أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 4th September,2001 العدد:10568الطبعةالاولـي الثلاثاء 16 ,جمادى الآخرة 1422

الثقافية

قصة قصيرة
رؤيا
فاطمة الرومي
استيقظ من نومه مفزوعاً. طاشت يده في الظلام وهو يتلمس مفتاح النور.. أضاءت الغرفة بنور خافت أتاح له رؤية صورته المنعكسة أمامه في المرآة، بدا شكله غريباً، وأنفاسه تتلاحق. بسمل بصوت متقطع وهو يتحسس رقبته بكلتا يديه. اطمأن إلى أن كل ما رآه لم يكن سوى حلم مزعج.
بقي محيطاً عنقه بكفيه كمن يحاول حمايتها من هجوم مباغت، لكن جفاف حلقه العارم دفعه إلى التخلي عن هذا السياج الذي يحيط بعنقه.. تناول الماء بجواره وارتشف منه قليلاً ولسانه يلهج بالشكر. التقط بعض أنفاسه، واستعاد شيئاً من الهدوء رغم أن جسده ظل مجهداً كمن خرج للتو من معركة.
أغمض الرجل المجهد من كابوس خانق عينيه محاولاً إغراء النعاس بمعاودة التسلل إلى أجفانه لكن وقع هذه الرؤيا أبى إلا أن يسكب أرقاً في مقلتيه.
*****
في مقر عمله سرد تفاصيل رؤياه المفزعة على زميله، وسأله برجاء عن أي شخص يحسن تأويل الرؤيا لكن زميله الذي لم يخف دهشته وخوفه من رؤيا كهذه نصحه بود نسيان الأمر وعدم الاكتراث بما رآه في منامه ليل البارحة قائلاً: كل الرجال وفي لحظة غضب أو نزوة إقدام قد تتدلى أجسادهم معلقة في الهواء.
بدا حائراً بين رغبته في معرفة مدلولات الرؤيا وبين خوفه من عاقبة الأمر لكن شيئاً ما يدفعه لتأويل ما رآه في منامه الليلة الفائتة، ربما إحساسه أن هذه الرؤيا ما هي إلا رسالة مغلفة ينبغي له فض مغاليقها ربما يكون هذا الشعور بالانقباض هو ما يدفعه للتفكير على هذا النحو.. ليضع رأسه بين راحتيه مستنداً إلى الطاولة: آه يالها من رؤيا مفزعة تنوء هذه الجمجمة بحملها.. عمل جاهداً على إغلاق كل الأبواب والمنافذ حتى لا تطل هذه الهواجس برأسها إلى الخارج متشاغلا عنها بما أمامه من أوراق، لكنها تأبى إلا أن تمارس تسكعها بحثاً عن مخرج، فتفكيره ظل مشدوداً إلى ما رآه في منامه: ياله من حبل غادر.. ذلك الذي التف حول عنقي، وجعلني طوال ليل البارحة أتأرجح في الهواء جاحظ العينين، وزبد أبيض يغطي شفتي.. يستغرب سيطرة هذه الأفكار عليه فهو ممن لا يعنيه أو يهمه شأن الأحلام والمنامات، الا أنه مال وبطريقة غير معهودة الى التفكير والقلق وإطالة التحديق في المجهول لكن صوت زميله لا يلبث أن يعاود تحذيره من مغبة الإفراط في مثل هذه الأفكار.
يجد نفسه محاطا بعلامات استفهام كثيرة تتراقص فوق رأسه وحوله ليتخذ تفكيره منحى آخر: ترى ما الذي يدفعنا لتأويل أحلامنا ومناماتنا؟! أخوفنا من القادم المجهول هو ما يقودنا الى ذلك .. أم هي مجرد محاولات لقراءة وجه أيامنا الآتية؟! يقول موجهاً حديثه الى زميله الذي بدا منهمكا فيما بين يديه من معاملات آملا أن يشاطره زميله هذه الوجبة من الأسئلة: ترى هل ما نراه في هذه الرؤيا والكوابيس يعكس غالبا صورة ذلك المستقبل الذي لا يزال في صحف الغيب؟
يجيبه الآخر بحياد واقتضاب:
ربما.. ربما
يعاوده الحنين إلى حرث أرض الأسئلة بشيء من الفضول: أبحثنا عن تأويل ما نراه في مناماتنا يعد محاولة منا لقراءة ما يخط في تلك الصحف، ونحن في مأمن من تلك الشهب التي أعدت رجوما لكل من تسول له نفسه محاولة استراق السمع، أو الاقتراب من حيوات ذلك العالم البعيد؟!.
لم يظفر هذه المرة من زميله بشيء سوى أنه هز كتفيه وزم شفتيه دلالة على عدم الاكتراث. فلم ير بداً في هذا الصباح العابس من أن يتحسس عنقه ويعود إلى الانغماس في العمل مرجئا إلى وقت آخر التفكير في معادلة الرعب.. الحبل والعنق، والرؤى المزعجة.


أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved