أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 10th September,2001 العدد:10574الطبعةالاولـي الأثنين 22 ,جمادى الآخرة 1422

مقـالات

مع التربويين
د. عبدالحليم العبداللطيف
من صفات القائد التربوي الجد والاهتمام اذ إن كل شيء نفيس يطول طريقه ويكثر التعب والنصب في تحصيله ويحتاج دوماً الى مجاهدة النفس


واذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الاجسام

والدنيا دار سباق الى أعالي الأمور والتربوي المسلم أولى الناس بذلك


ولكل جسم في النحول بلية
وبلاء جسمي من تفاوت همتي

والمصيبة العظمى لدى البعض رضاه عن نفسه واقتناعه بعلمه وعمله، وفي النفس البشرية ضعف اساسه ما ركب فيها من شهوات وما يعرض لها من شبهات او مغريات، وما يستولي عليها احياناً من غفلة او شهوة وما تتعرض له من اغراء او اغواء «ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً» نسي ما عهد الله اليه وضعف امام الاغراء والاغواء بالخلود وكان هذا ابتلاء من ربه له قبل ان يعهد اليه بخلافة الارض وامتحاناً عسيراً له ولذريته من بعده قبل ان يعهد اليه بخلافة الارض كما انه مثال حي موحى من فعل ابليس وعدائه له ولذريته يتخذ العقلاء منه درساً وعبرة فلما تم الامتحان العسير تداركت آدم رحمة الله فاجتباه وهداه وتولاه. وهو اختبار وابتلاء جيد ومفيد لهذا الانسان لتربية الارادة المطلوبة وتأكيد الشخصية الصحيحة والتخلص المفيد من رغائب النفس وشهواتها المذلة، وكلما كان هذا الانسان اقدر على ضبط ارادته وتوجيه غرائزه كان افضل واكمل وكلما لان وهان وضعف واستكان امام الرغائب والمطالب الجسدية كان اقرب الى السقوط والدونية والضعة والبهيمية، والنفس البشرية فيها هذان الخطان المتناقضان السلبية والايجابية ولديه استعداد لكل منهما وكل واحد منهما له مثير ودوافع اذا غلبت وكثرت غلب على صاحبه. والتربوي المسلم بحاجة ماسة الى رقابة واعية ولسنا هنا نريد الرقابة المذلة كحال الصغار والأغرار فيفقد الانسان ذاته وشخصيته ومكوناته التي ميزه الله بها ويصبح كما قال بعض الباحثين: كمّاً سالباً ينقاد ولا يقود يوجَّه ولا يوجِّه كما انه لا يبالغ في الايجابية فيصبح عنيداً متبجحاً متجهماً. إنها التربية الصالحة المصلحة تجعل من هذا القائد التربوي شخصية كاملة البنيان قوية الكيان وهو ما عناه القرآن بقوله: «واجعلنا للمتقين إماماً» هذا هو الشعور الصحيح الشعور الصادق الواثق، شعور الرغبة في الصلاح والاصلاح انهم قدوة للغير في الخير، وليس في هذا تسلط ولا أثرة ولا استعلاء ولا شيء من دوافع السقوط والهبوط، والتربويون والقادة منهم يفترض فيهم ان يكونوا خلاصة صافية في الامة يعلمون الناس الخير وقدوة لغيرهم وبهم بعد الله ترقى الشخصية الاسلامية وتتسامى الى معالي الأمور وأشرافها. ان ميزة القائد التربوي المسلم ان يعيش بعقيدة صافية يحملها وفكر يهديه سواء السبيل فهو صاحب قيم سامية يبثها في الوجود ينعم هو وغيره بسكينة النفس وطمأنينة القلب وهدوء البال وصلاح الحال والمآل يفيض الحب من نفسه وتغمر السعادة جوانحه وتظهر دوماً على ملامح وجهه انه صاحب رسالة ماجدة وناشد قيم ومتسنِّم قمم وموقظ همم يحاول دوماً تحقيق الثبات والاستقرار في اداء عمله والذي فقده الكثير من مدعي التربية والتعليم فلا اضطراب ولا انقطاع ليحقق لنفسه ولغيره الامانة والاطمئنان، ان مقياس النجاح في عمل المربين هو الوصول الى الاهداف الصحيحة وهذا يقتضي منه ان يهيئ لعمله جو الاستقرار والثبات محاولاً بفطنة ومقدرة ادخال التجديد المفيد بصورة تدريجية متعقلة بعد تهيئة من حوله لها، وهذه مسألة قد تغيب عن البعض فيما حاول التجديد ويواجه الناس بشيء لم يألفوه وبطريقة مفاجئة فيحصل الخلل والارتباك ولا يتقبل الكثير ما أتى به. ان تهيئة المناخ المناسب لكل فكر جديد والتدرج المناسب في تطبيقه لهما من اهم الأمور التي يجب على القائد التربوي ملاحظتها اذ إن كثيراً من محاولات التجديد والاجترار او نقل فكرة الآخرين بدون تهيئة الناس لهذا الجديد تنتهي بالفشل بل وتموت قبل اصحابها وهذا مشاهد للعيان ولا يحتاج الى دليل وبرهان حيث ان من يفرض عليهم هذا التجديد بدون تهيئة مسبقة ينصرفون عنه ويحاولون دوماً تطبيق وممارسة ماألفوه ومن هنا لزم التخطيط المسبق والتهيئة الكاملة بوعي وحكمة وبصيرة واقتدار، ويجب على القائد التربوي في هذه خاصة وفي عمله بوجه عام ان يكون صادقاً واميناً وموضوعياً في عرضه لافكاره التربوية لا يتشنج ولا يتعصب لرأيه خاصة عندما يجد فرص النجاح ليست كبيرة او عند ما ينقل فكراً من بلد آخر وما اكثر هذا في العالم الاسلامي وما اكثر آثاره السلبية، وعليه ان يكون صاحب فكر تربوي واضح وللقائد التربوي مهارات ثلاث أجملها التربويون في الآتي:
1 المهارات التصورية:
وهي ضرورة في التخطيط للعمل وتوجيهه وترتيب الاولويات والنظرة البعيدة وتوقع الأمور بحذر وفطنة ويحتفظ بذهنه بالصورة الكلية لعمله ومايتوقعه مستقبلا ويحتفظ بهذه الصورة الجيدة في ذهنه لعمله وللعاملين معه ولا يفاجأ بأمور ليست في حسبانه كما انها تتعلق بمدى مقدرته في الابتكار والتجديد حيث انه صاحب تصور صحيح فهو يحس بما حوله ومن حوله بفكر صادق واحساس سليم ورؤية صحيحة.
2 المهارات الفنية:
للتأهيل الجديد والتخصص الدقيق والتدريب اثر بيّن في هذه المسألة اذ يلزم القائد التربوي ان يتسلح بقدر مناسب من المعلومات والاصول المعرفية ليحسن التخطيط والمتابعة ورسم السياسة التعليمية ومتابعة اعماله بمقدرة وروية مثل تنظيم وادارة الاجتماعات واختيار العاملين معه وتطوير العملية التعليمية بطريقة جيدة وغير ذلك مما يلزم لعمله وعلى القائد التربوي ان يعمل جاهداً على تنمية المهارات الفنية لديه وللعاملين معه وهذا يتحقق بتوفيق الله بما يسمى التدريب اثناء الخدمة وهو امر يغفل او يتغافل عنه الكثير ويقع اكثر التربويين بما يسمى تربوياً بأمية المتعلمين.
3 المهارات الأخلاقية:
وهذه صفة حميدة وخصلة سديدة ورشيدة والناس فيها متفاوتون، وهي موهبة يضعها الله لمن يشاء من خلقه وهي داخلة ضمن ما يسمى بالخلق الكامل او الاخلاق في الاسلام وهي ضرورية وهامة والمهارات الاخلاقية ألزم ما تكون للقائد التربوي ويجب ان يكون حظه منها كبيراً ولاحظ له بدون منهج الاسلام الصحيح اذ عجزت كل النظريات الاخرى عن تقديم المنهج الصحيح للاخلاق وفشلت تماماً في رسم الصورة الصحيحة والمثلى لسلوك الانسان والتربوي الكفء ينمي مهاراته تلك بأمور منها زيادة الاطلاع والممارسة الميدانية ووعيه بالعلاقات بين البشر، وان يكون ذكياً فطناً لماحاً مدركاً للكثير مما يدور حوله بفكر ثابت ورأي صائب، وان ينمي مهاراته الادراكية لما عليه الآخرون وكيف يوصل افكاره وآراءه اليهم بدون عنت او مشقة وان يكون في ادارته شورياً لا استبدادياً يقبل الرأي ونقيضه يناقش بصدر رحب وعقلية تربوية مفتوحة فليس الصواب لاحد دون الاخر «أشيروا عليَّ » «وامرهم شورى بينهم» «وشاورهم في الأمر» وليعلم ان افكاره ان لم تكن عادلة وصائبة وصحيحة فمآلها النسيان من بعده وموقعه الوظيفي لن يدوم. وكل من كان اوفر عقلاً واعلى منصباً كان اقل اعجاباً بنفسه واعظم اتهاماً لرأيه، وكان عمر يقول: «رحم الله امرأً اهدى إليّ عيوبي» وكان يسأل سلمان عن عيوبه وكم من منسوب الى التربية والتعليم غيَّر وبدل بدون وعي وادراك سليم ثم مالبث ان ذهب وذهبت افكاره معه وكأنها احلام او طيف في منام وماذاك الا لصغر النفوس والافراط في الاثرة وضيق الرؤية واصدار الاحكام غير المعقدة فهل يعي بعض التربويين هذا وهم على كراسي العمل قبل فوات الاوان؟! ارجو ذلك.. «إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد».


أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved