أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 6th September,2001 العدد:10570الطبعةالاولـي الخميس 18 ,جمادى الآخرة 1422

نادى السيارات

وداعاً.. ابنتي
عبد العظيم.. رجل من السودان الشقيق.
حضر عبد العظيم إلى المملكة قبل عدة سنوات. كان لديه الاستعداد لأن يغترب من أجل تحصيل لقمة العيش له ولزوجته التي اقترن بها مؤخراً.
مرت الأيام.. وعبد العظيم في كد واجتهاد.
مرت الأيام.. ورزق عبد العظيم بطفلة أسماها «....».
ومرت الأيام.. واشتاق الزوجان إلى زيارة أقارب لهما في المدينة أو مكة فيما يبدو «الحديث هنا لرجل من دوريات أمن الطرق».
استعد الزوجان للذهاب.. وكان بصحبتهما ابنتهما «....» التي تبلغ من العمر نحو عشرة شهور.
في الطريق ما بين القصيم والمدينة خرج لهما أحمق بالمرصاد.
حاول الزوج أن يتفادى الاصطدام وجها لوجه مع ذلك السائق الأحمق.. ولكن السيارة اختل توازنها وانحرفت بشدة خارج الطريق الذي كان مرتفعا بعض الشيء.
انقلبت السيارة.. كان الوقت ليلا ، والبرد قارصا.
بعد دقائق.. وصلت دورية أمن الطرق التي تصادف وجودها بالقرب من المنطقة.
ترجّل أفراد الدورية من سيارتهم واتجهوا صوب السيارة المنكوبة.
عندما اقترب أفراد الدورية من السيارة المنكوبة بدا لهم منظرا مأساويا وحزينا.
يقول أحد أفراد الدورية الذين حضروا الحادث بأنهم اعتادوا رؤية الدماء والاشلاء في كثير من الحوادث المرورية التي باشروها.. إلا أن الأمر في هذه المرة يختلف تماما.
لم يكن هناك أشلاء أو دماء كثيفة.. لقد كان منظرا آخر.
دعونا نستمع إلى ما يقوله رجل الأمن الذي باشر الحادث بنفسه:
«عندما اقتربت أنا وزميلي من السيارة المنكوبة شعرنا برائحة الموت تحوم حول المكان. ألقينا نظرة على داخل السيارة التي تدحرجت بعيدا عن الطريق ثم استقرت على حالها الطبيعي كما كانت، وكأنها لم تنقلب . أخرجت مصباحا وقلّبت في الوجوه.. ولكن لا حياة لمن تنادي ، كان هناك رجل وامرأة وقد وضع كل واحد منهما يده خلف مقعده في إشارة إلى شيء لم نفهمه أنا وصاحبي في البداية. كان كل واحد منهما وكأنه يبحث عن شيء مفقود.. بعد ثوان قليلة سمعنا صوتا رقيقا ينطلق من المرتبة الخلفية التي ملئت بالأغراض والحاجيات التي تناثرت.. يا إلهي.. إنه صوت طفل رضيع.. يتأوه ألماً أو خوفاً.. لا ندري.
آه.. الآن عرفنا لماذا كان الزوجان يضعان يديهما إلى الخلف وكأنهما يبحثان عن شيء. لم نعرف ماذا نفعل في تلك اللحظة.. فنحن نريد أن نجد مصدر الصوت دون أن نعرّض صاحبه للخطر.. فقد يكون هذا الطفل أو الطفلة مصاباً بدرجة تتطلب التعامل بحذر معه. صاحبي أجهش بالبكاء.. فقد كان قلبه رقيقا للغاية.. وكان دائما ما يتمنى أن لا يجد نفسه في مثل هذه المواقف.
ما زاد الطين بلّة أنه في الوقت الذي كنا فيه نبحث عن طريقة لإخراج الطفلة من السيارة بسبب تعسّر فتح الأبواب نتيجة تدحرج السيارة، خرجت الطفلة الصغيرة من بين الأغراض المبعثرة.. وهي تتألم وتتفوّه: أمّه.. أمّه.. ببّه.. ببّه .
حاولت أن أنادي الصغيرة لأطمئنها وأهدئ من روعها. ولكنني أنا الذي صدمت بالموقف التالي.. أتدرون ما هو؟
لقد ذهبت الصغيرة تتخبط وسط السيارة حتى استطاعت أن تمسك بيد أمها اليسرى ومن ثم صعدت إلى صدر الأم ووضعت نفسها على صدر أمها ونحن ننظر.
فجأة.. ارتفعت يد الأم اليمنى ثم وضعتها بثقل شديد على ظهر ابنتها وضمّتها إلى صدرها.. ثم.. ارتخت يد الأم إلى أسفل.
لقد كانت ضمة الوداع.
ماتت الأم.. ومات قبلها عبدالعظيم.. واستمرت الطفلة تنادي أمها: ممّه.. ممّه . ولكن هيهات يا صغيرتي.
قبض على المتسبب في الحادث. شاب في الخامسة والعشرين من العمر تقريبا. ومعه بعض أفراد أسرته الذين نجوا بدورهم من موت محقق.
أدخلت الطفلة اليتيمة إلى دار الرعاية الاجتماعية مؤقتا ثم غادرتها إلى السودان برفقة عمها الذي حضر من هناك لإعادتها إلى جدها.
ذهبت الطفلة.. ولكن بقي صدى تلك الكلمات الرقيقة يضرب في مسامعي إلى اليوم: ممّه.. ممّه.. ممّه.. ببّه.. ببّه ».
أحسن اللّه عزاءك يا صغيرتي

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved