسخين من كل حدب وصوب وجعل من أهم همومه ترجمة علوم الأولين وأن يجعل من بيت الحكمة منارة علم تشد لها رحال العلماء من كل أقطار الدنيا. قصة بيت الحكمة هذه استرجعها بناة الدولة التونسية الحديثة وأسسوا على منوالها بيتاً للمعارف أسموه بيت الحكمة. وذلك سنة 1983، وقد أنيط بهذه المؤسسة دور إحياء التراث العلمي والأدبي واللغوي للبلاد التونسية والمحافظة عليه.
غير أن الانطلاقة الكبرى لبيت الحكمة إنما كانت سنة 1992م وذلك عندما حول بموجب القانون رقم 116 المؤرخ في 30 نوفمبر من نفس السنة إلى المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون «بيت الحكمة» وقد أنيطت به مهام كثيرة منها:
ü جمع أعلام الثقافة البارزين لبحث وتطوير وتبادل مختلف النشاطات الفكرية والعلمية المتوفرة لديهم.
ü المساهمة في اثراء اللغة العربية وتطويرها كلما كانت هناك دواع لذلك لكي يمكنها ذلك من مواكبة كل جديد علمي أو ثقافي مع مواصلة تطوير علاقتها باللغات الأخرى ويشمل هذا النشاط تأليف المعاجم والموسوعات وترجمة المؤلفات.
ü العناية بالتراث في مجالات البحث والنشر.
ü تشجيع الابداع في كافة المجالات العلمية والأدبية مع مواصلة تنظيم الندوات والمحاضرات في مجالات اهتمام المجمع بالاضافة إلى نشر المؤلفات ذات الطابع العلمي والأدبي والفني والتراثي.
ü تقديم الاستشارة والآراء الصائبة المتعلقة بمواضيع اختصاص المجمع إلى سلطة الاشراف وغيرها من الجهات المهتمة بنشاط المجمع.
ويتكون مجمع بيت الحكمة من أعضاء دائمين جنسيتهم تونسية بالاضافة إلى أعضاء مشاركين يتم اختيارهم من بين الشخصيات الأجنبية ذات الكفاءة المتميزة، اضافة إلى أعضاء مراسلين.
ويضم بيت الحكمة سبعة أقسام علمية هي: قسم الآداب والعلوم، قسم الدراسات الفلسفية والحضارية، قسم العلوم الانسانية والاجتماعية، قسم العلوم القانونية والاقتصادية، قسم العلوم الأصلية، قسم العلوم التطبيقية والتكنولوجية، قسم التاريخ والفنون والآثار.
والزائر اليوم لبيت الحكمة سيلاحظ نشاطاً علمياً وبحثياً لا يكل وهو النشاط الذي تضاعف منذ تم توسيع نشاط بيت الحكمة عندما تحول بفعل القانون السالف الذكر إلى مجمع.
ويقع مجمع بيت الحكمة في قصر منيف ينتصب بشموخ في ضاحية المرسى قرب قرطاج مقر رئاسة الجمهورية وقد تعاقب على ملك قصر بيت الحكمة هذا ملاك وسكنه سكان تداولوه على مر تاريخه، فقد ملكه أول من ملكه مؤسسة أحمد زروق مستشار باي المحلة حمودة وزوج زنيخة أخت محمد باي «1855 1859» ومحمد الصادق باي «1859 1882» وقد شيد أحمد زروق قصره والذي عرف باسمه على أرض بها سانية وبئر اقتطعها له صهره محمد باي ويبدو أن أحمد زروق قد عاش أياماً هنية بقصره وذلك عندما عين قائداً لحملة للقضاء على تمرد جهات الساحل، واستلم بعدها وزارة الحرب سنة 1865 ووزارة البحر من سنة 1877 حتى سنة 1881.
غير أن الزمان قد مال على أحمد زروق بعد ذلك، مما دفع به لارتهان قصره لأحد الأثرياء اليهود وعندما لم يستطع قضاء دينه تملك اليهودي على القصر وأجّره لجول فرّي أول وزير للحماية الفرنسية على تونس، ثم ليقوم محمد الحبيب باي بشراء قصر زروق سنة 1922 وخص به ابنه محمد الأمين باي 1943 1957، الذي وسع فيه بزيادة بناءات لسكن أفراد أسرته وأتباعه، وقد شهد هذا القصر مراسم الاستقبال التي أقامها الباي للرئيس منداس فرانس وهو الاستقبال الذي أعلن فيه هذا الأخير عن حق تونس في الحكم الذاتي.
وبعد أن نالت تونس استقلالها وأعلن عن قيام الجمهورية التونسية سنة 1957، أصبح قصر زروق من الأملاك العائدة للدولة الجديدة، واتخذ لفترة مقراً للمعهد القومي للآثار وفي سنة 1983 اتخذ من قصر زروق مكاناً لمؤسسة بيت الحكمة. والزائر لمجمع بيت الحكمة اليوم، سينبهر بمستوى التناغم والانسجام بين هذا المعلم التاريخي الرائع وبين الاسم التاريخي الكبير الذي يحمله.
حيث تتكامل روعة المكان مع ضخامة الرسالة والدور الذي تلعبه المؤسسة التي يحتويها، حيث غدا بيت الحكمة علماً على قصر زروق وهما لذلك يتكاملان في روعة الشكل وجسامة المضمون، ويعبران في نفس الوقت عن تلاحم بديع بين الأصالة التاريخية في بعديها المعماري والثقافي «الحضارة» والمعاصرة المجسمة فيما تشهده تونس اليوم من نهضة جبارة في كافة مجالات الحضارة الحديثة على نحو من الاصرار على ضرورة المزاوجة بين الجذور والفروع، بين الأصالة في كل قيمها والمعاصرة بكل فوائدها، بين المحافظة والتفتح.
تلك هي تونس اليوم، تونس المعتدة بتاريخها العريق وحاضرها الناهض ومستقبلها الواعد.
تونس ص. ب : 1120

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved